تقارير وملفات إضافية

كيف ستردّ إيران على اتفاق السلام الإسرائيلي الإماراتي؟ الأولوية للتجارة أم القضية الفلسطينية

كيف سينعكس اتفاق السلام الإسرائيلي الإماراتي على إيران، وعلاقتها المعقدة مع أبوظبي وهل يؤدي إلى نشوء محاور جديدة في المنطقة؟

ويعكس التقدُّم في العلاقات بين إسرائيل ودولة الإمارات العربية المتحدة تحوُّلاً في الخط التأسيسي الحديث في الشرق الأوسط، إذ توافق قوةٌ خليجيةٌ للمرة الأولى على عقد سلامٍ مع الدولة اليهودية. لكنه أيضاً ركَّزَ الضوء على نزاعٍ آخر، ربما هو أخطر، النزاع الخليجي مع إيران، حسبما ورد في تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية. 

كانت دولة الإمارات، الواقعة على الجهة المقابلة من الجمهورية الإسلامية عبر مضيق هرمز، حريصةً على عدم السماح بتصاعد التوتُّرات إلى صراعٍ مفتوح، بينما عُزَلَت إيران بسبب سياسة “الضغط الأقصى” لترامب التي تدعمها الإمارات، وفرضت العقوبات على طهران، ومن ثم أدَّت إلى قتل الجنرال العسكري الأكثر نفوذاً لدى إيران. 

ومع تعزيز العلاقات التي ظلَّت سريةً لسنوات مع الإمارات أكبر خصمٍ لإيران في اتفاقٍ دبلوماسي -وهو النموذج الذي قد تحتذي به دولٌ خليجية أخرى، بما في ذلك المملكة السعودية ذات النفوذ الواسع- يبدو أن الإمارات تحاول بحذرٍ تطويق إيران. 

لم يكن المسؤولون في الولايات المتحدة وإسرائيل بحاجةٍ إلى وقتٍ يُذكَر لتفسير إعلان يوم الخميس 13 أغسطس/آب باعتباره إعلاناً من شأنه أن يثير انفعال قادة إيران. ووَصَفَ المبعوث الأمريكي المُنتَهية ولايته لدى إيران، برايان هوك، الأمر بأنه “كابوسٌ” على البلاد. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن إيران رأت “القوة التي نستعرضها في المنطقة، وهي حقيقة أنني لا أتردَّد في مواجهة إيران”. 

ووصف الحرس الثوري الإیراني اتفاق تطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل بأنه “خطأ استراتيجي وحماقة تاريخية”، كما انتقد الرئيس الإيراني حسن روحاني الاتفاق، الأمر الذي أثار احتجاجات إماراتية.

غير أن مُحلِّلين إقليميين حذَّروا من أن كلا التصريحين بحاجةٍ إلى محاذير في التعاطي معهما. وفي تعليقه العلني الوحيد حتى الآن، شدَّد وليّ العهد الإماراتي، الأمير محمد بن زايد، على تعهُّد نتنياهو بتعليق الخطط المثيرة للقلق لإلحاق أراضي الضفة الغربية التي يريدها الفلسطينيون من أجل إقامة دولةٍ مستقبلية. 

وقالت أريان طباطبائي، الزميلة المُتخصِّصة في شؤون الشرق الأوسط بصندوق مارشال الألماني: “أعتقد أن الإماراتيين كانوا قلقين بشأن تصاعد التوتُّرات، وعلموا أن هذه التوتُّرات سوف تنتشر في المنطقة على نطاقٍ أوسع، وخاصةً في الخليج”. وأضافت: “لقد اعتبروا ترامب غير جديرٍ بالثقة، وبالتالي فإن أفضل طريقةٍ للتعامل مع الأمر هو أن يأخذوه بين أيديهم”. 

وقال أنور قرقاش، وزير الدولة الإماراتية للشؤون الخارجية، يوم الجمعة 14 أغسطس/آب، إن التفاهم مع إسرائيل لم يكن حول إيران. وقال في محادثةٍ عبر الهاتف: “الأمر يتعلَّق بالإمارات وإسرائيل والولايات المتحدة، وهذا لا يعني على الإطلاق إنشاء تكتلٍ ما ضد إيران”. وأضاف: “لدينا علاقاتٌ مُعقَّدةٌ للغاية مع إيران. إنها جارٌ لنا، لكننا في الوقت نفسه لدينا اختلافاتٌ حول السياسة الإقليمية لإيران”. 

وقالت سانام فاكيل، نائبة مدير برنامج شرق وشمال إفريقيا بمعهد تشاتام هاوس، والزميلة الباحثة الكبيرة بالمعهد: “إيران جزءٌ كبيرٌ من هذه القصة، لكنها ليست الجزء الوحيد”.

وأضافت أن أخذ زمام القيادة في تطبيع العلاقات مع إسرائيل يتعلَّق أيضاً بـ”سعي الإمارات بوجهٍ عام إلى الاستحواذ على دورٍ أكبر كلاعبٍ إقليمي في الشرق الأوسط. 

وتُمكِّن الاتفاقية الإمارات من تطوير علاقاتٍ دبلوماسية وتجاربة، وحتى دفاعية، مع إسرائيل، بينما ترفض الانتقادات التي تشير إلى التنازل عن أراضي الضفة الغربية. وبمقدور نتنياهو أن يدَّعي نجاحاً كبيراً، وأن يضع جانباً في الوقت الراهن خطته أحادية الجانب لضم الضفة، خاصة تلك الخطة التي شكَّلَت مخاطر دبلوماسية وأمنية على إسرائيل. وفي الوقت نفسه، يمكن لترامب أن يتمتَّع بنجاحٍ في السياسة الخارجية بينما يتقدَّم في استطلاعات الرأي قبل انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني. 

جاء ردُّ الفعل في طهران معادياً كما هو مُتوقَّع. ووَصَفَ أحد وزراء الحكومة الاتفاق بأنه “اتفاقٌ بائس”، لخيانته للفلسطينيين وتدعيمه لمحورٍ مُناهِضٍ لإيران لطالما سعى ترامب إليه. 

وقالت وزارة الخارجية الإيرانية على قناتها الرسمية على تطبيق تليغرام، يوم الجمعة، إن الإمارات وشركاءها سيكونون مسؤولين عن “أيِّ تدخُّلٍ إسرائيلي في منطقة الخليج”. وأضافت الوزارة أن هذه الخطوة ستزيد من قوة إيران وحلفائها، بما يشمل جماعة حزب الله اللبنانية. 

وتظلُّ التوتُّرات في الخليج مرتفعةً بعد عامٍ من الهجمات على منشآتٍ وناقلات نفطية، وبلغت ذروتها مع الاغتيال الأمريكي للمهندس العسكري للسياسة الخارجية الإيرانية، اللواء قاسم سليماني. وانقَسَمَ الأعضاء الستة بمجلس التعاون الخليجي منذ ثلاثة أعوام بعد الحصار المفروض على قطر، جزئياً بسبب علاقاتها بإيران. وتتشارك ممالك الخليج الاهتمام مع إسرائيل بدحر الإسلام السياسي، الذي يعتبرونه ذا تأثيرٍ مُزعزِع للاستقرار ينبع بشكلٍ أساسيٍّ من قطر وإيران وتركيا. 

وبينما تجد إيران نفسها معزولةً بصورةٍ متزايدة، سعت الإمارات إلى تهدئة العلاقات مع الجمهورية الإسلامية، إذ أرسلت مسؤولين إلى طهران وقلَّصَت دورها في التحالف الذي تقوده السعودية، والذي يقاتل المُتمرِّدين المدعومين من إيران في اليمن. وتُعَدُّ الدولتان جارتين مُقرَّبَتين تربطهما علاقاتٌ تجارية عميقة تاريخياً. 

تقول طباطبائي إن الإمارات إذا كانت قادرةً على كسب جمهورٍ للاستجابة الأكثر حذراً بين المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين، فإن اتفاق يوم الخميس قد يؤدِّي إلى خفض التوتُّرات. 

ومن غير المُرجَّح أن تريد إيران، باقتصادها الذي تضرَّرَ بشدة نتيجة العقوبات الأمريكية وتفشي جائحة فيروس كورونا المُستجَد، أن يقلب الاتفاق التحسينات الأخيرة في علاقتها مع الإمارات، التي تُعَدُّ شريكاً تجارياً مهماً لإيران. 

وقد تتمثَّل نتيجةٌ أخرى في تعميق العلاقات بين إيران وتركيا لبناء حصنٍ ضد المحور المدعوم أمريكياً من دولٍ عربية مستعدةٍ لإقامة علاقةِ عملٍ مع إسرائيل. أما تركيا، التي انهار تحالفها مع إسرائيل تحت وطأة دعم الرئيس رجب طيب أردوغان المتزايد للجماعات الفلسطينية، بما فيها حركة حماس، فقد انتقدت الاتفاق لانتهاكه حقوق الفلسطينيين. 

وقال أردوغان للمراسلين الصحفيين بعد صلاة الجمعة الماضية في إسطنبول: “قد تكون هناك خطوةٌ لتعليق العلاقات الدبلوماسية مع الإدارة في أبوظبي، باستدعاء السفير”. وأضاف: “نحن ندعم الشعب الفلسطيني”. 

وقالت فاكيل من معهد تشاتام هاوس، إن إيران وتركيا لديهما علاقاتٌ براغماتية فيما بينهما، على خلفية علاقاتٍ تجارية قوية. وقالت إن هذا الاتفاق “قد يسرِّع على الأرجح هذا النوع من التقسيم ذي المستويين الذي يحدث في المنطقة”، مضيفةً أن نزاع تركيا مع إسرائيل بشأن موارد الطاقة في شرق البحر المتوسط سيدفع أنقرة وطهران إلى التقارب. 

وتابعت: “يشير كلُّ هذا إلى حقيقة أن مركز الجاذبية في المنطقة يكمن بوضوح في الخليج”. 

تصعيد إماراتي : كانت الخارجية الإماراتية، استدعت الأحد، 16 أغسطس/آب 2020، القائم بالأعمال في السفارة الإيرانية في أبوظبي؛ احتجاجاً على “تهديدات” من الرئيس الإيراني، حسن روحاني، على خلفية تطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل.

حيث قالت الوكالة الإماراتية الرسمية للأنباء إن وزارة الخارجية استدعت القائم بالأعمال الإيراني إلى ديوان عام الوزارة، و”سلمه السفير خليفة شاهين خليفة المرر، مساعد وزير الخارجية للشؤون السياسية، مذكرة احتجاج شديدة اللهجة”.

تهديدات إيرانية: وأوضحت أن هذا الاحتجاج يأتي “على خلفية التهديدات الواردة في خطاب الرئيس الإيراني، حسن روحاني، بشأن القرارات السيادية للإمارات، وهي التهديدات التي تكررت من وزارة الخارجية الإيرانية والحرس الثوري ومسؤولين إيرانيين آخرين”.

في حين اعتبرت الخارجية الإمارتية أن “هذا الخطاب غير مقبول وتحريضي، ويحمل تداعيات خطيرة على الأمن والاستقرار في منطقة الخليج العربي”. ونبهت المذكرة إلى “مسؤولية إيران تجاه حماية بعثة الدولة (الإمارات) في طهران ودبلوماسييها”.

كذلك أعربت الإمارات عن “رفضها المطلق للغة الخطابات التحريضية من السلطات الإيرانية عقب معاهدة السلام بين دولة الإمارات ودولة إسرائيل، معتبرة ذلك تدخلاً في الشؤون الداخلية واعتداء على السيادة”، وفق الوكالة.

تحذيرات من روحاني: كان الرئيس الإيراني حسن روحاني، قد دعا السبت، الإمارات إلى “الرجوع عن خطأ” تطبيع علاقاتها مع إسرائيل.

كذلك حذر روحاني بكلمة له، الإمارات من السماح لإسرائيل بالاستحواذ على موطئ قدم لها بالمنطقة، بحسب ما نقله التلفزيون الإيراني. وأضاف “نحن نحذرهم، لا تخلقوا مساحة لإسرائيل في المنطقة، وإلا فستجدون إجابة مختلفة”.

فيما وصف روحاني تطبيع العلاقات الإماراتية الإسرائيلية بـ”الخطأ والخيانة”، مضيفاً “آمل أن يستمعوا إلى التحذيرات، ويرجعوا عن الطريق الخطأ”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى