تقارير وملفات إضافية

«إلغاء للمعاهدة أم تعديلها».. كواليس مطالبة وزير مغربي بـ«تمزيق» اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا

«قُلت للأتراك في وقت سابق، إما أن نصل إلى حلول لمراجعة هذا الاتفاق أو نُمزِّقه»، هكذا تحدث وزير الصناعة والتجارة والاستثمار المغربي حفيظ العلمي، حين سأله برلمانيون مغاربة عن اتفاقية التجارة الحرة بين المغرب وتركيا.

 الوزير المغربي هدَّد بـ «تمزيق وثيقة الاتفاقية»، بسبب حديثه عن تكبد الاقتصاد المغربي خسائر مالية فادحة بلغت 2 مليار دولار سنويا» وفق كلامه بالبرلمان.

وقال الوزير المغربي، » اليوم نواجه عجزا في الميزان التجاري بسبب هذه الاتفاقية، كما أن قطاع النسيج بالمغرب بات يواجه مشاكل عويصة، وذلك بعد إغراق شامل للسوق المحلي بالسلع التركية، لكل هذا يجب أن نعيد النظر في الاتفاق برمته» حسب قوله.

 وتم توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين المغرب وتركيا سنة 2004، ودخلت حيز التنفيذ سنة 2006.

والوزير الذي هدد بتمزيق الإتفاقية ينتمي إلى حزب التجمع الوطني للأحرار ، الذي يترأسه عزيز أخنوش صديق الملك محمد السادس.  

تهديد الوزير المغربي بـ «تمزيق» وثيقة اتفاقية التجارة الحرة بين المغرب وتركيا، أثار حفيظة نشطاء مغاربة على مواقع التواصل الاجتماعي، متسائلين عن الأسباب التي جعلت سياسيا يستعمل مثل هذه «المصطلحات القاسية وغير الديبلوماسية».

محمد زين الدين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني بالمحمدية، قال لـ «عربي بوست»، إن النقاش الذي ذُكِر فيه هذا الكلام كان في إطار سياسي محض داخل قبة البرلمان.

وأضاف «الرجل كان يتحدث بمنطق اقتصادي محض، ولكن كان من الأفضل تفادي هذه المصطلحات».

أوضح الأستاذ الجامعي»أن هذا ما يُؤخذ على الوزراء ممن لم يتدرجوا في المسارات الحزبية، وهو أنهم لا يستحضرون البعد السياسي والديبلوماسي في تصريحاتهم.

وأكد المحلل السياسي أن هذا النوع من الخطاب لن يؤثر بالمرة على العلاقة بين البلدين، ذلك أن تركيا تتعامل بمنطق نفعي سياسي واقتصادي.

 بعد يومين فقط من تصريحات الوزير المغربي، حلت «روهصار بكجان» وزيرة التجارة التركية ضيفة بالمغرب، حيث تم عقد اجتماع أكد خلاله مستثمرون ورجال أعمال أتراك على أهمية الاستثمار في المغرب بالنسبة للجانب التركي.

الجانبان اتفقا على محاولة إيجاد حلول قبل نهاية  شهر يناير الجاري، قبل عقد اجتماع ثان يتقرر فيه مصير الاتفاقية والتغييرات المحدثة فيها، حيث أكد وزير التجارة المغربي أنه » من المستحيل عدم معالجة العجز التجاري بالمغرب الذي بلغ ملياري دولار أمريكي».

 المحلل الاقتصادي، عبد النبي أبو العرب، يرى أنه لا شيء يفرض على المغرب الإبقاء على الاتفاقية خاصة وأن لديه بدائل عديدة.

 وأوضح الأستاذ بجامعة «مونديابوليس» الدولية، لـ «عربي بوست»، أن تركيا تدرك مكانة المغرب في المنطقة وتولي اهتماما به وتحاول تعزيز العلاقات معه، مؤكدا أن تركيا ستسعى للإبقاء على اتفاقية التبادل الحر مع المغرب والقبول بإجراءات تعيد التوازن لصالح المغرب.

 ورغم التهديدات التي أطلقها الوزير المغربي، استبعد الخبير الاقتصادي أن يتم إلغاء الاتفاقية، موضحا أن المغرب يبحث عن علاقات رابحة، لافتا إلى أن الرباط ستضغط من أجل رفع صادراتها نحو تركيا مقابل الواردات التي بلغت مستويات مرتفعة، وتسهيل ولوج شركات مغربية للسوق التركية.

 وليست هي المرة الأولى التي يهدد فيها وزير التجارة والاستثمار المغربي بإلغاء الاتفاقية، إذ سبق له أن لوح نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، بإمكانية إلغاء التبادل الحر مع تركيا، بسبب «انعكاساتها السلبية على المقاولات المغربية واقتصاد البلاد بشكل عام».

وعمل المغرب على تفعيل قرار الحكومة بتطبيق رسوم جمركية مرتفعة على المنتجات الغذائية والصناعية التركية منذ بداية 2018، فيما فُرِضت رسوم استيراد على منتجات النسيج والألبسة المصنعة بتركيا بنسبة وصلت إلى 90 بالمئة.

 وسجلت منتجات النسيج والملابس التركية ارتفاعاً بنسبة 175 في المائة ما بين سنتي 2013 و2017، وأدى هذا النمو إلى إضعاف عدة وحدات صناعية مغربية موجهة إلى السوق المحلية، وكان مسؤولاً عن خسائر كبرى على مستوى فرص العمل.

وعلى الرغم من تأكيد وزير التجارة والاستثمار المغربي على تعهده بوقف العمل بجميع اتفاقيات التبادل الحر التي تُضر باقتصاد المملكة وتتسبب في تضرر قطاعات حيوية به، فإن اهتمام الوزير ينصب على مراجعة أو إلغاء اتفاقية التبادل الحر مع تركيا دون سواها.

 وبالمقارنة مع العجز التجاري الذي تسببت به الاتفاقية لصالح تركيا والذي بلغ 1.6 مليار دولار، فإن العجز المسجل مع الولايات المتحدة الأمريكية بلغ 2.7 مليار دولار مقابل 7 مليارات يورو قيمة العجز المسجل في الميزان التجاري بين المغرب والاتحاد الأوروبي.

أبو العرب أوضح لـ «عربي بوست»، أن عددا من مواقف تركيا تدفع المغرب إلى الحذر والتشبث بحلفائه التقليديين كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول الإفريقية جنوب الصحراء.

 ورأى المحلل الاقتصادي أن تركيا تشكل منافسا مباشرا للمغرب في ملفات يشتغل عليها كالقضية الفلسطينية والملف الإفريقي.

 وتابع إن تركيا تبحث عن نفسها وهي في دخلت في مشكلات مع حلف الناتو والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وكذلك الحلفاء التقليديين للمغرب بمنطقة الخليج.

وأردف قائلاً «يصعب على المغرب الانخراط مع تركيا بسبب مواقفها القوية ، في حين يميل المغرب إلى تفادي الصدام والمحافظة على مسافة واحدة مع جميع الفرقاء والتعاون مع مختلف الأطراف».

ولذا يبدو أن رسالة المغرب من إثارة مسألة الاتفاقية قد تكون موجهة لأطراف أخرى خاصة دول الخليج، التي تنظر بغضب للتقارب المغربي التركي الأخير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى