تقارير وملفات إضافية

“انهيار الدولة على بُعد أسابيع”.. لماذا ينبغي لواشنطن السماح للبنان بالحصول على قرض صندوق النقد الدولي؟

في الأول من مايو/أيار قدّم لبنان طلباً للحصول على مساعدة من صندوق النقد الدولي. كان الطلب كفيلاً بإثارة الرفض في واشنطن، في ضوء أن أحد الأطراف الثلاثة التي تدعم الحكومة الحالية في بيروت هو حزب الله، الميليشيا الموالية لإيران، التي تُعتبر حزباً سياسياً. وصنفت الولايات المتحدة، إضافة إلى العديد من الدول الأخرى حزب الله منظمةً إرهابية أجنبية، وصعدت العقوبات ضد الجماعة في إطار استراتيجيتها “الضغط الأقصى” ضد إيران وحلفائها في أنحاء الشرق الأوسط.

يقول هايكو ويمين، مدير مشروع لبنان وسوريا والعراق في “مجموعة الأزمات الدولية”، إنه ليس من المتوقع بالطبع أن يكون صندوق النقد الدولي يعمل لتعزيز أهداف السياسة الخارجية للولايات المتحدة. مع ذلك فلدى الولايات المتحدة -التي بصفتها المساهم الأكبر في صندوق النقد الدولي تحظى بالكتلة الأكبر من الأصوات بداخله تصل إلى 16.51%- سِجل حافل من مقاومة مساعدة الدول التي تعتبرها “راعية للإرهاب”. 

ويضيف ويمين في مقالة منشورة بموقع مؤسسة Responsible Statecraft البحثية الأمريكية، أنه إذا قررت واشنطن معارضة حزمة مساعدات من صندوق النقد الدولي لدولة “تعتقد أنها على أقل تقدير واقعة جزئياً في قبضة الإرهابيين، فسيكون ذلك خطأً كبيراً.

فمن شأن فشل المفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي -وهو ما قد يثني أيضاً الكثير من المتبرعين الدوليين عن تقديم المساعدة بأنفسهم- أن يكون كارثياً. وفقاً لتقرير للمجموعة الأزمات الدولية يوم 8 يونيو/حزيران، فإن اقتصاد لبنان في حالة انهيار، وسياساتها غير مستقرة على نحوٍ خطير.

في مارس/آذار الماضي، تخلَّفت الحكومة عن دفع دين خارجي بقيمة 31 مليار دولار. إن النظام المالي هو فجوة متسعة من الأصول المتضررة وخسائر قد تصل إلى نحو 60 مليار دولار (معتمدة على أي سعر صرف من الخمسة الحالية ستُحاسب به). يستنفد المصرف المركزي الاحتياطيات، وربما تنفد لديه قريباً الدولارات المطلوبة للدفع للواردات. 

انخفض سعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار في السوق السوداء، المكان الوحيد المتاح فيه الدولارات فعلياً، بنسبة 60% على مدار الأشهر التسعة الماضية. وفي ضوء أن لبنان يستورد 80% من استهلاكه يغذي تعويم العملة تضخماً جامحاً، ما يعني أن أغلب اللبنانيين فقدوا نحو نصف قوتهم الشرائية الحقيقية.

سرَّع العزل المفروض منذ 15 مارس/آذار لمكافحة فيروس كورونا وتيرة هذا المنحدر الهابط. فمع حرمان الشركات والأعمال من الائتمان وانهيار الطلب، فقد 20% من القوة العاملة بالفعل وظائفهم قبل الجائحة. ومع انتهاء العزل تدريجياً في البلد سيجد عدد أكبر من الموظفين، الذين سُرّحوا مؤقتاً من أعمالهم بدون رواتب، أن شركاتهم لا تزال مغلقة، وأن وظائفهم ذهبت في مهب الريح. 

يقول هايكو ويمين، إنه في حين أن التكلفة الاجتماعية للأزمة لم تضرب بعد بكل قوتها، يسهل للغاية التنبؤ بالتداعيات. فقد استُؤنفت في أبريل/نيسان الاحتجاجات التي هزت لبنان منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وتوقفت أثناء العزل. وعلى عكس الماضي، سرعان ما تحولت المظاهرات إلى احتجاجات عنيفة، إذ هوجمت أفرع بنوك محلية بالقنابل الحارقة، وقتل الجيش متظاهراً بالرصاص في مدينة طرابلس الساحلية التي ضربها الفقر. 

وأدت مظاهرة يوم 6 يونيو/حزيران إلى أعمال عنف بوسط بيروت. في حال تحولت الاحتجاجات الاجتماعية إلى اضطرابات جياع، وعند حدوث ذلك ستعجز قوات الأمن المنتشرة بما يفوق طاقتها في أنحاء البلد الذي يتلقى رواتبه بعملة تتضاءل قيمتها على نحوٍ متزايد، عن السيطرة على الوضع، ومن المستبعد أن تتمكن من ذلك. قد يكون التدهور المتسارع للخدمات العامة، مثل الصحة والتعليم وشبكة الكهرباء المتعطلة بالفعل، على بُعد أسابيع فقط.

لكن عندما نقرأ ردود الفعل الصادرة من المعلقين الأمريكيين ومسؤولي الحكومة إزاء الأزمة السياسية والاقتصادية، وطلب لبنان المقدم لصندوق النقد الدولي، نرى أن كثيراً من التركيز يظل منصبّاً على حزب الله: “كيف ستفسد الجماعة على نحو مفترض الإصلاح، أو كيف يُزعم أنها تسعى إلى استغلال الأزمة لتوسيع نفوذها، أو كيف يجب استغلال المعونة لإضعاف قوة الجماعة تدريجياً، أو كيف أن العقوبات المُستهدِفة حلفاء الجماعة قد تؤدي إلى عزلها”.

وهذا أمر غريب، بالنظر إلى أن أطرافاً لبنانية أخرى، بينها حلفاء مخلصون للولايات المتحدة وحلفاؤها من الدول الغربية والعربية، لهم نصيب كبير في شبكات المحسوبية والفساد التي أفقرت البلد. وسيخرج هؤلاء خاسرين من سلسلة من الإجراءات الإصلاحية مثلهم مثل حزب، وربما حتى ستكون خسارة بعضهم أكبر منه.

يقول ويمين، علاوة على ذلك، لن يؤدي التركيز على عزل حزب الله ونبذ حلفائه، الذين ترقى قوتهم مجتمعة إلى أن تكون أغلبية واضحة في البرلمان اللبناني، سوى إلى جعل البلد خارجاً عن السيطرة. وهذه رؤية مقلقة بالأخص لحلفاء أمريكا الأوروبيين، الذي يقدرون دور لبنان في استضافة ما يصل إلى 1.5 مليون لاجئ سوري. 

لن يؤدي الشلل السياسي في بيروت بدوره إلى المضي قدماً في الإصلاحات، ولن يخدم أيضاً قضية الحركة المدنية الحاشدة التي تحدّت النخبة السياسية -بما في ذلك حزب الله- منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي. على النقيض كلما توغل البلد أكثر في تلك المعاناة، وازداد تفكك مؤسسات الدولة وتدهور الوضع الأمني، زادت الأطراف التي لا تزال تتحكم بالموارد وتقدم الحماية للمواطنين اعتماداً على التضامن الديني -بما في ذلك أيضاً حزب الله- إعادة تأكيد نفوذها.

أظهرت التجربة السابقة في أنحاء المنطقة أن تفكك مؤسسات الدولة وتبدد سلطة الدولة يمكن أن يكون لها تداعيات خطيرة ومكلفة للغاية. سيكون من الحماقة المخاطرة بتدمير دولة أخرى شرق أوسطية من أجل إحراز نقاط جيوستراتيجية.

وبحسب ويمين، يحتاج لبنان دعم خارجي فوري لمنع مؤسساته من التداعي ولتجنيبه أزمة إنسانية طاحنة. إضافة إلى ذلك، ينبغي أن يركز المتبرعون الأجانب والمؤسسات الدولية على إجراءات الإصلاح التي ستساعد في اقتلاع الفساد وتعزيز المساءلة. ما الدور الذي يجب أن يؤديه حزب الله أو لا يؤديه في مستقبل لبنان فهو أمر متروك للبنانيين لتقريره في الجولة المقبلة من الانتخابات البرلمانية المقررة في 2022.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى