تقارير وملفات إضافية

نعم أكراد سوريا والعراق قلقون من العملية العسكرية التركية.. لكن لماذا تبدو مواقفهم أكثر اعتدالاً من الأوروبيين؟

رغم قلق القوى السياسية الكردية في العراق وسوريا من نتائج العملية العسكرية التركية في شمال سوريا، إلا أن مواقفهم بدت أقل حدة من مواقف أطراف ودول أخرى ليس لها علاقة بالأزمة مثل الدول الأوروبية، كما أن بعض المواقف الكردية بدت متفهمة لبواعث قلق الأتراك مبدية رغبتها في الوساطة لإنهاء الأزمة.

وبينما يشعر أكراد العراق بالقلق على بني جلدتهم في سوريا وتأثير الأزمة عليهم فإنهم بدوا معنيين بحل الأزمة وليس تحويله فرصة لمناكفة تركيا كما تفعل العديد من الدول العربية والأوروبية.

كما أن بعض القوى السياسية الكردية في سوريا أبدت قلقها من العملية العسكرية التركية، ولكنها في الوقت ذاته أقرت باستفزازات قوات سوريا الديمقراطية «قسد» التي يقودها اليساريون الأكراد لتركيا.

خمسة أيام مرت على إطلاق تركيا عملية نبع السلام العسكرية، التي تستهدف إنشاء منطقة آمنة على طول الحدود مع سوريا، وبعمق يصل إلى 32 كيلومتراً داخل الأراضي السورية، من أجل «طرد التنظيمات الإرهابية» كما تقول تركيا وعلى رأسها قوات سوريا الديمقراطية أو ما تعرف اختصاراً بـ»قسد» وهي تشكيلات كردية تصنفها تركيا على أنها منظمة إرهابية وامتداد لحزب العمال الكردستاني الكردي التركي المصنف إرهابياً في أمريكا وأوروبا.

وبالطبع كان صدى هذه العمليات قوياً في كردستان العراق، وفي الأوساط الكردية السورية.

إلا أن اللافت أن المواقف تخلو من التشنج الذي ميز دولاً ليس لها علاقة بالقضية ولا تعرف شيئاً عن تفاصيلها، وبدا واضحاً أن القوى الكردية راغبة بشدة في وقف العملية العسكرية التركية ولكنها تتفهم أن أنقرة دولة جارة وأن لها مخاوف يجب أن توضع في الاعتبار.

وتحتفظ تركيا تقليدياً بعلاقات قوية مع إقليم كردستان العراق الذي يعد بوابة عبورها للعالم، كما أن كردستان العراق سوق مهم للمنتجات التركية.

كما أن هناك علاقة وثيقة قديمة تربط أكراد العراق بتركيا، والتي طالما لجأوا إليها.

إذ أنه خلال التسعينيات فر نحو نصف مليون كردي عراقي إلى تركيا هرباً من حروب صدام حسين عليهم بعد حرب تحرير الكويت.

وفي ذلك الوقت، احتضنت تركيا الأحزاب الكردية العراقية الرئيسية ، حيث سمح لهم بفتح مكاتب في أنقرة ، وتعاونت هذه الأحزاب مع تركيا في محاربة حزب العمال الكردستاني.

ولأنهم لا يعتبرون في خصومة مع المشروع السياسي التركي كبعض الدول العربية والأوروبية فإن مواقفهم قلقون على مصالحهم وإخوانهم الأكراد في سوريا، ولكن دون تحويل الأمر إلى خصومة مع تركيا ومحاولة لاستغلال الأزمة للنيل منها.

وفي هذا التقرير نحاول استعراض أبرز ردود الفعل الكردية على عملية نبع السلام.

في اليوم الأول على انطلاق عملية نبع السلام، وتعقيباً أيضاً على قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسحب قواته من الشريط الحدود بين تركيا وسوريا، قال رئيس إقليم كردستان العراق السابق وزعيم الحزب الديمقراطي الكوردستاني أكبر الأحزاب الكردية، في رسالة مفتوحة على حسابه في تويتر: «الرئيس دونالد ترامب.. أحيطكم علماً أن شعب كردستان قد طالب دائماً بحقوقه المشروعة ودافع عن نفسه، «البيشمركة كسرت أسطورة داعش والكرد كانوا جزءاً فعالاً من التحالف ضد الإرهاب».

وأضاف بارزاني قائلاً: «دماء الكرد أثمن بكثير من الأسلحة والأموال».

ومنذ انطلاق عملية نبع السلام، أجرى رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني مباحثات مع ممثلي الدول الكبرى في أربيل لتلافي ما أسماها «الكارثة».

إذ التقى على مدار الأيام القليلة الماضية القنصل العام الأمريكي في أربيل ستيف فيگن، وناقش معه محاولة منع الحرب التي تمثل كارثة للأكراد في سوريا، حسب وصفه.

كما التقى القنصل الفرنسي أوليفي ديكوتيني، لإبلاغه بـ»المخاطر الناجمة عن الهجوم التركي على غرب كردستان».

وفي اليوم الثاني لانطلاق عملية نبع السلام التقى بارزاني رئيس تيار الغد السوري أحمد عاصي الجربا الذي قال بيان مكتب الرئيس بارزاني أنه جاء للاطلاع على الأوضاع السياسية في سوريا وآخر مستجدات غرب كردستان.

ومن المعروف أن الجربا من الزعماء السوريين العرب الذين يتركز نفوذهم في منطقة شمال شرق سوريا.

Dear President Trump, please know that the people of Kurdistan have always pursued their just rights. The Peshmerga have defeated ISIS and are an effective part of the coalition against terror. The blood of the Kurds is far more valuable than money and weapons. Thank you.

 وقبل يوم واحد من انطلاق عملية نبع السلام، أصدرت حكومة إقليم كردستان العراق بياناً حذرت فيه من تداعيات العملية العسكرية التي يقول الأكراد أنها ستسبب كارثة في مناطق غرب كردستان (المناطق السورية).

«حكومة كردستان عن قلقها العميق بشأن قرار الولايات المتحدة الانسحاب من المنطقة الآمنة في شمال شرق سوريا، وإزاء التقارير التي تتحدث عن عملية عسكرية تركية محتملة».

ودعا إقليم كردستان تركيا باعتبارها عضواً في التحالف الدولي، إلى «تجنب أي تحرك من شأنه أن يقوض التقدم المحرز ضد تنظيم داعش، ولا سيما خروج أماكن احتجاز المقاتلين الإرهابيين عن السيطرة».

«العواقب المترتبة على عملية نبع السلام التي تطلقها تركيا في غرب كردستان ستكون وخيمة وكارثية: حسب سفین محسن دزيي مسؤول دائرة العلاقات الخارجية في حكومة إقليم كردستان العراق.

وقال دزيي قد يسبب هذا التصعيد عودة تنظيم داعش، لذا نحن في كردستان العراق نعتقد بضرورة أن يكون الحوار هو الحل الوحيد لتهدئة الأوضاع المشتعلة الآن على الحدود».

دزيي أعرب عن مخاوف الإقليم من تكرار ما أسماها مأساة النازحين: «لنا تجربة صعبة خلال الحرب على داعش، لقد استضافت كردستان أكثر من مليون ونصف المليون نازح، ولا يزال نصف هذا العدد أو أكثر موجوداً في كردستان، وعودة الحرب تعني عودة النازحين، والإقليم لا يستطيع تحمل ذلك العبء مجدداً»

رئيس إقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزاني هو الآخر أعرب عن «قلق وحزن عميقين» جراء عمليات نبع السلام، وقال إن «الحرب تفتح الباب في وجه قتل وتشريد ونزوح المدنيين، وتجدد خلق عدم الاستقرار في عموم المنطقة، وتجعل تهديدات ومخاطر عودة بروز الإرهاب أكبر وأكثر جدية».

وأعلن نيجيرفان بارزاني استعداد أربيل لأي وساطة من شأنها «إيقاف الحرب وخلق الأمان» وإيقاف الحرب التي وصفها بأنّها «لا تزيد المنطقة إلا تعقيداً وفوضى، وتقضي على المكاسب المتحققة من هزيمة داعش».

كما دعا رئيس إقليم كردستان المجتمع الدولي ومجلس الأمن لإيجاد «حل عادل لمستقبل سوريا يحفظ حقوق كل المكونات، ويوقف الحرب ويحفظ».

هوشنك محمد رئيس المركز المشترك للأزمات في إقليم كردستان، أبدى مخاوف المركز من أن تؤدي العمليات العسكرية على الحدود إلى حدوث «تغيير ديموغرافي» وإيقاظ كافة أشكال العنف في المنطقة.

وتابع هوشنك قائلاً إنَّ المركز وبالتعاون مع مؤسسة بارزاني الخيرية على استعداد لـ»لنجدة المدنيين في كوردستان سوريا، الذين يمرون بأوضاع إنسانية كارثية تهدد حياتهم وتعرضهم للموت أو النزوح».

وكانت تركيا قد أكدت أن العملية لا تستهدف الشعب الكردي ولكن قوات حماية سوريا قسد التي يقودها مقاتلو الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي أسسه مقاتلون سوريون ينتمون لحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه تركيا وأغلب الدول الغربية حزباً إرهابياً.

في أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق خرجت تظاهرة أمام مقر الأمم المتحدة، للاحتجاج على عملية نبع السلام، ورفع المتظاهرون علم كردستان ولافتات تطالب مجلس الأمن الدولي بـ»موقف جدي» لوقف العمليات العسكرية في كردستان سوريا.

ردود الفعل على العمليات العسكرية لم تقتصر على أكراد العراق، بل شملت الأكراد في سوريا وتركيا أيضاً.

ففي سوريا أصدر المجلس الوطني الكردي بياناً طالب فيه المجتمع الدولي والأمم المتحدة والدول العربية بتحمل مسؤولياتها في وقف الهجوم والأعمال العسكرية التركية على غربي كردستان.

ولكن اللافت أن المجلس الوطني الكردي طالب قوات قسد أيضاً بالكف عن الممارسات التي «تتخذها تركيا ذرائع لتدخلها العسكري»، حسب تعبيره، وإبعاد المقاتلين عن المناطق السكنية وعدم استخدامها ساحة للقتال تحاشياً لوقوع المزيد من الضحايا بين المدنيين.

قوات سوريا الديمقراطية «قسد» المستهدفة بعملية نبع السلام ترى وعلى لسان مسؤول العلاقات العامة فيها ريدور خليل، أن تهديد الولايات المتحدة الأمريكية بفرض عقوبات اقتصادية على تركيا لن يوقف العمليات العسكرية ضد الشمال السوري.

وصف ريدور الانسحاب الأمريكي من الحدود التركية السورية بأنه طعنة من الخلف: «حلفاؤنا ضمنوا لنا الحماية بعد أن دمرنا الخنادق والتحصينات وأزلنا ما وصفوها بـ(مخاوف) تركيا، لكن حلفاءنا وفجأة ومن دون سابق إنذار، تخلوا عنا بقرارات ظالمة من خلال سحب قواتهم من الحدود التركية، لقد كانت هذه الخطوة خيبة أمل كبيرة وبمثابة طعنة من الخلف».

أما حزب الشعوب الديموقراطي الكردي في تركيا فقد خالف مواقف كل الأحزاب التركية التي دعمت جيش بلادها.

وقال في بيان له أنّ عملية نبع السلام: «استهداف للأزيديَّة والسريان والتركمان والأرمن والعرب وكل الجماعات الدينيَّة التي تعيش بسلام في روجافا».

ودعا إلى: «الوقوف في وجه هذه الحرب، التي أطلقها حزب العدالة والتنميَّة وحزب الحركة القوميَّة لتوسيع دائرة سلطتهما»، حسب قوله.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى