آخر الأخبارتقارير وملفات

عام 536 أسوء عام في أسوء قرن في تاريخ البشرية،عام السماء السوداء.. كانت الشمس تشرق دون سطوع

بقلم الخبير السياسى والمحلل الإقتصادى

دكتور صلاح الدوبى

الأمين العام لمنظمة “إعلاميون حول العالم”

رئيس منظمة “إعلاميون حول العالم” فرع جنيف- سويسرا

رئيس اتحاد الشعب المصرى

“عضو مؤسس في المجلس الثوري المصري”

لابد أن القرن السادس ميلادي كان زمنا كئيبا ليحيا فيه المرء، وذلك حتى وإن ولد في عائلة ملكية فلن يفيده نسبه المكلي ولا ثروته بشيء. لا يشار إلى هذه الحقبة تاريخيا باسم ”العصور المظلمة“ عبثا وبدون سبب وجيه، ووفقا لإحدى الدراسات في سنة 2018 كانت إحدى السنوات أكثر سوادا من جميع سنوات ذلك القرن، وكانت هذه السنة هي السنة 536، التي خلالها دخلت معظم القارة الأوروبية والشرق الأوسط ومناطق واسعة من آسيا في ظلام دامس.

أجرى البحث العالم المخضرم مايكل ماكورميك، من جامعة هارفرد

في نوفمبر 2018 اعتقد علماء أنهم قد فككوا واحدا من الألغاز المريبة في تاريخ الكرة الأرضية، في حل شيفرة ما يعرف بـ ” الظلام العظيم” الذي غطى الأرض لاسيما النصف الشمالي منها عام 536م.

مع أحداث كورونا التي تجتاح العالم، فغالبا ما ستعود الذاكرة الإنسانية إلى التاريخ لترى كيف فعلت الأوبئة والكوارث بالبشر.

في عام 536 بعد الميلاد وقبل مولد النبي محمد رسول الله بثلاثين سنة غطت سحابة هائلة لسنوات  طويلة معظم أرجاء العالم مما أدى الى انتشار التصحر والمجاعات والأوبئة في أكبر كارثة طبيعية شهدها العالم في الألفي سنه الأخيرة. 

https://www.youtube.com/watch?v=O1w_0OLE1As&feature=emb_logo

 ونجم عن هذه السحابة تساقط غزير لأمطار حمراء كالدماء .

حوض البحر الأبيض المتوسط شهد خلال هذه الفترة أجواء جليدية مما أدى الى تدمير الزراعة والمحاصيل في أكبر تبريد خلال الألفي عام الماضية.

بعض المؤرخين ذكر أن السحابة الغامضة أدت الى حجب ضوء الشمس لأشهر وربما لسنوات. وكان ضوء الشمس يشبه الى حد كبير ضوء القمر لا أكثر. حتى أن سكان روما القديمة كتبوا عن عام كامل حجبت به أشعة الشمس وكانت تظهر في السماء على شكل نجم أزرق.

وقد تكون هذه السحابة العملاقة وما رافقها من كوارث طبيعية ومجاعات وأوبئة ساهمت في القضاء وإنهيار حضارات قديمة بشكل كبير كالحضارة الفارسية والأندونيسية وحضارة الإنكا في أمريكا الجنوبية وحضارة المايا في المكسيك.

هذه الكارثة غير المسبوقة بقيت بدون حل حتى وقت قريب رغم الجهود الحثيثة التي بذلت من مؤسسات بحثية كثيرة. بينما الإعتقاد الاكثر واقعية أن الأرض قد تكون تعرضت في هذه الفترة لسقوط نيازك عملاقة أو أن تفجر براكين  هو السبب وراء ذلك.

الاتحاد الامريكي للجغرافيا الفيزيائية في سان فرانسسكو  يعتقد أن سبب هذه الحدث الغريب الذي استمر لعشرة سنوات كاملة يعود الى سببين أساسيين على أقل تقدير.

في نتيجة قد تعطي بارقة أمل لحل هذا اللغز أشار ثلاثة باحثين من جامعة كولومبيا الامريكية أنهم كشفوا في خليج كارينتاريا الأسترالي آثار لسقوط نيزك ضخم فوهته تصل الى 600متر. في غرينلاند يشير باحثين آخرين انهم اكتشفو حفرة وآثار مشابهة لسقوط نيازك من السماء في العام 539 ميلادي.

وكان علماء جيولوجيا كشفوا قبل عدة سنوات عن اثار ضخمة من الكبريت في جزيرة غرينلاند تعود للعام 527 او 536 ميلادي نتيجة تفجر بركان هائل هناك.

لحل اللغز أكثر فأكثر كشف علماء اسكندنافيين عن حفورات كبريتية ناتجة عن تفجر للبراكين في القطب الشمالي وعتقد هؤلاء العلماء أنها تعود أيضا للعام 536 ميلادي.

في العام539  تفجر أيضا بركان كبير في منطقة الشيخون في المكسيك ساهم بشكل حاسم في تدمير وانهيار حضارة المايا القديمة نتيجة تفشي الأمراض والمجاعات هناك. وفي نفس السياق والعام تفجر بركان كراكاتاو الاندونيسي الذي أتى على مناطق شاسعة في المناطق المجاورة وحمم وسحب بركانية على الاف الكيلومترات المربعة.

الجيولوجي مايك بايلي من الجامعة الملكية في بلفاست يلخص يرجع ما حدث في ذلك الزمان لسببين أساسيين: الأول تفجر بركان غير أعتيادي ترافقه سحبا بركانية قاتمة امتدت لمناطق واسعة في العالم والسبب الثاني يعود لسقوط نيازك مدمرة ساهمت أيضا في وقوع هذه الكارثة البيئية المدمرة آنذاك.

ويشير بايلي أن نتائج هذه الكارثة لو وقعت في عصرنا هذا ستكون مشابهة تماما لحرب نووية عالمية مدمرة.

إذا كنت تظن أن هذه الأيام هي أصعب أيام، فعليك أن تعيد النظر، وتفكر في الأمر بطريقة أخرى: إذ كان يمكن أن يسوء الحال أكثر، لو كنا نعيش في عام 536 بعد الميلاد.

الظلام يغشى العالم
العام 536م هو “سنة كبيسة” بدأت يوم ثلاثاء، في العصور الوسطى المبكرة بحسب ما قال المؤرخين، ونعرف ما حدث من خلال كلمات أسقف ميتيلين الذي قال في كتابه: “بدأت الشمس تعتم نهارًا، ويلاشي ضوء القمر ليلاً، وهاجت المحيطات، والشتاء كان قارصًا، فالطيور ماتت، ونزلت بالناس المحن بسبب الشر المنتشر”.

في بداية العام واجه الشرق الأوسط وأوروبا وبعض أجزاء من آسيا أشهرًا من الـ”ظلام” الكامل بسبب الضباب الغامض، وامتد هذا لمدة 18 شهرًا، وتسبب ذلك في تساقط الثلوج في الصين، وتدمير المحاصيل على مستوى القارة، والجفاف الشديد، والمجاعة والأمراض في معظم نصف الكرة الأرضية الشمالي، بحسب ما أفادت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية.
الكوارث تتلاحق
لم يكن الظلام والشتاء فقط هو ما تسبب في تسمية هذا العام بذلك الاسم، ولكن الكوارث المتلاحقة التي ضربت البشرية الواحدة تلو الأخرى غيرت حتى مجرى التاريخ، ومنها اشتداد الطاعون الذي سمي بـ”طاعون جستنيان” وقتل سكان الإمبراطورية الرومانية الشرقية، وهي الإمبراطورية التي حكمت في ذلك الوقت شرق أوروبا والشرق الأوسط تقريباً.

وأشار عالم الآثار والمؤرخ في العصور الوسطى، بروفيسور ماكورميك، لمجلة “Science Science”، إلى أنه لا يعتقد أن العالم قد تعافى من هذه الكوارث حتى عام 640، أي بعد أكثر من 100 عام.

وأضاف: “لقد كانت بداية واحدة من أسوأ الفترات التي ظهرت على الأرض، إن لم تكن الأسوأ على الإطلاق”.
وبعد ذلك أنهارت سلالة “واي” الحاكمة في الصين، وهو ما تسبب في مقتل 75% من سكان شمال الصين بسبب الاضطرابات السياسية وحالات الجفاف ونقص المحاصيل، وكذلك يظن أنه في ذلك الوقت ضرب نيزك خليج كاربنتاريا.
مصدر الغيوم السوداء
انخفضت درجة الحرارة في صيف عام 536 إلى ما بين 1.5 درجة مئوية و2.5 درجة مئوية، مما جعلها أبرد فترة خلال الـ2300 عام الماضية، ويشير “ماكورميك” إلى أن إظلام الأجواء طوال منتصف القرن السادس كان السبب في إطلاق مسمى “العصور المظلمة” على هذا العصر.
مصدر الغيوم المظلمة كان لغزًا، ولكن العلماء في معهد تغير المناخ التابع لجامعة “ماين” اكتشفوا أن ثوران بركان كارثي في آيسلندا قد تسبب رماده في ذلك عندما ثار في 536، وبعد ذلك كان هناك انفجارين هائلين في عامي 540 و547م.
الضربات المتكررة، التي يليها الطاعون، أغرقت أوروبا في الركود الاقتصادي الذي استمر حتى 640، ويعتقد أن النشاط البركاني أنتج ملايين الأطنان من الرماد المنتشر في مناطق شاسعة من العالم.

فترة حالكة

يعرف المؤرخون منذ فترة طويلة أنه كانت هناك في منتصف القرن السادس الميلادي فترة حالكة فيما كان يعرف آنذاك بالعصور المظلمة. ولكن مصدر السحب الغامضة ظل لغزا مدة طويلة.

والآن وجد باحثون يعملون في “مبادرة ماضي العلوم البشرية” في جامعة هارفارد تفسيرا، بعد أن أجروا تحليلا شديد الدقة للثلوج التي أخذوها من الأنهار الجليدية السويسرية.

وعثر في الثلوج، التي ترجع إلى فترة الربيع في عام 536، على جزيئات زجاج بركاني دقيقة تشير إلى حدوث انفجار بركاني فادح في أيسلندا، أو ربما في شمال أمريكا، أدى إلى انبعاث رماد كثيف غطى الجزء الشمالي من الكرة الأرضية.

ويعتقد الباحثون أن الرياح حملت الضباب البركاني عبر أوروبا، وفي وقت لاحق إلى آسيا، وكان ذلك مصحوبا بطقس بارد.

ثم تبع ذلك انفجاران كبيران آخران في عامي 540 و547.

نفس العام شهد كارثة المحاصيل في الصين، إثر تساقط كبير للثلوج، حيث تلفت الثمار والزرع، كما انتشر الجفاف الشديد والمجاعة في معظم أنحاء نصف الكرة الشمالي.

ويقول العلماء، إن هذا العام كان بمثابة “نذير شؤم” يعبر عن قرن من الأسى والمعاناة والمشقة على الكوكب.

تعافي الاقتصاد

وأعقب تلك الانفجارات المتكررة ظهور طاعون، أدى إلى إغراق أوروبا في جمود اقتصادي استمر حوالي قرن من الزمن، حتى عام 640 بعد الميلاد.

وتشير الثلوج التي ترجع إلى ذلك العام إلى بدء تعافي الاقتصاد في العصور الوسطى.

ووجد الباحثون آثار زيادة كبيرة في مستويات الرصاص في الهواء وفي الأنهار الجليدية، مما يشير إلى عودة التنجيم عن الفضة، وهو ما كان قد تقلص كثيرا في السنوات العشر الأولى من القرن السادس.

ثم ظهرت طفرة أخرى في الرصاص في عام 660، مما يدل على استخدام الفضة بكثرة في اقتصاد القرون الوسطى.

ويقول كايل هاربر، المتخصص في تاريخ الرومان والعصور الوسطى في جامعة أوكلاهوما في نورمان، إن سجل الكوارث الطبيعية المفصل، والتلوث البشري المجمد في الثلوج: “يعطينا سجلا جديدا نفهم منه سلسلة الأسباب البشرية والطبيعية التي أدت إلى سقوط الإمبراطورية الرومانية، والتقلبات المبكرة في اقتصاد العصور الوسطى”.

وتسمح تلك المعلومات المجمدة للعلماء بإلقاء الضوء على ما تبقى من أحد أشد الفترات ظلمة في الحضارة الغربية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى