ثقافة وادب

لأدخل العرب والصينيين تحت سلطته.. ماذا لو لم يمت الإسكندر المقدوني شاباً؟

بحكمة أورثها إياه أستاذه أرسطو، وشجاعة زرعتها في نفسه والدته أوليمبياس التي أوهمته بأنه ابن كبير الآلهة زيوس، استطاع الإسكندر المقدوني بناء أعظم الإمبراطوريات التي عرفها العالم القديم.

لم يخسر جيشه معركة قط، واستمر بغزواته وفتوحاته حتى امتدت مملكته من سواحل البحر المتوسط غرباً وصولاً إلى سلسلة جبال الهيمالايا شرقاً.

للأسف، لم يكتب العمر المديد للإسكندر الأكبر، فقد توفي شاباً عن عمر 32 عاماً، وماتت معه طموحاته بغزو المزيد من الأراضي وتوسيع إمبراطوريته لتشمل كل “العوالم المأهولة”.

لكن، تخيلوا معي أن الموت لم يخطف الإسكندر في هذه السن المبكرة، ما الحدود التي كان سيصل إليها، وكيف سيكون شكل إمبراطوريته حينها؟

بحلول عامه الثلاثين كان ملك مقدونيا الإغريقي قد أسس إحدى أكبر وأعظم الإمبراطوريات التي عرفها العالم القديم، وقد غير العالم إلى الأبد معلناً بدء ما يسمى تاريخياً بـ “الحقبة الهلنستية” والتي كان النفوذ اليوناني خلالها هو الأقوى على الإطلاق، فقد سيطر اليونانيون خلال هذه الحقبة على مساحات شاسعة من الأراضي، كما انتشرت خلالها اللغة والفلسفة اليونانية وكذلك الدين الإغريقي.

امتدت إمبراطورية الإسكندر الأكبر من سواحل البحر المتوسط غرباً وصولاً إلى سلسلة جبال الهيمالايا شرقاً، لتشمل أراضيه اليونان وبلاد الشام ومصر وبلاد الرافدين وشبه القارة الهندية.

كما وصل إلى إقليم البنجاب، وهو ما يُعرف اليوم باسم باكستان وشمال غرب الهند، وغزا الإمبراطورية الفارسية عام 334 قبل الميلاد.

وخلال كل تلك المعارك والغزوات تكبد جيشه خسائر فادحة، لكنه مع ذلك لم يهزم في معركة قط.

مع ذلك، لم يكتب للإسكندر المقدوني أن يكمل غزواته فقد توفي في الثانية والثلاثين من عمره بسبب الحمى التيفية.

لكن، ماذا لو لم يقض ذلك الوباء على هذا الإمبراطور الطموح؟ إلى أين كانت ستمتد غزواته؟ فلنستعرض معاً آراء باول كارتليدج، الحاصل على الأستاذية الفخرية من مؤسسة A G Leventis في الثقافة اليونانية بجامعة كامبريدج، حول هذا الموضوع، بحسب ما ورد في  مجلة History Extra البريطانية.

تصور الإسكندر أنه على مرمى حجرٍ من المحيط أو النهر العظيم الذي كان يعتقد أنه يُحيط بـ”العوالم المأهولة”، إذ لم تكن خريطة العالم واضحة آنذاك، وكان اليونان يجهلون وجود العديد من الدول ومن بينها الصين.

مع ذلك، ربما لو تابع الإسكندر المقدوني زحفه شرقاً لكان التقى بالصينيين وتصادم مع أبناء ولاية تشن الأقوياء، ولا ندري لمن ستكون الغلبة في تلك الحالة.

وبالرغم من أن الصين كانت ستكون الوجهة المقبلة للإسكندر لو كتب له متابعة الزحف شرقاً، إلا أن كراتليدج يرجح عدم حصول ذلك حتى لو بقي الإسكندر على قيد الحياة فترة أطول.

فبعد سنواتٍ من الغزو في بلادٍ مترامية الأطراف بعيداً عن الوطن رفض رجال الإسكندر المضي قدماً.

وكان إمبراطور مقدونيا قد جرب معهم كل شيء لتحفيزهم على المضي قدماً، من التهديد إلى التنديد إلى الوعود، وإذا لم يكن ذلك كافياً لإقناعهم فمن المرجح أنهم ما كانوا ليرافقوا قائدهم ليصلوا إلى الصين.

يقول كارتليدج: “لم يكن الإسكندر أبرع الإداريين في العالم، لكنه كان أبرع الغزاة”.  

وبما أن إضافة الأراضي الجديدة تُضعف من سيطرته على الموارد وعلى الجيوش، فقد كان لابد له من اتباع إدارة فعالة للسيطرة على الأراضي التي غزاها، وقد كان أول من أوجد نظام “الملوك بالوكالة”.

فقد كان الإسكندر يفضل الاعتماد على النُخبة من أهالي الأراضي المُحتلة ليوليهم مناصب الولاة بدلاً من الاعتماد على المقدونيين في ذلك.

وبذلك أسس الإسكندر نظاماً سهَّل مهام إدارة شؤون إمبراطوريته، وبالتالي كان سيتاح له الاستمرار بالتوسع، إن لم يكن شرقاً نحو الصين، فغرباً باتجاه الجزيرة العربية.

 فقد عاد الإسكندر إلى بابل حيث مات هناك عام 323 قبل الميلاد.

ولو أنه عاش فترة أطول لكان سينشغل حتماً بتأمين مستعمراته بينما يستعد لشن حملةٍ أخرى، ستكون هذه المرة باتجاه الجزيرة العربية، التي لن تكون صعبة المنال كدول الشرق، لا سيما أن بلاد الرافدين وبلاد الشام كانت تحت سيطرة الإسكندر بشكل كامل.  

كان سيُتاح للإسكندر التركيز على توسعه فيما يحكم إمبراطوريته ولاته المعينون ووكلاؤه الملوك.

وربما كان سيتلاشى حلمه بالتعمق شرقاً بسبب رفض جنوده لاستمرار الزحف في تلك المناطق البعيدة، لكن كانت ستظل هناك الكثير من الأهداف ليطمح لها.

ولعله كان سيستدير غرباً بعد الجزيرة العربية لكن ليس باتجاه روما التي كانت لا تزال دولة ضعيفة آنذاك وفقاً  لكارتليدج، إنما باتجاه هدف أكثر إغراء: قرطاج على ساحل شمال إفريقيا.

يقول كارتليدج: “فكر الأثينيون بالفعل في احتلال قرطاج في أواخر القرن الخامس قبل الميلاد، ونجح دينسيوس الأول ملك سيراكيوز اليونانية (405 – 367 قبل الميلاد) في إخراج القرطاجيين من صقلية. ولعل الإسكندر المقدوني ما كان ليفوت تجربة احتلال هذه المنطقة لو بقي على قيد الحياة”

لكن، حتى لو عاش الإسكندر حياة مديدة وسع فيها إمبراطوريته لتشمل قرطاج والجزيرة العربية، سيكون مصير إمبراطوريته الدمار غالباً بعد وفاته.  

يؤكد كارتليدج: “أظن أن الإمبراطورية كانت ستتحطم أو تُسرق بغض النظر عن طول عمر الإسكندر. لكنه لو عاش لفترةٍ كافيةٍ ليُبين من سيخلفه، وأعد ذلك الشخص لتولي الخلافة، لكان قد منع إلى حدٍّ كبيرٍ اندلاع الحروب بين خلفائه”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى