تقارير وملفات إضافية

“لكل رئيس جزائري دستوره”.. هل يسير تبّون على هذه القاعدة أم يكتفي بتعديل دستور بوتفليقة؟

بمجرد وصوله إلى سدة الحكم بدأ الرئيس الجزائري الجديد بتنفيذ وعوده الانتخابية بتعديل دستور سلفه عبدالعزيز بوتفليقة الذي احتكر كل صلاحيات السلطة التنفيذية في يده، ووعد عبدالمجيد تبون بتقليص هذه الصلاحيات، لكن ذلك لم يقنع المعارضة وبعض الخبراء.

ومنذ اليوم الأول لانتخابه مدّ عبدالمجيد تبون يد الحوار للحراك الشعبي الذي قاطع بشكل واسع الانتخابات الرئاسية التي جرت في 12 كانون الأول/ديسمبر. ووعد الرئيس الجديد بتعديل “عميق” للدستور من أجل بناء “جمهورية جديدة”.

لكن الحراك عبّر عن رفضه التام لعرض الحوار من خلال تظاهرات استمرت دون انقطاع كل يوم جمعة منذ 56 أسبوعاً قبل أن تتوقف بسبب تفشي وباء كورونا المستجد.

وفي كانون الثاني/يناير، نصّب عبدالمجيد تبون لجنة خبراء في القانون كلّفها بإعداد مسوّدة يتم عرضها للمشاورات العامة ومناقشة البرلمان ثم للاستفتاء العام. وانتهت هذه اللجنة من عملها وأعدت مجموعة اقتراحات قدمتها لرئيس الجمهورية في 26 آذار/مارس، لكن انتشار الوباء أخّر الإعلان عنها إلى السابع من أيار/مايو.

وتضمن تقرير اللجنة 73 اقتراحاً مقسّمة على 6 محاور، منها “تعزيز الفصل بين السلطات وتوازنها” التي تخصّ صلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والبرلمان.

وسارت الجزائر منذ استقلالها على قاعدة “لكل رئيس دستوره الخاص”، في حين من غير الواضح إن كان تبون سيسير على هذه القاعدة أم لا، إذ يرى تحالف من المعارضة يضم أحزاباً ومنظمات وجمعيات ونقابات، أن “تلبية التطلعات المشروعة للشعب الجزائري” تمر عبر “مؤسسات انتقالية” هي من تعدّ دستوراً جديداً، وليس تعديل الدستور الموروث من 20 سنة من حكم بوتفليقة.

الرئاسة الجزائرية قالت في بيان إن الوثيقة “مجرد مسودة لتعديل الدستور تعديلاً شاملاً وعميقاً، وهي بمثابة أرضية للنقاش لا غير، ومنهجية عمل ارتأى الرئيس اتباعها، حتى لا ينطلق النقاش من فراغ، بل يرتكز على وثيقة معدة من طرف نخبة من كبار أساتذة القانون”.

وأضافت أن “الرئيس يأمل في إسهامات بناءة بتعديل ما يرونه يستحق وبحذف ما يجب حذفه، وإضافة ما ينبغي إضافته، لأن الغاية السامية هي تزويد الأمة بدستور توافقي يستجيب لتطلعات الشعب”.

وخلُص إلى أنه من شأن هذه الإسهامات المرتقبة أن “تعبّد الطريق أمام بناء جمهورية جديدة، ينعم فيها الجميع بالعدل والحرية والأمن والاستقرار والرفاه الاجتماعي والثقة بالمستقبل”.

من أهم ما ورد في المسوّدة من تعديلات: اقتراح استحداث منصب نائب للرئيس، وتوسيع صلاحيات رئيس الحكومة والبرلمان، والسماح بمشاركة الجيش في عمليات خارج الحدود، وتعويض المجلس الدستوري الذي يفصل في نتائج الانتخابات بمحكمة دستورية.

وفي حال إقراره، فسيكون هذا التعديل الدستوري العميق المرتقب خلال أشهر، السادس منذ استقلال الجزائر عام 1962 إلى جانب تعديلات طفيفة أخرى كثيرة على الدساتير، حيث جرى تقليد سياسي بأن يقوم أي رئيس يصل الحكم بتغييرات على الوثيقة الأساسية للبلاد بشكل رسّخ اعتقاداً بأن “لكل رئيس دستوره الخاص”.

أول دستور للجزائر المستقلة وضعه الرئيس الراحل أحمد بن بلة عام 1963، وكان يكرّس حكم الحزب الواحد، لكنه لم يعمر طويلاً بعد أن انقلب عليه وزير دفاعه والرئيس الراحل هواري بومدين عام 1965، وألغى العمل بالدستور لسنوات.

وفي عام 1976، وضع بومدين دستوراً جديداً أدخلت عليه تعديلات طفيفة بعد وفاته عام 1979، ولكن استمر العمل به حتى عام 1989 حين وضع الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد أول دستور يُنهي حكم الحزب الواحد ويقر التعددية السياسية بعد الثورة الشعبية في 5 أكتوبر/تشرين الأول 1988.

ولم يعمّر دستور التعددية طويلاً، حيث تم تجميد العمل به مطلع التسعينيات بعد استقالة الشاذلي ودخول البلاد في أزمة أمنية وسياسية، عقب إلغاء الجيش نتائج انتخابات نيابية فازت فيها “الجبهة الإسلامية للإنقاذ”.

وعام 1996، جاء الرئيس السابق اليامين زروال بدستور جديد بعد تراجع الأزمة الأمنية، حافظ شكلياً على التعددية السياسية واستمر العمل به حتى عام 2016.

وطيلة الفترة المذكورة، أدخل الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة الذي خلفه عام 1999، عدة تعديلات على الدستور، أهمها ترسيم الأمازيغية لغة وطنية عام 2002، وفتح الفترات الرئاسية لتصبح مدى الحياة بدلاً من اثنتين عام 2008، إلى جانب تقليص صلاحيات رئيس الحكومة.

وفي 2016، وضع بوتفليقة دستوراً جديداً أعاد من خلاله تحديد الولايات الرئاسية باثنتين فقط، وقام بترقية الأمازيغية إلى لغة رسمية ثانية إلى جانب العربية، وأنشأ هيئة عليا لمراقبة الانتخابات.

في 22 فبراير/شباط 2019، شهدت الجزائر انتفاضة شعبية غير مسبوقة أطاحت ببوتفليقة الذي كان ينوي الترشح لولاية خامسة، واستمرت هذه المسيرات المطالبة بالتغيير لأشهر.

وفي 12 ديسمبر/كانون الأول الماضي، جرت انتخابات الرئاسة انتخب خلالها عبدالمجيد تبون رئيساً للبلاد خلفاً لبوتفليقة، وتعهد بتغييرات جذرية لنظام الحكم، من خلال تعديل دستوري عميق يستجيب لمطالب الشارع في التغيير.

ويردد تبون في جميع تصريحاته الإعلامية منذ انتخابه، أنه يريد “دستوراً ينهي حكم الفرد الواحد ويحقق توازناً بين السلطات”، كما أعلن أنه “لا يحبذ وثيقة مفصلة على شخصه ولكن دستوراً يبقى يسير شؤون الدولة لعقود”.

وفي أول رد فعل له على عرض مسوّدة الدستور للنقاش، أكد تكتل معارض يضم أحزاباً ومنظمات نقابية معظمها يسارية وعلمانية “قوى البديل الديمقراطي”، أن “أزمة الشرعية التي ضربت النظام منذ الاستقلال الوطني لا يمكن حلها عن طريق إجراءات ترقيعية”.

وحسب بيان التكتل صدر الجمعة، فإنه “مهما كان ما يعتقده سادة السلطة القدامى والجدد، فإن الإجماع حول التحول المؤسساتي والدستوري لتكريس الديمقراطية الحقيقية لا يمكن أن ينجح دون نقاش شعبي واسع وعام يتوج بمسار تأسيسي ذي سيادة، وليس تعديل الدستور الموروث من 20 سنة من حكم بوتفليقة.

وعارض هذا التكتل انتخابات الرئاسة التي جاءت بتبون رئيساً للبلاد، كما ظل يطالب بمجلس تأسيسي يضع دستوراً للبلاد قبل الذهاب إلى أي انتخابات وهو مقترح اعتبرته السلطات “محاولة لجرّ البلاد نحو المجهول وضرب استقرارها بتفكيك مؤسساتها”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى