ثقافة وادب

«كان يكره أخاه سامي ومنعه من الترشح بالحزب الوطني فذهب إلى الوفد والإخوان».. حسني مبارك بقلم هيكل

هذا هي المقالة الثانية لمراجعة كتاب «مبارك وزمانه من المنصة إلى الميدان» والذي كتبه محمد حسنين هيكل

جاء موعد الانتخابات
البرلمانية الأولى في عهد مبارك، واللواء حسن أبوباشا آنذاك كان وزير للداخلية. في
الاجتماع الأول مع مبارك للتحضير للانتخابات كانت توجيهاتُ الرئيس بأن يسمح
للمعارضة بنسبة لا تزيد في البرلمان عن حد معين، وأن يكون للرئيس استثناء البعض من
دخول البرلمان، بغض النظر عن أحزابهم.

 تفهّم أبوباشا
الرسالة، واجتهد في تطبيقها، على أساس أن يُسمح للمعارضة بالفوز بـ20% من المقاعد،
باعتبارها نسبة تسمح بمعارضة معقولة، دون أن تسمح بتغيير الدستور، لكن تبيّن أن
الرئس لا يريد أن تتجاوز المعارضة 5% من أعضاء البرلمان، كما أن الرئيس لا يرغب في
نجاح مجموعة من الأشخاص، ومنهم السيد سامي مبارك،
شقيق الرئيس.

لم يستوعب أبوباشا هذه
المسألة، ورجَّح أن يكون هناك خطأ ما. وطلب الاجتماع بالرئيس. وما إن سمع مبارك
تحفظات وزير داخليته حتى قال إنه ليس في مود (مزاج) يسمح له بمناقشة هذه
الموضوعات، ثم خرج غاضباً تاركاً وزيره يبحث عن الباب.

أما سامي مبارك فقد  استُثني من الترشح على قوائم الحزب الوطني، فذهب إلى حزب الوفد، وتم تسجيله على قوائمه التي تحالف فيها مع الإخوان المسلمين. غضب مبارك، وأرسل مَن يطلب من الوفد منع ترشيح سامي مبارك، فلم يستجب. وتبيَّن أن سامي قد فاز بـ70% من أصوات دائرته. زاد غضب مبارك، وطلب أن يتم إعادة فرز الأصوات.

وزير الداخلية يحاول أن
يثني الرئيس عن التدخل، حفاظاً على مقامه، لكن مبارك توعّد وزير داخليته: موعدنا بعد الانتخابات يا حسن، وقد حدث؛ إذ أقال
الوزير. 

يذكر
هيكل أن سامي مبارك بعد ذلك قد هاجر إلى ألمانيا، تاركاً الجمل بما حمل لأخيه حسني
مبارك. وقد زار سامي هيكل، وقال عن حياة العائلة كلاماً يتوقف القلم عن ذكره.

أما قصة الفريق عبدالغني
الجمصي، وقد كان وزيراً للدفاع عندما كان مبارك في سلاح الطيران -أي أن الجمصي كان
رئيساً على مبارك- فلا تقل غرابة. غادر الجمصي وزارة الدفاع لا يملك إلا أقل من
ألف دولار، وعندما مرضت زوجته اضطرت للسفر للعلاج في ليون بفرنسا، وحيث إن زوجها
لم يكن يملك شيئاً فقد رفع أمره إلى مبارك، الذي أصدر أمراً بعلاجها على نفقة
الدولة، ولكن لم يتضمن الأمر أن يصحبها زوجها، الذي لم يكن يملك ما يسافر به
لمرافقة زوجته. 

وبعد أيام تواصَلَ مستشفى
ليون مع الجمصي، طالباً حضوره على جناح السرعة، وتدبّر الرجل أمره مالياً بصعوبة،
ليجد زوجته في لحظاتها الأخيرة قبل وفاتها. 

كانت رغبته أن يعود
بزوجته لتُدفَن في مصر، ورتَّب له بعضُ زملائه السابقين ليتم اصطحاب زوجته على
خطوط مصر للطيران، بحيث يتحول مسار الطائرة لتمر بليون. ورغم أن ركاب الطائرة قد
انزعجوا مما حدث فإنهم حين علموا بالأمر تفهّموا، وأفاضوا في إظهار عواطفهم نحو
الرجل. 

وحده مبارك الذي استشاط
غضباً عندما علم، وتواصل بنفسه مع المسؤول منتفضاً، فأجابه بأنهم كانوا في عجلة،
وأنهم خافوا أن تتعفن جثة زوجة وزير الدفاع
السابق، أجاب مبارك: «وانت مالك خليها تتعفن»!!

أما رأي مبارك في مفكّري
بلده فلم يكن طيباً.. حدث أن قابل مبارك صدرالدين أغاخان، رئيس طائفة البهرة، وكان
مبعوثاً سامياً من الأمم المتحدة للاجئين، وقد أعرب مبارك فيما بعد عن سروره
بمقابلة الرجل، وقال لهيكل إن مثله قليل. ردّ هيكل ولكن مصر حافلة بمن يمكن أن
يفيد الرئيس مثل هذا الرجل، ونصحه بأن يفعل مثل كندي، الرئيس الأمريكي. كان كيندي
يلتقي مجموعات منتقاة من المفكرين الأمريكيين على إفطار كل شهر، ويستمع
إليهم. 

ردّ مبارك: «وبعد ما
يطلعوا من عندي يروحوا يقولوا كلام كله هجص»! وعلى عادة مبارك، فقد أرسل
أسامة الباز إلى هيكل ليتعاونا في تحقيق الفكرة. الباز علّق أن مبارك لن يجتمع مع
أحد، فليس في الأسماء المقترحة مَن يرغب مبارك في سماعه…

في إحدى زياراته لمصر،
اشتكى الرئيس اليمني علي عبدالله صالح لمبارك النقد الكثير الذي يتعرض له في
الصحافة المصرية. ثم ذكر مقالاً لصحفي سمّاه اعتبره مسيئاً… أبدى مبارك تعاطفاً،
وسأل صالح إن كان اليمن قد أصبح دولة نفطية… وبينما صالح حائر يبحث عن إجابة قال
مبارك: «يا عم، شخشخ جيبك، اديله هبرة يسكت عنك»!! 

بتوصيات أمريكية، أصبحت
شرم الشيخ مكاناً تُجرى فيه معظم مقابلات مبارك، ورغم
أن هذا خفّف الضغط عن القاهرة، فإن عبئه المادي كان مليون دولار يومياً إضافية.
وذلك للحاجة إلى انتقال أجهزة الدولة إلى شرم الشيخ.

يذكر هيكل أن الملكة
إليزابيث أرادت استضافة مبارك في قصر باكنغهام خلال زيارة دولة إلى بريطانيا،
تستغرق 24 ساعة. الورطة التي أصابت السفارة المصرية بلندن كانت كبيرة، فقد طلب
منها ترتيب إقامة وفد مع الرئيس، بما يعنيه ذلك من قيام أجهزة أمنية مصرية بفحص
القصر، ووجود أماكن لإسكان الحاشية والمرافقين، والترتيب لمطبخ خاص، وحلاق خاص،
فلم توافق إدارة قصر باكنغهام إلى على إدخال عنصر أمني واحد لفحص مقر إقامة الرئيس
من بين ستة عشر عنصراً جاؤوا لهذا الغرض. وعلّق مدير القصر بشكل يحمل توبيخاً
قائلاً: إن ما يصلح للملكه يكفي لمبارك.

وحسب البروتوكول، فإن
الزيارة الرسمية تصنف على أنها عادية أو رسمية أو زيارة دولة، وتختلف فيها مراسم
الاستقبال، فالسجاد الأحمر في المطار يتراوح بين عشرة أمتار، وخمسة وعشرين متراً،
وخمسين متراً، وكان أكثر حرج السفارات المصرية عندما تأتي توصيات الرئيس بوجود
سجاد «أبو خمسين» دائماً مهما كانت الزيارة.

وكانت هناك مبالغة في حجم
الهدايا التي يحملها الرئيس لمضيفه ورجال الدولة، حيث إن القوانين لا تسمح إلا
بهدايا رمزية. وفي المقابل فإن الوفد المصري يتوقع عدداً أكبر من الأوسمة لمرافقي
الرئيس، ويبالغ في مرتبتهم الوظيفية، الأمر الذي جعل الدول الأوروبية تُبلغ الوفود
المباركية بأن هناك ثلاثة أوسمة مثلاً، وعليهم أن يحددوا أسماء مَن سيحصل عليها.

 وفي زياراته
لأمريكا كان يمر على دول أوروبية، ويطلب لقاء رؤساء تلك الدول الذين كانوا غير
معنيين بزيارة كهذه، ولكنهم كانوا يحددون موعداً عادياً فيردّ مكتب مبارك أنه يريد
لقاء قمة. وهذا يعني للأوروبيين مؤتمراً صحفياً وتصريحات مهمة، وكان هذا أمراً
محرجاً للأوروبيين، أخذوا يرفضونه، وقام بيرلسكوني مرة بإعلانه استضافة مبارك في
بيته في سردينيا في زيارة خاصة. والغريب أن مبارك لم يتضجر، بل علّق بأنها كانت
إقامة في الجنة.

يورد هيكل عدة ملاحظات،
تبدو وكأنها دليل على تجارة السلاح، عمل فيها مبارك قبل رئاسته وخلالها. ومجرد
التجارة ليست المشكلة، ولكن المشكلة أن تكون وسيطاً مع دولتك التي تمثل أنت
مصالحها.

سامارانش كان رئيساً
للاستخبارات الفرنسية، وخلال الفترة التي كان العالم فيها يتساءل عن رئيس مصر
الجديد بعد السادات، ذكر سامارانش أنه يعرف مبارك منذ أن حضر رئيساً على مجموعة من
الطيارين المصريين، ليتفاوض على مجموعة كبيرة من طائرات الميراج الفرنسية لصالح
مصر، عام 1972.

كانت الصفقة ممولة من
ليبيا، وظاهراً كانت ليبيا تشتري الطائرات لجيشها، حيث كان هناك حظر على تزويد مصر
وإسرائيل بالسلاح الفرنسي. وكان الطيارون المصريون ضمن الوفد المفاوض يحملون
جوازات سفر ليبية، إلا أن ذلك لم يخفَ على الاستخبارات الفرنسية. 

وقد رصد الفرنسيون قيام
مجموعة من الضباط المصريين بتأسيس شركة تقوم بتنفيذ الصفقة من الباطن. أي أن هؤلاء
جعلوا من أنفسهم سماسرة على دولتهم، كما رصدت الاستخبارات الفرنسية حرص مبارك على
تصفية الخلافات بينهم. فيما بعد ذلك ذكر عبدالسلام جلود، رئيس المجموعة الليبية
بحضور غسان سلامة، وزير إعلام لبنان الأسبق، أسراراً كثيرة عن هذه الصفقة. اعتذر هيكل
عن إيرادها؛ لأنه لم يستأذن جلود في ذلك.

ويورد هيكل ما جاء في
الصحافة الأمريكية عن قضية رُفعت إلى القضاء، تحقق فيما تبين، وهو أن توريدات
السلاح الأمريكي إلى مصر كانت تنقل من خلال شركة، من مالكها حسين سالم، وفيها رجل
أعمال فلسطيني أمريكي، وفيها  منير  ثابت
أخو زوجة مبارك، الذي كان المسؤول عن إيرادات السلاح الأمريكي إلى مصر. أصدرت
المحكمة الأمريكية قراراً بمنع حسين سالم من دخول أمريكا وإيكال القضية إلى
الحكومة المصرية. 

وهكذا أصبح مبارك المسؤول
الأول، بطلب من السادات، عن متابعة القضية. وأرسلت السفارة الأمريكية في مصر أنها
لا تتوقع أن يتوصل التحقيق إلى شيء، خاصة أنها تتناول مجموعة من النافذين في
السياسة المصرية، وأوضحت أن مبارك هو نفسه الذي عمل على نقل نسيبه من مكتب الملحق
العسكري المصري ليرأس مكتب المبيعات العسكرية الأمريكية لمصر.

هيكل ينقل حواراً بينه
وبين حسين سالم حول ذلك، قال الرجل فيه إنه كان مهتماً بنقل الأسلحة، لا بصفقات
السلاح نفسها، وإن كثيراً من هذا السلاح كان إلى أفغانستان. 

وحسين سالم هذا كان له
دور في بيع الغاز بسعر منخفض لإسرائيل، وحين سأله عن ذلك قال إن بيع الغاز المصري
لإسرائيل هو مسألة سياسية أكبر منه. يذكر هيكل حادثةً أخرى عن حسين سالم، فحين بدا
أن مبارك سينتهي، قام سالم بالسفر على طائرته الخاصة من شرم الشيخ -التي وصلها
حسني مبارك للتو- إلى الإمارات، وتبيّن في مطار أبوظبي أنه يحمل 450 مليون يورو،
بنفس تغليفها الذي صدرت به من البنك المركزي الأوروبي، ولما أرسلت سلطات الإمارات
لمصر تستفسر، نصح نائب مبارك المعين حديثاً اللواء عمرو سليمان بالإفراج
عنه. 

وحين سألوا عن الطريقة
التي يتصرفون بها حيال المبلغ، نصح رشيد محمد رشيد الوزير المصري، بإيداعها في بنك
أبوظبي حتى يتم التصرف فيها، ورفض رشيد إعطاء أية تفصيلات أخرى.

وهناك
ثلاث طرائف يمكن إيرادها هنا. تبين استفادة رجال أعمال من حرب أفغانستان، فقد قام
أحدهم بشراء ثلاثة آلاف بغل من قبرص، وتوريدها لذلك البلد. 

وحدث أن الشيخ زايد أراد
إبعاد الحمير من بلاده، فكلّف مَن يشتريها ويهديها إلى الفلاحين في الريف المصري،
حيث ما زالت الحمير تستخدم في الزراعة. وهنا وجدت الحمير مَن يشتريها ويعيد
تصديرها إلى أفغانستان. 

صالح الشحري هو طبيب فلسطيني مهتم بالشأن الثقافي وقضايا المجتمع وسبق أن نشر مقالات عديدة في موقع huffpost النسخة العربية.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى