تقارير وملفات إضافية

واشنطن بوست: حفتر يترنح موشكاً على السقوط، لكن هل يكفي ذلك لإنقاذ ليبيا من التقسيم؟

تدخل الحرب الأهلية في ليبيا ما يبدو أنها مرحلة جديدة حاسمة، فالهجوم الذي شنّه أمير الحرب المنشق خليفة حفتر على مدى 14 شهراً ضد الحكومة المعترف بها أممياً في العاصمة الليبية طرابلس غربي البلاد، يشهد اندحاراً كاملاً خلال الأسابيع الأخيرة. إذ بدعم من القوة النارية التركية تمكّنت حكومة الوفاق الوطني الشرعية من قلب الأمور على حفتر، لتستولي على عدة قواعد استراتيجية كانت تسيطر عليها قواته، وهي الآن في خضم عملية تجري شرقاً لاستعادة مدينة سرت الساحلية.

مدينة سرت هي المدينة ذاتها التي شهدت في عام 2011 محاصرة الديكتاتور الليبي معمر القافي وقتله على أيدي الثوار بغطاء جوي دولي. غير أن السنوات التي تلت الإطاحة بالقذافي جاءت كارثية في أغلبها على الدولة الغنية بالنفط، ويرجع ذلك بالأساس إلى فوضى الفصائل والقبائل التي شرعت في التنازع على الإقطاعيات السياسية والسيطرة على الأصول النفطية المربحة. وفي الوقت الذي أخذت فيه الحكومات الهشة ما بعد الثورة تُصارع من أجل تأمين شرعيتها خارج المدن التي تسيطر عليها، انتشر المتطرفون وعصابات الاتّجار بالبشر على طول ساحل البحر المتوسط. وفي غضون ذلك، أدت النزاعات إلى تشريد عشرات الآلاف من الليبين ومقتل آلاف غيرهم، كما تقول صحيفة The Washington Post الأمريكية.

تحوّلت المعارك بين حكومة الوفاق الوطني وقوات حفتر، إلى حرب بالوكالة: فالأولى المعترف بها دولياً مدعومة في المقام الأول من تركيا وقطر، أما قوات حفتر المتمركزة بالأساس في شرق ليبيا، فتدعمها مصر والإمارات وروسيا، وحتى فرنسا. وعلى اختلاف الأسباب التي دفعت كل دولة من هذه الدول للانخراط في الصراع، فإن أياً منها غير قادر على إنهاء تلك الحرب بمفرده، كما تقول الصحيفة.

ومع ذلك، فإن حفتر واقعٌ في مشكلة كبيرة على ما يبدو. فخلال الأسبوع الماضي، فقدت قواته آخر معاقلها في الغرب، مدينة ترهونة، التي تقع على بعد 95 كيلومتراً جنوب شرقي طرابلس. وقد أبرزت تلك الهزيمة تحولاً درامياً في مصير حفتر، الذي حاصر طرابلس في وقت ما مع قواته، كما تضمنت انفصال مرتزقة روس وسودانيين عنه.

يقول ولفرام لاشير، خبير الشؤون الليبية في “المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية”، “سقوط ترهونة يعني النهاية لهجوم حفتر على طرابلس. إذ لم يعد لديه الآن فرصة واقعية للاستيلاء على السلطة. وسيكون لهذا تأثيرات كبيرة على تحالفه، الذي كان يعتمد على فكرة أنه سيكتسح طريقه وصولاً إلى السلطة. أما الآن، وبعد اندحار قواته، فإن كثيرين في تحالفه سيعيدون النظر في ولائهم له”.

خلال عطلة نهاية الأسبوع، بدا حفتر متراجعاً عن سابق ثقته في القاهرة، إذ ظهر برفقة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ليعلن التزامه وقفاً لإطلاق النار من جانب واحد. قبل أيام قليلة، ظهر الخصم الرئيسي لحفتر، رئيس وزراء حكومة الوفاق فايز السراج، في أنقرة إلى جانب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، متعهداً بـ”القضاء على العدو”.

يقول طارق المجريسي، وهو محلل في “المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية”: “جميع مراكز الثقل لدينا تتغير الآن. ومن غير الواضح كيف ستبدو الأمور بمجرد أن ينقشع الغبار، لكن ما يحدث يشي بأن حفتر يترنح موشكاً على السقوط”.

تركيا وروسيا كلتاهما شدَّدت على التمسك بحل سياسي للصراع، لكن وبعد عدة جولات من المفاوضات الفاشلة فإن تسوية سلمية لا تزال أمراً بعيد المنال. وكتب إميليانو أليساندري، من معهد الشرق الأوسط، “مع مطالبة الدوائر المتحالفة مع حفتر الآن بوقف العنف، يمكن أن يعود الحل الدبلوماسي إلى الطاولة. ومع ذلك، فكما يُظهر مُضي حكومة الوفاق الوطني قدماً في الهجوم على سرت، فإن المواجهة أبعد من أن تنتهي قريباً، ولن تبدأ محادثات ذات مغزى إلا بعد استنفاد الحلول العسكرية”.

أما اللاعبون الإقليميون المعنيون، فإن ليبيا تمثل لهم ساحة لتفعيل أجنداتهم، كما أن نشر موسكو لقوات لها على الأرض، جعل من أوروبا متفرجاً إلى حد كبير. فيما يستدعي المسؤولون الأتراك العلاقات التاريخية العثمانية مع طرابلس كمدخل لدعمهم الوفاق، لكن العائد الجيوسياسي الأبرز لتركيا كان اتفاقاً مع حكومة السراج حول حقوق تنقيب واستخراج للنفط قبالة السواحل الليبية في شرق البحر الأبيض المتوسط.

وفيما يخص الموقف الروسي، كتبت روبين ديكسون، مديرة مكتب صحيفة  The Washington Post في موسكو، أن “روسيا تلعب لعبة مزدوجة” في ليبيا، فهي من طرف تحث على الدبلوماسية وتدعم محاولات التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتقاسم السلطة، في حين أنها من الطرف الآخر ترسل الطائرات العسكرية والمرتزقة لدعم حفتر في الشرق الغني بالنفط. والهدف من الطائرات والمرتزقة هو دعم حفتر عسكرياً وتعزيز موقفه في أي مفاوضات محتملة”.

على الجانب الآخر، فإن حفتر، الذي قادته انتهازيته إلى المشاركة في صفقات نفطية غير مشروعة في ساحات أخرى مثل فنزويلا، ربما لم يعد الآن يحظى بالتأييد ذاته بين الحكومات التي كانت تحيطه بالتمجيد والثناء ذات مرة.

تقول الصحيفة الأمريكية، مع ذلك، فحتى حينئذ، لن تكون حكومة الوفاق قادرة على استعادة كامل البلاد بقوة السلاح. وقالت فرجيني كولومبيه، المتخصصة في الشأن الليبي بمعهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا،  “لا يزال هناك انطباع قوي بأن بعض هذه الأطراف ينظر إلى الصراع في ليبيا على أنه صراع صفري، ومن ثم ليسوا مستعدين حقاً لتقديم أي نوع من التنازل”.

كما حذر كريم مزران، وهو كبير باحثين بالمجلس الأطلنطي، من أنه بدون إرادة دولية حقيقية للتوصل إلى سلام جاد، فإن “التقسيم الحادث الآن بحكم الأمر الواقع في ليبيا سيصبح حقيقة فعلية على الأرض”.

وقد كتب تيد غالين كاربنتر، من “معهد كاتو” في واشنطن، قائلاً إن سيناريو كهذا ليس بالأمر الجيد، إذ “من المرجح أن يكون الأمر أشبه بالانفصال الفوضوي للمنطقة الجنوبية في السودان، ونشأة دولة جنوب السودان. كما أن خلافات حول السيطرة على إنتاج النفط الليبي بين دولتين ليبيتين منفصلتين، دولة في الشرق ودولة في الغرب، كافٍ بحدِّ ذاته لإحداث توترات خطيرة مستدامة”.

ومن ثم يأمل مسؤولو الأمم المتحدة ودبلوماسيون دوليون ألا يقع هذا السيناريو. وأشار مزران إلى أن السعي إلى إرغام الأطراف المتحاربة في ليبيا على إيجاد حل سياسي سيحوز “قوة دبلوماسية داعمة” حقيقية، بما في ذلك الدعم من الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإنه يرى أن إدارة ترامب المشتتة وغير المبالية نوعاً ما قد لا تمتلك “القدرة أو الاستعداد أو الرؤية السياسية” اللازمة للتعامل بكفاءة مع أزمة استمرت لما يقرب من عقد من الزمان.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى