تقارير وملفات إضافية

كيف سيبدو الشرق الأوسط بعد كورونا، قد يعود الربيع العربي ولكن كيف؟

فجأة وكأن المشهد قد تجمد في العالم كله واختفت الصراعات وأخبار العمليات العسكرية والعنف ضد متظاهرين يطالبون بأبسط حقوقهم المعيشية، والسبب فيروس كورونا ذلك الرعب الذي لا يستثني منطقة أو بلداً أو شخصاً من تهديده، وفي المنطقة العربية بدا كما لو أن الوباء قد وضع حداً مفاجئاً للصراعات المتعددة وجمدها، والسؤال هنا هل هذا الموقف مؤقت؟ وهل ستعود الفوضى أسوأ مما كانت قبل كورونا؟

ووصف موقع ذا ديلي بيست الأمريكي الموقف -في تقرير نشر اليوم الثلاثاء 7 أبريل/ نيسان- بأنه كالزلزال الذي وضع نظارة معظمة على نقاط الضعف البنيوية في البلدان الأقل استعداداً وأبرز الفساد الضارب في جذور الأنظمة السياسية والظلم الاجتماعي المستشري في المنطقة.

ويأتي تزامن وباء كورونا مع انهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية بفعل حرب الأسعار التي أشعلتها السعودية ضد روسيا ليزيد الطين بلة لأنه وضع الأنظمة التي تعتمد في موازنتها العامة على الدخل من النفط في موقف اقتصادي يجعلها غير مستعدة لتحمل تبعات كارثتين بحجم كورونا والانهيار الاقتصادي في وقت واحد.

في بداية العام الجاري، كان غالبية اللبنانيين يواصلون مظاهراتهم اليومية ضد فساد الطبقة الحاكمة رافعين شعار “كلن يعني كلن”، بعد أن وصلت الأوضاع الاقتصادية حد إعلان إفلاس البلاد، وفجأة تجمد الموقف تماماً مع وصول خطر كورونا وظهور حالات إصابة للبنانيين عائدين من إيران – اللاعب الرئيسي في المشهد السياسي بلبنان عن طريق حزب الله الشيعي (أقوى طرف في المعادلة الداخلية بوصف رئيسه حسن نصرالله).

ومن الناحية الاقتصادية، كان لبنان قد أعلن بالفعل على لسان رئيس الحكومة حسان دياب أن البلاد لن تتمكن من سداد دفعة مستحقة من ديونها الخارجية مطلع مارس/آذار الماضي، وكان ذلك قبل أن يأتي كورونا ويجمد الموقف تماماً، والآن يحاول النظام مواجهة تفشي الوباء في ظل خزانة خاوية وديون متراكمة وتجاذب سياسي يبدو أنه توارى إلى خلفية المشهد الذي طغى عليه الوباء.

والموقف في العراق لا يختلف كثيراً عن لبنان وإن كان أشد وطأة، فالثورة العراقية ضد فساد الطبقة الحاكمة كانت أيضاً قد انطلقت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وسقط خلالها مئات القتلى وعشرات الآلاف من المصابين وكانت المشاهد في ساحات التظاهر ببغداد العاصمة والبصرة وباقي المدن العراقية أشبه ما تكون بساحة حرب.

وكان الصراع بين الولايات المتحدة وإيران يتجلى بصورة علنية على أرض العراق، ووصلت الأمور إلى إقدام الجيش الأمريكي على اغتيال اللواء قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثورة على الأراضي العراقية مطلع يناير/كانون الثاني من العام الحالي، وتبع ذلك توجيه ضربات صاروخية إيرانية لقواعد عراقية تستضيف قوات أمريكية.

ومع ظهور حالات الإصابة بفيروس كورونا -أيضاً على أشخاص كانوا في إيران- استغلت السلطة الموقف وحظرت التظاهرات ومع انتشار الرعب من الوباء عالمياً أصبح لا صوت يعلو فوق صوت مكافحة تفشيه وتطبيق إجراءات التباعد الاجتماعي، وبالتالي تجمدت التظاهرات واختفى الصراع القائم بين الشعب والطبقة الحاكمة، وأصبحت التخوفات منصبة على كيفية مواجهة تفشي الفيروس بخزانة خاوية تماماً مع انهيار أسعار النفط، إضافة لمعاناة غالبية الشعب العراقي الذي ثار احتجاجاً على الظلم وتردي الأحوال المعيشية.

الموقف في الجزائر مختلف إلى حد ما، فعلى الرغم من أن نسبة من الحراك كانت لا تزال تقوم بالتظاهر أسبوعياً رفضاً للانتخابات الرئاسية التي جاءت بتبون رئيساً للبلاد، إلا أن الموقف السياسي كان يبدو أكثر استقراراً من نظيره في لبنان والعراق بالطبع، ومع وصول وباء كورونا أعلنت السلطة حظر التجمعات بشكل كامل، وبالتالي توقفت احتجاجات الحراك الأسبوعية.

لكن انهيار أسعار النفط يمثل أيضاً كارثة للسلطات في الجزائر التي تعتمد بصورة شبه كلية على عائدات تصدير النفط في موازنتها العامة، ومع ارتفاع حالات الإصابة والوفيات هناك -بلغت أمس الإثنين 6 أبريل/نيسان 1423 إصابة و173 حالة وفاة وهي نسبة الوفيات الأعلى في الدول العربية – تزداد المخاوف بشأن قدرة البلاد على توفير الإمكانيات الصحية اللازمة لمواجهة تفشي الوباء.

الأزمات الناتجة عن تفشي الوباء في مصر والسعودية تبدو مختلفة من حيث الشكل عن لبنان والعراق والجزائر؛ فقد كانت الأمور تبدو أكثر استقراراً في ظل القبضة الأمنية الصارحة للنظامين واعتقال المعارضين أو حتى المخالفين في الرأي وسط سيطرة مطلقة على الإعلام، لكن تفشي الفيروس في مصر وما صاحبه من توقف ولو جزئي للنشاط الاقتصادي وفرض حظر التجول قبل ثلاثة أسابيع سلط الأضواء بشدة على الظلم الاجتماعي وأبرز أزمة الفقر المتفشي في البلاد.

كارثة الوباء ألقت الضوء على الفجوة التي تزداد اتساعاً بين الطبقات في مصر بصورة يصعب التغاضي عنها وسوف يكون لها تأثير عميق على الأوضاع الجيوسياسية في المنطقة، بحسب تقرير ذا ديلي بيست؛ فالناس التي تشعر باليأس تأتي بأفعال يائسة والأمر نفسه ينطبق على الأنظمة.

ملايين الأسر المصرية تعيش تحت خط الفقر بالفعل وتعتمد على الأعمال اليومية التي يمارسها أحد أفرادها من أجل لقمة العيش، ومع تفشي الفيروس -وصلت حالات الإصابة بحسب البيانات الرسمية حتى أمس الاثنين إلى 1322 و85 حالة وفاة- تجد تلك الشريحة من المصريين نفسها بين الموت جوعاً أو الالتزام برسالة “خليك في البيت” التي تطاردهم على لسان المسئولين ومقدمي البرامج والفنانين والمشاهير، وبالنسبة للكثير من فقراء مصر لا يوجد مفر من الخروج والسعي وراء الرزق، حيث إن الحكومة أعلنت عن خطة لتقديم 500 جنيه (نحو 33 دولاراً أمريكياً) لكل أسرة شهرياً لمدة 3 أشهر، وذلك من خلال تطبيق أون لاين على المستفيد أن يملأ بياناته ويرسله.

في الوقت نفسه، يصر كبار رجال الأعمال في مصر أمثال نجيب ساويريس وحسين صبور وغيرهما على ضرورة ذهاب العاملين لأعمالهم حتى لو مات البعض بسبب الفيروس في سبيل عدم توقف الشركات والمصانع التي يمتلكونها، وتلك التصريحات المتواصلة من هؤلاء خلقت حالة من الاحتقان تعكسها وسائل التواصل الاجتماعي والحوارات بين المضطرين لاستقلال مواصلات عامة مزدحمة كي لا يفقدوا وظائفهم.

الموقف الاقتصادي في السعودية بالتأكيد أفضل من نظيره في مصر، لكن انهيار أسعار النفط ووقف العمرة وتوقف النشاط الاقتصادي بعيداً عن قطاع النفط كلها ضربات متزامنة ألقت بظلالها على قدرة المملكة على مواجهة تفشي الوباء وتوفير المتطلبات الصحية وأيضاً الغذائية للمواطنين والوافدين على أراضيها، وبدأت بالفعل تنتشر على تويتر تغريدات تتحدث عن نقص الأغذية هناك، وإن كان المسئولون والإعلام الرسمي قد سخروا منها على أنها شائعات.

لكن البعض الآن بدأ بالفعل في التشكيك في قرارات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، خصوصاً وأن قرار حرب أسعار النفط الذي اتخذه فجأة دون منطق مفهوم قد تسبب في خسارة نحو 5 ملايين سعودي مبالغ طائلة استثمروها في شراء أسهم شركة أرامكو على وعد بأنها “فرصة العمر”، والآن مع تفشي الوباء وفرض حظر كلي على العاصمة الرياض وخمس مدن ومحافظات أخرى، ترتفع وتيرة الانتقاد والامتعاض شيئاً فشيئًا، لكن الوباء والخوف منه هما سيد الموقف المتجمد.

هناك عامل آخر لا يمكن إغفاله في هذه المعادلة وهو الموقف الأمريكي من أزمات الشرق الأوسط؛ فواشنطن حليف أساسي للنظام في مصر والسعودية والقوة صاحبة النفوذ الأقوى في المنطقة تواجه الآن كارثة تفشي الوباء التي قد تطيح بدونالد ترامب من البيت الأبيض في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وحتى إذا نجح بطريقة ما وظل في البيت الأبيض أربع سنوات أخرى فالولايات المتحدة ستواجه تحدياً ضخماً في مواجهة الصين التي تعمل بأقصى طاقتها الآن لقيادة النظام العالمي بعد الوباء.

هذه المعطيات تطرح التساؤلات عن ما قد يحدث أو بالأحرى ما سوف يحدث عندما / أو إذا وصلت كارثة الوباء إلى دول دمرتها الحروب ولا تزال مثل سوريا واليمن وليبيا وقطاع غزة؟ المنطقة بأسرها تعيش في عالم يغلفه الظلم الاجتماعي والأنظمة المستبدة القمعية، وكارثة وبائية ستجعل الأمور أسوأ بالتأكيد.

لكن إذا ما كان العالم محظوظاً وتراجعت ذروة تفشي الوباء في وقت قريب وحدث الأمر نفسه في الشرق الأوسط، فإن الصراعات التي جمدها الوباء على الأرجح ستعود مجدداً وبصورة أكثر حدة مما كانت عليه؛ فالأنظمة التي قدم لها الوباء فرصة ذهبية لوقف الاحتجاجات الشعبية -كما هو الحال في العراق ولبنان والجزائر أيضاً- ستجد نفسها في مواجهة الاحتجاجات مرة أخرى ولا أحد يمكنه الجزم بمداها ولا حجمها.

صحيح أن الشوارع الآن خالية في لبنان والعراق والجزائر، وربما تستمر هكذا لأسابيع وربما أشهر -على حسب شراسة التفشي الوباء- لكن المؤكد أن كثيراً من المحتجين يرون الأنظمة في بلادهم أسوأ من الفيروس نفسه، وهذا لن يتغير مع مرور الوقت.

الوباء إذن قد هدأ من تلك الاحتجاجات، لكن ما إن يتراجع خطره فإنها على الأرجح سوف تعود أكثر قسوة ضد الأنظمة التي يتهمها الكثيرون بسوء إدارة أزمة الوباء نفسه، أي أن كارثة الوباء تقدم وقوداً إضافياً لأسباب تلك التظاهرات.

خلاصة القول إن وباء كورونا وصل إلى المنطقة وهي تشهد ما وصفه البعض بأنها الموجة الثانية من الربيع العربي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والمؤشرات كلها تؤكد أن تلك الموجة ستستعيد زخمها وبصورة أشد ما إن تنتهي كارثة الوباء التي كشفت فساد وسوء إدارة تلك الأنظمة بصورة أكبر من ذي قبل.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى