تقارير وملفات إضافية

أوقفت إسرائيل عدوانها على غزة.. فهل حقق نتنياهو أهدافه من اغتيال أبوالعطا وإراقة الدماء؟

بعد توصُّل الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني إلى وقف إطلاق نار، عقب مواجهة استمرت 48 ساعة فقط، حان وقت الحساب بالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو داخل إسرائيل، بعدما كان الرأي العام ملتفّاً حوله في أثناء المعركة، فما مكاسب وخسائر نتنياهو من عملية اغتيال بهاء أبو العطا المسؤول العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في غزة؟

كان ثمن المناورة الانتخابية التي قام بها نتنياهو فادحاً بالنسبة للفلسطينيين، ولم يكن بالهيّن لدى الإسرائيليين أيضاً.

فقد بدأت هذه المغامرة باغتيال القائد العسكري لـ» الجهاد الإسلامي» بهاء أبو العطا، وانتهت بمجزرة لعائلة كاملة، قبل أن تنتهي بتوصل المقاومة الفلسطينية في غزة إلى وقف إطلاق النار مع إسرائيل بوساطة مصر والأمم المتحدة.

وبعد أن سكتت الصواريخ، بات السؤال هو: ما مكاسب وخسائر نتنياهو من عملية اغتيال بهاء أبو العطا؟ وهل نجح في الظهور بشخصية «سيد الأمن»، وأن يضيف إلى رصيده الانتخابي والسياسي أمام خصومه، مقابل ما مُني به من خسائر سياسية وأمنية، بعد أن عاش الإسرائيليون يومين كاملين من حظر التجول؛ خوفاً من صواريخ المقاومة؟

بدأ الحديث عن مكاسب نتنياهو السياسية فور اغتيال أبو العطا، حين صدرت اتهامات إسرائيلية علنية ضد نتنياهو، تقول إن الاغتيال جاء لأسباب شخصية وحزبية بحتة، بعيداً عن هدف الحفاظ على أمن إسرائيل، رغم موافقة الإسرائيليين في عمومهم على الاغتيال، لكنَّ مكمن الانتقاد لنتنياهو جاء بسبب التوقيت، ليس أكثر.

مما عزز من الاتهامات الإسرائيلية لنتنياهو بتوظيف اغتيال أبو العطا، والتصعيد ضد غزة، لحسابات سياسية حزبية، ما أعلنته عضوة الكنيست تمار زيندبيرغ، من المعسكر الديمقراطي، وهو أنه «محظورة على إسرائيل العودة إلى الاغتيالات، أو الذهاب لحرب في غزة بهذا التوقيت السياسي الحرج، مع وجود حكومة انتقالية».

أما أفيغدور ليبرمان وزير الحرب السابق وزعيم حزب إسرائيل بيتنا، فكشف أن «نتنياهو منع اغتيال أبو العطا في 2018، وأبدى معارضة شديدة لذلك، وتساءل: ما الذي يجعله يوافق اليوم على أمر رفضه بالأمس؟».

أما أمير أورن الخبير الأمني الإسرائيلي، فأكد أن «الاغتيال الذي نفذه نتنياهو، والتصعيد العسكري الذي أعقبه، عملية سياسية بالدرجة الأولى، رغم أن المتحدثين باسمه حاولوا تنظيف سمعته من التوظيف السياسي للحدث، لكن من الواضح أن الاغتيال لن يكون الأخير في جعبت»، مشيراً إلى أن «قائد الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي ورئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) نداف أرغمان، قدَّما لنتنياهو توصية في يونيو/حزيران باغتيال أبو العطا، لكنه رفض».

حسن لافي، خبير الشؤون الإسرائيلية، قال لـ «عربي بوست»، إن «قرار نتنياهو اغتيال أبو العطا، ثم خوض المواجهة العسكرية، جاء أمنياً عسكرياً بطعم سياسي حزبي، لكن المقاومة لم تمنحه لقب (سيد الأمن) الذي يتفاخر به أمام خصومه، لأن الرد المفاجئ فوّت عليه فرصة المباهاة بهذا الإنجاز الأمني والعسكري، وهو ما جعله يرسل الوساطات منذ اللحظات الأولى للمقاومة، لوقف إطلاق النار».

الأهداف السياسية والحزبية التي تطلَّع إليها نتنياهو من الاغتيال ثم التصعيد لم تتحقق، حسب لافي.

واعتبر أن «نتائج هذه الجولة العدوانية لم تخدمه سياسياً وحزبياً، بدلالة عدم نجاحه في تشكيل حكومة وحدة بقيادته والشراكة مع حزب أزرق-أبيض، وهو ما يؤكد أن حساباته السياسية أخطأت منذ اللحظة الأولى، لكن ذلك لا يمنع القول إنه قد يغامر مجدداً إن تم الإعلان عن انتخابات ثالثة في فبراير/شباط 2020، مع وجود وزير دفاع جديد هو نفتالي بينيت بجانبه، ولديه طموحات شخصية».

نتنياهو كسب سياسياً من الجولة على المدى القصير، من خلال منعه تشكيل حكومة إسرائيلية مصغرة برئاسة غانتس، تحظى بدعم العرب.

وكان يفترض أن يجري غانتز مشاورات مع القائمة العربية المشتركة التي يترأسها النائب أيمن عودة في هذا الصدد.

هذا ما قاله عبدالرحمن شهاب، مدير مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية، لـ «عربي بوست».

ويرى أن «هذا أهم إنجاز سياسي حزبي بالنسبة له، وبإمكان نتنياهو أن يدَّعي أنه عزز الردع الإسرائيلي أمام الفلسطينيين».

وقال إن «إعادة طرح موضوع غزة في قادم الأيام لن تكون في مصلحة نتنياهو، لأنه سيفقده مزيداً من رصيده السياسي والحزبي، وهو ما يجعلنا نرجح أنه سيواصل مستقبلاً سياسة الاحتواء للمقاومة في غزة بانتظار إجراء الانتخابات الثالثة، مع أن وجود نفتالي بينيت، وزير الدفاع الجديد، قد يستغله نتنياهو لتصعيدٍ قادم ضد غزة، من أجل تحقيق مكاسب سياسية وانتخابية لكليهما معاً».

بدا لافتاً أنه رغم صوابية اغتيال أبو العطا بنظر الإسرائيليين، والتصعيد في غزة، فإن سؤال التوقيت ظهر جلياً، رغم ما يردده الناطقون الرسميون من أنه جاء بعد توافر جملة من المعطيات الميدانية التي جعلت العملية ملائمة.

نجح نتنياهو هذه المرَّة في تمرير العملية رغم الاعتراضات ورغم أنه سبق أن منع تنفيذ عمليات مشابهة كانت هناك شبهة حول أنها لأهداف سياسية.

فقبل ذلك نجح المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية في سبتمبر/أيلول الماضي، في منع عملية مشابهة نوى نتنياهو تنفيذها عقب استهداف مهرجان انتخابي له بمدينة أسدود بصواريخ فلسطينية، لأن القرارات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية ينبغي أن تكون خالية ونقية من أي اعتبارات سياسية وحزبية.

لكن المستشار القانوني ذاته أخفق هذه المرَّة في منع نتنياهو، لأنه استطاع تطويع المؤسسة العسكرية بجانبه، عقب إتيانه بوزير دفاع مغمور، كل حلمه أن يجلس في مقر وزارة الحرب، ولو يوماً واحداً!

مصطفى إبراهيم، الكاتب السياسي الفلسطيني، قال لـ «عربي بوست»، إن «هذه الجولة من العُدوان الإسرائيلي أعادت الاعتبار إلى نتنياهو بأنه سيد الأمن في إسرائيل، أمام اتهامات خصومه بأنه متردد وخائف إزاء المقاومة في غزة، واستطاع أن يُفشل تحركات خصمه اللدود بيني غانتس لتشكيل حكومة ضيقة بدعم القائمة المشتركة، رغم أنه لم ينجح في إجباره على الدخول معه في حكومة مناوبة برئاسته، وهو ما جعل من جولة التصعيد في غزة فرصة كي يُظهر للإسرائيليين أن نتنياهو هو (رب البيت)».

وأضاف أن «الخسائر السياسية المتوقعة لنتنياهو من هذه الجولة، تتمثل ببداية ظهور الاتهامات ضده بأنه رضخ لشروط الفلسطينيين في وقف إطلاق النار، ولم ينجح في القضاء الكلي على المقاومة في غزة، وأن هذه الجولة كسابقاتها، لم يحقق فيها نتنياهو نصراً كاسحاً».

المفارقة أنه رغم اقتناع الجميع في إسرائيل وفلسطين على السواء بأن نتنياهو فعل جريمته لأسباب انتخابية بحتة، فإن الجميع رقص على إيقاعه، فاضطر الفلسطينيون إلى الرد، في حين ابتعد معارضون إسرائيليون، ممثلين في حزب أبيض-أزرق، عن الحصول على دعم القائمة العربية المشتركة بالكنيست، في ظل التوتر الذي أصاب الرأي العام الإسرائيلي والذي يجعل مثل هذه الخطوة حساسة للطرفين.

ولم يعُد سراً أن اغتيال أبو العطا، ثم الدخول في جولة تصعيد قصيرة مع غزة، كان قراراً سياسياً من نتنياهو، توقيتاً وأهدافاً، للقضاء على فرص تشكيل غانتس للحكومة، وقد نجح في ذلك؛ وتعزيز موقعه بمعسكر اليمين الإسرائيلي، خاصة بعد تعيين نفتالي بينيت وزيراً للدفاع، وقد نجح أيضاً في ذلك.

ورغم تباين الآراء الإسرائيلية حول ما شهدته غزة، فإن من الواضح أن نتنياهو خرج من هذه المعركة بشكل أفضل ممّا قبلها، فاغتال أبو العطا، ووجَّه ضربات إلى البنية التحتية لـ» الجهاد الإسلامي»، وبدَّد أحلام غانتس ليصبح رئيساً للحكومة، لكنها جميعاً تبقى نجاحات مؤقتة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى