تقارير وملفات إضافية

العالم لم يتغير كثيراً في 2019، هل هذا أمر جيد أم أنه إشارة «غير مبشّرة» لعام 2020؟

يبدو أن التوقعات بالنسبة للعام الجديد 2020 ليست واعدة، قياساً على ما شهده العالم من أحداث كبرى في العام المنصرم، فلماذا يغلب التشاؤم على التحليلات والتوقعات لانطلاقة العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين؟

مجلة فورين بوليسي الأمريكية نشرت تحليلاً بعنوان: «عالم لم يتغيّر كثيراً في عام 2019.. وهذا نذير شؤم لعام 2020″، أعده ستيفن والت، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفارد.

ليس من الصعب التفكير في الأحداث المرشّحة بجدارة لتُدرج ضمن فئة «أهم أحداث السياسة الخارجية في عام 2019″؛ اختر ما شئت من النكبات؛ لديك احتجاجات هونغ جونغ، أو ما كشف عنه أحد المبلّغين وأسفر عن تصويت مجلس النواب الأمريكي على عزل الرئيس دونالد ترامب، أو حرائق غابات الأمازون والغابات الأسترالية، أو الفوز الانتخابي الذي ناله رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، أو مسيرة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي نحو تصور جديد وأضيق للقومية الهندية، أو ربما إذا كنت تفضل النظر إلى الجانب المشرق، فقد تشير إلى وضع سوق الأوراق المالية في الولايات المتحدة، أو العدد القياسي للنساء اللائي أدّين اليمين الدستورية في الكونغرس الأمريكي الـ116، أو التقدم المحرز في معالجة أمراض على غرار التليف الكيسي والإيبولا. 

لكن عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية، فإن أهم ما اتّسمت به سنة 2019 هو استمرار الوضع على ما هو عليه؛ إذ واصلت أفعال ترامب الغريبة إثارتها للقلق وكونها موضوعاً للثرثرة بين الجماهير، فيما كانت 2019 نقطة تحوّل مُحتملة أخفقت خلالها معظم جوانب السياسة الخارجية في التغيير، ورغم أنني من المحافظين الراسخين، فإن هذه الدرجة من الركود قد لا تعدّ أمراً جيداً.

 على الرغم من النهج المتهوّر الذي اتبعه ترامب نحو «العلاقات الدبلوماسية» وتشخيص الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لسقم التحالف بأنه يعاني من «موت دماغي«، فقد نجح الناتو في قضاء عيد ميلاده السبعين سالماً من الأذى إلى حد كبير. وعلى الرغم من ثرثرة ترامب، فإن الوجود العسكري الأمريكي في أوروبا صار الآن أكبر مما كان عليه عندما تولى ترامب منصبه. ربما يكون الناتو لا يزال يحتضر، لكن حتّى حلول عام 2020، تظلّ الأمور في مواضعها، وهو ما يعني أن معظم أوروبا لا تزال معتمدة اعتماداً غير صحي على الحماية الأمريكية.

على الرغم من حملة «الضغط الأقصى» غير المدروسة التي شنّها ترامب على إيران، ونشوب الاحتجاجات الهائلة في البلاد، ظل النظام الديني في إيران في السلطة حتّى نهاية 2019، ولم تنتهِ حملته لبسط نفوذه إقليمياً، وما زالت إيران تقف وجهاً لوجه أمام الغرب والدول الخليجية والولايات المتحدة. كانت إدارات كلينتون وجورج دبليو بوش وأوباما عنيفة مع إيران، ورغم ذلك، كان أوباما كان على الأقل منفتحاً على إمكانية تحسين العلاقات تدريجياً مع مرور الوقت. أمّا مع ترامب، فها نحن عدنا إلى سياسة المواجهة ذات النتائج العكسية، التي قد شكّلت علاقات الولايات المتحدة مع إيران منذ عام 1980. أو مثلما تشير المقولة الفرنسية: كلمّا تغيّرت الأمور بقيت على حالها.

وضعت إدارة ترامب العولمة قيد التجربة، لكن شن الحروب التجارية مع الدول الأخرى غالباً ما كان يأتي بنتائج أقل جودة من المتوقّع. وافق مجلس النواب الأمريكي على اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، ورغم ذلك، فإن تلك الاتفاقية لم تتفوق كثيراً على اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا)، ولم تجلب أثراً بالغ النفع على أيّ من أطرافها. وفي أحسن الأحوال، كانت حرب التعريفة الجمركية مع الصين بمثابة مباراة يتعادل فيها اللاعبان، ولم تتحقق أهداف ترامب الأكثر أهمية المتمثّلة في تخفيض العجز التجاري الثنائي وإرغام الصين على إجراء تغييرات هيكلية في اقتصادها.

وواصلت مؤشّرات التجارة العالمية الارتفاع -وإن كان ذلك بمعدل أبطأ من ذي قبل- ولم يأتِ عام 2019 بتوجه الحمائية التجارية على غرار ثلاثينيات القرن العشرين. لكن هناك تحفّظ واحد، وهو أن ترامب وإدارته قد استمرّا في تجنب منظمة التجارة العالمية لصالح اتباع نهج ثنائي تجاه قضايا التجارة، وهو قرار على الأرجح سيُبطئ العولمة في المستقبل دون إلغائها تماماً.

بدّل ترامب مواضع القوات الأمريكية في المنطقة تبديلاً عشوائياً، ورغم ذلك، فإن الولايات المتحدة لا تزال مُنخرطة عسكرياً في أنحاء المنطقة، ولا تزال تقدم «خطط سلام» فاشلة وخاوية من المعنى للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، وما زالت تقدم دعماً غير مبرر وغير مشروط إلى القائمة المعتادة من عملائها في الشرق الأوسط. تواصل الولايات المتحدة دعمها غير المباشر لاحتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية احتلالاً يأتي بنتائج عكسية، ولا تزال تدعم الحرب السعودية اللاإنسانية والفاشلة في اليمن، وتغض الطرف عن الانتهاكات المعتادة من جانب السلطة في مصر.

ومثلما ذُكر أعلاه، ما زال ترامب وبومبيو يصران على أن إيران تشكل تهديداً إقليمياً وشيكاً وهو تهديد مهم للغاية يستدعي حتمية استيقافها، لكنه ليس مهمّاً لدرجة الحديث مع طهران. إن كانت هذه السياسات تبدو مألوفة على مسامعك، فذلك لأنها لم تتغير كثيراً عمّا سبق.

على الرغم من أن ترامب قد يتكلم ويتصرف في بعض الأحيان وكأنه كلب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ما زالت السياسة الأمريكية تجاه روسيا تصادمية وتؤدي إلى نتائج عكسية. تحصل أوكرانيا على الدعم الذي وعدتها به الولايات المتحدة -مع العلم أن جهود ترامب لابتزازها بورقة الإيقاع بمنافسيه السياسيين قد أدّت الآن إلى نتائج عكسية- وما زالت موسكو تواجه وابل العقوبات الغربية. وليس من المستغرب أن يستمر تقارب روسيا والصين، وهذا يرجع جزئياً إلى أن واشنطن منحتهما كل الحوافز للتعاون بشكل أكبر. فعلى ما يبدو، لم يسمع أحد في مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية قطّ بعبارة «فرِّق تسد».

إنني طاعن في الكِبَر لدرجة استطاعتي أن أتذكر خوض الاتحاد السوفييتي حرباً مدّتها تسع سنوات في أفغانستان، وقد كانت حملة فاشلة ساعدت على إفلاس البلاد وتعجيل انهيارها. ويمكنني أن أتذكر أيضاً الوقت الذي قررت خلاله الولايات المتحدة التدخل هناك، بينما تثق في قدرتنا على دخول البلاد وطرد بعض الأشرار منها والمغادرة. لكن ما حدث هو أن القوات الأمريكية ظلّت في أفغانستان ضعف مدة وجود السوفييت، وحققت مستوى النجاح الاستراتيجي نفسه الذي أحرزوه.

يمكنني أن أتذكر أيضاً عندما قال شخص ما إن دور الولايات المتحدة كان «سخيفاً» ووعد بعدم الانخراط في «أعمال بناء الأمة». وهذا الرجل نفسه أرسل المزيد من القوات إلى أفغانستان، مثل سلفه. والآن ها هو يقول إنه قد يسحب بعضها، مما يعيد مستويات القوات الأمريكية -إلى حد ما- إلى حيث كانت عندما بدأ ولايته. إننا نُسمّي هذا في الولايات المتحدة نهج «السير خطوة إلى الأمام وخطوتين إلى الخلف»، لكنه في الحقيقة مجرد مظهر آخر من مظاهر «حرب اللانهاية«.

تواصل الولايات المتحدة التعامل مع تدهور البنية التحتية، وتفشّي تعاطي الأفيون طويل الأمد، وخطر أكبر يتمثل في الإرهاب الداخلي اليميني أكثر مما يتمثل في الجهاديين الأجانب، وحوادث إطلاق نار لا نهائية في المدارس، وأشكال أخرى من العنف المسلّح، ونظام سياسي متعثر ويعمه الاستقطاب. بحلول عام 2019، انكشف شعار حملة ترامب «لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى» ليبدو مرادفاً لعبارة «المزيد من الشيء نفسه»، مُضافاً إليها بعض التخفيضات الضريبية للأثرياء.

ثمّة شيء واحد لم يتغير في عام 2019؛ فقد استمرّت حرارة كوكب الأرض في الارتفاع، ومضت الولايات المتحدة في نهجها غير المسؤول تجاه ما يلوح في الأفق. 

ولا تقتصر سياسة الولايات المتحدة تحت مظلّة ترامب على كونها تهرب من المسؤولية، أو رفضاً لاتخاذ تدابير فعالة من شأنها تخفيف وطأة المشكلة؛ بل إن قرارات ترامب الداعية إلى دحر التدابير التي اتخذتها وكالة حماية البيئة، بهدف الحد من تسرب الميثان واستخدام الوقود الأحفوري، مؤذية وتزيد الوضع سوءاً.

وبنهاية عام 2019، ما زالت البشرية تمضي بعنفوان نحو مُستقبل ستتبدّل فيه حياة مئات الملايين من البشر أو تسوء بسبب تغيّر المناخ، وخلاصة القول هي: لم تتغير أمور كثيرة في عام 2019، وهو أمر لا يزفّ بشارة خير لعام 2020.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى