لايف ستايل

في زمن الأوبئة: خيطٌ رفيع بين جنون الريبة اللامنطقي والحذر المعقول

بصرف النظر عن أنني ألِفُّ رأسي بشريط
لاصق حتى لا أسمع أي شيء، فإنني أحاول ألا أُصاب بالهستيريا بسبب فيروس
الكورونا. 

أعرف أن الأمر ليس مضحكاً. فلو كنت
كبيراً في السن، ربما يكون ذلك خطيراً. ربما، في بعض الأحيان، لكن ليس دائماً، ولا
نعرف في الواقع. مع ذلك، بمتابعة تقارير الأخبار حول مرض فيروس الكورونا الذي سُمي
بدقة مرض فيروس كورونا 2019، أو covid-19، نستنتج أننا جميعاً سنموت.
ولنتجنب ذلك المصير، قيل لنا إنه يجب غسل اليدين وتجنب المصابين وإلغاء السفر،
وحينئذ لا مشكلة البتة.

لو كان عمرك أكثر من 60 سنة، أي 40 سنة
حتى الآن حسب الحساب الجديد للعمر، يجب أن تفكر في “العزل الاجتماعي”.

بالنسبة لأمر من المحتمل كثيراً أن
يكون فتاكاً، على الأقل أكثر من الإنفلونزا المعتادة لكن ليس على قدر السارس أو
الفيروس المسبب بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية، وهما فيروسا كورونا آخران، تبدو
نصيحة غسل اليدين نصيحةً لطيفةً بالنظر إلى أنه يتعين على الأشخاص غسل أيديهم
مراراً وتكراراً تحت أي ظرف من الظروف. كانت عمتي تدفع بنات وأبناء أخواتها وأبناء
عمومتها ناحية الوسواس القهري بسبب تحياتها كلما دخلنا إلى المنزل المصحوبة بتوجيه
أوامر للجميع بأسلوب لطيف قائلة: “اذهبوا لغسل أيديكم”. وحسبما تجري
الأمور، صرت أنا تلك العمة.

وفي تلك الأثناء، صارت العزلة
الاجتماعية هي اختصاصي، لذا أعتقد أنني جاهزة تماماً لتلك المدة، إذ أميل إلى تجنب
الحشود باعتبارها سياسة شخصية، وإلا لم أكن لأفكر قط في العزلة.

من ناحية أخرى، ماذا لو كنت محاطاً
بمرضى وأنا لا أدري؟ صرنا نعرف الآن أن فترة الحضانة لفيروس الكورونا، التي يمكن
أن تصل إلى أسبوعين، تشير إلى أن الأشخاص يمكن أن يصابوا بالعدوى وينقلوها دون أن
تظهر عليهم الأعراض. ودون الخضوع لاختبارات مناسبة، ليس لدينا أي طريقة لمعرفة عدد
الأشخاص المصابين. وبالتأكيد فإن أحدث رقم مبلغ عنه يوم الثلاثاء 10 مارس/آذار،
وهو أكثر من 750 حالة في الولايات المتحدة، هو بالتأكيد أقل بكثير من العدد
الفعلي.

يمثل الحجر الصحي حالة طبيعية لكاتب
يعمل من المنزل. وفي هذه الحالة يأتي الحجر مع وظيفة. وقد تكمن بعض الجاذبية في
هذا المفهوم. تخيل الهدوء والسكون والصفاء الذي يحل لو بقي الجميع في منازلهم
لبضعة أسابيع. أو بدلاً من ذلك أن تحل النزاعات الأسرية، والفوضى، ومظاهر الخلل في
الأداء عند وصول رهاب الاحتجاز إلى ذروته.

يُطلب من الكثير من جيراني السابقين في
جورج تاون بواشنطن البقاء في الحجر الصحي، بعد اكتشاف أن قسيس الكنيسة أصيب بالعدوى دون علم بمصافحته مئات من أبناء الأبراشية على مدار
الأسبوعين الماضيين. يوجد بالفعل بعض هؤلاء المصلين ضمن المجموعة السكنية المعينة،
التي يمكن أن يضربها فيروس كورونا بشدة، وسنطلق على هؤلاء كبار السن. 

تتمثل أحدث نصيحة أضافتها مراكز مكافحة
الأمراض واتقائها في أنه يجب على الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 60 عاماً تجنب
الحشود وتخزين الطعام والشراب والعلاج في حال اضطروا إلى البقاء في منازلهم لفترة
طويلة. لكن ما الذي تعنيه كلمة التخزين بالضبط؟ وكم يكفي؟ بطبيعة الحال، أعددتُ
قائمةً خاصة بي. ولسبب ما، أعتقد أن شعيرية رامن يجب أن تكون ضمن القائمة، رغم أنه
لم يسبق لي شراؤها من قبل. ثمة عناصر أخرى لا تتضمَّنها عادة عربة التسوق، مثل
زجاجة كلوروكس كبيرة، ومصاصات ثلج، وبسكويت مالح. وعليه قد يعتقد البعض أنني أخطط
لأن تصبح مريضة.

هل أتسوَّق بنفسي أم أطلب عبر
الإنترنت؟ هل أُصبت بجنون الريبة اللامنطقي أم أنني حذرة بشكل معقول؟ تبدو التغطية
الإعلامية المستمرة، التي نشعر تجاهها بالامتنان والاستياء بالتناوب، وكأنها دعوة
للإصابة بهيستيريا. وبالنظر إلى أن المطهرات والكمامات غير متوفرة في كل مكان،
أشتري الكحول بدرجة 190 وجلسرين لصنع معقم خاص بي فأتجنب الطوابير المزدحمة. وفي
جنوب البلاد، بالطبع، يغطي اللقاح كل شيء، مما يجعل الكثير من الأشخاص يسعلون أو
يعطسون دون أن يكونوا مصابين بأي فيروس.

الأمر المطلوب اليوم: اغسل يديك حسب
المعتاد. اطمئن على جيرانك كبار السن، كما ينبغي على أي حال. وكن مستعداً، لا داعي
للذعر. لكن حتى تلك الرسالة تثير جنون الريبة. أو ما هو أسوأ: بعض التصفح بالعين.
في ولاية كارولينا الجنوبية، حيث أتحصَّن بموقع غير معروف، سمعت العديد من الأشخاص
يطلقون على الذعر المصاحب للفيروس أنه مصدر للقلق لا يمكن تجاهله. ومع استمرار
الرئيس ترامب، وهو المصاب في العادي بهوس النظافة، في مصافحة الأيادي والتعهد بأن
كل شيء على ما يرام، لا عجب أن يظل البعض مصابين بالشك.

لكن وجهة نظري مختلفة: تمنَّ الأفضل،
واستعد للأسوأ.

وبصرف النظر عن أي شيء، احتفظ بكمية
وافرة من الشريط اللاصق في متناول يديك. فهو مريح أكثر مما تعتقد.

– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة Washington Post
الأمريكية. 

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى