تقارير وملفات إضافية

خطة نتنياهو لا تسير وفق ما يريد.. واشنطن تدعو تل أبيب للتريث بضم الضفة، فماذا وراء الفتور الأمريكي المفاجئ؟

مع اقتراب الموعد المحدد لإعلان ضمّ غور الأردن لـ”السيادة الإسرائيلية”، الذي كان قد حدّده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الأول من تموز/يوليو القادم، يبدو أن الأمريكيين بدأوا يعيدون دراسة موقفهم من خطة نتنياهو التي أثارت رفضاً أوروبياً واسعاً، وتحذيرات أردنية من أن هذه الخطوة ستؤدي لـ”صدام” مع إسرائيل.

فبحسب ما نشر موقع أكسيوس الأمريكي الإثنين، فإن الحماس الأمريكي بشأن خطة ضم غور الأردن بدأ يفتر، وقال مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون للموقع الأمريكي إن البيت الأبيض أجرى محادثات جديدة مع حكومة نتنياهو، لمناقشة خُطة الضم وموعدها، فيما يبدو أن إدارة ترامب لم تحسم أمرها حتى الآن، حول إذا ما كانت ستعطي نتنياهو الضوء الأخضر للمضي قدماً في خطة الضم.

وأضاف الموقع أن السفير الأمريكي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان، التقى الإثنين مع بيني غانتس، وزير الدفاع الإسرائيلي ورئيس الوزراء بالتناوب، لمناقشة قضية الضم، وبعد ساعات، أجرى فريدمان وجاريد كوشنر ومبعوث البيت الأبيض في الشرق الأوسط آفي بيركوفيتش، مكالمة هاتفية مع نتنياهو والسفير الإسرائيلي في واشنطن رون ديرمر، إذ أفرزت هذه المكالمة انطباعاً واضحاً لدى الإسرائيليين، بأن البيت الأبيض بدأ يتراجع حماسه من خطة الضم، ويريد إبطاء العملية، قبل اتخاذ قرار نهائي. 

وهو الأمر الذي تؤكده القناة العبرية 11، التي نقلت عن مصادر سياسية إسرائيلية الثلاثاء، أن عملية الضم قد لا تتم في الوقت الذي حدده نتنياهو، مشيرة إلى أن نتنياهو أوقف بشكل مفاجئ الإثنين، اجتماعاً مع كتلة حزب الليكود، لإجراء محادثات مع كوشنر وفريدمان وكبار المسؤولين الآخرين، لمناقشة هذا الأمر. لكن وبحسب صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، فإن المسؤولين الإسرائيليين والأمريكيين خرجوا من المحادثة الطويلة دون إجابة قاطعة حول تأجيل الضم، أو الذهاب به في الموعد المحدد.

صحيفة “تايمز أوف إسرائيل“، نقلت الثلاثاء عن مصدر إسرائيلي كبير قوله إن الأمريكيين يريدون التريث في عملية ضم الضفة وإبطائها إلى حد كبير؛ لأن الإدارة الأمريكية مشغولة حالياً بأمور أخرى، من بينها الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد بعد مقتل جورج فلويد من قبل شرطي في مينيابوليس الأسبوع الماضي، وكذلك استمرار تفشي جائحة كورونا في البلاد، وما يصاحبها من تداعيات اقتصادية قاسية على الولايات المتحدة.

لكن القناة العبرية 11 تقول إن هذه الدعوة للتريث تأتي على خلفية الضغط المتواصل حول العالم، وحتى في إسرائيل نفسها لرفض الضم. إذ قد زاد ما يُعرف بمجلس المستوطنات الإسرائيلي في الضفة ضغوطه على حكومة نتنياهو مؤخراً لرفض خطة الضم، مدعياً أن الخريطة المخططة غير كافية وتشكّل بداية لإقامة دولة فلسطينية. 

ورفضت الأردن ومصر ودول أوروبية عديدة عملية الضم، محذرين مما سيترتب عليها في المنطقة، ولذلك يعتقد المسؤولون الإسرائيليون أن عملية الضم قد لا تحدث في التاريخ الذي قرره نتنياهو في الأول من يوليو/تموز.

وكان دبلوماسيون بالاتحاد الأوروبي قد قالوا لرويترز الشهر الماضي، إن فرنسا تحث شركاءها في الاتحاد على بحث تهديد إسرائيل “برد صارم” إذا مضت قدماً في ضمّ أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، في حين أكدت بريطانيا أنها لن تعترف بضم إسرائيل أجزاء من الضفة الغربية بناءً على الخطة الأمريكية للسلام.

وأضاف الدبلوماسيون أن بلجيكا وأيرلندا ولوكسمبورغ تريد أيضاً مناقشة إمكانية اتخاذ إجراءات اقتصادية عقابية تجاه إسرائيل إذا مضت في خطتها، وذلك رغم أن جميع الدول الأعضاء يجب أن توافق على أي إجراء جماعي.

خلال الأيام الماضية، حذر محللون إسرائيليون بينهم خبراء أمنيون وعسكريون من أن “تصدّعات عميقة” ستواجه تل أبيب إذا ضمّت المستوطنات في الضفة الغربية، أبرزها إمكانية تعليق الأردن معاهدة السلام مع إسرائيل.

وقال معلق الشؤون العربية في القناة “12” الخاصة إيهود يعاري إن إقدام إسرائيل على تلك الخطوة قد يدفع ملك الأردن عبدالله الثاني إلى تعليق معاهدة السلام مع إسرائيل الموقعة عام 1994. وبحسب ما نشر موقع المونيتور الأمريكي مؤخراً، فإن عمان تدرس بالفعل تعليق أجزاء من معاهدة السلام إذا ضمّت إسرائيل الضفة، بالإضافة إلى طرد السفير الإسرائيلي من عمّان واستدعاء السفير الأردني من تل أبيب، وإغلاق السفارة الإسرائيلية في عمان.

وبحسب المعلق الإسرائيلي يعاري، فإن خطوة الضمّ ستجبر زعماء السعودية ودول الخليج الذين يعارضون رفض الرئيس الفلسطيني محمود عباس لتطوير علاقاتهم بإسرائيل، على إعادة حساباتهم. وتوقع أن يخرج الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ضد الخطوة، كي لا تستأثر تركيا وإيران بمعارضتها.

وكانت الأمم المتحدة قد حذرت قبل عدة أيام من أن ضم إسرائيل مناطق فلسطينية سيؤدي إلى اندلاع الصراع وعدم الاستقرار في الضفة الغربية وقطاع غزة، وقال المبعوث الأممي الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ميلادينوف -في تقرير سيتم تقديمه إلى اجتماع دولي يعقد الثلاثاء عبر دائرة تلفزيونية- إنه يجب على جميع الأطراف الحفاظ على احتمالات حل الدولتين، بما يتماشى مع قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي والاتفاقيات الثنائية.

وأضاف أن أي تحرك إسرائيلي لضم أجزاء من الضفة الغربية، أو أي انسحاب فلسطيني من الاتفاقات الثنائية سيغير الديناميكيات المحلية، وسيؤدي على الأرجح إلى اندلاع الصراع وعدم الاستقرار في الضفة وغزة.

في السياق، يرى خبراء فلسطينيون وجوب اتباع جملة من الخطوات التي من شأنها تعزيز الموقف الفلسطيني وبدائله، في حال تم تطبيق قرار ضم أراضي الضفة لإسرائيل، التي تشير تقديرات فلسطينية إلى أنها ستصل إلى أكثر من 30٪ من مساحة الضفة.

ورداً على الخطوة الإسرائيلية، كان الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد أعلن أنه أصبح في حِلّ من جميع الاتفاقات والتفاهمات مع الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية، ومن جميع الالتزامات المترتبة عليها بما فيها الأمنية.

ويقول إياد أبوزنيط، الباحث في مؤسسة “يبوس” للاستشارات والدراسات الاستراتيجية برام الله، في تصريحات لوكالة الأناضول، إن البدائل المتاحة أمام الفلسطينيين باتت قليلة، ولن يكون لها تأثير وفاعلية دون الأخذ بعدة مرتكزات تُشكل أرضية يمكن أن تستند إليها تلك البدائل.

ويشير أبوزنيط إلى أنه لم يبقَ أمام الفلسطينيين إلا عدة خيارات أهمها “مقاطعة إسرائيل داخلياً وخارجياً، وهذا يتطلب إعادة الاعتبار لمكانة القضية الفلسطينية، والتحلل من كوننا سلطة تربطها علاقة مع إسرائيل، إلى حركات تحرر وطنية”.

إضافة لذلك، “يجب توحيد الجبهة الداخلية، وإعادة التماسك للبيت الداخلي، وتفعيل أية أشكال من المواجهة، تُناسب الحالة الفلسطينية، مع استمرار المواجهة مع المحتل، فعبر مراحل التاريخ المختلفة، كل فترات التهدئة والهدن شعر الاحتلال بأن تكاليفه باتت قليلة، وواصل تمدده”، بحسب قوله.

والبديل الثاني، بحسب أبوزنيط، هو البحث عن دول تقود عملية التواصل مع إسرائيل بعيداً عن الحاضن الأول لها والمتمثل في الولايات المتحدة الأمريكية، إضافة للتوجه للمحافل الدولية التي يمكن من خلالها ممارسة الضغط على إسرائيل، كدول الاتحاد الأوروبي التي أعلنت رفضها لخطوة إسرائيل وهددت بفرض عقوبات تجاهها.

ويتفق رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الخليل، بلال الشوبكي، مع أبوزنيط، في الخيارات الفلسطينية للرد على خطوة الضم في حال تمت، قائلاً إن “المساحة التي ما زالت تتحرّك فيها القيادة الفلسطينية هي مساحة آمنة ما بين مفاوضات أو تجنيد المجتمع الدولي أو المقاومة الشعبية”.

ويشير الشوبكي إلى أن المطلوب من القيادة الفلسطينية حالياً أن تبادر إلى حل إشكالية العلاقات الفلسطينية الداخلية، وأن تطرح بدائل عملية على مستوى الغايات لا الوسائل فقط، مضيفاً أن “الظروف الإقليمية الحالية تحفّز الفلسطيني أكثر على البحث عن خيارات جديدة، بحكم تراجع دور الدول العربية كعنصر إسناد للقيادة الفلسطينية، وتحولهم من طرف في الصراع ضد الاحتلال إلى وسيط ثم إلى طرف منحاز ضد الفلسطينيين أحياناً”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى