تحليلاتاقتصاد

هآرتس الإسرائيلية: هكذا وجّه نتنياهو ضربة قاسية لإسرائيل قبل وبعد 7 أكتوبر

تحليل إعداد

هشام محمود

عضو مجلس إدارة منظمة “إعلاميون حول العالم”

عشية الانتخابات التي فاز فيها بولايته السادسة، لخص بنيامين نتنياهو حياته وإنجازاته في كتاب بعنوان “بيبي: قصتي”.

نشر رئيس وزراء الكيان الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، في كتابه بعنوان “بيبي – قصة حياتي”، عن أسرار تخص قطاع غزة، والصراعات فيها.

وأكد نتنياهو أن “إسرائيل” واجهت سابقًا استنزافًا لمخزون القبة الحديدية الاعتراضية خلال الصراعات في غزة، وتحديدًا في عملية “عامود السحاب” عام 2012، وكان هذا اعتبارًا في قرار إنهاء العملية بسرعة، ولكن بعد عامين أثناء عملية “الجرف الصامد”، وبفضل زيادة الإنتاج بمساعدة مالية أميركية، كان لدى “إسرائيل” بالفعل ما يكفي مخزون الصواريخ الاعتراضية.

كما أكد نتنياهو في ذات الوقت الأنباء التي نشرت حينها أن الأميركيين منعوا إمداد “إسرائيل” بصواريخ “هيلفاير”.

وقال نتنياهو في كتابه ، ما نُشر في “هآرتس” قبل سنوات، أنه اقترح على إدارة ترامب خطة تبادل أراض مع مصر كان من شأنها أن تسمح للفلسطينيين باستلامها، على قاعدة المزيد من الأراضي في سيناء مقابل قطاع غزة، وفي المقابل يمكن لـ”إسرائيل” ضم أراض من الضفة الغربية، لكن مصادر عارضت الفكرة قبل أن تبدأ أي محادثات بشأنها.

وأوضح أنه وافق على الخطة التي أعدها جاريد كوشنر مستشار وصهر ترامب، على افترض أن الفلسطينيين سيرفضونها على أي حال، مشيرًا إلى أنه أعلن في ذاك الوقت إعلاميًا عن نية حكومته ضم أراضٍ من الضفة، لكن في اليوم التالي أصدر البيت الأبيض بيانًا مفاده أن الضم الفوري ليس على جدول الأعمال.

وكتب نتنياهو الذي يتكهن أن منافسه وزير الجيش الإسرائيلي بيني غانتس ربما أقنع ترامب بالتراجع عن الخطوة، كتب أنه “حتى يومنا هذا ليس من الواضح سبب التغيير.. لقد أنجزت الجزء الخاص بي من الصفقة، لكن لسوء الحظ لم يقم الأميركيون بدورهم”.

وأشار نتنياهو في كتابه إلى أن كيف كان ترامب في بداية رئاسته يقع تحت تأثير “صديق مشترك” تسبب في خفض العلاقة بينهما بشكل سيء – ويبدو أن نتنياهو كان يشير إلى رئيس المؤتمر اليهودي العالمي الملياردير رون لودر، كما تذكر “هآرتس”

لكن هذه السيرة الذاتية أصبحت بالية بسرعة لم تسبقها إليها أي سيرة أخرى. فأي كتاب مستقبلي عن نتنياهو سيركز على حرب 7 أكتوبر/تشرين الأول وتداعياتها الكارثية. ومن تلك اللحظة فصاعداً، باتت قصته هي الكارثة التي حل بها على إسرائيل، وستتحول إلى الحدث الأبرز في حياته المهنية وفي تاريخ إسرائيل٬ كما تقول صحيفة هآرتس الإسرائيلية.
وأضافت الصحيفة أن أي شيء آخر قاله أو فعله نتنياهو قبلها سيُحصر في الفصل التمهيدي، وفي دروس التاريخ سيُذكر في قائمة “الأسباب والظروف التي أدت إلى هذه الكارثة”.
نتنياهو قاد إسرائيل إلى حافة الفناء.

 

تقول صحيفة Haaretz الإسرائيلية:

“لربما يتساءل المرء إن كان نتنياهو يفكر في ما إذا كان خطأ حياته هو الإصرار على (البقاء في المضمار) والعودة إلى السلطة، بدلاً من التوقيع على صفقة الإقرار بالذنب التي عرضها عليه المدعي العام السابق أفيحاي ماندلبليت، والتقاعد.

أم من الممكن أن خلف هذه الصورة العامة التي تبدو متماسكة، شخصاً يعترف بأخطائه، ويدرك أن فوزه في الانتخابات الأخيرة وتشكيل (حكومة يمينية بالكامل) قادا بلاده إلى حافة الفناء؟“.
ووجهت محكمة العدل الدولية في لاهاي، يوم الجمعة 26 يناير/كانون الثاني، ضربة أخرى لنتنياهو بموافقتها على النظر في الدعوى التي قدمتها جنوب أفريقيا، واتهمت فيها إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية في غزة.
ولم يجد الإسرائيليون عزاءً في امتناع القضاة عن المطالبة بوقف فوري لإطلاق النار في غزة. إذ يقدم حُكمهم إسرائيل على أنها متهمة بارتكاب جرائم إبادة جماعية، ويحذرها من التلاعب بأي أدلة ويطالبها بتقديم تقارير عن سلوكياتها، إضافة إلى ذكره العديد من الشخصيات البارزة بالاسم، مثل الرئيس الإسرائيلي ووزيري الدفاع والخارجية، في قائمة المتهمين بالتحريض على الإبادة الجماعية.
وصحيحٌ أن نتنياهو كان أكثر حذراً منهم في خطاباته العلنية ولم يندفع إلى الشعارات التحريضية، لكن مسؤوليته الشاملة كانت واضحة أمام القضاة، الذين استشهدوا بتوعده بحرب طويلة الأمد.
ويا لها من مفارقة تاريخية! نتنياهو، الذي يُعتبر في إسرائيل أكثر قادتها خوفاً وتردداً في استخدام القوة وخوض الحروب، أصبح الآن في قائمة واحدة مع فلاديمير بوتين وراتكو ملاديتش وحكام ميانمار. وإذا نجحت جنوب أفريقيا في دعواها وقررت المحكمة أن إبادة جماعية تحدث في غزة، فسيُضاف اسم نتنياهو إلى قائمة أكثر زعماء العالم شراً٬ كما تقول “هآرتس”.
“إسرائيل ملزمة بالتعامل مع العواقب القاسية القادمة”
وتقول “هآرتس”٬ إن حكم محكمة العدل الدولية يعد أعظم انتصار، على الإطلاق لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات “BDS”، التي تنكر شرعية وجود إسرائيل. وهو أسوأ ألف مرة من قرار الأمم المتحدة الذي يساوي بين الصهيونية والعنصرية، وأسوأ من المظاهرات في الجامعات الأمريكية أو دعوات المقاطعة التي أطلقها روجر ووترز وأمثاله.
والإذن الظاهري الذي منحه القضاة بمواصلة الحرب قد يتحول إلى فخ لا ينتج عنه إلا تقديم أدلة إضافية ضد إسرائيل في وقت لاحق. وحتى مع ذلك، وحتى لو توقف القتال قريباً، فنطاق القتل والدمار الذي حدث بالفعل في غزة لم يتضح بالكامل بعد، وسيكون لزاماً على إسرائيل أن تتعامل مع العواقب القاسية المترتبة على ذلك.
وحكومة نتنياهو الحالية بدأت ولايتها ببيان يقول إن “الشعب اليهودي له الحق الحصري وغير القابل للنقاش في الأرض بأكملها” (البند الأول في المبادئ التوجيهية للحكومة).
أي بكل وضوح، ليس للفلسطينيين أي حقوق في هذه الأرض، ولا حتى في قطاع غزة. وكان نتنياهو يتمنى، ويبدو أنه صدق، أن الحركة الوطنية الفلسطينية، التي ناضل ضدها طوال حياته، تتراجع وربما تتفكك من تلقاء نفسها.
ويبدو أن خطابه الأخير في الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي بشر فيه باتفاق سلام وشيك مع السعودية دون اعتراض الفلسطينيين، كان بمثابة احتفال سابق لأوانه بالنصر شجع حماس على شن هجومها بعد أسبوعين.

“القتل المشين”

وقضت المحكمة في لاهاي الآن بأن الفلسطينيين مجموعة تتمتع بحق الدفاع عن نفسها. وتبين أن حق الشعب اليهودي ليس حصرياً، وهو بالتأكيد قابل للطعن أمام محكمة العدل الدولية.
وعوضاً عن أن يعمل نتنياهو- الذي بدأ مسيرته بخطابات نارية ومجيدة في الأمم المتحدة- على تعزيز مكانة إسرائيل في المجتمع الدولي، كما تعهد في كتابه الأول “مكانة بين الأمم”، أوصلها إلى هذه المكانة:
سمعة اسرائيل فى العالم على المحك
فالشخص الذي اتهم إيران بالتحريض على الإبادة الجماعية، ويلوح كثيراً بصور معسكر أوشفيتس، أصبح الآن هو نفسه متهماً بالإبادة الجماعية. وصحيحٌ أن إسرائيل ليست وحدها، وحتى بعد 113 يوماً من القتال، تواصل الولايات المتحدة دعمها، وأعلنت أنها ستزود إسرائيل بالطائرات الحربية والمروحيات القتالية والأسلحة للقوات الجوية التي تشن كثيراً من الغارات الجوية في غزة، فهذا ليس كافياً وقد يتغير.
وكما قال أول رئيس وزراء إسرائيلي، ديفيد بن غوريون: “مصير إسرائيل يعتمد على أمرين: قوَّتها وسرديتها. وفي 7 أكتوبر/تشرين الأول، تبين أن قوتها أوهى بكثير مما كان يُعتقد. ويوم الجمعة، تلقت سرديتها ضربة موجعة. وتقع مسؤولية هاتين الضربتين على عاتق بنيامين نتنياهو الذي كان يتباهى بالفترة الطويلة التي قضاها في منصبه، وحتى أطول من التي قضاها “مؤسس الدولة”.
بدء الحديث عن “ما بعد نتنياهو
دخل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في معارك على جبهات عدة، محلية وخارجية، وعلى المستوى السياسي والعسكري، علاوة على خلافاته مع المعارضة السياسية، بسبب ما عُرف باسم “الثورة القانونية”، وعلاقته المتدهورة مع الإدارة الأمريكية.
هذا الأمر أثار حديثاً في وسائل الإعلام الإسرائيلية والأمريكية عن “ما بعد نتنياهو”، بعد أن كان الأخير يناقش طويلاً منذ بداية الحرب “ما بعد حماس”، ليجد نفسه في خطر فقد حلفائه داخل الحكومة، وفي الخارج، تدريجياً.
معارك نتنياهو وصفتها صحف عبرية بـ”معارك بقاء”، إن كان على مستوى الحفاظ على موقعه رئيساً للوزراء، أو الحفاظ على وضعه الشخصي بسبب الملاحقات القانونية التي يمكن أن تودي به إلى السجن.
جاءت معركة “طوفان الأقصى”، 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، لتزيد من العبء على نتنياهو، للتحول إلى تهديد مباشر لمكانته الخاصة، بعد الإخفاقات التي عانت منها “إسرائيل” تحت قيادته أمام المقاومة الفلسطينية.
المواجهة مع المستوى العسكري
جاء الخلاف بين نتنياهو والمستوى العسكري في نقاط عدة، منها بحثه عن طريقة للتنصل من مسؤولية “الفشل”، في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهو الوصف الذي تكَّرر في تغطية الإعلام العبري.
ما إن أعلن رئيس الأركان، هرتسي هليفي، عن تشكيل لجنة تحقيق فنية بما حصل في 7 أكتوبر/تشرين الأول، حتى ثار غضب نتنياهو، الذي وجد في ذلك بوابةً لتشكيل لجان تحقيق قضائية قد تطاله في وقت مبكر، لذلك حرَّض عدداً من الوزراء لتوجيه الهجمات، وتحقير وإهانة رئيس الأركان في اجتماعات الحكومة، بدون أن يتدخل شخصياً في هذه المعركة، بحسب “القناة 13” العبرية.
لم يكن ذلك الخلاف الوحيد مع قيادة الجيش، بل امتدَّ إلى استراتيجية الحرب نفسها، إذ يرفض نتنياهو تحديد معالم الأهداف السياسية للمعركة، مكتفياً بالدعوة إلى استمرار الحرب ما دامت حماس موجودة في غزة، دون رؤية سياسية لليوم التالي للحرب، وهذا يتناقض مع موقف رئيس الأركان هرتسي هليفي.
إذ نشرت محررة الشؤون السياسية في “القناة 13”، موريا أشرف، تقريراً عن تحذير رئيس الأركان، الذي قال فيه بصراحة: “نحن نواجه تآكل الإنجازات التي حققناها حتى الآن في الحرب، لأنه لم يتم بناء استراتيجية لليوم التالي”.
أضاف رئيس الأركان في مناقشات عدة في الأسابيع الأخيرة: “من الممكن أن نضطر إلى العودة والعمل في المناطق التي انتهينا فيها من القتال بالفعل”.
علقت على ذلك المحررة الإسرائيلية بالقول إن “هذا التحذير جاء على خلفية مماطلة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في وضع خطة لليوم التالي للحرب، من بين أمور أخرى، لأسباب سياسية، والخوف من عدم تمريرها سياسياً داخل الحكومة، ولذلك فإن الخلاف امتدَّ ليطال مجلس وزراء الحرب”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى