لايف ستايل

ماذا سيحدث إن قُتل أحدهم في الفضاء؟ وهل يمكن لسلطة القضاء على الأرض أن تمتد بين الكواكب؟

ماذا سيحدث إن قتل أحدهم في الفضاء؟ لأي سبب كان، سواء في حادث فضائي، أو لأسباب صحية مفاجئة، أو حتى قرر رائد فضاء غيور القضاء على منافسه. كيف ستتعامل السلطات مع الأزمة وتحقق في القضية، وكيف ستعيد القاتل لمحاكمته؟

الأمر ليس سهلاً كما نتخيل؛ لأن التحقيق في جريمة قتل في الفضاء أعقد وأصعب مقارنة بالتحقيق في قضية ارتكبت على الأرض. وربما سيكون على المحاكم والجهات المنفذة للقانون أن تتعامل مع تلك الموضوعات القضائية المعقدة التي ستنتهي بطلب المفاوضات بين شركات الرحلات الفضائية، إلى حين إعادة كتابة القوانين تخصّ هذه الحالات المعقدة. 

قد تتفاجأ بمعرفة أن للدول سلطة قضائية تمتد إلى خارج حدود هذا الكوكب. وهذا مغطى في المادة الثامنة من معاهدة المبادئ المنظمة لأنشطة الدول في ميدان استكشاف واستخدام الفضاء الخارجي، بما في ذلك القمر والأجرام السماوية الأخرى، لعام 1967. 

تنص هذه المعاهدة على أنه وقتما تطلق أي دولة تُصدِّق على الاتفاقية جسماً -على سبيل المثال مركبة فضائية، أو قمر صناعي، أو محطة فضاء- أو تبني واحداً على جرم سماوي، فإن تلك الدولة تتمتع بالسلطة القضائية عليه. 

وهكذا، فإنه وفقاً للخبراء القانونيين، إن اتُّهِمَ رائد فضاء أمريكي بقتل رائد فضاء أمريكي آخر أثناء سفرهما على مركبة فضائية تابعة لوكالة ناسا أو مركبة فضائية تجارية أُطلِقَت من الولايات المتحدة، فإن السلطة ستؤول لمكتب التحقيقات الفيدرالي والمدعين الفيدراليين لضبط القاتل وإعادته إلى الأرض للمحاكمة في محكمة فيدرالية، وفق موقع How Stuff Works

قد تصبح الأمور أعقد إن ارتُكِبَت جريمة القتل على متن محطة الفضاء الدولية، وكان القاتل والضحية مواطنَين لدولتين مختلفتين.

إذ قال فرانز جي. فون دير دونك، أستاذ قانون الفضاء في كلية الحقوق بجامعة نبراسكا لينكولن، للموقع الأمريكي: “تحيد المادة 22 من الاتفاق الحكومي الدولي لعام 1998 المبرم بين الطرفين عن بنود المعاهدة الدولية المذكورة أعلاه. وعلى عكس ذلك، فهي تمنح الاختصاص لدولة جنسية الجاني. إلا أن هذا يأتي مع التحذير أنه إذا كانت حياة أو سلامة الأشخاص من جنسيات أخرى و/أو سلامة المحطة الفضائية على المحك، فيجب التشاور مع الدول الأخرى المعنية حول اختيار الدولة التي يجب أن تبدأ في المقاضاة، ما قد يفضي إلى أن تقوم الدولة جنسية الضحية بذلك”.

ولكن “هذا الاتفاق يتعلق بمحطة الفضاء الدولية فقط”، حسبما أوضحت ميشيل هانلون، مديرة برنامج قانون الجو والفضاء بمدرسة القانون في جامعة ميسيسيبي.

تقول ميشيل إن الأمور قد تصبح أعقد من الناحية القضائية إن كان مسرح جريمة القتل فندق مداري مستقبلي مملوك للقطاع الخاص، وهو مكانٌ تُعتَقد أن احتمالية حدوث الجريمة به مرتفعة: “إن كان لديك 400 مدني في الفضاء، فأنت تعلم أن الجريمة ستحدث لا محالة. نحن نرسل أكثر الأشخاص انضباطاً ولياقة، أفضل البشر، إلى محطة الفضاء الدولية. ولكن عندما يتعلق الأمر بفندق، فلن يكون في مقدرتك فرض المعايير ذاتها. أنت تريد التربح، وهكذا فإنك ستحصل على أشخاص متنوعين بشكل كبير، وتعلم أن الجرائم ستحدث، بدايةً من سرقة ساعة إلى القتل”.

تابعت ميشيل قائلة إن وصف “الدولة التي أطلقت الفندق” بصاحبة الاختصاص القضائي بموجب معاهدة 1967 أمر غامض أيضاً. فمن الممكن أن تكون الدولة “أ”، وهي موطن الشركة التي تدير الفندق، أو أن تكون الدولة “ب” التي صنعت على أراضيها مكونات التثبيت، أو الدولة “ج” التي تضم منصة إطلاق الصاروخ الذي نقل أجزاء الفندق إلى إلى الفضاء، أو الدولة “د” موطن الشركة التي استأجرت منصة الإطلاق. وتقول: “يمكننا القول إنه يمكن لأيٍّ من تلك الدول أن تكون صاحبة السلطة القضائية”.

نتيجة لهذا، من المرجح أن تؤدي الجرائم التي تُرتَكَب في الفضاء -خاصة تلك التي تضم أشخاصاً من جنسيات مختلفة- إلى مفاوضاتٍ دبلوماسية لتقرير من سيكون مسؤولاً عن الأمر.

ماذا إن قرر رائد فضاء أثناء تمشية فضائية مثلاً أن يقطع الحبل الذي يربط رائد فضائي آخر؟ من الممكن أن ينفصل الضحية، وقد يعود إلى الغلاف الجوي للأرض حيث سيحرق حتى الموت. وقد تم وصف ذلك المصير في مقال على الموقع الإلكتروني Popsci.com عام 2013.

يشرح هنري ر. هيرتزفيلد، أستاذ أبحاث ومدير معهد سياسة الفضاء في مدرسة إليوت للشؤون الدولية بجامعة جورج واشنطن في رسالة بريد إلكتروني أنه “مع أنه لا يوجد سيادة خارج المركبة الفضائية، فإن هناك تشابهات مع قانون السفن في المياه الدولية”.

يقول هيرتزفيلد: “مع أن تلك القضية ليست محسومة، فإني أرى أن التواجد في الفضاء وخارج نطاق السيادة أو الولاية القضائية لأي دولة ليس كافياً لتجنب الاتهام بارتكاب جريمة. فكما ذكرنا سابقاً، فإن أي شخص في الفضاء لديه جنسية. فتقع أنشطة هذا الشخص في الفضاء على عاتق الدولة المُطلقة أو دولة جنسية الشخص، وسيحاكم بتهمة انتهاك القانون في الدولة المناسبة. هذا، وقد تطبق قوانين مختلفة داخل دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية وفقاً لطبيعة الجريمة، وملكية المركبة، أو المكان الذي وقعت فيه الجريمة”.

دعونا نفترض أن الولايات المتحدة ستحظى بالسلطة القضائية في قضية قتل في الفضاء. سيكون التحقيق في الجريمة وإقامة القضية أمراً شائكاً، باعتبار أن مسرح الجريمة والشهود خارج الكرة الأرضية. 

إذ تقول ميشيل: “قد تحتاج إلى استحداث مهنة جديدة، شرطي الفضاء. وسيكون إرسال شخص للفضاء للتحقيق في جريمة قتل شيئاً مُكلِّفاً للغاية”. في الواقع، قد يُنضب الموارد المخصصة لأشياء أخرى يقوم بها رواد الفضاء، مثل إجراء الأبحاث واستكشاف الكون.

بالإضافة إلى هذا، سيكون جمع الأدلة في الفضاء أو على كوكب آخر والقمر صعباً للغاية. فكما تشرح هذه المقالة المنشورة في مجلة Atlantic الأمريكية عام 2018، فإن الحمض النووي -بوصفه وسيلة أساسية للتعرف على الجناة- يختلف عمره في المريخ مقارنة بعمره على الأرض، وهذا بسبب التعرض الزائد للإشعاع الشمسي نتيجة لأن غلافه الجوي أقل سمكاً. 

بالإضافة إلى هذا، سيؤدي انخفاض الجاذبية إلى أشياء مثل اختلاف أنماط تناثر الدماء من جروح الطعن، كما قد يقدم غبار المريخ  المتشبث بالواجهات الخارجية والأسطح الأخرى في كل مكان نوع جديد من الأدلة القيمة لدعاوى الفضاء.

تقول ميشيل: “إن الأمر يفرض تعقيداتٍ لا تُصدَّق”. ولكن مع هذا، فإنها تعتقد أن المحققين والمدعي سيجدون طريقةً للتعامل معه. لقد وُضع القانون قبل ظهور البصمات والحمض النووي. وعندما تحقق في قضية جنائية، فإنك تفعل ما بوسعك بما هو متاح لك”.

أيضاً، قد تتطلب جرائم القتل في الفضاء تعامل المحاكم مع قضايا التعديل الرابع، إذ يُرصد رواد الفضاء باستمرار بطرق كثيرة، بما في ذلك الفيديو. تقول ميشيل: “لوجود الكاميرات في كل غرف المركبات الفضائية قيمة. ولكن، هل هناك توقعات بشأن الخصوصية؟” تتوقع ميشيل أن يجيب القضاة والمحامون الحكماء على عديد من تلك الأسئلة، وفي النهاية يختلف التعامل القانوني مع هذه القضايا من دولة لأخرى.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى