تقارير وملفات إضافية

هل ينجح رجل الاستخبارات العراقية في خداع إيران لإنقاذ البلاد أم يقع ضحية لحلفائها؟

يبدو أن وعود الكاظمي للمحتجين العراقيين قد بدأ بعضها في التحقق، فلم يمر أسبوع على تكليف رئيس الاستخبارات العراقية مصطفى الكاظمي بمنصب رئيس الوزراء، حتى بدأ في التصدي للمعتدين على المتظاهرين.

وقال رئيس الوزراء العراقي الجديد مصطفى الكاظمي، يوم الإثنين 11 مايو/أيار، إنه اعتقل المسؤولين عن الاعتداءات على المحتجين في مدينة البصرة في الليلة السابقة، بعدما احتشدت جموع من الناس في الشوارع لمواصلة المظاهرات المضادة للحكومة التي بدأت منذ وقت طويل.

ويهدف الكاظمي من هذه الاعتقالات إلى إظهار أنَّ تعهداته بإنهاء دائرة العنف ضد المحتجين العراقيين لم تكن مجرد أقوال دون أفعال، حسب تقرير لصحيفة The Financial Times البريطانية. 

وكتب في تغريدة: “وعدنا بأن المتورطين بدم العراقيين لن يناموا ليلهم، نحن نفي بالوعد”.

وجّهتُ، فجر اليوم، بملاحقة المتورطين بمهاجمة المتظاهرين في البصرة، ونفذت القوات الامنية عملية اعتقالهم بعد صدور مذكرات قضائية، شكرا للقضاء العادل والاجهزة الامنية البطلة.
وعدنا بأن المتورطين بدم العراقيين لن يناموا ليلهم، نحن نفي بالوعد.
سلمية الاحتجاج واجب يشترك به الجميع.

وبعد نجاح الكاظمي في تشكيل حكومة الأسبوع الماضي، وهو ما وضع النهاية لنحو 6 أشهر من الجمود السياسي، تنتظر رئيس الوزراء مهمة شاقة تتمثل في إعادة الاستقرار إلى الدولة التي تواجه أقسى تحدياتها منذ ظهور تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في 2014.   

يعاني ملايين العراقيين من الإحباط والبطالة. وتقدر مجموعة الأزمات الدولية أنَّ العائدات الحكومية شهرياً، التي وصلت لأكثر من 6 مليارات في شهر يناير/كانون الثاني، هبطت إلى 1.4 مليار دولار في أبريل/نيسان بعد انهيار أسعار النفط، أي أقل من نصف المبلغ الذي يحتاجه العراق لدفع أجور القطاع العام. ومع وصول سعر برميل النفط إلى 30 دولاراً، يتوقع صندوق النقد الدولي ارتفاع العجز في المالية العامة للعراق إلى 19% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام.          

وفي هذه الأثناء، تهدد سلسلة من المشاحنات المتصاعدة بين الميليشيات العراقية المدعومة من إيران والقوات الأمريكية المتمركزة في العراق بتأجيج صراع آخر، وبالتالي أثارت مطالب من بغداد بانسحاب واشنطن.     

وترى ماريا فنتابي، المستشار الخاص لشؤون الشرق الأوسط في مؤسسة Center for Humanitarian Dialogue ومقرها جنيف، أنَّ هذا المشهد الجيوسياسي سيجعل من الصعب جداً على الكاظمي التعامل مع المظالم المحلية لشعبه. 

وقالت: “نحن نرى أنه طالما استمر هذا التنافس الأمريكي الإيراني في العراق، فلن يحدث تقدم في أي ملف آخر داخل الدولة”.

يجب أن يجد الكاظمي طريقة لتقليل تأثير الحرب الإيرانية الأمريكية بالوكالة في العراق، ويمكن أن تساعد خبرته في العمل الاستخباراتي في هذه المسألة، حسبما ترى ماريا .

وأردفت قائلة: “ونظراً لأنه كان رئيس المخابرات العراقية منذ 2016، فقد عمل مع مسؤولين أمريكيين وإيرانيين على حد سواء، ويمكن “أن يكون وسيطاً يثق به الجانبان”.   

وسيجلب شهر يونيو/حزيران معه اختباراً في هذا الصدد، حين تشرع بغداد وواشنطن في إعادة التفاوض على علاقتهما الاستراتيجية. 

وأبدت واشنطن موافقتها للكاظمي بمد فترة الاستثناء الممنوحة للعراق من العقوبات المرتبطة باستيراد الكهرباء والغاز من إيران لمدة 120 يوماً أخرى، وهي مدة تزيد 4 أضعاف عن آخر فترة مد. 

وبدت طهران أيضاً راضية عن ارتقاء الكاظمي لمنصب رئاسة الوزراء، وهو الرجل الثالث الذي يقع عليه الاختيار لتشكيل الحكومة هذا العام، بعدما أجبرت الاحتجاجات، في نوفمبر/تشرين الثاني، رئيس الوزراء السابق على التنحي.   

من جانبه، علَّق محمد راضي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة النهرين العراقية بالقول: “توصلت إيران إلى أنَّ الفوضى في العراق ستؤثر في وضعها الاقتصادي وأمنها؛ لذا هي تريد وضع حد لهذه الفوضى”. 

اللافت أن هذا التقبل الإيراني، يأتي في وقت تقوم حكومة الكاظمي بمحاولات لإدماج بعض وحدات الحشد الشعبي بصورة أكبر في سلاسل القيادة والهياكل الحكومية التي كانت قائمة قبل 2014.

وإذا ما نجحت الحكومة العراقية الجديدة في ذلك، فإنَّها قد تقلّص نفوذ المجموعات المسلحة القوية المشكوك في ولائها للدولة العراقية، وخاصة حزب الله العراق التنظيم الأقرب لإيران.

فالكاظمي يحاول استرضاء إيران، بينما يقوم بتقليم آظافر حلفائها.

وعلى الصعيد الوطني، يمكن أن تساعد محاولات الكاظمي استرضاء المحتجين في منحه بعض الوقت.   

إذ أمر رئيس الوزراء بالإفراج عن جميع المحتجين المحتجزين منذ أكتوبر/تشرين الأول، وفتح تحقيق في حملة القمع الصارمة التي أودت بحياة مئات المتظاهرين وجرحت عشرات الآلاف في الأشهر الثمانية الماضية. وأقر كذلك بمطالب المحتجين بإجراء انتخابات جديدة، من دون تحديد جدول زمني، ورقى الفريق الشهير عبدالوهاب الساعدي إلى منصب قائد جهاز مكافحة الإرهاب القوي في العراق. وكان فصل الساعدي من منصبه قائداً ثانياً للجهاز في أواخر سبتمبر/أيلول أحد العوامل المحركة للاحتجاجات ضد التدخل الأجنبي في الشؤون العراقية.

لكن مظاهرة يوم الأحد، 10 مايو/أيار أظهرت أنَّ تهدئة الاحتجاجات لن تكون مهمة سهلة، ومع وجود الكثير من العوائق المباشرة، تنخفض التوقعات بشأن نجاح رئيس الوزراء المُتفَق عليه في استحداث الإصلاحات التي يحتاجها العراق. وفي أحسن السيناريوهات، يمكنه محاولة الحفاظ على ثبات الوضع.

وقال سجاد جياد، محلل في بغداد: “هو يفهم أنه لن يستطيع التغلب على الأحزاب السياسية”، في إشارة إلى معارضة النخبة السياسية منذ 2003 (أغلبها محسوب على إيران) لخفض مرتبات القطاع العام وإعادة تنظيم الأجهزة الأمنية. وأضاف: “هو هنا لتحقيق استقرار الدولة”. 

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى