تقارير وملفات إضافية

خطة سليماني لمواجهة الصحوة القومية العراقية.. هل القمع الإيراني ما زال في بدايته؟

القمع الإيراني للاحتجاجات العراقية قد يكون ما زال في بدايته.

فرغم أن العراق شهد احتجاجات متعددة خلال السنوات الماضية، لكن ما ميز الاحتجاجات الأخيرة بالإضافة إلى ضخامتها هو المشاعر المناوئة لإيران، حسب ما ورد في تقرير  لمركز Stratfor الأمريكي.

يثير هذا بعض الصعوبة بالنسبة لإيران فيما تحاول هذه الأخيرة الإبقاء على نفوذها السياسي على الحكومة في بغداد للحفاظ على مصلحتها في إبقاء جارتها تدور في فلكها بإحكام.

أبرز ما في الاحتجاجات في العراق، التي بدأت في مطلع أكتوبر/تشرين الأول، ولم تُظهِر أي إشارات تُذكَر على الانطفاء، وجود شعورٍ متزايد بالقومية.

تُرجِم هذا في صورة مطلب من جانب بعض العراقيين بإنهاء وجود المصالح الأجنبية التي يُنظَر إليها باعتبارها تمثل تدخلاً في البلاد، سواء كان من الولايات المتحدة أو إيران او قوى أخرى بما في ذلك دول الخليج العربية وتركيا.

لكن بسبب مكانة إيران المهمة، من خلال رعايتها للمجموعات الميليشياوية أو المَنزِلة التي تتمتع بها في بعض مناطق البلاد التي يوجد للإسلام الشيعي فيها سطوة، كانت طهران هدفاً خاصاً لغضب المحتجين.

وبالإمكان رؤية الأدلة على هذا الغضب بالشارع. فعلى سبيل المثال، شُوِّهت ملصقات الشوارع التي تُظهِر صوراً لزعماء سياسيين ودينيين إيرانيين، وهو أمرٌ شائع في المدن العراقية ذات الأغلبية الشيعية، أثناء التظاهرات الاحتجاجية، في تطورٍ غير مسبوق يُظهِر عمق المشاعر المناوئة لإيران.

فضلاً عن ذلك، استرجع الشيعة العراقيون الصور الذهنية والرمزية الدينية المرتبطة بالإسلام الشيعي، معلنين أنَّ الرموز جزءٌ من ثقافتهم وليست شيئاً تهيمن عليه إيران، التي تُعَد القوة الشيعية الرائدة في العالم الإسلامي.

بل وهاجم المحتجون العراقيون حتى القنصلية الإيرانية في كربلاء، وهي مدينة مقدسة بها أضرحة رئيسية تجتذب الحجاج الشيعة بمن فيهم الإيرانيين منذ قرون.

وبهدف المساعدة في التعامل مع حالة الرفض من المواطنين العراقيين، على الأرجح تعرَّضت الميليشيات والساسة المتحالفون مع إيران للضغوط من طهران لدعم الحكومة الحالية وقمع الاحتجاجات في ظل محاولة إيران الحفاظ على العراق باعتباره مكسباً قيماً.

سيؤدي الإبقاء على الوضع الراهن كما هو في مساعدة إيران في المدى القريب، لاسيما في ظل محاولتها التعامل مع الضغوط الأمريكية الرامية للتصدي لقوتها الإقليمية. لكنَّ الغضب الشعبي العراقي سيدفع ضد هذا الهدف، الأمر الذي يبرز مهمتها الصعبة في المستقبل في الوقت الذي تحاول فيه إيران ضمان بقاء نفوذها بالعراق كما هو على المدى الطويل.

ولدى إيران عدة دوافع للحفاظ على دورٍ قوي في العراق. فهي مثلاً تريد الحفاظ على جسرٍ بري يربطها بموانئ لبنان على البحر المتوسط، وهو طريقٌ يمر عبر الأراضي العراقية والسورية. والإبقاء على ولاء مجموعات الميليشيات الصديقة في العراق ضروري للحفاظ على هذا الممر.

تمنح تلك القوى الميليشياوية الممولة ومُجهَّزة إيرانياً، والتي تُشكِّل مكوناً مهماً على نحوٍ متزايد في هيكل القوة الأمنية العراقي بشكل عام، قناة للتأثير على الحكومة العراقية.

وتُشكِّل كذلك قوة وكيلة قوية يمكن لإيران استخدامها للحفاظ على نفوذها بالعراق، والتصدي بذلك لتأثيرات الدعم الأمني الأمريكي لبغداد.

ويظل العراق شريكاً اقتصادياً مهماً لإيران، نظراً لحجم البضائع الإيرانية التي يشتريها العراق.

كما أنَّ اعتماد العراق على إمدادات الغاز الطبيعي الإيرانية يجعل منه سوقاً قيِّماً جداً للطاقة فيما يشتد استهداف العقوبات الأمريكية لصادرات الطاقة الإيرانية. 

وعلى الرغم من اعتراضات بعض المحتجين العراقيين، لا تزال مكانة إيران لم تخفت في نظر ملايين العراقيين الشيعة، وهو ما يُوفر لها مصدراً للقوة الناعمة والسطوة الدينية التي ستساعدها في بناء نفوذ سياسي واقتصادي فيما تتنافس مع المنافستين الإسلاميتين تركيا والمملكة العربية السعودية.

وفيما تفكر طهران في استثمارها القيِّم في العراق، لابد لها أن تقرر كيف سترد على الضغط الحالي من المتظاهرين الراغبين في كسر الوضع السياسي الراهن الذي يخدم إيران جيداً. ففي نهاية المطاف، منحت الحكومة العراقية الحالية الميليشيات الإيرانية الفرصة لتوطيد مكانتها في الحكومة، ولا تخدم فقط العلاقات الاقتصادية العراقية مع إيران، بل وعزَّزت كذلك الاتفاقات الإستراتيجية والتجارية مع طهران.

سلَّطت الاحتجاجات المناهضة للحكومة ضغطاً استثنائياً على الحكومة العراقية الحالية، التي كانت نتاجاً لعملية تشكيلٍ هشة بالأساس، كي تتنحى.

فَقَدَ رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي وحلفاؤه الكثير من شرعيتهم في نظر الكثير من العراقيين بعد تمدد الاحتجاجات. لكن في الوقت الذي تتنامى فيه الضغوط، سيكون الساسة العراقيين مدفوعين لحماية أنفسهم ليس فقط من أجل استمراريتهم السياسية، بل كذلك بسبب الضغط من الحكومة الإيرانية للحفاظ على سلطتهم. وقد أدَّى اجتماعٌ انعقد مؤخراً بين مسؤولين أمنيين بارزين عراقيين وإيرانيين، بمن فيهم قائد فيلق القدس الإيراني اللواء قاسم سليماني، من أجل هذا الهدف إلى جعل رغبات إيران واضحة.

وتتضمن الإشارات التي تفيد بأنَّ تكتيكات الضغط الإيرانية ربما تؤتي ثمارها تبنّي هادي العامري، أقوى حلفاء إيران داخل البرلمان العراقي الحالي، نهج «انتظر ثم نرى» إزاء عزل رئيس الوزراء الحالي عادل عبدالمهدي.

يأتي هذا برغم الضغوط من رجل الدين القومي على الصعيد السياسي مقتدى الصدر، وهو رجل شيعي قوي أصرَّ بقوة على إقالة عبدالمهدي. ولأنَّ إيران شريكٌ اقتصادي وأمني مهم على مستوى العلاقة بين الدولتين، لا يمكن للحكومة العراقية تجاهل مطالب إيران.

وعلى الرغم من شدة الاحتجاجات وعمق الغضب الشعبي، لم تقدم الحكومة العراقية إلا تنازلات تدريجية لمحاولة تلبية مطالب المحتجين، والتي تتضمن تغييرات بالجملة على القانون الانتخابي وإجراء انتخابات جديدة تدعمها الأمم المتحدة واستقالة الكثيرين داخل الطبقة السياسية الحاكمة.

لكنَّ الحكومة في المقابل أعلنت تعديلات تجميلية فقط على القانون الانتخابي، وأجَّلت انتخابات مجالس المحافظات لأجلٍ غير مسمى.

وتُظهِر هذه الإجراءات حالة عدم اليقين الكبيرة في بغداد بشأن الكيفية التي قد تمضي بها قدماً في ما يتعلق بإصلاح الحكومة بصورة حقيقية.

في غضون ذلك، كان نهج إيران هو دعم الحكومة الحالية والحفاظ على قيمة استثماراتها السياسية والاقتصادية والأمنية في العراق. لكن لديها علاقات سياسية وأمنية كافية كي تدعم، في حال اختارت ذلك، عمليات قمع للمحتجين، بما في ذلك عبر استخدام وكلائها.

وربما أظهرت قوتها على القيام بذلك من خلال التحركات التي اتخذتها قوة مجهولة ترتدي ملابس سوداء وخلَّفت وراءها قتلى من المتظاهرين في كربلاء ومناطق أخرى.

وحامت الشكوك في أعمال العنف حول الميليشيات المتحالفة مع إيران. وعلى المدى الطويل، سيُعقِّد استعداد تلك القوى لاستخدام العنف ضد العراقيين، والمظاهر العلنية للتلاعب السياسي، من قدرة إيران على حماية مصداقيتها وشعبيتها بين العراقيين.

لذا في الوقت الذي تقوم فيه بتلك التحركات، ستحاول إيران إبقاء يدها خفية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى