تقارير وملفات إضافية

800 قاعدة ومنشأة عسكرية أمريكية في الخارج.. هل يستطيع ترامب حمايتها جميعاً من إيران؟

يتحمَّل البنتاغون مسؤولية جسيمة تتمثَّل في حماية جميع القواعد العسكرية والقوات الأمريكية داخل الولايات المتحدة وخارجها، بعد تعهّد إيران بتوجيه ضربة عسكرية ضد أهداف أمريكية رداً على مقتل قائدها العسكري الأعلى قاسم سليماني.

يقول الجنرال حسين دهغان، المستشار العسكري للمرشد الأعلى بإيران، آية الله علي خامنئي، في مقابلة حصرية مع شبكة «CNN» الأمريكية يوم الأحد 5 يناير/كانون الثاني، إنَّ «رد طهران على الغارة الجوية التي استهدفت قاسم سليماني في بغداد الأسبوع الماضي سيكون بتوجيه ضربة مباشرة ضد مواقع عسكرية أمريكية».

تقول شبكة CNN الأمريكية، إن الولايات المتحدة الأمريكية –أكثر من أي دولة أخرى- تدير حالياً حوالي 800 قاعدة عسكرية ومنشآت لوجستية خارج أراضيها، من سنغافورة إلى جيبوتي ومن البحرين إلى البرازيل. هذا بالإضافة إلى مئات المنشآت الأخرى المنتشرة على الأراضي الأمريكية.

تمثّل كل منشأة أمريكية هدفاً محتملاً –بل حتى كل جندي أمريكي أو بحّار أو طيار عسكري أو جندي مارينز. ويُفترض أنَّ الرد العسكري الإيراني يشمل أيضاً استهداف السفن التابعة للبحرية الأمريكية في البحر أو طائرات سلاح الجو الأمريكي سواء الموجودة في المطارات أو المُحلّقة في سماء العالم، أو حتى قوات أمريكية تستمتع بوقتها خارج أوقات الخدمة.

قال كارل شوستر، مدير العمليات السابق في مركز الاستخبارات المشتركة التابع للقيادة الأمريكية في منطقة المحيط الهادئ: «ثمة طرق عديدة لضرب الأفراد الأمريكيين، ولا تستطيع الولايات المتحدة حمايتهم جميعاً».

قد يأتي التهديد من القوات الإيرانية نفسها أو وكلائها المرتبطين ارتباطاً وثيقاً بطهران. يقول كريستوفر كوستا، المدير السابق لشؤون مكافحة الإرهاب بمجلس الأمن القومي في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب: «تتمتع إيران بنفوذ ممتد حول العالم من خلال شبكاتها السرية».

حزب الله في لبنان، أحد وكلاء إيران في منطقة الشرق الأوسط، يعتقد أنه قد دبَّر الهجوم على ثكنات قوات مشاة البحرية الأمريكية «المارينز» في مطار بيروت عام 1983، وهو تفجير انتحاري بشاحنة مفخخة أسفر عن مقتل 241 من أفراد الخدمة الأمريكية بينهم 220 من جنود المارينز. لا يزال هذا الهجوم الأكثر فتكاً ضد قوات المارينز منذ معركة «ايو جيما» في المحيط الهادئ خلال الحرب العالمية الثانية.

وتوجهت أصابع الاتهام إلى حزب الله في الحجاز، أحد التنظيمات الموالية لإيران، بتنفيذ تفجيرات أبراج الخبر في المملكة العربية السعودية عام 1996، والتي أودت بحياة 19 طيّاراً.

وتعهّد حسن نصرالله، زعيم جماعة حزب الله في لبنان، يوم الأحد 5 يناير/كانون الثاني بتحقيق «القصاص العادل» لمقتل سليماني.

وقال نصرالله في خطاب متلفز: «نستهدف الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة والقواعد العسكرية الأمريكية والبوارج الحربية وكل ضابط وجندي أمريكي في منطقتنا وفي بلادنا وعلى أراضينا. الجيش الأمريكي قتل سليماني وسيدفع الثمن».

في السياق، يقول شوستر إنَّ نفوذ حزب الله يمتد في جميع أنحاء الشرق الأوسط وإفريقيا، بما في ذلك كينيا، حيث قُتل ثلاثة أمريكيين في نهاية الأسبوع في هجوم شنَّه مقاتلو حركة «الشباب» الإرهابية.

وعلى الرغم من أنَّ حركة «الشباب» غير متحالفة مع حزب الله اللبناني، فإنَّ هجوم يوم الأحد على مهبط للطائرات بالقرب من منشأة عسكرية أمريكية يُبيّن إلى أي مدى القوات الأمريكية عُرضة للاستهداف من جانب خصوم معادين.

تمتلك البحرية الأمريكية 293 سفينة حربية يمكن نشرها. بينما يرسو ثلث هذا العدد تقريباً في عرض البحر أو في موانئ أجنبية، لا تزال كل واحدة من هذه السفن الحربية الأمريكية تُمثّل هدفاً محتملاً للانتقام الإيراني.

على سبيل المثال، تعرضت المدمرة الأمريكية «USS Cole» في أكتوبر/تشرين الأول عام  2000، لتفجير انتحاري بينما كانت ترسو في ميناء عدن باليمن لإعادة التزوّد بالوقود.

تسبَّب هذا التفجير -الذي نفَّذه انتحاريون على متن قارب صغير محمّل بالمتفجرات- في إحداث فتحة في جانب السفينة، التي حمولتها 8500 طن، وأسفر عن مقتل 17 بحّاراً أمريكياً. وتبيَّن فيما بعد أنَّ هؤلاء الإرهابيين كانوا أعضاء في تنظيم القاعدة. لكن هذا الهجوم كشف مدى قدرة عملية تفجيرية متواضعة نسبياً على إلحاق ضرر كبير بسفن حربية عالية التقنية.

وزير الدفاع الأمريكي آنذاك، وليام كوهين، قال إنَّه مع تدابير حماية القوات الأمريكية المقررة في ذلك الوقت، لم يكن هناك فرصة لمنع الهجوم. في نهاية المطاف، نفَّذت البحرية الأمريكية تدابير جديدة لحماية سفنها الحربية الراسية في الموانئ، من بينها فرض مناطق حظر حول السفن الأمريكية.

ومع ذلك، أشار شوستر إلى أنَّ قوة التدابير الأمنية اللازمة لحماية السفن في الموانئ الأجنبية مرهونة فقط بمدى قوة وكفاءة الدولة المضيفة التي تنفذها.

وقال شوستر: «تحدث مشكلة دولية إذا فرضنا تدابير أمنية على أرض دولة أخرى ذات سيادة». وفي حين عزَّزت الولايات المتحدة تدابيرها الأمنية، يُطوّر الخصوم أيضاً من قدراتهم.

قال شوستر: «يُعتقد أنَّ إيران طوَّرت قدرات الغواصين الماهرين، بحيث يمكنهم السباحة تحت السفن الحربية وحولها وإلصاق الألغام بهياكلها، وهو أمر يصعب على أشد التدابير الأمنية اكتشافه.

وثمة تهديد آخر للبوارج الأمريكية يتمثَّل في الألغام، مثل اللغم البحري الإيراني الذي كاد يشطر فرقاطة أمريكية إلى نصفين في عام 1988.

اصطدمت الفرقاطة الأمريكية «Samuel Roberts» بلغم في الخليج العربي، مما أسفر عن إصابة 10 من أفراد طاقمها وأحدث الانفجار فتحة طولها 15 قدماً (4.5 متر) في هيكلها وتسبَّب في كسر عارضة الفرقاطة -وهو ضرر دائماً ما يتسبَّب في غرق السفينة. ومع ذلك، استطاع طاقم الفرقاطة في إنقاذها من الغرق، جزئياً باستخدام الكابلات الفولاذية الثقيلة لربط الأجزاء المكسورة من الهيكل العلوي للسفينة ببعضها البعض.

قال شوستر إنَّ تقنية هذا اللغم الإيراني تعود إلى الحرب العالمية الأولى، حيث اُستخدمت متفجرات بسيطة مزودة بجهاز تفجير يعمل عند اصطدامها بجسم صلب، ومن المرجح أن تلك التقنية لا تزال موجودة في الترسانة العسكرية الإيرانية حتى يومنا هذا.

في حين أنَّ الجيش الأمريكي سيكون في درجة عالية من التأهب بعد التهديدات الإيرانية الأخيرة، من الصعب أن يبقى في حالة تأهب دائمة.

وأشار شوستر إلى أنَّ إيران لديها الصبر الكافي حتى تحين لحظة الضعف، قائلاً: «إنَّهم فقط ينتظرون شخصاً ما يسهو أو يسترخي». 

تبيّن واقعة مطاردة شرطة كاليفورنيا لإحدى السيارات في عام 2016 مدى صعوبة التنبؤ بكل تهديد. وقعت تلك الحادثة في قاعدة جوية بحرية بمدينة ليمووري الأمريكية عندما اندفع شخصان يستقلاّن سيارة «جيب شيروكي» داخل القاعدة الأمريكية مسافة 11 كيلومتراً أثناء محاولتهما الفرار من إحدى دوريات المرور على الطرق السريعة واصطدما بطائرة مقاتلة طراز F / A-18 قيمتها 60 مليون دولار.

قال مسؤولو القاعدة الأمريكية إنَّ جميع نقاط الدخول والخروج كانت خاضعة للتأمين على نحوٍ ملائم من خلال أفراد عسكريين عندما وقع الحادث. ولم يكشفوا بعد كيف استطاعت السيارة تجاوز الحراسة الأمنية والحواجز المصممة لمنع مثل هذه الاقتحامات.

في ذلك الوقت، كانت جميع القواعد العسكرية الأمريكية داخل الولايات المتحدة تحت ما تسميه وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) المستوى «BRAVO»، وهو المستوى الثالث في نظام حماية يُدعى «FPCON» مكوَّن من خمسة مستويات لمكافحة الإرهاب، ويُعبّر هذا المستوى عن حالة وجود «تهديد إرهابي متزايد ومتوقع».

ثمة أنواع أخرى من التهديدات قد تطال القواعد العسكرية داخل الولايات المتحدة. في الشهر الماضي، قُتل خمسة أشخاص في حادث إطلاق النار داخل قاعدة «بينساكولا» البحرية الجوية في ولاية فلوريدا الأمريكية وحوض لبناء السفن بميناء «بيرل هاربر» العسكري في هاواي.

كان المشتبه بهما –وهما ضابط بالبحرية الأمريكية في ميناء «بيرل هاربر» وضابط عسكري سعودي يتدرَّب في قاعدة «بينساكولا»- مُصرّح لهما بدخول القاعدة العسكرية والميناء، ولم يكن لأي منهما صلات بالإرهاب.

لكن عمليات إطلاق النار تبيّن المهمة الصعبة المُتمثّلة في فحص عقول وتاريخ ملايين الأشخاص الذين لديهم إمكانية وصول إلى المنشآت العسكرية الأمريكية في جميع أنحاء العالم.

قال كارل شوستر إنَّ «الوضع الأمني المُشدَّد يميل إلى عرقلة عملياتك»، مشيراً إلى حاجة الولايات المتحدة إلى إعادة تموين وإمداد قواعدها العسكرية وسفنها الحربية، فضلاً عن متابعة حركة الأفراد العسكريين إلى الداخل أو الخارج».

وأضاف شوستر: «لا تستطيع حراستهم طوال الوقت على مدى فترة طويلة جداً. وحتى لو استطعت فعل ذلك، ربما لن يكون كافياً». وتابع: «لا يمكن ردع إيران بإجراءات أمنية مشددة. ما يردع إيران هو احتمال الفشل. إيران تُركّز على تحقيق النجاح».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى