تقارير وملفات إضافية

هل كان السعودي مُطلق النار في القاعدة الأمريكية بالفعل متطرفاً؟ هكذا عاش حياته قبل الذهاب إلى واشنطن

قبل وقت قصير من إطلاقه
النار، كان متدرب سلاح الجو الملكي السعودي، البالغ من العمر 21 عاماً والذي أطلق
النار على ثلاثة بحارة أمريكيين، وقتلهم بقاعدة بحرية أمريكية في بنساكولا بولاية
فلوريدا يوم الجمعة الماضي، قد اتصل بعائلته في السعودية وتواصل مع أمه وشقيقه.

وكان المتدرب، الملازم ثاني
محمد سعيد الشمراني، يرتدي زيه الرسمي، خلال المكالمة، وتمكنت أسرته من رؤيته عبر
مكالمة الفيديو، وقد ارتدى الزي العسكري الذي دائماً ما رغب في ارتدائه منذ
طفولته، إذ لطالما كان حلمه أن يصبح طياراً.

أخذ الشمراني يمازح أخاه
الأكبر، عبد الله، خلال المكالمة، بالقول: «أنت الأكبر، لكنني سأتزوج
أولاً». وتحدَّث مع والدته، ووعدها بأنه سيعود إلى المنزل بمجرد الانتهاء من
تدريبه، قائلاً: «لقد تبقت بضعة أشهر فقط»، بحسب تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.

ولم يرِد في المكالمة أي
تلميح إلى ما كان سيأتي: فتح النار في مبنى صفِّه التدريبي بقاعدة بنساكولا التابعة
للبحرية الأمريكية، وقتل ثلاثة أشخاص وإصابة ثمانية آخرين، قبل أن يقتله أحد نواب
قائد الشرطة في القاعدة.

عائلة الشمراني أكدت في
مقابلات أُجريت معهم هذا الأسبوع بالسعودية، أنه بدا طبيعياً تماماً خلال تلك
المحادثة الأخيرة. وأنهم، بعد أربعة أيام من إطلاقه النار، ما زالوا في حيرة
وذهول.

وفي مقابلةٍ أُجريت معه بمنزل
العائلة الواقع في شرق السعودية يوم الثلاثاء، قال الوالد سعيد عبدالله الشمراني،
البالغ من العمر 55 عاماً، عن ابنه: «إنه لم يسبق أن كان لديه سر في أي يوم
من الأيام، إذ لم يكن يُخفي أي شيء. الأمر كله لغز غامض، حتى إننا لا نعرف
الحقيقة!».

سأل الوالد خلال المقابلة،
التي كان محاطاً فيها بعدد كبير من الأقارب والمعارف وآخرين ممن لم تكن لهم علاقة
واضحة بالعائلة: «هل أنت متأكد أنه مات؟ لم يُقدَّم لنا أي دليل حتى الآن على
ما إذا كان حياً أم ميتاً».

لم يحدَّد الدافع وراء إطلاق
النار، على الرغم من أن مكتب التحقيقات الفيدرالي يتعامل مع الهجوم بفرضه
«عملاً إرهابياً». وأعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) يوم
الثلاثاء، أنها ستوقف التدريب العملي لجميع طلاب الجيش السعودي، البالغ عددهم 900 طالب، في الولايات المتحدة.

من بين المفاتيح القليلة التي
ظهرت، تغريدة من حسابٍ ربما يكون مرتبطاً بالشمراني، يدين فيها قرارات السياسة الخارجية
للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وفقاً لـ «مجموعة سايت للاستخبارات»
(SITE) المعنيَّة بمراقبة النشاط المتطرف على شبكة الإنترنت، إضافةً إلى
شكوى كان قد تقدَّم بها الشمراني، أوائل هذا العام، ضد أحد مدربيه، الذي سخِر منه واستهزأ بشاربه في الفصل الدراسي.

لكن في السعودية، أخذ التركيز
الأمريكي على تطرُّف الشمراني بوصفه الدافع المحتمل، يثير ذهول الأسرة والمعارف
وحيرتهم، وباتوا مُجبَرين على الإجابة عن أسئلة تتعلق بابنهم وصديقهم لسعوديين
آخرين.

كان كثير من السعوديين، بدافع
من الحساسية إزاء القوالب النمطية الغربية التي غالباً ما تصف المسلمين تلقائياً
بأنهم إرهابيون، وبإدراك أن المملكة لا تطيق فقدَ دعمِ واشنطن لها- قد أخذوا
يُبدون حرصاً على تصوير الملازم بأنه عنصر وحشي وغريب عنهم. وانتشر وسم يعلن أنه
«لا يمثل السعوديين»، انتشاراً واسعاً على موقع تويتر بالمملكة، وما انفكت وسائل الإعلام
تعيد وتردد هذه النقطة، بحسب الصحيفة الأمريكية.

كتب حمدان الشهري، وهو محلل
سياسي وكاتب في صحيفة Arab News، إحدى الصحف السعودية: «لا يمكن أن يقوم بمثل هذا العمل سوى
شخص شرير جبان. لقد خان بلاده، التي وثقِت به وأنفقت ملايين على تعليمه. لكنه
طعنها في ظهرها».

كذلك فإن الحكومة السعودية حساسة
للغاية بشأن هذه القضية؛ خشية أن تُعرِّض للخطر علاقة متوترة بالفعل مع واشنطن؛
على أثر الانتقادات المتصاعدة للحرب في اليمن، ومقتل الصحفي جمال خاشقجي العام
الماضي. وقد أدان الملك سلمان وولي العهد محمد بن سلمان وكبار المسؤولين الآخرين،
إطلاق النار في القاعدة الأمريكية. وقالت عائلة الشمراني إن مسؤولين حكوميين
استجوبوهم.

خلال المقابلات، قال والد
الشمراني وشقيقه وابن عمه وأحد أصدقاء العائلة، إن الشمراني دائماً ما بدا راضياً
عن وجوده في الولايات المتحدة، وعازماً على تحقيق هدفه الذي يحلم به منذ فترة
طويلة، كما أنه لم يذكر قط معاناته أي صعوبات.

يقول شقيقه، عبدالله
الشمراني: «منذ صغره، كان يحلم بأن يكون طياراً، وقد عمِل بجدٍّ من أجل
ذلك». ويضيف أن سعيد بمجرد وصوله إلى الولايات المتحدة، «أحبَّها
كثيراً، حقاً. وكان منبهراً بالقوة العسكرية لأمريكا، وأُعجب أيما إعجاب بجيشها».

كان الشمراني الطفل الثالث في
عائلة من بلدة تبالة، وهي بلدة زراعية تقع في جنوب السعودية، ونشأ بمنطقة الأحساء،
في منطقة لا تبعد كثيراً عن مجمع شركة أرامكو السعودية بشرق المملكة. وقد انتقل
والده إلى هناك للعمل في المطار المحلي، وترقى بعد ذلك حتى أصبح مسؤولاً أمنياً.

اعتادت الأسرة إمضاء الصيف مع
العائلة الممتدة في تبالة، حيث مزارع التمر في قلب الصحراء برمالها المتموجة
وجبالها القاسية. وقد بنوا منزلاً آخر هناك وأخذوا يعودون إليه في كثير من
الأحيان، لحضور حفلات الزفاف والمناسبات العائلية الأخرى. وخلال أمسيات الصيف، ومع
ندرة وسائل الترفيه الأخرى، كان الشمراني وشباب آخرون مثله من إخوته وأبناء
عمومته، يتجمعون في بيوت مستأجرة بالصحراء، للعب الورق ومشاهدة مباريات كرة القدم
على شاشات التلفزيون، إلى وقت متأخر من الليل.

يقول قالط بن مدشوش، وهو محقق
متقاعد منذ فترة طويلة بمكتب المدعي المحلي في تبالة وعلى معرفةٍ بالأسرة،
متذكِّراً الشمراني بأنه دائماً ما كان أكثر جدِّية وأهدأ من الشبان الآخرين.

وقال: «لم أسمع قط أي
تعليق سياسي من محمد. لقد كان هادئاً، مجرد رجل عادي. قد يتحدث عن الرياضة في بعض
الأحيان».

وقال إن الشمرانيين دائماً ما
كانوا مسلمين ملتزمين يُصلُّون، لكن ممارستهم للإسلام لم تكن بها أي صرامة أو
تزمُّت على نحو خاص.

وكان شخص مطَّلع على التحقيق
في الولايات المتحدة قال إن بعض أصدقاء الشمراني وزملائه أخبروا المحققين بأن
الشمراني بدا أكثر تديناً عندما عاد من زيارته الأخيرة لبلاده في فبراير/شباط
الماضي.

ويقول أحد أقاربه إنه أخذ
والدته إلى مكة المكرمة، لأداء العمرة خلال تلك الزيارة. لكن أقاربه، من وجهة
نظرهم، يقولون إنه لم يكن هناك أي شيء يشير إلى أن معتقداته الإسلامية قد تغيرت أو
تشددت. وقالوا إنه لم يبدُ مختلفاً، باستثناء حلاقته لحيته على نحو تام.

لطالما كان الشمراني طالباً
جيداً، وقد غدا مصدر فخرٍ لعائلته عندما أصبح أحد طالبين اختيرا من صف أكاديمية
سلاح الجو الخاص به، من بين عدة مئات تقدموا للحصول على فرصة الالتحاق ببرنامج التدريب
في الولايات المتحدة ضمن منحة دراسية. وقد دأبت السعودية على إرسال مئات الآلاف من
الطلاب الشباب إلى الخارج، للدراسة في أوروبا وأستراليا وكندا والولايات المتحدة،
خلال السنوات الأخيرة، لكنه كان من الندرة بمكان أن يدرس شخص من ريف تبالة في
الولايات المتحدة، لدرجة أن آخر شاب من البلدة تمكن من الدراسة هناك قبل الشمراني،
كان قد أصبح مشهوراً بين الناس محلياً.

يقول شقيقه عبدالله:
«كنت فخوراً جداً به. إنه قدوة لبقية العائلة. نعم، أنا الابن الأكبر، لكن
محمد كان شيئاً كبيراً بالنسبة إلينا».

بدءاً من أغسطس/آب 2017، دفعت
الحكومة السعودية له مصاريف قضاء عام لتعلُّم اللغة الإنجليزية بقاعدة لاكلاند
الجوية في سان أنطونيو بالولايات المتحدة، قبل أن ينتقل إلى بنساكولا لتدريبه
العسكري. وقالت العائلة إنه تلقى تدريباً على الأسلحة خلال فترة دراسته في
أكاديمية الطيران بالعاصمة السعودية الرياض. لكنه على ما يبدو، لم يقتنِ سلاحاً في
الولايات المتحدة حتى يوليو/تموز، عندما اشترى بصورة قانونيةٍ مسدس «جلوك
45» عيار 9 ملم في أواخر يوليو/تموز الماضي، بعد فترة وجيزة من حصوله على
رخصة صيد بالولاية، وفقاً لما أعلنه مكتب التحقيقات الفيدرالي يوم الثلاثاء.

وقد شارك الشمراني مع عائلته،
خلال سنوات دراسته في الولايات المتحدة، صوراً لنفسه وهو يبتسم بميدان التايمز،
وفي زيه الرسمي مع أحد مدربيه الأمريكيين.

وأظهر مقطع فيديو التقطه في
فلوريدا أصدقاء له يتجولون بقوارب كاياك، وهو يضحك معهم خلف الكاميرا. وعندما كان
يتصل بالمنزل –كل يوم تقريباً، وفقاً لما قاله والده وشقيقه- كثيراً ما تحدَّث عن
سفره بجميع أنحاء الولايات المتحدة، وتجوله في الخارج مع زميل الغرفة السعودي، وعن
عودته إلى الوطن بعد التخرج. وكان يعد الشهور المتبقية له.

وكذلك كانت عائلته. فقد أخذ والده
يخبر الجيران والأصدقاء في تبالة بأنه سيقيم مأدبة احتفال ضخمة بابنه، عندما تعود
الأسرة لزيارة مسقط رأسها في الصيف المقبل، وأنه سيدعو جميع الرجال من القبائل
الست إلى البلدة، للاحتفاء بتخرج نجله، وفقاً لما قاله بن مدشوش، المحقق المتقاعد.

عندما اتصل الشمراني بأسرته
يوم الجمعة، عرض على أخيه أن يرسل إليه بعض المال الإضافي، ووعده بأن يعود إلى
المنزل في وقت قريب.

وقال لعبدالله: «سأتصل
بك لاحقاً».

بعد ساعات فقط، في تلك
الليلة، سترِد إليهم أخبار ما حدث.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى