تقارير وملفات إضافية

لبنان، العراق أم سوريا.. من أي من هذه البلدان العربية ستبدأ الإمبراطورية الإيرانية الرابعة في التصدع

كيف ينظر القادة الإيرانيون إلى الاضطرابات في بلادهم والعراق ولبنان؟ هل تصبح القوة هي الوسيلة الوحيدة للتصدي للاضطرابات؟ وهل تستغل السعودية والولايات المتحدة هذا الوضع لصالحها؟

يثير توقيت رفع القيادة الإيرانية الدعم عن أسعار الوقود، بما أدّى عملياً إلى مضاعفة التكلفة على المستهلكين، تساؤلات أساسية حول طبيعة التفكير السياسي في طهران.

إذ تشير الجرأة في هذا القرار إلى أن قادة إيران يتعاملون مع المواقف الشعبية بخليط من الإنكار وعدم الفهم للمطالب الطبيعية للبشر، في ظل هيمنة سردية المقاومة والصمود على الخطاب الإيراني، حسبما ورد في تقرير كتبه حسن منيمنة المحرر المساهم بمنتدى فكرة ومدير مؤسسة بدائل الشرق الأوسط، ونُشر في موقع معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.

فما نتيجة هذا التوجه على مستقبل النفوذ الإيراني في المنطقة؟ وكيف يحاول خصومها استغلاله؟

فعلى الرغم من استفحال المظاهرات في العراق، جوار إيران المباشر، وما تحمله من صرخات مدوية رافضة للتدخل والنفوذ الإيرانيين في بلاد الرافدين.

وعلى الرغم من حدوث ثورة شعبية غير مسبوقة في لبنان تعيد رسم معالم الحياة السياسية ببلاد الأَرز، وتشكل تحدياً عميقاً للقبضة الإيرانية على الطائفة الشيعية، تصرّف حكام طهران -على ما يبدو- باطمئنان كامل إلى ثبات سلطانهم ودون اعتبار لاحتمال انتقال عدوى الاحتجاج إلى جمهورهم الداخلي.

طريقة التفكير هذه، والتي كشفت رد فعل الجمهور الإيراني على خطئه، تستدعي مزيداً من الحيرة، لأن الدافع الأوَّلي للحراك الاعتراضي في كل من العراق ولبنان، كان الوضع الاقتصادي وفقدان الثقة بالطبقة السياسية.

وقد يُنظر إلى إقدام النظام الإيراني على المضي قدماً في تنفيذ قراره رغم كل هذه المعطيات، على أنه انعكاس لغرور السلطة ولفائض القناعة بالقدرة على تجاوز الإرادة الشعبية وفرض مشيئة النظام بالقوة.

وقد تجد هذه القراءة ما يؤيدها في النجاح الفوري الظاهر بقمع الحراك في المدن والبلدات الإيرانية كافة، رغم عدم اتضاح فاعلية القمع على المدى البعيد بعد.

على أن التقييم الأقرب إلى الصواب، وفقاً لحسن منيمنة، هو بالإشارة إلى درجة من الإنكار تطول مستويات عدة من النظام حول التباعد بين السردية التي تعتمدها الجمهورية الإسلامية ومصالح جمهور المحكومين وتوجهاتهم.

في العراق، ربط المتظاهرون صراحة وبالصوت المرفوع بين الفساد والتبعية لإيران. بل، في فعل تحدٍّ، جرى إحراق صور للمرشد الأعلى الإيراني.

وقد أشعلت هذه الأفعال رداً فورياً، فعمدت أجهزة الدولة العراقية الخاضعة للنفوذ الإيراني والفصائل المسلحة الموالية لطهران إلى قمع وحشي للمتظاهرين، صاحبه إطلاق الاتهامات لسائر أجهزة الدولة ومؤسساتها، المصابة بقدر أقل من الاختراق الإيراني، بتنفيذ «انقلاب» يستهدف الحكومة الشرعية (المدجّنة إيرانياً).

التحدي في الحالة العراقية يكمن بالأساس في أن المظاهرات ذات طابع شيعي واضح، بل على الأرجح أن المتظاهرين المعتصمين بساحة التحرير يسكنون في الأحياء الشيعية الفقيرة نفسها التي جاء منها مقاتلو الحشد الشعبي والقوى الأمنية العسكرية.

ولذا كان حدثاً فارقاً أن يحرق المتظاهرون في كربلاء، عاصمة السردية البكائية الشيعية، مقر قنصلية الدولة الإيرانية، التي جعلت من هذه السردية البكائية سياسة رسمية.

واللافت أن مَن  شمت في الإيرانيين هو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي سبق أن مثَّل سكانُ مدينة الفلوجة السُّنية بأشلاء جنود سلفه جورج بوش الأب.

وتثبت شماتة ترامب في الإيرانيين وقبلها ما حدث للأمريكيين في الفلوجة وبقية العراق، أن محاولة بناء إمبراطورية ببلاد الرافدين هو فخ لأي قوى عظمى، إقليمية أو دولية كانت.

في لبنان يبدو الوضع أكثر تعقيداً من العراق، فالعراق رغم أن ضراوة الأحداث به أشد من لبنان، وحجم الخسائر البشرية المترتبة على المقمع أكبر بكثير، فإن العراق يظل بلداً ينعم بنفط لا ينضب وما زال لحسن الحظ يتواصل إنتاجه رغم كل الاضطرابات.

أما في لبنان فالبلاد على شفا أزمة اقتصادية كارثية يمكن أن تؤدي إلى انهيار مالي مريع، ولبنان بلد لا يعدو أن يكون اقتصادياً أكثر من بنك أو قُل حتى ماكينة صرف آلية تعتمد على أموال المغتربين، فإن خسرت هذه الماكينة ثقة المودعين أو تم تحطيمها، فإن من يعتاشون عليها سوف يموتون جوعاً.

وفي الوقت ذاته، فإن النظام  السياسي الطائفي اللبناني أكثر تعقيداً وتجذراً من النظام العراقي؛ ومن ثم أكثر صعوبة  في إصلاحه أو اقتلاعه أو حتى إيجاد بديل له.

اللافت أنه في الحالة اللبنانية كان بإمكان وكيل إيران، حزب الله، النأي بنفسه عن الدفاع عن النظام الطائفي، وترك الأمر للقوى الأخرى المستفيدة منه، وضمن ذلك خصومه، الذين هم أعرق في مشاركتهم في هذا النظام الطائفي، والذي كان عادة يحمّلهم مسؤولية الدين الذي تنوء به البلاد (تيار المستقبل).

ولكن الحزب الذي لم يكن هدفاً للمتظاهرين في البداية، هو الذي أخذ زمام المبادرة بجلب شتائمهم له بعد أن نصب نفسه حامياً لنظام، كان الحزب يقدم نفسه قديماً على أنه بريء منه وأنه مضطر إلى التعامل معه.

فقد استقرّ الزعم بأن حزب الله هو الاستثناء بترفعه عن الفساد المستشري في مفاصل الدولة اللبنانية، (وهو زعم يراه حسن منيمنة مخالفاً للواقع)، وكان هذا يمكن أن يشكل مفراً لحزب الله لجعل الحراك أزمة لبقية الأحزاب السياسية وليس له فقط.

ولكن بدلاً من ذلك تورط أمين حزب الله، حسن نصر الله، في تهديد المشاركين في الحراك رغم أن بعضهم كان يعتبر نفسه قريباً من الحزب (اليسار اللبناني).

وسارع الحزب بمناصبة الاحتجاجات العداء رغم أنها كانت تستهدف في المقام الأول حليفه جبران باسيل وزير الخارجية، بعد أن تبين أنها ليست تنفيساً عابراً عن مشاعر مكبوتة، بل مطالبة مثابرة للتغيير الحقيقي.

إذ إن لدى قطاع من اللبنانيين كراهية قديمة لهذا النظام الطائفي، الذي تعود نشأته لعقود طويلة (جذور النظام في الحقيقة تعود لقرون) حتى قبل أن يكون للطائفة الشيعية دور به.

ولكن ما حرّك الحزب وبموافقة إيران، هو أن «ثورة السابع عشر من تشرين» قد تمكنت من الاستقطاب في عمق الطائفة الشيعية.

فحين ترتفع أصوات من هذه الطائفة مطالِبة برحيل الطبقة السياسية بأكملها، فإن الأمر ينضوي على مخاطر جدية لأدوات إيران كافة وحلفائها، في وقت بلغت سيطرة الحزب على النظام الطائفي ذروتها عبر توصيل رئيس مِن حلفه إلى قصر بعبدا، وامتلاكه أغلبية برلمانية، وتدجينه لخصومه التقليديين، بمقدمتهم سعد الحريري وسمير جعجع، في حكومة رضوا فيها بأقل نصيب.

فكان لا بد، من وجهة نظر إيران أو الحزب (لا فارق كبيراً بينهما)، من الشروع في خطوات متتالية لتصحيح الوضع والمحافظة على فائض القوة؛ وهو ما أدّى إلى وضع «المقاومة» في مواجهة صريحة إزاء «الثورة».

وهي مقاربة صدمت على الأرجح قطاعاً من الثوار من اليساريين والناصريين، الذين كانت لهم نظرة مثالية للحزب على منحاه الأصولي الفج.

وعكس المظاهرات التي وقعت قبل أكثر من ثلاثة أعوام احتجاجاً على أزمة النفايات، بدا الحزب صارماً هذه المرَّة، خاصة بعد أن خرج المتظاهرون في المدن والبلدات ذات الوجه الشيعي الغالب، والتي تصنّف على أنها «بيئة» المقاومة الموالية لإيران.

كانت خطوة الحزب الأولى اللجوء إلى القمع والترهيب.. قمع وترهيب بيته الحاضنة.

وعندما نشر الناشطون أو المواطنون العاديون من أهل هذه «البيئة» رسائل على منصات التواصل الاجتماعي تبدو مسيئة إلى «المقاومة» أو المقربين منها، جرى تصيُّدهم ودعوتهم/إرغامهم على إصدار تسجيلات مفعمة بالأسف والاعتذار.

أما في وسط بيروت، الذي اتخذته «الثورة» منصة وطنية لها، فجرى إفلات «المقاومين» من ذوي القمصان السود، بالعصي وأوعية الوقود، مع إصرار الإعلام الموالي لإيران على تصويرهم على أنهم من «أهالي المنطقة» الذين ساءهم ما طال أعمالهم من أضرار نتيجة الاعتصامات، ليضربوا المتظاهرين نساء ورجالاً الضرب المبرح، وليضرموا النيران بالخيم والأكشاك والمسارح التي أبرزت وجهاً احتفالياً فريداً للثورة اللبنانية.

وخلال الأسابيع الماضية، استمر الصف التابع لإيران في تطبيق خطته الهادفة إلى تخويف المتظاهرين، ودفعهم نحو الإحباط واستنزاف مواردهم الذاتية التي تموّل الثورة، وذلك من خلال الهجوم المتتابع عليهم بالعنف والضرب، ومن خلال تدمير أشكال التعبير الثقافية والاجتماعية للثورة.

ولا يزال إصرار الثوار على الاستمرار وإعادة بناء ما تهدَّم والمثابرة على الأجواء الاحتفالية الجامعة لثورتهم- قائماً إلى اليوم رغم الترهيب.

إذا استعرنا مصطلحات المسؤولين الإيرانيين بأن نفوذهم الحالي يمثل في سيرورة التاريخ الإيراني الإمبراطورية الفارسية الرابعة بعد الإمبراطورية الأخمينية والبارثية والساسانية، فإنه يمكن القول إن الإمبراطورية الفارسية الرابعة هي أرخص إمبراطورية في التاريخ.

فرغم انتقادات الداخل الإيراني ودعايات الخصوم الخارجيين، لم تنفق إيران كثيراً من المال على إمبراطوريتها، وبالأصل إيران لا تنفق كثيراً على جيشها بمعايير الشرق الأوسط.

نعم، موّل القادة الإيرانيون من أموال الشعب الإيراني هذه الإمبراطورية، ولكن أيضاً موَّلوها على الأرجح من تبرعات المقلدين العرب للمرشد علي خامنئي، ومن استغلال الميليشيات التابعة لهم للتهريب على الحدود بين البلدان العربية التي يسيطرون عليها، ومن حلب حكومات ومواطني الأقطار العربية التي يتنفذون بها.

الأسوأ أن الإمبراطورية الفارسية الرابعة لم يكد تُبذل فيها أي دماء إيرانية.

ففي سوريا حيث خاضت الإمبراطورية أهم معاركها لوأد الثورة، لعب حزب الله اللبناني دور القوة الضاربة قليلة العدد كبيرة التأثير.

بينما كان جنود المشاة الأكثر عدداً يأتون من الميليشيات الأفغانية والعراقية والباكستانية الشيعية المذهب بطبيعة الحال، تحت إشراف الخبراء الإيرانيين.

وفي العراق، قام شيعة العراق بجزء كبير من المجهود الحربي ضد داعش مع الأكراد، إضافة إلى مشاركةٍ أقل من بعض السُّنة العرب العراقيين، وأيضاً اقتصر  الوجود الإيراني على الخبراء والقادة.

والآن بعد أن شيدت إيران هذه الإمبراطورية بأموال العرب ودمائهم مع بعض الدماء الباكستانية والأفغانية، نضبت الأموال اللازمة لصيانة الإمبراطورية.

والأسوأ أن الدولة الإيرانية ليست قادرة على إدارة هذه الإمبراطورية بعدما أثبتت نخبتها أنها ماهرة في خوض الحروب وتهريب السلاح للمقاومة وحياكة المؤامرات، إلا أنها فاشلة في شيء واحد هو الاقتصاد.

فعلى مدى عقود، أظهرت هذه النخبة أن عدم كفاءتها الاقتصادية مرتبط بالأساس بسياستها الاقتصادية شبه اليسارية، القائمة على فكرة الدعم والاكتفاء الذاتي والحذر من الخارج والحفاظ على الأسعار وتثبيت العملة على حساب الكفاءة الاقتصادية.

والآن تنتظر الإمبراطورية الرابعة من رعيتها في الدول العربية، ليس فقط تحمُّل إهانة أن تحكمهم إيران الفارسية الشيعية، بل أن يصبروا على ضائقتها الاقتصادية، التي يبدو أن ﻻ نهاية لها.

تتجاهل إيران حقيقة أن هناك كرامة وطنية وقومية للشعوب العربية الخاضعة لنفوذها، وحاجات اقتصادية لهذه الشعوب، فشلت النخب التابعة لها في توفيرها، وتُفضِّل الغرق في سرديات المؤامرة الغربية، يساعدها في ذلك خطاب أمريكي غير حكيم يحاول إبداء الصداقة لتوجهات ثورية، هي بفطرتها دوماً تكون معادية للتدخل  الغربي.

وفي كل من العراق ولبنان، رست السردية الموالية لإيران حول الاحتجاجات على تجاهل الواقع الموضوعي وعلى اعتبار الحراك في البلدين مرتبطاً بـ «السفارات»، التي خلقتها أو استغلتها، أو على أقل تقدير أنها مشبوهة إن لم تكن صنيعة أعداء الخارج.

ومع حال الإنكار هذا، حين تصدُر التصريحات المتشابهة حول عمالة الاحتجاجات، من كل من المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية والأمين العام لحزب الله في لبنان، وحين تفيد التقارير أن قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، هو الذي يدير عمليات مكافحة الاضطرابات في العراق- لا بد من استشفاف مزيد من الخطوات القمعية في المرحلة المقبلة.

ثمة ما يدعو، من وجهة نظر إيران ومن يواليها، إلى اعتبار الأوضاع الحالية استمراراً لتحديات سابقة.

فالاحتجاجات في العراق تكاد تكون متوالية على مدى الأعوام الماضية، ولكنها كانت دوماً قابلة للاحتواء في نهاية المطاف. والاحتواء قد تحقق في لبنان كذلك من خلال إسكات الأصوات المعارضة لإيران، سواء عبر حملة الاغتيالات التي قضت على نخبة مختارة منهم، أو من خلال ما طال سائرهم من تخويف واستيعاب.

بل إيران نفسها سبق أن شهدت احتجاجات داخلية ذات دوافع اقتصادية، وإن وُصفت بأن من أشعل فتيلها هو الخارج.

غير أنَّ قمع هذه الاحتجاجات قد تحقق من خلال منظومة أمنية سريعة التحرك. فبناء على هذه النجاحات في ضبط ما سبق، بدت التحديات الحالية كأنها تحت السيطرة، بل قد تشكل فرصاً يمكن الاستفادة منها.

في لبنان، رغم مضي قرابة عقدين على انتهاء الاحتلال الإسرائيلي لأجزاء من البلاد، وهو الاحتلال الذي كان لمقاومة حزب الله له موقع تقدير وطني وعالمي، فإن هذا الحزب الذي أسسته وتموّله وتوجهه إيران ما زال قادراً، بحجة المقاومة ووهجها، على تجاوز التحديات والاعتراضات على بقائه كجيش رديف للجيش الوطني، غير خاضع للمساءلة والمحاسبة.

بل من خلال تحكُّم حزب الله في الطائفة الشيعية، ومن خلال الاستقواء الذي منحه لأطراف فئوية مختارة مثل حليفه الشيعي نبيه بري أو حلفائه من الطوائف الأخرى، نجحت إيران بوضع اليد على قرار الدولة والمجتمع في لبنان.

المشكلة أن الحزب الذي بدأ شبابياً تطهرياً وكان مترفعاً عن النهب الذي شارك فيه الجميع بلبنان، بدأ يفقد هذا الطابع المثالي، ويعتقد أن تورطه بالمشاركة في عملية النهب التي تقوم بها القوى السياسية عادة في لبنان، ازداد مع تراجع التمويل الإيراني للحزب من جراء العقوبات الأمريكية.

وفي إعادة استنساخ للنموذج اللبناني الناجح، تعوّل إيران في العراق على الرصيد المعنوي لفصائل الحشد الشعبي التابعة لها، والتي قدمّت تضحيات كبيرة بالأرواح في مواجهة إرهاب «تنظيم داعش»، لتعزيز حضورها على مدى الفضاء العراقي، والمتحقق للتو من خلال نشر المرتبطين بالحشد الشعبي في أجهزة الدولة ودوائرها، أو من خلال إعادة توجيه الموارد الوطنية العراقية لخدمة الأغراض الإيرانية.

المشكلة أن الصورة الإيجابية التي رسمها حزب الله والتي بدأت تهتز غير متوافرة أصلاً لدى الحشد الشعبي.

فقبل زمن مشاركته في النهب العام، كان حتى خصوم حزب الله يعترفون بأن الحزب غير متورط في الفساد، وأن سلوك مقاتليه الشخصي منضبط، فلم يُسمع يوماً أن مقاتلاً للحزب غازل فتاة سُنية في أزقة بيروت مثلما يُنسب إلى مقاتلي حركة أمل.

ولكن الحشد الشعبي العراقي بدأ مسيرته بسيرة أسوأ من سيرة حركة أمل، التي يصف اللبنانيون أعضاءها بالزعران (البلطجية)؛ ومن ثم فإن دور الحشد المقدَّر في حرب داعش لا يكفي لرسم صورة إيجابية له، ثم جاء تورطه في دماء المحتجين ليلطخ اسمه أكثر.

وفي الوقت ذاته فإن ما يقوم به أنصار حزب الله مع المحتجين اللبنانيين استدعى إلى الأذهان تصرفات الحشد الشعبي العراقي الهمجية.

والنتيجة أنه بدلاً من أن تجمّل إيران الحشد الشعبي ليكون حزب الله العراق، تدهورت صورة حزب الله ليصبح الحشد الشعبي الخاص بلبنان.

كل ذلك يؤكد أن منهج إيران ينتقل من الحكم بخليط من القوة الناعمة والقوة القاهرة إلى القوة القاهرة فقط.

ومن قهر الطوائف الأخرى التي تشارك الشيعة العيش في البلدان العربية التي تهيمن عليها إلى قمع الشيعة وغير الشيعة.

وقد قدّم الأمين العام لحزب الله عند آخر إطلالاته المتكررة، في مشهد يكاد يكون خيالياً، الإطراء المسهب على الشعب اليمني، الذي رضي بالفقر وفقدان الخدمات، والحروب المتواصلة، ليبقى صامداً بوجه إسرائيل (البعيدة جداً)، حسب تعبير حسن منيمنة.

يرى حسن منيمنة أن «هذا الخطاب يعكس الذهنية العقائدية للمحور الإيراني، والتي تفترض أن عزاء اللبنانيين، والعراقيين، والإيرانيين، إذ يتخبطون في الخراب الاقتصادي والاجتماعي المفروض عليهم، هو أن المقاومة سوف تبقى (شوكة في خاصرة العدو)، وإن نظرياً وحسب».

 ثمة خطر جدي أمام القيادة الإيرانية في هذا الابتعاد عن القراءة الواقعية، وفي رفض الإقرار بأن التصور الوهمي لعالم مبني على الحروب رغم أن مثل هذه المواجهات والحروب عامل رئيسي في استنزاف الموارد المحلية وفي تعريض الحياة والرخاء على مدى المنطقة لمجازفات لا مبرر لها، حسب منيمنة.

فالنظر المجرد إلى الأوضاع من شأنه أن يكشف استحالة استمرار الهيمنة الإيرانية؛ لما تقتضيه من جرف متواصل لموارد ليس من الشأن التوسع في الإمبراطورية أن يضمنها، في حين أن هذا الجرف، في استنزافه للأموال العامة سوف يحقق كارثة اقتصادية بالتأكيد سواء للإمبراطورية أو بلدانها فرادى.

أقام البريطانيون إمبراطوريتهم على أساس السلام البريطاني الذي يقوم على التبادل الاقتصادي الذي تكون لندن محوره، بينما الإمبراطورية الفارسية الرابعة تطالب رعاياها بالصمود، من دون وعد بالخلاص وليس هناك حتى ميزة نسبية لقلب الإمبراطورية «إيران»، التي يعاني سكانها وضعاً اقتصادياً قد يكون أسوأ حتى من البلاد العربية التي تهيمن عليها.

وهذا التوجه من شأنه الإسراع في الوصول إلى مزيد من العنف، لأن الناس لن تستجيب لطلب الصمود هذا، في وقت يرون فيه أذرع الإمبراطورية وحلفاءها يتنعمون بالأموال المنهوبة.

فـ «الإمبراطورية الفارسية الرابعة» في حالة هبوط، عائدة إلى استحالة ديمومتها ذاتياً، في ظل تشوه فكرتها السياسية القائمة على افتراض قبول الشيعة العرب بالتبعية لإيران، وبأنهم سيلزمون بقية الطوائف بذلك.

كل ذلك في ظل غياب أي أسس اقتصادية لاستمرار الإمبراطورية، وانتشار الفساد في النخب الموالية لإيران والحليفة لها بشكل قادر على استنزاف أي دولة مهما كان ثراؤها مثلما هو الحال في العراق.

ومن قبلُ حاولت القيادة الإيرانية التبرؤ من فساد هذه النخب، ولكن عندما خرجت هذه الاضطرابات كانت طهران في مقدمة القامعين لها، وهو ما جعلها تظهر باعتبارها حامية فجة للفساد.

وتأتي العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة لتسرّع من وتيرة انحدار هذه الإمبراطورية، حسبما يرى منيمنة.

رغم أن لبنان تاريخياً أكثر بلد عربي شهد حروباً أهلية، ورغم أن السياسة اللبنانية نموذج لما يجب عدم الاقتداء به، فإن المفارقة أن لبنان كان به دوماً مجتمع مدني مسيس قوي في الأغلب، كان طائفياً في الأغلب، ولكن كثيراً ما كان غير طائفي أيضاً.

وتضافر وجود هذا المجتمع المدني القوي وضعف الدولة وانفتاحها السياسي والإعلامي، لترسيخ حقيقة تاريخية في لبنان وهي أنه نادراً ما شهدت البلاد تعرض مظاهرات سلمية لقمع عنيف من قبل سلطة أو حزب.

حتى في ظل الوجود السوري القاسي كانت هناك انتخابات ومساحة من عمل المجتمع المدني والمعارضة المحدودة.

ومن ثم فإنَّ سحق المظاهرات السلمية في لبنان سيكون حدثاً جللاً في تاريخه ولم تُعرف تأثيراته بعد على ديناميات البلاد الطائفية، التي كان حمل السلاح فيها غالباً مرتبطاً بانسداد الأفق السياسي.

وعكس الاضطرابات التي وقعت عقب اغتيال رفيق الحريري حين حشد حزب الله الطائفة الشيعية مقابل بقية الطوائف التي تظاهرت ضد الوجود السوري، فإن الوجع اللبناني الحالي مس الطائفة الشيعية بشكل كبير.

ينحدر معظم اللبنانيين الشيعة المجندين للقتال في سوريا من أحياء فقيرة، وتقول مصادر لبنانية لـ «عربي بوست»، إن الحزب الذي ينتمي معظم قيادته إلى جنوب لبنان توسع بالسنوات الأخيرة في التجنيد من منطقة البقاع الأكثر فقراً؛ مع ترفع شباب الجنوب عن التطوع بالحزب، من جراء ارتفاع مستوى تعليمهم وتحسّن الوضع الاقتصادي بفضل الهجرة وتدفق الأموال العربية والإيرانية لإعمار الجنوب بعد حروب إسرائيل.

تقول حنين غدار، الباحثة بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، في تقرير لمجلس النواب الأمريكي: يرى هؤلاء المقاتلون الفقراء مسؤولي حزب ﷲ -الذين يعيشون في جزء مختلف من معقل الحزب بضاحية بيروت الجنوبية- يستفيدون من ثروات الحرب».

إلا أن الضاحية منطقة صغيرة للغاية، وحين رأى الشيعة الفقراء الذين يعانون تداعيات الحرب السورية، أن مسؤولي «حزب ﷲ» وأفراد عائلاتهم يقودون سيارات فاخرة ويقيمون بشقق جميلة، جاء الاستياء نتيجةً منطقيةً لهذا الوضع، حسب قولها.

من الأمور التي تضر حزب الله بشدة، أنه أُرغم هو وأتباعه على قبول حليف الحزب نبيه بري كشَرْط ضروري لصون البيت الشيعي.

ولا يختلف الشيعة في لبنان عن غيرهم في أن برّي عراب النظام الطائفي اللبناني، وهم يعتبرونه الأكثر حكمة ورجل الوساطة بين الأحزاب المتصارعة في الأوقات الحرجة.

ولكن يُنظر إليه أيضاً على أنه من أكثر الزعماء فساداً حتى بين أوساط الطائفة الشيعية، كما أن حركة أمل التي يترأسها، مشهورة بتنفذها في دواليب الحكومة ونهبها لها باسم الطائفة الشيعية، حسبما يقول مصدر لبناني لـ «عربي بوست».

وينطبق الأمر على التيار العوني بزعامة وزير الخارجية باسيل، المتهم بالتسبب في أزمة الكهرباء، وتعطيل حكومات لبنان المتعاقبة، لضمان أكبر حصة لصالح تياره.

فرغم أن المجتمع اللبناني يعلم أن كل زعمائه وأحزابه فاسدون، فإن بري وباسيل يحتفظان بمكانة خاصة في سردية النهب اللبنانية.

وعلى الرغم من أن فساد بري وكذلك باسيل لا يتماشى مع سردية «حزب ﷲ» عن الشفافية والنزاهة فإن المجتمع قد غضّ النظر عن هذه الانتهاكات طيلة عقود من الزمن.

وبالنسبة للشيعة، فعندما بدأ الاقتصاد اللبناني بالتدهور في الوقت نفسه الذي تلقت فيه موارد «حزب ﷲ» ضربة قاسية، لم يعد باستطاعة أبناء الطائفة الشيعية دفع فواتيرهم أو إيجاد وظائف أو الاستفادة من خدمات الحزب.

ومن هذا المنطلق، لم يعد بالإمكان التساهل مع فساد بري وثروته الفاحشة.

تقول حنين غدار في تقريرها لمجلس النواب الأمريكي: «لا يخفى أن حزب ﷲ استفاد مادياً من سيطرته على مؤسسات الدولة، خاصة بعد أن خفضت إيران ميزانية الحزب السنوية إلى النصف، بحيث اضطر الحزب إلى الحد من خدماته والتوقف عن دفع رواتب المتعاقدين والموظفين غير الضروريي».

وبدلاً من ذلك، بدأ الحزب يستغل حسنات وجود وزرائه وحلفائه في الحكومة، من أجل توفير والخدمات والوظائف لمؤيديها.

وقد نجح ذلك إلى أنه لم تعد الدولة قادرة على تأمين الخدمات للحزب. وعندما سجل الاقتصاد اللبناني مستويات متدنية غير مسبوقة، كان من الواضح أن احتياجات «حزب ﷲ» كانت أكبر من الدولة اللبنانية وتفوق إمكاناتها.

منذ ظهور حركة أمل والوجود السوري في لبنان ثم أخيراً انتصارات حزب الله، تغير وضع الشيعة في لبنان.

قبل ذلك كانوا نموذجاً للطائفة الفقيرة المهمشة، فلم يكونوا أهل مدن ينتمون إلى مذهب الدولة الحاكمة مثل السُّنة، أو لديهم علاقات بالغرب كالموارنة، أو طائفة لديها زعامة ذكية متقلبة التحالفات وذات أصول نبيلة كالدروز.

أعطى حزب الله أكثر من غيره شيئاً للشيعة ليتباهوا به وأحياناً ليستقووا به.

لقد قال لهم إنهم جمهور المقاومة، ومنحهم حق التفاخر بهذا النصر للأبد.

ولكن فقد الشيعة كثيراً من الأشياء بسبب حزب الله.

كان حزب الله يباهي اللبنانيين بإخراج إسرائيل من جنوب لبنان، وانتصاراته في سوريا ضد عدوه الجديد، التطرف السني. ولكن أياً من هذه الانتصارات لم يُترجَم إلى حالة من الرفاهية، لا للشيعة ولا للشعب اللبناني عموماً.

فقد استُخدمت الانتصارات العسكرية لخدمة الأجندة الإيرانية في المنطقة، وأصبح شيعة لبنان أكثر انعزالاً من أي وقتٍ مضى، إذ لم تعد دول الخليج وبلدان أخرى في إفريقيا ترحّب برجال الأعمال والموظفين الشيعة كما اعتادت في السابق.

وأصبحت المصارف اللبنانية أكثر ارتياباً من الشيعة، لا سيما في أعقاب العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على «جمّال ترست بنك» في بيروت، بسبب علاقاته المالية بـ «حزب ﷲ».

كونك شيعياً لبنانياً حتى لو كنت علمانياً أو حتى ملحداً يجعلك عضواً محتملاً بحزب الله، وهذا يجعلك تستقوي في المساحة بين بيروت وصور (تبلغ طولها 83 كيلومتراً)، وما عدا ذلك فأنت مشتبه به في أي مكان من العالم.

وحتى في المناطق اللبنانية الأخرى أنت غير مرحَّب بك إلا في مناطق المسيحيين، حيث يكون مرحَّباً بك فقط من قِبل أنصار العماد عون وسليمان فرنجية حليفي الحزب الكبيرين.

ففي نهاية المطاف، أدرك الشيعة أنه ليس لديهم سوى «حزب ﷲ»، الجماعة التي لا تستطيع سوى تقديم السلاح وروايات النصر.

منذ انتصار حزب الله وحلفائه في الانتخابات عام 2018 وقبول منافسيه مثل الحريري وجعجع بالدخول في شراكة غير متكافئة مع الحزب وحلفائه بالحكومة، فشل الحزب في الحفاظ على الفاصل الدقيق بين دولته والدولة اللبنانية، حسب شهادة حنين غدار أمام مجلس النواب الأمريكي.

وبدلاً من ذلك، غاص الحزب بصورة أعمق في مؤسسات الدولة؛ وهو ما تسبب في مزيد من العزلة للبنان من قبل مجتمع دولي، كان في السابق قد دعم استقرار البلاد السياسي والمالي، خاصة مع قرار السعودية الابتعاد عن لبنان وتوقفها عن التورط في دعم لبنان الرسمي رغم هيمنة حزب الله، وابتعادها حتى عن حليفها التقليدي تيار المستقبل، المضطر إلى الدخول في شراكة غير متكافئة مع حزب الله.

ترى غدار أنه في المرحلة المقبلة، سوف يواصل «حزب ﷲ» فعل ما يجيد فعله، أي اللجوء إلى القوة بدلاً من التراجع والسماح لحكومة جديدة مؤلفة من وزراء مؤهلين بإجراء إصلاحات.

وتقول: «حتى الآن يحاول حزب ﷲ تجنُّب السيناريو العراقي عبر تجنب المواجهة المباشرة مع المحتجين. وبدلاً من ذلك، يسعى إلى إحداث شرخ بين المتظاهرين والجيش باستخدام مخابرات الجيش اللبناني».

يُظهر تقرير حنين غدار أمام مجلس النواب الأمريكي، أن الولايات المتحدة متلهفة لاستغلال الوضع.

وتبدو الولايات المتحدة تفكر في المراهنة على الجيش اللبناني.

ولكن الأخطر أن غدار تتوقع أن إفلاس الدولة اللبنانية أقرب من المتوقع.

إذ تقول: «عندئذ لن تتمكن الدولة من دفع رواتب الموظفين في القطاع العام، ومن ضمنهم عناصر الجيش والقوى الأمنية. وسوف تكون المساعدات الخارجية ضروريةً لإنقاذ البلاد من الانهيار الكامل والفوضى التامة، ولكن لا يجدر تقديم هذه المساعدات دون شروط تضمن سيادة الدولة ووصول طبقة سياسية جديدة غير فاسدة إلى الحكم».

من الواضح أن الولايات المتحدة والسعودية تحاولان تسريع التصدعات في الإمبراطورية الفارسية دون أن تسبب العجلة في إفادة النظام.

وتراهن الولايات المتحدة على تفاقم الوضع المالي، سواء في إيران ذاتها أو بالدول الأخرى الخاضعة لهيمنتها.

قد يكون الاختبار الحقيقي والأقرب للإمبراطورية الفارسية الرابعة في لبنان وليس في دولة أخرى.

فلبنان ليس سوى مصرف قائم على الثقة وعلى أنه يمثل منطقة وسطاً بين الإمبراطورية الفارسية والعالَمين العربي والغربي.

عكس العراق البلد العائم على بحر من النفط، وإيران البلد الذي تعوّد نسبياً العزلة.

أما لبنان فمنذ القدم قائم على الانفتاح، فموارد البلاد المحدودة لا تتيح له خيار الانعزال.

انعزل لبنان سنوات قليلة من جراء الحرب العالمية الأولى، فلقي جزء كبير من سكان الجبل حتفه جوعاً.

ويبدو أن استئثار الإمبراطورية الفارسية بالنفوذ في لبنان سيجعل تصدعها يبدأ من هذا البلد العربي.

فبهذا الاستئثار وضعت إيران عبر حزب الله نفسها في مواجهة هبّة لقطاع كبير من الشعب اللبناني بقيادة غير طائفية تحمل عقوداً من الكراهية لهذا النظام.

والأسوأ أنها بهذا الاستئثار منعت منافسيها اﻵخرين الذين كانوا يتقاسمون معها النفوذ في لبنان مثل فرنسا والسعودية وأمريكا، من التدخل لإنقاذ الاقتصاد اللبناني، في وقت لا تستطيع فيه إيران إنقاذ حتى اقتصادها.

والآن، السعودية أصبحت تنأى بنفسها عن لبنان وحتى عن تيار المستقبل تابِعها التاريخي فيه؛ بعد أن وجدت أنها أنفقت عشرات المليارات عليه دون جدوى.

والولايات المتحدة تشترط تحجيم حزب الله، للتدخل، وهي تتطلع إلى تحرك لن يحدث، للجيش اللبناني.

بينما فرنسا لم يُعرف عنها يوماً تقديمها للنقود بقدر ما هي تقوم بدور عراب مؤتمرات الإنقاذ المالية، دون أن تخرج محفظتها إلا لماماً، علماً أنها شاركت في وضع شروط بمؤتمر سيدار لإنقاذ الاقتصاد اللبناني، تتهرب النخبة اللبنانية -خاصة الموالية لحزب الله- من تنفيذها.

فعلى مدار عقود كانت فرنسا والسعودية -وأحياناً الولايات المتحدة- تسارعان لإنقاذ الاقتصاد اللبناني رغم الهيمنة السورية والإيرانية، ولكن بعد أن أصبحت طهران هي راعية البلد الوحيدة، فقد يقول العرب والغرب للإيرانيين/ عليكم إنقاذه أنتم أو انصاعوا لشروطنا. ولقد بدأ الأمريكيون فعلاً كتابة شروطهم، كما تظهر شهادة حنين غدار أمام الكونغرس.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى