تقارير وملفات إضافية

بين هجمات بوكو حرام ونقاط تفتيش الجيش النيجيري.. المدنيون يدفعون “حياتهم” بلا ثمن

على الرغم من إعلان الحكومة النيجيرية القضاء على تنظيم “بوكو حرام” الإرهابي أكثر من مرة خلال العامين الماضيين، فإن الهجمات الإرهابية لا تزال تحصد أرواح المدنيين، بينما الرئيس والجيش في مرمى سهام النقد، فما هي القصة؟

شبكة CNN الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: “محاصرون على حواجز الطرق وأهدافٌ سهلة لجماعة بوكو حرام”، ألقت فيه الضوء على مآسي الهجمات الإرهابية وجهود الجيش النيجيري، التي يبدو أنها غير كافية، بل تثير انتقادات واسعة أيضاً.

أملت فاطمة بابغنا أن تصير مذيعةً كبيرة في نيجيريا، وقد بدأت الفتاة التي تبلغ من العمر 19 عاماً في دراسة العلوم السياسية بعد حصولها على دبلومة في الإعلام، وأخبرت الجميع أنها تطمح لأن تكون صحفية.

توقَّفَت أحلامها فجأة في ليلة الأحد الماضي، 9 فبراير/شباط، في ولاية بورنو النيجيرية، التي ضربها المتمردون، حيث كانت طالبة جامعة مايدوغوري واحدةً مما لا يقل عن 30 شخصاً قُتِلوا عندما أضرمت الميليشيات النار في المسافرين العالقين في حاجز طريق في قرية بعيدة تُدعى آونو. ووفقاً لعم بابغنا، فقد كان معظمهم نائمين في سياراتهم في نقطة التفتيش عندما أوقع بهم المهاجمون.

سافرت بابغنا من مايدوغوري برفقة عمها وصديقه يوم الأحد. وقال عمها لشبكة CNN إنه كان سيوصلها إلى بوتيسكوم، حيث خطَّطَت لزيارة أحد الأقارب، وذلك خلال طريقه إلى ولاية أخرى، وامتنعت شبكة CNN عن ذكر اسم عم بابغنا لخوفه من انتقام جماعة بوكو حرام والجيش. 

لكن الجنود الواقفين على حاجز مدينة بن شيخ (Benisheikh) -وتبعد حوالي 45 ميلاً غربيّ مايدوغوري عاصمة ولاية بورنو- أمروهم بالرجوع حفاظاً على سلامتهم، وقال عم بابغنا الذي قاد السيارة، إن الضباط حذَّروهم من الوقوع في كمين بوكو حرام. 

استولت بوكو حرام على مدن وقرى في ولاية بورنو خلال موجة الإرهاب الوحشية في عام 2014، لكن الجيش النيجيري استعاد تلك الأراضي بعد عدة عمليات عسكرية فقط في الولاية، شملت قوات من بلدان أخرى في المنطقة ومرتزقة، حسبما أورد تقرير مجلس العلاقات الخارجية في 2018. 

قال عم بابغنا، الذي شهد الكثير من هجمات بوكو حرام في مايدوغوري، التي عاش فيها معظم حياته، إنهم أصغوا لنصيحة الجيش وعادوا أدراجهم سريعاً، لكن كانت أمامهم رحلةٌ محفوفةٌ بمخاطر أكبر. 

قال إنهم ساروا في الطريق لساعةٍ أخرى قبل أن يقابلوا حاجزاً عسكرياً مرةً أخرى في قرية آونو، إحدى بوابات مايدوغوري، لكن الجنود أخبروهم هذه المرة بأنهم تجاوزوا موعد حظر دخول القرية، ولن يُسمَح لهم بمتابعة رحلتهم.

وأضاف عم بابغنا أنهم قرَّروا قضاء الليلة في سيارتهم عند الحاجز، ومواصلة الرحلة في اليوم التالي، وقال إن بعضاً من الجنود جابوا المنطقة وإن عشرات السائقين والركاب علقوا معهم في الحاجز. 

لكن في وقتٍ متأخر من الليل، نزل عشرات الرجال المدججين بالسلاح إلى الحاجز وأطلقوا النار على كل من وقع في مجال رؤيتهم، وقال العم: “جلست فاطمة في المقعد الخلفي تكتب شيئاً على هاتفها. وقد رأوا الضوء المنبعث منه لأن الظلام كان دامساً. وأول ما عرفته بعدها أنهم أصابوا رأسها”. 

وأفاد شبكة CNN بأن المهاجمين واصلوا إطلاق النار على الجميع وهم يهربون بين الأشجار، وأضاف أنه استطاع الهرب مع صديقه، وأنهم رأوا لاحقاً ناراً ودخاناً يتصاعد من المكان الذي هربوا منه، وأن الهجوم استمر 4 ساعات. 

قال لشبكة CNN: “بكيت الليلة كلها. وظللت أفكر فيما فعله هؤلاء الإرهابيون فيها وفي الآخرين الذين كانوا هناك”، وأضاف: “كانت النار لا تزال مشتعلة في جميع السيارات. وكان الناس عالقين فيها، أمواتاً. حاولنا إطفاء النار لكننا كنا بلا حيلة. كانت ساخنة للغاية”.

أحرق المهاجمون 18 سيارة، بما فيها سيارات تحمل طعاماً وسلعاً أخرى كانت ستصل إلى السوق في اليوم التالي، حسبما قال عيسى غوساو، مساعد وسائل الإعلام الحكومية في ولاية بورنو، لشبكة CNN، وأظهرت الصور الملتقطة من مكان الحادث بقايا محترقة للضحايا.

وقال شيهو تانكو، أحد سكان القرية، لشبكة CNN، إنهم سحبوا من إحدى السيارات جثة امرأة حامل ورضيعاً بجانبها. احترق معظم الضحايا إلى درجةٍ صعَّبت التعرف عليهم، لكن مسؤولي الطورائ في الولاية يحاولون مساعدة عائلات ضحايا الهجوم، وفقاً لغوساو، وأضاف: “لقد ارتحلوا من مدن وقرى وولايات مختلفة قبل أن يعلقوا هناك تلك الليلة”. وقال عم بابغنا إنهم دفنوا بقايا جثمانها التي استُعيدت من السيارة المحترقة.

أشعل هجوم يوم الأحد الغضب في نيجيريا، حيث احتج البعض بأن الحاجز جعل المسافرين عرضةً للهجوم، ولم تستطع CNN تحديد من أمر بنصب الحاجز في هذا المكان، ولم يرد الجيش النيجيري على طلبات الشبكة بالتعليق.

واشتكى حاكم ولاية بورنو، باباجانا زولوم، من أن الجنود الذين يُفترض بهم التمركز عند نقطة التفتيش غالباً ما يتخلون عن مواقعهم مع بدء حظر التجول، وذلك عندما زار موقع الهجوم المسلح يوم الإثنين، وفقاً لتقرير إعلامي محلي.

قال زولوم، وفقاً للتقرير، “إن (الجنود) يُفترض أنهم يتمركزون هنا، لكنهم بمجرد حلول الساعة الخامسة مساءً يُغلقون البوابة ويمنعون مرور الناس، ويعودون إلى مايدوغوري. وهذا ليس تصرفاً صحيحاً”، وتواصلت CNN مع المتحدث باسم الجيش النيجيري للتعليق، لكنها لم تتلق رداً بعد.

في بيان صدر عن المتحدث باسم الرئاسة النيجيرية يوم الإثنين، ألقى الرئيس النيجيري محمدو بوهاري بالمسؤولية عن الهجوم على جماعة بوكو حرام.

لم يعلن أحد مسؤوليته عن هجوم يوم الأحد، ومع ذلك فإن جماعة بوكو حرام والتنظيم المنبثق عنها، ولاية غرب إفريقيا الإسلامية التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية، ما انفكت تتسبب في أعمال عنف ودمار في شمال شرق نيجيريا ومنطقة الساحل المحيطة بها على مدار العقد الماضي.

كانت الحكومة النيجيرية أعلنت جماعة بوكو حرام منظمةً إرهابية في عام 2013، وبعد عدة أشهر حذت وزارة الخارجية الأمريكية حذوها، ويقدّر المراقب الأمني للأوضاع في نيجيريا والتابع لمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي أن أكثر من 37 ألف شخص قد لقوا حتفهم، وأن ملايين قد تشردوا خلال الصراع الذي دار في نيجيريا بين عامي 2011 و2018.

هذه الإحصائيات لم تكن يوماً حقيقية للسيدة حفصة، والدة فاطمة، كما هي اليوم، وتقول حفصة إنها تحدثت إلى ابنتها بعد ظهر الأحد قبل أن تبدأ الرحلة مع عمها. كانت الأم قد أرسلت للتو لفاطمة مصروفها الأسبوعي، واتصلت للتحقق مما إذا كانت حصلت على المال. لم تكن تتخيل أنها ستكون محادثتهما الأخيرة، وقالت الأم لشبكة CNN: “لا شيء سيعيد فاطمة، إنه شعور فظيع، ومؤلم للغاية”.

أعرب الكثير من النيجيريين عن غضبهم حيال الغارة الجديدة من هجمات الجماعات الإرهابية، التي كانت الحكومة قد زعمت مراراً أنها هُزمت، وأفادت الأنباء الواردة بأن الرئيس محمدو بوهاري قد تلقى صيحات استهجان من حشد من الناس في مايدوغوري، عندما ذهب في زيارة تعزية إلى ولاية بورنو يوم الأربعاء.

وجاء بوهاري مباشرة من أديس أبابا، حيث كان يحضر قمة الاتحاد الإفريقي لرؤساء الدول. والتقى الرئيس النيجيري هناك حكاماً ومسؤولي أجهزة أمنية في دول مختلفة، طالباً دعمهم في القتال ضد المتشددين، وفقاً لبيان صادر عن المتحدث باسم الرئاسة.

وقال بوهاري في تغريدة على صفحته الرسمية: “أؤكد للنيجيريين جميعاً أننا نتخذ خطوات لضمان تحسن الأمن في جميع أنحاء البلاد. وفي بورنو، سيعمل الجيش بجدية أكبر على مواجهة المتمردين. وأنا أناشد أيضاً قادة المجتمع والسكان توفير المعلومات والتعاون الذي تحتاج إليه قواتنا”.

وقال بوهاري إن بوكو حرام باتت “متراجعة وتشعر بالخطر بلا شك”، وإن حكومته لن تسمح للجماعة بإبقاء نيجيريا رهينةً لها، في بيان صدر يوم الإثنين رداً على الهجمات.

وفي بيان آخر للمتحدث باسم بوهاري، قال الرئيس إن جيش البلاد جمع ما يكفي من المعلومات الاستخباراتية لسحق المقاتلين المتشددين، وأضاف البيان: “مع استمرار قواتنا المسلحة في تلقي المزيد من العتاد والاستخبارات لمواجهة تحدياتنا الأمنية الحالية، سنسحق فلول بوكو حرام في نهاية المطاف. وعلى الرغم من التحديات البارزة المتمثلة في نمط الحرب غير المتكافئة الذي تتبعه الجماعة، فإن قواتنا المسلحة مصممة على التغلب على أعداء الإنسانية هؤلاء”.

ومع ذلك، وفي خطوة فسّرها السكان المحليون على أنها عمل يرمي إلى تحدي السلطات، هاجم مقاتلو بوكو حرام قريةً أخرى في بورنو، بعد ساعات قليلة من زيارة بوهاري، وفقاً لتقارير وسائل إعلام محلية.

يوم الجمعة، قالت منظمة العفو الدولية في نيجيريا إن هجمات المقاتلين المتشددين أخذ عددها يرتفع في شمال شرقي البلاد منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، وقالت المنظمة المعنية بحقوق الإنسان إن القوات العسكرية النيجيرية في المنطقة ردّت “بأساليب غير قانونية كان لها تأثير مدمر على المدنيين، وربما ترقى إلى جرائم حرب”.

قالت منظمة العفو الدولية إن الجنود أخذوا يحرقون القرى خلال عمليات المطاردة لعناصر بوكو حرام وطردهم من مواقعهم، وقالت مديرة منظمة العفو الدولية في نيجيريا أوساي أوجيو في بيان لها: “يجب على الحكومة النيجيرية ألا تغض الطرف عن هذه الانتهاكات. يجب التحقيق فيها، ويتعيّن محاكمة الجناة المزعومين. كما يجب اتخاذ الخطوات الضرورية لضمان ألا تؤدي العمليات العسكرية إلى مزيد من التشريد القسري للسكان المدنيين”.

على الجانب الآخر، نفت وزارة الدفاع النيجيرية مزاعم منظمة العفو الدولية، واتهمت المجموعة الحقوقية بتشويه الحقائق المتعلقة بما تبذله من جهود لمكافحة الإرهاب في شمال شرقي البلاد.

وقالت الوزارة في سلسلة من التغريدات إن رواية منظمة العفو الدولية عن الانتهاكات التي يُزعم أن قواتها ارتكبتها، على الرغم من أن تلك القوات “تدافع دفاعاً شرعياً عن البلاد” في مواجهة الإرهابيين، لَهي دليل على أن المنظمة الحقوقية تفتقر إلى أي “معرفة متعمقة” بالعمليات العسكرية وطبيعتها.

وأضافت الوزارة في بيانها أن المنظمة المعنية بحقوق الإنسان قد قلبت السردية الحقيقية من خلال إلقائها اللوم على جنودها في الخراب الذي كانت بوكو حرام هي من تسببت فيه، فمقاتلو الجماعة هم من يحرقون القرى وينهبون المنازل خلال الهجمات.

“يجب أن تفهم منظمة العفو الدولية حقيقةَ أن نيجيريا تخوض حرباً ضد الإرهاب في شمال شرقي البلاد، وأن القوات لديها تفويض دستوري يقضي بحماية الأرواح والممتلكات، حتى وإن تطلب ذلك تنفيذ عمليات إجلاء لإنقاذ وتأمين أرواح المدنيين خلال النزاع”.

قالت وزارة الدفاع على حسابها الرسمي على موقع تويتر: “حماية المدنيين بإجلائهم بعيداً عن خط النار في أثناء القتال ليس انتهاكاً للقوانين الدولية المتعلقة بالنزاعات المسلحة، ولا جريمة حرب”.

انتُخب بوهاري، وهو قائد عسكري سابق، رئيساً للبلاد في عام 2015، على أساس وعده بإنهاء تمرد جماعات إسلامية مسلحة في شمال شرقي نيجيريا، وهو تعهدٌ يقول منتقدوه إنه لم يف به.

لكن الرئيس يقول إن إدارته حققت نجاحات في مواجهة بوكو حرام، وقال بوهاري في بيانه: “سنبذل قصارى جهدنا، وأتمنى أن تلطف بنا سجلات التاريخ؛ فتذكر ما كانت عليه الأوضاع على الأرض عندما أتينا، وما ستكون عليه عندما نغادر”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى