تقارير وملفات إضافية

لماذا ستتراجع قدرة دول الخليج أو حتى رغبتها في إنقاذ الاقتصاد المصري بعد أزمة كورونا؟

تؤثر الصراعات بين دول الخليج على تدفقات الاستثمار داخل المنطقة. إذ سيستمر تأثير جوانب ضعفها المالية ونموها الاقتصادي المحلي المساير للتقلبات الدورية الاقتصادية المرتبط بأسعار النفط على قدرتها على تحقيق النمو في الخارج. وستعتمد أولوياتها الخارجية المتعلقة بتدفقات الاستثمار الأجنبي وكذلك المساعدات والتدخل المالي في شكل ودائع البنوك المركزية على مصالحها السياسية. ومع انتشار جائحة فيروس كورونا، والانهيار السياسي في أماكن مثل اليمن ولبنان، وضعف الطلب المحلي في الداخل، ثمة سبب وجيه للخوف من حدوث تراجع في التدفقات الاستثمارية الخارجية وتدفقات التحويلات من الخليج إلى الدول الأخرى في الشرق الأوسط.

يقول موقع Al Monitor الأمريكي، إن الاقتصاديين ومن يدرسون الأسواق الناشئة، باتوا يجمعون على أننا نواجه ركوداً اقتصادياً كبيراً لن تكون الدول الفقيرة مجهزة للتعافي منه. إذ راجع البنك الدولي توقعاته لشهر أبريل/نيسان لتتغير من وقوع أكثر من 70 مليون شخص في براثن الفقر المدقع (يقاس على أساس العيش بـ1.90 دولار في اليوم) إلى 100 مليون شخص يصابون بفقر مدقع نتيجة الركود العالمي الناجم عن فيروس كورونا. 

ونجد في حالة مصر مؤشراً قاطعاً على ما يحدث في المنطقة. فرغم التحديات التي تواجهها، فقد كانت مصر وجهة ثابتة للاستثمار الأجنبي داخل الشرق الأوسط. فسوقها الاستهلاكي الضخم، وشهيتها لمشاريع المقاولات الضخمة في العقارات والخدمات الأساسية، وبورصتها المحلية النشطة، وموقعها الاستراتيجي جعلها مركزاً تقليدياً لتدفقات الاستثمار الإقليمي. وإذا ساءت الأمور في مصر، فلك أن تتوقع أنها أكثر سوءاً في أماكن أخرى في أسواق الشرق الأوسط.

إذ حصلت مصر على حزمة دعم من صندوق النقد الدولي مدتها 12 شهراً بقيمة 5.2 مليار دولار. وتواصل الحكومة إصدار سندات سيادية، تضم سندات بقيمة 5 مليارات دولار في مايو/أيار. ولكن، مثل الأسواق الناشئة الأخرى، شهدت مصر انخفاضاً حاداً في تدفقات الحافظات المالية بين مارس/آذار ومايو/أيار من هذا العام، مع تراجع الحيازات الأجنبية من أذون الخزانة بمقدار 13 مليار دولار. 

والتوترات مع ليبيا وإثيوبيا لم تحسّن من توقعات المستثمرين. ومثل العديد من البلدان النامية الأخرى، سيُضاف عبء سداد الديون إلى الأولويات المالية الأخرى المقبلة. إذ بلغ عجز الميزانية المصرية 24.3 مليار دولار (389 مليار جنيه مصري) خلال الأحد عشر شهراً الأولى من السنة المالية 2020 (المنتهية في 30 يونيو/حزيران)، ويغلب سداد الديون على الإنفاق، الذي بلغ 440 مليار جنيه خلال الفترة نفسها. وكان سداد الديون خلال السنة المالية 2020 أكثر مما أنفقته الحكومة على أجور القطاع العام والمشاريع الرأسمالية مجتمعة، وفقاً لتحليل أجراه بنك HSBC. وشكلت مدفوعات الفائدة وحدها أكثر من 75% من الإيرادات الضريبية في السنة المالية 2020، وفقاً لمحللي HSBC أيضاً. 

ولما كانت مصر تستفيد من ودائع البنك المركزي الدولارية الخاصة بدول الخليج، فإن قدرتها على تجديد أو تمديد ما يصل إلى 9.3 مليار دولار من الودائع- التي انتهت صلاحيتها بين أبريل/نيسان ويوليو/تموز عام 2020، وفقاً لتقارير بنك Byblos- أمر ضروري لدعم الجنيه المصري.

وحقق دعم دول الخليج لمصر، من خلال المساعدات الرسمية أو ودائع البنك المركزي أو من خلال تدفقات الاستثمار الرأسمالي، نجاحات متفاوتة، إلى جانب تأثير سياسي كبير. فعندما ننظر إلى الاستثمار الرأسمالي الذي قدمته دول مجلس التعاون الخليجي خلال الفترة ما بين 2003 ومايو/أيار عام 2020، فسنلاحظ تدخلات واضحة، منها خلال الأزمة المالية العالمية بين عامي 2008 و2010، عندما كانت الاستثمارات القطرية كبيرة؛ ثم مرة أخرى في الفترة بين عامي 2011 و2013؛ ثم تراجعت تراجعاً حاداً. وفي الوقت نفسه، كان الاستثمار الرأسمالي الإماراتي أكثر ثباتاً واستمرارية بين عامي 2004 و2015، حيث ارتفع بين عامي 2015 و2017.

وفضلاً عن ذلك، نحن بحاجة إلى رؤية تدفق رؤوس الأموال الخليجية إلى منطقة نفوذها المحيطة على أنه مصدر رئيسي للاستثمار والدعم الدوليين، ولكنه يعمل في إطار مجموعة من العوامل المتضاربة بين أشكال رأسمالية الدولة ورأسمالية السوق. وفي الأزمة الاقتصادية المقبلة التي ستنتج عن فيروس كورونا، سيكون لرؤوس الأموال المتاحة للدول النامية عواقب مؤسسية وسياسية، وهو أمر يرجح أن مصر تقدره بالفعل. 

تعد دول الخليج مصادر ثابتة لكل من رأس المال وتوفير فرص العمل في مصر، وتنافس الاقتصادات الكبرى ومصادر الاستثمار على مستوى العالم. كانت دول مجلس التعاون الخليجي واستثماراتها الرأسمالية -من الكيانات الحكومية والخاصة- مسؤولة عن توفير المزيد من فرص العمل في مصر بين عامي 2003 و2020 مقارنة بكل من الصين وجهود الاستثمار الرأسمالي من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي مجتمعة. وستعتمد قدرتها على مواصلة أداء هذا الدور على مدى ما تقيده أسعار النفط من أولويات الميزانية المالية لدول الخليج وقدرتها على توفير نمو اقتصادي محلي. لقد كانت الالتزامات السياسية تجاه مصر، ولا سيما من الإمارات والسعودية، قوية، لكنها ليست مطلقة.

إن التقاء الركود الناجم عن فيروس كورونا مع تباطؤ نمو البلدان المصدرة للنفط في الخليج سيكون صعباً خاصة على اقتصادات الأسواق الناشئة التي تعتمد على تدفقات رأس المال الإقليمية والاستثمار. ولقد عَلِقت مصر في النزاعات بين دول الخليج من قبل، لكن الاستثمار بأنواعه والوصول إلى رأس المال المطلوب في العام المقبل أو نحو ذلك سيقلل من تحديات الحقبة التي أعقبت 2011. وفضلاً عن ذلك، سينافس مصر عددٌ هائل من وجهات الأسواق الناشئة الأخرى لإصدار سندات ديونها، والإقراض متعدد الأطراف والمساعدات. وربما لا تكون دول الخليج راغبة أو قادرة على إنقاذها.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى