تقارير وملفات إضافية

الإمارات وإسرائيل تظنان أنهما حشرتا الفلسطينيين بالزاوية، ولكن خطة ترامب تمنحهم سلاحاً غير متوقع ضد الاحتلال

للمرة الأولى منذ أكثر من ربع قرن، سيستضيف الرئيس الأمريكي حفل توقيع اتفاقٍ بين الإسرائيليين والعرب داخل البيت الأبيض هو اتفاق التطبيع الإماراتي الإسرائيلي، واصفاً الحدث بأنّه يُمثّل “انفراجةً تاريخية” في المنطقة المعروفة دئماً بصراعاتها المُستعصية.

وبينما ستُذكّرنا مظاهر حدث يوم الثلاثاء المقبل 15 سبتمبر/أيلول بالاتفاقات الرائدة التي أنهت عقوداً من الحرب بين مصر والأردن وبين إسرائيل، وأطلقت عملية السلام مع الفلسطينيين، لكن الواقع هذه المرة مختلفٌ تماماً، حسبما ورد في تقرير لشبكة ABC الأمريكية.

ستُقيم الإمارات العربية المتحدة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، الحليف الأمريكي الزميل الذي لم تخُض ضده حرباً قط، لتُضفي بذلك طابعاً رسمياً على العلاقات التي بدأت قبل عدة سنوات. وتُرسّخ الاتفاقية دعائم التحالف غير الرسمي ضد إيران، وربما تُمهّد الطريق أمام حصول الإمارات على أسلحةٍ أمريكية مُتقدّمة، مع ترك الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي الأكثر إثارةً للجدل في وضعٍ هو أبعد ما يكون عن الحل كما كان حاله دائماً.

لكن ذلك لم يمنع دونالد ترامب من الإشارة إلى الصفقة الإماراتية، التي أُعلِنَت الشهر الماضي، على أنّها تُنذر “بتحوّلٍ إقليمي لم يكُن مُتصوّراً في السابق”.

كما جرى توقيع اتفاقٍ مماثل في يوم الجمعة 11 سبتمبر/أيلول مع البحرين، التي رحّبت بزيارة وزيرٍ إسرائيلي في عام 1994، لتُضفي بذلك طابعاً رسمياً على العلاقات القائمة منذ زمنٍ بعيد.

وزاد الاتفاق مع البحرين من إمكانية أن تسلك المملكة العربية السعودية الطريق نفسه -وهي بمثابة الجائزة الكبرى لحملة التطبيع الإسرائيلية. إذ إنّ العائلة الملكية السنية في البحرين متحالفةٌ بشكلٍ وثيق مع السعودية، التي ساعدتها في قمع انتفاضةٍ شعبية للغالبية الشيعية من سكان الدولة الجزيرة في عام 2011. ورضخت السعودية في هدوء للصفقة الإماراتية، بفتح مجالها الجوي أمام الرحلات التجارية بين إسرائيل والإمارات.

ولكن مسألة تأثير هذه الاتفاقات، بين دولٍ صديقة بالفعل (الإمارات وإسرائيل)، على تقدُّم السلام الإقليمي لا تزال محل جدل.

ويضع الصراع الرئيسي في المنطقة إسرائيل ودول الخليج العربية في مواجهة إيران ووكلائها. وعلى المدى البعيد، يعتقد الكثيرون أنّ أكبر تهديدٍ لبقاء إسرائيل بصفتها دولةً ديمقراطية ذات أغلبيةٍ يهودية يتمثّل في الصراع مع الفلسطينيين، الذين قد يتفوّقون عددياً على اليهود عما قريب داخل الأراضي الممتدة من البحر المتوسط وحتى نهر الأردن.

وتأمل إدارة ترامب أن تطبيع المزيد من الدول العربية مع إسرائيل سيضغط على الفلسطينيين من أجل العودة إلى طاولة مفاوضات السلام، التي توقّفت قبل أكثر من 10 سنوات.

وعلى مدار السنوات الثلاث الماضية قطع ترامب المساعدات عن الفلسطينيين، واعترف بالقدس المتنازع عليها عاصمةً لإسرائيل، وأسقط المعارضة الأمريكية القائمة منذ زمن للمستوطنات الإسرائيلية، وأصدر خطةً للشرق الأوسط تُحابي إسرائيل إلى حدٍ كبير.

وفي غضون ذلك أدّى انهيار الإجماع العربي القديم، القائم على منح الاعتراف فقط مقابل تنازلات عن الأراضي، إلى ترك الفلسطينيين في وضعٍ أكثر ضعفاً وعزلةً وإحباطاً من أيّ وقتٍ مضى في تاريخهم.

ولكن تلك الخطوات جعلت القادة الفلسطينيين أكثر عناداً، بدلاً من الضغط عليهم وإخضاعهم. إذ قطع الرئيس الفلسطيني محمود عباس رسمياً كافة العلاقات مع إسرائيل والولايات المتحدة في مايو/أيار 2020، وقال إنّ الفلسطينيين لن يعودوا ملزمين بأيّ اتفاقات سابقة. كما رفض الفلسطينيون صفقات الإمارات والبحرين بصفتها خيانةً لقضيتهم، وأصرّوا على أنّه لا تُوجد دولةٌ أخرى يحق لها التفاوض بالنيابة عنهم.

إذ قالت حنان عشراوي، المسؤولة الفلسطينية البارزة: “تطبيع دول المنطقة مع إسرائيل لن يُغيّر من جوهر هذا الصراع، الذي ينطوي على الإنكار المنهجي لحق الشعب الفلسطيني غير القابل للمصادرة في الحرية والسيادة”.

بينما قال دانيال شابيرو، الذي شغل منصب السفير الأمريكي لإسرائيل في عهد إدارة أوباما، إنّ التطبيع يُمثّل خطوةً إيجابية من المحتمل أن تُحسّن آفاق السلام.

وأوضح شابيرو، الذي يعمل الآن زميلاً زائراً في معهد Institute for National Security Studies البحثي الإسرائيلي: “في حال استغلال التطبيع بشكلٍ فعّال، فقد يُمثّل أساساً لبذل جهود مُتجدّدة من أجل توليد الزخم لحل الدولتين. لكن هذه الجهود يجب أن تأتي تحت قيادة إدارةٍ أمريكية مُلتزمة بحل الدولتين، وهذا يختلف تماماً عن خطة ترامب”.

في حين قال آرون ديفيد ميلر، مُفاوض السلام الأمريكي المُخضرم، إنّ أيّ شخصٍ يأمل في حلّ الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي “لم يكُن ليتصرّف بالطريقة التي تصرّفت بها هذه الإدارة طيلة السنوات الأربع الأخيرة. ولا أعتقد أنّ هذا سيجعل الأمور أسهل أو يُقرّبنا في الواقع من المفاوضات الجادة، ولكن رأيي لم يكُن ليختلف كثيراً قبل الصفقة الإماراتية-الإسرائيلية”.

وبينما حاصر نهج ترامب الفلسطينيين في الزاوية، لكنّه دافع عن اعتقاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الراسخ بأنّ بلاده تستطيع تأمين مستقبلها وتجنّب العزلة الدولية دون تقديم أيّ تنازلات للفلسطينيين.

فطيلة أكثر من ثلاثة عقود، سعى الفلسطينيون إلى إقامة دولتهم المستقلة في شرق القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، وهي الأراضي التي استولت عليها إسرائيل في حرب عام 1967 ضد الدول العربية. وانسحبت إسرائيل من غزة في عام 2005، لكنّها فرضت عليها حصاراً إثر استيلاء حركة حماس المُسلّحة على السلطة بعد عامين.

وستسمح خطة ترامب لإسرائيل بضم ما يصل إلى 30% من الضفة الغربية المحتلة، بما فيها كافة المستوطنات اليهودية النائية. ولن يتبقى للفلسطينيين سوى بعض الجيوب المتناثرة التي تُحيطها من كافة الجهات أراضي إسرائيل، التي ستحظى بسيطرةٍ أمنية شاملة. ويُشير نتنياهو إلى تلك الجيوب بوضوح على أنّها كيانٌ “يُعرّفه الرئيس ترامب بأنّه دولة”.

وقالت الإمارات إنّ اتفاقيتها مع إسرائيل ألغت فكرة الضم، لكن نتنياهو قال إنّ التوقّف عن خطة الضم مؤقت وإنّ إسرائيل لا تزال ملتزمةً بخطة ترامب.

وأردف شابيرو أنّ الخطة “لا تصف دولةً فلسطينية ولو بقدرٍ ضئيل من السيادة. ومن حسن الحظ أنّ صفقة الإمارات أسفرت عن إلغاء الضم من طاولة المفاوضات. وقد حان الوقت الآن للتخلّي عن جوانب أخرى من خطة ترامب”.

إذ وعد نائب الرئيس السابق جو بايدن بنهجٍ أكثر عدالة حال انتخابه في نوفمبر/تشرين الثاني. وأوضح أنّه يُعارض الضم، لذا فلا شك في أنّه سيُلغي خطة ترامب.

لكن إعادة انتخاب ترامب ستفرض دون شك ضغطاً إضافياً على الفلسطينيين، مما قد يدفعهم في النهاية إلى التخلّي عن حل الدولتين تماماً والمطالبة بحقوقٍ مساوية داخل دولةٍ واحدة ثنائية القومية.

بينما تُعارض القيادة الفلسطينية الحالية هذه النتيجة، كما هو حال غالبية الفلسطينيين والإسرائيليين، لكن تلك المعارضة ربما تتغيّر حال نجاح ترامب ونتنياهو في القضاء على آمال الفلسطينيين في إقامة دولتهم.

إذ قال هيو لوفات، زميل السياسة في مؤسسة European Council on Foreign Relations البحثية: “يقول الافتراض أنّ الفلسطينيين لن يكون أمامهم خيارٌ آخر سوى القبول. ولكن في الواقع، يمتلك الفلسطينيون خياراً آخر، يتمحور في الواقع حول الدعوة إلى الحقوق المتساوية داخل دولةٍ واحدة. وهذه هي نقطة الضعف والعيب الأساسية في رؤية ترامب، إذ إنّه أخطأ في فهم هذه الديناميات بعيدة المدى”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى