تقارير وملفات إضافية

«سعوديون بلسان أوروبي مبين».. خطة بن سلمان لإنقاذ دبلوماسية المملكة عبر تصعيد الشباب المتعلم بالغرب

«يتحدث ثلاث لغات وتلقَّى تعليمه في الغرب»، كان هذا أكثر ما لفت انتباه وسائل الإعلام الغربية في قرار تعيين  الأمير فيصل بن فرحان وزيراً لخارجية المملكة العربية السعودية، إنه يمثل ذروة صعود الجيل الجديد من الدبلوماسيين السعوديين ذوي الثقافة الغربية.

وأصدر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، أمس الأربعاء، أمراً ملكيا بإعفاء إبراهيم العساف من منصب وزير الخارجية، وتعيين الأمير فيصل بن فرحان خلفاً له.

ويمكن أن يوصف العساف بأنه وزير خارجية الظل، إذ كانت أنشطته محدودة تماماً، وكان وزير الدولة للشؤون الخارجية عادل الجبير هو الوزير الفعلي.

ولا يعرف هل بقاء العساف في هذا المنصب دون نشاط على رأس الخارجية السعودية كان هدفه إرضاءه، بعد أن كان أحد ضحايا عملية الاعتقال الشهيرة التي نفذها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ضد عدد من رجال الأعمال والمسؤولين في فندق الريتز كارلتون الشهير.

كما لم يعرف كيف سيكون دور عادل الجبير في الوزارة بعد تعيين الأمير فيصل بن فرحان، وهل سيتقلص دوره أم سينتهي.

 ولكن اللافت أن عادل الجبير علق في تغريدة على صفحته بتويتر، قائلاً: «أهنئ أخي وزميلي العزيز سمو الأمير فيصل بن فرحان آل سعود بالثقة الملكية بتعيينه وزيراً للخارجية، وسموه نموذج مشرف للدبلوماسية السعودية، وأرفع الشكر والتقدير لقيادتنا على دعمها واهتمامها الكبيرين بالأسرة الدبلوماسية السعودية، التي نشرف جميعاً بالانتساب لها».

 ولكن ما هو مؤكد أن تبوء الأمير فيصل المنصب هو جزء من مسيرة طويلة ينفذها الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، لتغيير هيكلة القيادة في المملكة العربية السعودية، بهدف خلق جيل من القادة الموالين له، وفي الوقت ذاته تنفيذ رؤيته لتغيير المملكة.

واللافت أن هذه العملية تنفذ على يد ولي العهد الشاب، الذي يعد من الأمراء النادرين الشباب الذين لم يتلقوا تعليمهم في الغرب.

وبينما تبدو أهداف تصعيد المسؤولين الشباب ذوي الثقافة الغربية مرتبطة برغبة الأمير محمد في تعزيز قبضته على الحكم، وإضعاف منافسيه، مع تطبيق رؤيته لتغيير المملكة، لكن في المجال الدبلوماسي فإن الهدف أكثر تعقيداً.

في هذا التقرير سوف نرصد أبرز وجوه الجيل الجديد من الدبلوماسيين السعوديين ذوي الثقافة الغربية، والأسباب التي تدفع الأمير محمد للاستعانة بهم.

الأمير فيصل بن فرحان آل سعود

الأمير فيصل بن فرحان بن عبدالله بن فيصل بن فرحان آل سعود من مواليد العام 1974، وكان يشغل منصب سفير المملكة لدى ألمانيا، منذ شهر فبراير/شباط الماضي، ومن قبل كان مستشاراً بالسفارة الأمريكية في واشنطن.

 وغداة تعيينه سفيراً في برلين، كشف الأمير السعودي أنه وُلد في ألمانيا؛ إذ خاطب حينها متابعيه على تويتر باللغة الألمانية قائلاً: «هذه المهمة خاصة جداً بالنسبة لي؛ لأن ألمانيا البلد الذي ولدت فيه».

وتظهر مقاطع فيديو متداولة للأمير أنه يتحدث اللغتين الألمانية والإنجليزية بطلاقة.

Grußbotschaft des Saudi-Botschafters @FaisalbinFarhan #TagderDeutschenEinheit ????

تهنئة سمو السفير @FaisalbinFarhan ألمانيا بمناسبة يوم الوحدة الألمانية. ???? pic.twitter.com/pVtlwM6j5C

كما يوصف بأنه متحدث سياسي بارع، خلال مشاركاته في مراكز بحوث ووسائل إعلام غربية.

والأمير عضو مجلس إدارة الشركة السعودية للصناعات العسكرية منذ أكتوبر/تشرين الأول 2017.

وفي العام 2017 أيضاً عُيّن الأمير فيصل مستشاراً في وزارة الخارجية بالمرتبة الممتازة.

وإلى جانب شَغله منصب مستشار في الديوان الملكي، شغل الأمير فيصل بن فرحان منصب رئيس مجلس إدارة شركة السلام لصناعة الطيران. بحسب موقع «سبق».

وتولّيه المنصب يشكل ذروة عملية تصعيد للجيل الجديد من الدبلوماسيين السعوديين ذوي الثقافة الغربية، والذين تلقّوا تعليمهم في الغرب، ويجيدون التحدث باللغات الغربية، ومخاطبة الرأي العام الغربي.

كان تعيين الأميرة ريما بنت بندر كسفيرة للمملكة العربية السعودية في واشنطن حدثاً مدوياً.

إذ كانت أول سفيرة سيدة للسعودية في الخارج، كما أن تعيينها جاء في وقت كان الأمير محمد يعاني فيه من تبعات الكشف عن تفاصيل جريمة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده في إسطنبول، على يد عملاء للأجهزة الأمنية السعودية.

والأميرة ريما هي ابنة الأمير بندر بن سلطان، الذي شغل منصب سفير السعودية في واشنطن منذ عام 1984، أي أنها جاءت للولايات المتحدة وهي بعمر 9 سنوات إلى العاصمة الأمريكية، وبقي الأمير بندر في واشنطن حتى مغادرته المنصب في عام 2005.

 وهي حاصلة على شهادة البكالوريوس في دراسات المتاحف والآثار التاريخية من جامعة «جورج واشنطن» في الولايات المتحدة.

وقبل تولّيها هذا المنصب لم تشغل  أي منصب له علاقة بالسياسة أو الدبلوماسية، ولكن كانت لها أنشطة مالية واجتماعية كثيرة.

 قبل منصبها الجديد عملت الأميرة ريما مستشارة لولي العهد.

 وعقب جريمة اغتيال جمال خاشقجي، دافعت بشراسة عن سياسة ولي العهد في المحافل الدولية، بسبب قدرتها على تحدث اللغة الإنجليزية بطلاقة، واصفة إصلاحاته الاجتماعية مثل السماح للنساء بقيادة السيارات بأنها «تطور وليست تشبهاً بالغرب».

عادل الجبير الذي يشغل منصب وزير الدولة للشؤون الخارجية حالياً، والذي قاد الدبلوماسية السعودية بعد تولي الملك سلمان للسلطة خلفاً للأمير المخضرم سعود الفيصل، هو أيضاً نموذج مبكر لتصعيد الجيل الجديد من الدبلوماسيين ذوي الثقافة والتعليم الغربيين.

إذ إن الجبير حصل على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية والاقتصاد من جامعة نورث تكساس عام 1982، والماجستير في العلاقات الدولية من جامعة جورج تاون في عام 1984.

وكسفير في واشنطن، قام بالترجمة للملك الراحل عبدالله في لقاءاته مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وتوجه ذهاباً وإياباً إلى المملكة بانتظام، لإبلاغ الملك شخصياً بالرسائل الأمريكية.

وهو متحدث صريح يعبر عن النهج الحازم الجديد لبلاده تجاه النزاعات المتنامية في الشرق الأوسط.

وهناك أحمد عبدالعزيز قطان، وزير الدولة لشؤون الدول الإفريقية، بمرتبة وزير بالمملكة العربية السعودية، وهو لم يتلق تعليمه الجامعي في الغرب، بل في القاهرة، ولكنّه عمل في السفارة السعودية في واشنطن من عام 1984م إلى عام 2005م.

ويجمع قطان بين الثقافتين الأمريكية والمصرية، بحكم تعليمه المصري وبقائه لفترة طويلة في واشنطن والقاهرة (حيث كان سفيراً ومندوباً للمملكة لدى الجامعة العربية).

هناك مهمتان رئيسيتان أمام هذا الجيل من الدبلوماسيين السعوديين ذوي الثقافة السعودية.

يستطيع هؤلاء أن يعززوا الجهود الجارية لتقديم صورة محسنة للمملكة، الساعية للتحرر بقيادة الأمير الشاب محمد بن سلمان، وفي الوقت ذاته محاولة التقليل من أهمية العوامل التي تشوه صورة المملكة. 

فهم أقدر على الدفاع عن المملكة في القضايا التي تشوه وجهها في الغرب، مثل الحرب في اليمن.

ولكن اللافت أن وزير الخارجية الجديد الذي يجيد التحدث بالألمانية والإنجليزية بطلاقة، ويُمتدح لثقافته الغربية، قوبل بانتقادات في ألمانيا عند تعيينه سفيراً، بسبب اتهامات بأن له دوراً في استدراج الصحفي جمال خاشقجي إلى قنصلية بلاده في إسطنبول، حيث جرى اغتياله.

هدف القيادة السعودية هو تقديم وجه غربي حَداثي للمملكة عبر هؤلاء الدبلوماسيين الأنيقين، الذين يعدون نجوماً في الحفلات والتجمعات النخبوية الغربية.

أما الهدف الثاني، وقد يكون الأهم، فهو أن هؤلاء الرجال والنساء الأنيقين أقدر على مخاطبة الرأي العام الغربي بطريقته، لتخويفه من الدور الإيراني في المنطقة، وحشده ضد طهران.

رغم النجاح الجزئي لسياسة تصعيد الوجوه ذات الثقافية الغربية في بعض الأوساط في أوروبا وأمريكا، فإن كثيراً من الدوائر الغربية الأكثر فهماً لملفات المنطقة تعلم أنه ليس كل ما يلمع ذهباً، وليس كل مَن تعلَّم في الغرب ديمقراطياً.

وتفهم هذه الدوائر أنه تاريخياً كانت النخب الحاكمة في الشرق الأكثر تغريباً من حيث التعليم والشكل، هي في الواقع الأبعد عن شعوبها والغرب في آن واحد.

تتحدث هذه النخب الشرقية المتغربة بإنجليزية بطريقة لا تقل فصاحة عن أبناء الإنجليزية نفسها، وهم الغالب أكثر دراية بالموضة الغربية من النخب الغربية.

ولكنها على عكس النخب الغربية المرتبطة بقواعدها الشعبية المحلية، فإن النخب الشرقية المتغربة تتعالى على مواطنيها، ولا تؤمن بأفضل القيم الغربية وهي الديمقراطية، والإيمان بحق الشعب في اختيار ممثليه، وأن تكون السياسة ومن خلفها التنمية نابعة من المجتمع، وليست مفروضة من أحلام طوباوية.

فمن الخديوي إسماعيل في مصر، إلى شاه إيران، مروراً بأتاتورك أثبتت النخب الشرقية المنبهرة بالغرب، والتي تريد فرض التحديث القسري على شعوبها، أنها أبعد ما تكون عن روح الغرب، وأن ما تفرضه على شعوبها هو تغريب شكلي، ليس تحديثاً، أو هو تحديث على طريقتها الشكلية.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى