تقارير وملفات إضافية

كيف تسيطر القوات التابعة لطهران على العراق: الإيرانيون دائماً لديهم خطة بديلة

العنف الشديد الذي جُوبه به المحتجون العراقيون ليس عشوائياً، إذ يبدو أنه تم بناء على خطة إيرانية لقمع الاحتجاجات العراقية كانت موضوعة مسبقاً، حسب تقرير لصحيفة The Independent البريطانية.

فقوات الأمن العراقية والقوات شبه العسكرية الموالية لإيران تصوب نيران أسلحتها نحو المحتجين، في محاولة لإبعادهم عن وسط العاصمة بغداد، وإنهاء 6 أسابيع من المظاهرات شكلت تحدياً لم يشهد النظام السياسي مثله منذ سقوط صدام حسين في 2003.

واستعادت الشرطة، أمس الأول السبت 9 نوفمبر/تشرين الثاني، السيطرة على 3 جسور تعلو نهر دجلة، وتقود إلى المنطقة الخضراء، وتطوق كذلك ميدان التحرير، البؤرة التي يرتكز فيها المحتجون.

وفي شارع الرشيد، بالقرب من ميدان التحرير، أشعلت الشرطة النيران في الخيام التي أقامها أطباء متطوعون لمعالجة المحتجين المصابين.

وأفادت منظمة العفو الدولية، بأنَّ الاشتباكات الأخيرة أسفرت عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، 4 منهم بالرصاص الحي، واثنان بقنابل غاز مسيل للدموع ثقيلة، أصابتهما إصابة مباشرة في الرأس أو الجسد.

وذكرت المنظمة أنَّ حصيلة القتلى بين المتظاهرين منذ 1 أكتوبر/تشرين الأول وحتى الآن وصلت إلى 264 شخصاً، لكن المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق تُقدِّر عدد الخسائر البشرية بـ301 قتيل و15 ألف مصاب.

وتعد الاحتجاجات المشتعلة، ومحاولات الحكومة الوحشية لقمعها، أكبر تهديد يواجه سلطة النظام السياسي العراقي منذ تقدم تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» نحو بغداد في عام 2014. وأصبح هذا التهديد أخطر على عدة أصعدة الآن، لأنَّ داعش كان يمثل تهديداً وجودياً للأغلبية الشيعية الذين لم يكن لديهم خيار سوى دعم النخبة الحاكمة، مهما كانت وحشية ومفتقرة للكفاءة في إدارة البلاد.

أما اليوم فالمذابح ضد المتظاهرين تشبه الأسلوب الذي استخدمه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في 2013 لقمع المتظاهرين المعارضين لانقلابه العسكري ضد الحكومة المنتخبة في ذلك الوقت، حسب وصف الصحيفة البريطانية.

اللافت أنه على النقيض من هذا العنف لم يكن هناك أي رد فعل عنيف على مظاهرات الشوارع في بغداد في عام 2016، عندما غزا المحتجون المنطقة الخضراء، ولا في البصرة عام 2018، حينما أضرموا النيران في المكاتب الحكومية والحزبية.

لكن على مدار الشهر ونصف الشهر الماضي، شهدت الاحتجاجات العراقية حوادث متكررة لقناصة يطلقون النار عشوائياً على المظاهرات أو يستهدفون قادة الاحتجاجات المحليين.

والأشخاص الذين ينفذون جرائم القتل هذه هم جزء من أجهزة الأمن الحكومية المفككة لدرجة كبيرة، وفصائل من القوات شبه العسكرية المسماة قوات الحشد الشعبي المعروفة بتحالفها مع إيران.

والقيادة الإيرانية، وتحديداً اللواء قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري ومسؤول السياسة الإقليمية الإيرانية، هي التي دبَّرت حملة قمع الاحتجاجات من خلال الاستخدام المتواصل للعنف.

ويُشكِّل السبب الذي دفع اللواء قاسم سليماني لاتخاذ قرار شن هذه الحملة لغزاً؛ نظراً لأنَّ المظاهرة الأولية التي نُظِّمَت في ميدان التحرير في الأول من أكتوبر/تشرين الأول كانت محدودة.

إذ فشلت المنظمات غير الحكومية التي ظلت تدعو لهذه المظاهرة لشهور في حشد الزخم المناسب.

لكن سياسة «صوِّب لتقتل» التي تبنتها السلطات هي التي حوَّلت هذا التجمع الصغير إلى حركة حاشدة ليست بعيدة عن أن تصبح انتفاضة شعبية.

وخلال الأيام الأولى للاحتجاجات، أخبر المنظمون صحيفة The Independent البريطانية أنهم شعروا في البداية بالارتباك مما يحدث؛ إذ أملوا أن يكون العنف الذي تعرض له المتظاهرون في اليوم الأول، الذي قُتل فيه 10 أشخاص على الأقل، هو مجرد رد فعل مفرط حدث لمرة واحدة ولن يتكرر.

لكن قتل المحتجين، استمر بالرغم من أنه جاء بنتيجة عكسية. 

ففي اليوم التالي لعمليات إطلاق النار الأولى، شوهدت مجموعات من المتظاهرين الشباب، الذين بدوا في غاية الشجاعة، وهم يتجولون في المنطقة. وصعَّدت السلطات من حدة الأزمة بإعلان حظر التجول لمدة 24 ساعة ووقف الإنترنت، وهي عقوبة جماعية لجميع سكان بغداد البالغ عددهم 7 ملايين نسمة لم تؤدِ إلا لانتشار الدعم للمتظاهرين.

وفي الوقت نفسه، أرسلت الجماعات شبه العسكرية، التي تعلن ولاءها لإيران صراحةً، مسلحيها المُتشحين بالسواد إلى محطات التلفزيون التي تنقل أنباء الاحتجاجات لتدمير معداتها واستوديوهاتها. وهاجم المسلحون كذلك المتظاهرين المصابين في المستشفيات، واختطفوا وروَّعوا صحفيين وأطباء وأي شخص آخر يدعم المظاهرات.

ومن المستبعد أنَّ هذه الممارسات حدثت وفق مؤامرة دبرتها مسبقاً الميليشيات شبه العسكرية الموالية لإيران بمبادرة من نفسها. 

وأجرت صحيفة The Independent البريطانية قبل بضعة أيام لقاءات مع العديد من قادتهم، الذين عُرفِ فيما بعد أنَّ مجموعاتهم هي التي نشرت القناصة في شوارع بغداد لإطلاق النار على المتظاهرين.

وعلى الرغم من أنهم أعلنوا لاحقاً أنهم اكتشفوا منذ فترة طويلة مؤامرة دبّرتها بعناية الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية والإمارات لاستغلال الاحتجاجات للإطاحة بالنظام الحاكم في العراق، لكنهم لم يصرحوا بذلك وقتها. وقال قيس الخزعلي، زعيم عصائب أهل الحق- فصيل شبه عسكري قوي: «إيران تريد حلاً (للمواجهة الأمريكية الإيرانية) لكنها لا تستطيع أن تقول هذا بنفسها».

واستبعد فكرة أن يكون خيار اندلاع حرب بين إيران والولايات المتحدة مطروحاً.

وفي مقابلة منفصلة، قال أبو آلاء الولائي، زعيم كتائب سيد الشهداء، إن أكثر ما أثار قلقه هو هجوم إسرائيلي بطائرة بدون طيار على مستودع أسلحة في إحدى قواعده في ضواحي بغداد.

ومع ذلك، فالسرعة والتماسك اللذان ردت بهما هذه الجماعات شبه العسكرية الشيعية الموالية لإيران على الاحتجاجات -أو بالأحرى بالغت في الرد بهما- تشير إلى وجود خطة طوارئ شاملة.

وقال أحد المعلّقين العراقيين: «الإيرانيون دائماً ما يحملون في جعبتهم خطة». 

إلى جانب هذا، لا يبدو أنَّ الجماعات شبه العسكرية تتصرف من تلقاء نفسها؛ إذ لا توجد حدود واضحة تفصل قوات الحشد الشعبي عن مؤسسات أمن الدولة. ويُقدَّر عدد قوات الحشد الشعبي بنحو 85 ألف مقاتل، تدفع الحكومة العراقية رواتبهم، ويرأسهم فالح الفياض مستشار الأمن القومي للحكومة.

ودائماً ما يُعيَّن وزير الداخلية من منظمة بدر المدعومة من إيران، وعلى سبيل المثال، أفادت تقارير بأنَّ إدارة الاستجابة للطوارئ التابعة للوزارة نشرت قناصة لإطلاق النار على المتظاهرين.

وفي الأسابيع التي تلت أول مسيرة سلمية قوبلت بالعنف الشديد، تصاعدت حدة القمع في بغداد وفي أنحاء جنوبي العراق.

ففي مدينة كربلاء الشيعية المقدسة، قتل القناصة في يومٍ واحد 18 شخصاً، أما الناجون الذين فرّوا عبر الشوارع الجانبية فاحتجزتهم كمائن مفاجئة.

وعلى ما يبدو، زُرِعت في الدولة منظومة كاملة من الترويع، تقوم على الخطف والاختفاء والترويع، ومن غير المرجح أنها ستتفكك.

وتزداد هيمنة الأفراد والمؤسسات المؤيدة للوضع الراهن الموالي لإيران داخل النظام السياسي العراقي.

وفي المقابل، التزم منتقدو الوضع الراهن، ومنهم رجل الدين القومي الشعبي مقتدى الصدر الذي يعد ائتلافه أكبر تجمع في البرلمان، الصمت إلى حد كبير.

أما المرجع الديني الأعلى للشيعة في العراق، آية الله العظمى علي السيستاني، فدعا يوم الجمعة الماضي، 8 نوفمبر/تشرين الثاني، قوات الأمن للامتناع عن استخدام «القوة المفرطة»، لكن ليس هناك ما يدل على أنَّ هذه الدعوة أحدثت أي تأثير.

في حين خرج عادل عبدالمهدي، الذي يرأس حكومة العراق منذ العام الماضي، من الأزمة من دون أن يطاله أي أثر.

ومن هنا، يتضح أن النخبة السياسية في العراق قررت سحق الاحتجاجات حفاظاً على مصالحها.

ويشبه المتظاهرون في شوارع العراق، من حيث راديكالية مطالبهم والغموض الدائر حول كيفية تحقيقها، الطلاب الفرنسيين خلال أحداث عام 1968 في فرنسا.

إذ يعجز المحتجون العراقيون عن تحديد البديل الذي يريدونه للحكومة الحالية الفاسدة والفاشلة. أما بالنسبة لأولئك المسؤولين عن قمع الاحتجاجات، فأياديهم ملطخة بالدماء لدرجة يستحيل معها عكس مسار الأحداث، لكن هذا لا يعني أنهم يظهرون أية دلالة على الرغبة في فعل ذلك.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى