تقارير وملفات إضافية

لماذا ستصبح “الرأسمالية المسؤولة” التي تتحدث عنها الشركات الكبرى مجرد وهم.. 3 أسباب توضح لك الأمر

مع تصاعد موجة جديدة من المستهلكين في الدول المتقدمة، ممن يُفضّلون منتجات أقل تلويثاً للبيئة، تحترم عملية إنتاجها حقوق الإنسان والعمال، بدأت الشركات الُكبرى في التفاعل والاستجابة عبر مفهوم جديد هو الرأسمالية المسؤولة.

في أغسطس/آب الماضي، أصدرت منظمة Business Roundtable، التي تضم 200 من كبرى الشركات الأمريكية، بياناً تدعو فيه الشركات إلى نسيان مبدأ “أولوية المُساهم” والاستعاضة عنه بما يُسمى بـ “رأسمالية أصحاب المصلحة”، أو الرأسمالية التي تهتم بجميع المتضررين من المؤسسة.

يشير هذا المفهوم باختصار إلى “الرأسمالية المسؤولة” إزاء البيئة وأصحاب الأسهم والموظفين والمُجتمعات التي تعمل فيها الشركات، وقد اكتسب زخماً في خطاب المؤسسات، حسب ما ورد في تقرير نشر بموقع BBC Mundo باللغة الإسبانية التابع لهيئة الإذاعة البريطانية.

أكّد الموقعون على هذا البيان، وكان من بينهم المديرون التنفيذيون لشركات وول مارت وأمازون وآبل وجنرال موتورز، أنه لا يجب على الشركات أن تقتصر على خدمة مصالح مالكيها فحسب.

قال جايمي ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك جي بي مورغان ورئيس منظمة Business Roundtable: “ما زال الحلم الأمريكي حياً لكنه ينهار. يستثمر أرباب الأعمال الكبار في موظفيهم ومجتمعاتهم لأنهم يعلمون أنه السبيل الوحيد للنجاح على المدى البعيد”.

نوقشت هذه المسألة في المنتدى الاقتصادي العالمي الذي يضم سنوياً نخبة رجال الأعمال والسياسيين في العالم. وهناك أيضاً بيان دافوس 2020، الذي يدعو الشركات إلى العمل لصالح المجتمع وليس فقط لصالح أصحاب الأسهم.

تسببت كل هذه البيانات في انتقادات المشككين، ولا سيَّما النشطاء الذين يعملون لمكافحة تغير المناخ.

على سبيل المثال، اقتحمت مجموعة من المتظاهرين، قبل أيام، مكاتب شركة BlackRock، أكبر شركة لإدارة الأصول في العالم، للاحتجاج ضد استثماراتها المتعلقة بالشركات التي تدمر البيئة.

ولم تكن هذه المرة الأولى التي تُستهدف فيها الشركة من قبل المُتظاهرين.

اللافت للنظر هنا أن لاري فينك تحديداً، وهو المدير التنفيذي لـ BlackRock، قد أعلن في منتصف يناير/كانون الثاني، أنه سيعمل فقط مع الشركات التي تعمل بطريقة أو بأخرى لصالح المجتمع.

كتب فينك في رسالته السنوية الموجهة لأصحاب الأسهم: “بدون الإحساس بالهدف، لا تستطيع أي شركة، عامّة كانت أو خاصة، أن تحقق أقصى إمكاناتها”.

لكن النشطاء لا يصدقونه.

في ظل الاحتجاجات والبيانات التي تعبر عن النوايا الحسنة، نشر الأكاديميان فيجاي جوفينداراجان وأنوب سريفاستافا مقالة في مجلة هارفارد بزنس ريفيو يُحللان فيها ما يحدث من الناحية العملية عند تطبيق فكرة “الرأسمالية المسؤولة”.

وفي حديثه لموقع BBC Mundo، قال فيجاي جوفينداراجان، من مدرسة توك لدراسة الأعمال بكلية دارتموث في ولاية نيو هامبشاير الأمريكية: “هناك الكثير من الحديث عن الرأسمالية المسؤولة، لكننا لا نرى تقدماً كبيراً”.

يفسر الباحث أن السبب في ذلك أنه لا توجد أمثلة موثّقة على شركاتٍ تسعى لتحقيق أقصى قدرٍ من الأرباح بالتزامن مع اتباع ممارسات تتعلق بالرأسمالية المسؤولة.

ويوضح الخبير: “تحقيق أقصى قدر من المكاسب وعمل الخير في نفس الوقت… يسهل قوله، لكن يصعب فعله للغاية”. 

برغم ذلك، يقول جوفينداراجان إنه وفقاً لدراساته فإن الصورة ليست قاتمة بأكملها.

وفي مثال على ذلك، ذكر الباحث شركة بيبسي التي “غيّرت فلسفتها التشغيلية لخدمة جميع الأطراف المعنية” (وليس فقط أصحاب السهم)، والتي حظيت في نفس الوقت بأداء مالي ممتاز بين عامي 2006 و2018.

ولكن، بعيداً عمّا فعلته شركات بعينها، لماذا لا تزال الرأسمالية المسؤولة وهماً؟

وفقاً لتحليل جوفينداراجان وسريفاستافا، هناك عدّة معوقات تحول دون تطبيق ذلك.

يتعلق أحد الأسباب التي توضح سبب أن الرأسمالية المسؤولة لا تزال وهماً، بالطريقة التي يُقاس بها نجاح الشركات.

ما زال الهدف الرئيسي لمعظم الشركات الكبرى هو تحقيق الثروة لأصحاب الأسهم.

ليس هناك إطار متفق عليه حتى الآن لتعريف النجاح بالجمع بين التدابير المالية وغير المالية.

تُقيَّم كل خطوة على أساس تأثيرها على المكاسب، وذلك باستخدام معايير مثل الكفاءة وعائد رأس المال المُستَثمر والأرباح.

ما دامت لا توجد معايير أخرى تتضمن تقييم الأداء البيئي والاجتماعي للشركات، يقول مؤلفا الدراسة إنه سيكون من الصعب للغاية أن يطرأ تغيير على الواقع الراهن.

وفقاً لما سبق، ما زال مديرو الشركات الكبرى يُعيَّنون ويُطردون أو يُكافأون وفقاً للأهداف المالية.

وهكذا، فإن عوامل مثل الأرباح وأسعار الأسهم هي ما تُحدد الحياة الوظيفية للأشخاص. 

لإحراز تقدم نحو تحقيق رأسمالية مسؤولة، ينبغي تقييم المديرين على إنجازاتهم المالية في إطار احترام القيم التي تعلن الشركة أنها تحترمها.

ومن ناحية أخرى، ما زال أصحاب الأسهم يختارون مجالس إدارة الشركات التي تهتم بتحقيق أقصى قدر من المكاسب وليس بتعزيز مسؤولية الشركات.

يُقيَّم كبار المستثمرين الذين يديرون الأصول لتوزيع الأرباح على عملاء متفرقين على أساس العائد من الاستثمار وليس على أساس نوع الكيان الذي يُحقِّق منه الاستثمارُ الثروة.

طريقة تمويل الشركات هي سبب آخر يمنع تطبيق الرأسمالية المسؤولة.

يحتاج رجال الأعمال وأصحاب المشاريع إلى المُستثمرين لبدء مشروعاتهم.

 عندما تبدأ الشركة في النمو، يأتي مستثمرو المرحلة الثانية، وهم يريدون رؤية عائداتهم المالية بأسرع وقت ممكن، وتنتظر البنوك، دون شك، تسديد رأس المال وفوائد القروض.

يمكن أن تصبح آلية التمويل والقروض بالغة التعقيد، وجرت العادة أن تُعطي الشركات الأولوية للعائدات لإرضاء هؤلاء الذين أسهموا برأس المال -من خلال آليات مختلفة- قبل الالتزام بالقيم التي تجعل الشركة مسؤولة مجتمعياً وبيئياً.

في الختام، هناك أيضاً ضغط اجتماعي قوي يمنح أهمية للأشخاص وفقاً لثرواتهم المتراكمة.

وبالتالي، يتميز الأشخاص الذين يصنعون ثروات ضخمة، لكن في كثير من الأحيان لا يُسأل الناس كيف حققوا هذا الثراء وما القيم التي جرى التضحية بها خلال ذلك.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى