تقارير وملفات إضافية

استثمارات بكين في تل أبيب مرفوضة.. لماذا تضغط أمريكا على إسرائيل لتجفيف علاقاتها مع الصين؟

على مدى الشهور الماضية، ضغطت الولايات المتحدة الأمريكية على إسرائيل لمنعها من إطلاق العنان للاستثمارات الصينية على أراضيها، إذ زادت حدة الضغوطات الأمريكية على إسرائيل، مع بروز خلافات أمريكية – صينية بعد أزمة فيروس كورونا. ولأول مرة، نالت هذه القضية جزءاً هاماً من محادثات عقدها وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، في 13 مايو/ أيار الجاري، مع مسؤولين إسرائيليين في مقدمتهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أدت لاحقاً لإقصاء الصين من مشاريع كبيرة في إسرائيل.

إذ ذكرت وسائل إعلام عبرية الثلاثاء 26 مايو/أيار، أن الحكومة الإسرائيلية قررت تجميد عقد محطة تحلية للمياه مع الصين، وعدم التعاقد على إقامة شبكة 5G خشية “استخدامها للتجسس”، وذلك بضغط من الولايات المتحدة والجيش، موضحة أن المشروع أسند لشركة محلية في إسرائيل.

فماذا وراء الضغوطات الأمريكية لإقصاء الصين في إسرائيل، وما حجم الاستثمارات الصينية في تل أبيب، ولماذا تقلق واشنطن منها وتدفع حكومة نتنياهو إلى تفكيكها؟

بحسب وسائل إعلام عبرية، فإن ضغوط إدارة ترامب بشأن الاستثمارات الصينية في إسرائيل مستمرة منذ عدة أشهر، لكن مع بروز أزمة كورونا والخلافات الأمريكية الصينية، فإن الضغوط الأمريكية باتت أكبر وهو ما لوحظ من خلال ما بات يرشح عن زيارة بومبيو إلى إسرائيل، إذ كان موضوع الصين عنصراً مهماً ورئيسياً في المحادثات التي عقدها بومبيو مع المسؤولين الإسرائيليين في 13 من مايو/ أيار، بحسب وسائل إعلام إسرائيلية.

وقبل عدة أشهر فازت الصين بعطاء كبير في ميناء حيفا وهو ما أزعج المسؤولين الأمريكيين الذين احتجوا ونددوا بذلك. ولاحقاً أصبح الأمريكيون أكثر غضباً على الصين على خلفية اتهامها من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالكذب فيما يتعلق بفيروس كورونا، الذي قاد إلى التدهور في الاقتصاد الأمريكي.

ويبدو أن الرئيس الأمريكي كان يتوقع من إسرائيل أن تكون إلى جانبه في أزمته مع الصين، وذلك بأن لا تفسح المجال لاستثمارات صينية ضخمة في إسرائيل وخاصة في قطاع البنى التحتية.

وأدلى بومبيو خلال زيارته الأخيرة تصريحات لاذغة لقناة “كان” العبرية الرسمية، قال فيها إن “الصين تُعرّض مواطني إسرائيل للخطر”. وأضاف: “نحن قلقون من الاستثمارات الصينية في مختلف أنحاء العالم. لا نريد أن يسيطر النظام الصيني الشيوعي على البنى التحتية في إسرائيل وأجهزة الاتصالات، كل ما يعرّض مواطني إسرائيل للخطر يجب إيقافه، لأن ذلك يؤثر على طبيعة العمل والتعاون بين إسرائيل والولايات المتحدة في مشاريع هامة”.

وبعيد زيارة نتنياهو، اعتبر كثير من المحللين الإسرائيليين أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سيستجيب للطلب الأمريكي، عن طريق المماطلة في الموافقة على الاستثمارات الصينية في مجالات محددة، لكن اليوم أثبت الإسرائيليون ولاءهم لواشنطن من جديد بعد إقصائهم الصين من هذه المشاريع الضخمة، إذ يبدو أن تصريحات بومبيو والتي كان فيها نوع من التهديد قد لقيت آذاناً صاغية لدى نتنياهو، بومبيو كان قد صرح قبل مغادرة تل أبيب بأن “التعاون مع الصين يعرض للخطر قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على العمل مع إسرائيل”.

ويبدو أن الصين حاولت الصين إنقاذ هذه الاستثمارات، رافضة ما قاله بومبيو، كما جاء على لسان سفيرها في تل أبيب “دو في”، قبل أيام من إعلان وفاته في شقته، إذ قال في تصريحات صحفية صباح يوم الجمعة 15 مايو/أيار للقناة الإسرائيلية 12، بأن “التعاون بين الصين وإسرائيل قوي وهو مكسب للطرفين”، وأضاف: “يمكن للإسرائيليين الاستثمار في الصين ونحن نثق بهم لاتخاذ القرار الصحيح لهم”. وقد تكون إسرائيل قد استغلت هذا الظرف، وتحت ضغوطات ترامب المتواصلة، بتعجيل إقصاء الصين من هذه الاستثمارات.

تصريحات بومبيو التي قادت لهذا الإقصاء، كانت المرة الأولى التي يتحدث فيها مسؤول أمريكي رفيع المستوى علناً ضد الاستثمارات الصينية في إسرائيل. وكانت صحيفة ” جيروزاليم بوست” الإسرائيلية قدرت في يوليو/تموز 2019 قيمة الاستثمارات الصينية في إسرائيل بنحو 15 مليار دولار أمريكي.

وبحسب تقديرات إسرائيلية، يبدو أن الولايات المتحدة تريد استخدام أزمة فيروس كورونا من أجل الحد من الاستثمارات الصينية في إسرائيل عبر الضغط على نتنياهو، الذي يسعى الآن لضم أجزاء من الضفة الغربية متحدياً القرارات الدولية، وهو لن يستطيع فعل ذلك إلا بضمان وضوء أخضر أمريكي.

وكان مسؤول أمريكي رفيع المستوى قد قال خلال لقائه بالصحفيين المرافقين للوزير الأمريكي بومبيو خلال زيارة لإسرائيل، إنه “ليس لدى وزير الخارجية الأمريكي مشكلة مع الأشخاص الذين لديهم علاقات أو تجارة مع الصين، لكنني أعتقد أن أزمة فيروس كورونا تسلط الضوء على مخاطر التعامل مع الدول غير الشفافة، والتي ليس لديها ممارسات تجارية عادلة”.

وأضاف المسؤول الذي لم يتم الكشف عن اسمه: “على وجه الخصوص فإنه في قضية الاستثمار الاستراتيجي، لا يوجد شيء اسمه شركة مستقلة مملوكة للقطاع الخاص في الصين”.

وأردف: “إذا كنت تستخدم Huawei، أو أي نوع من الشركات التي لديها حق الوصول إلى معلوماتك، فإن هذه المعلومات تصبح ملكاً للحزب الشيوعي الصيني، وهذه مشكلة أمنية”.

وكان مسؤول إسرائيلي قال للقناة “13” الإسرائيلية لم تسمه، إن “نتنياهو أبلغ وزير الخارجية الأمريكي، خلال زيارته، بأن إسرائيل ستراجع مشاركة شركة صينية باستثمار بقيمة 1.5 مليار دولار لبناء محطة تحلية في الجنوب الإسرائيلي”، ولم تحتاج تل أبيب لوقت طويل حتى قررت إقصاء الصين من هذا المشروع، إذ أفادت “هيئة البث الإسرائيلية”، بأن وزارة المالية أعلنت أن شركة إسرائيلية ستقيم أكبر منشاة في البلاد لإزالة ملوحة مياه البحر، وليس شركة “هاتشيسون” الصينية. وتدعى الشركة الإسرائيلية، التي فازت بالمناقصة IDE، وستُبنى المنشأة في منطقة “بالماحيم- شوريك 2”.

موقع “أكسيوس” الإخباري الأمريكي، كان قد قال في تقرير قبل عدة أيام، أن “المسؤولين الإسرائيليين يخشون الدخول وسط الخلافات الأمريكية – الصينية”. ولفت الموقع نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين، إلى أن “السفير الأمريكي في إسرائيل ديفيد فريدمان طلب من نتنياهو مؤخراً أن تعيد إسرائيل دراسة مشاركة الشركة الصينية في هذا الاستثمار”.

وأضاف: “على أثر ذلك طلب نتنياهو من مجلس الأمن القومي ووزارة المالية تشكيل لجنة حكومية جديدة تراقب الاستثمارات الأجنبية في إسرائيل”، فيما تحوّل موضوع الاستثمارات الصينية في قطاع البنى التحتية في إسرائيل خلال الأشهر الماضية إلى بند دائم على جدول أعمال المحادثات الإسرائيلية-الأمريكية.

من جهته، قال مسؤول أمريكي مطلع لصحيفة جاروزلم بوست، أن الولايات المتحدة طلبت من حلفائها، بما فيهم إسرائيل، في الأسابيع الأخيرة قطع العلاقات مع الصين بالكامل -ثالث أكبر شريك تجاري لإسرائيل- في المناطق ذات المخاطر الأمنية.

وجادلت الولايات المتحدة بأن الشركات الصينية ستستخدم مشاركتها في بناء شبكات 5G للتجسس، أو ربما تخريب البنية التحتية للاتصالات. وفي وقت سابق من هذا العام، قال المدعي العام الأمريكي وليام بار إن الهيمنة الصينية في هذا المجال ستكون “خطراً هائلاً” بسبب استخدامها في التجسس، مضيفاً أن “مستقبل أمريكا الاقتصادي على المحك”.

وتقول الولايات المتحدة إنها قلقة بشأن مشاركة الشركات الصينية في مشاريع البنية التحتية الكبرى في إسرائيل في السنوات الأخيرة جزئياً إلى قدرة النشطاء الصينيين على جمع المعلومات الاستخبارية أثناء العمل عليها، فضلاً عن الخسائر الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الهائلة، وحتى الخسائر التي يمكن أن تُلحق الضرر إذا تضررت هذه البنية التحتية.

انتعشت العلاقات الاقتصادية بين الصين وإسرائيل بشكل واضح خلال السنوات الأخيرة، وإضافة إلى الروابط التجارية، يعمل اللوبي الإسرائيلي أيضاً لزيادة التفاعل السياسي والثقافي بين البلدين، في حين تسعى إسرائيل لرفع استثماراتها في بكين أيضاً.

يقول سليم هان ينياكو، وهو باحث تركي بجامعة شنغهاي الصينية، إن التأثير الاجتماعي والثقافي المتزايد لإسرائيل في الصين بدأ مع تطور العلاقات التجارية، فمع دخول مؤسسات ذات أصول إسرائيلية الصين، قطعت تل أبيب الخطوة الأولى نحو علاقة سياسية أكثر حميمة مع بكين.

وباتت إسرائيل تمتلك قدرة على إظهار نفسها كعامل جذب للصين، وذلك بالاستفادة من الصفات التي تجعلها “أمة ناشئة” في العديد من المجالات؛ إذ تتمتع إسرائيل بمكانة عالية في السوق الصينية بفضل التكنولوجيا العالية والخدمات ذات القيمة المضافة.

وتعزز هذا التوجه الاقتصادي والتجاري عام 2013 وانعكس بقرارات حكومة بنيامين نتنياهو بتنسيق التعاون الاقتصادي مع الصين، في خطة تتضمن ثلاثة بنود رئيسية هي: مضاعفة حجم صادرات السلع والخدمات إلى الصين في غضون خمس سنوات، وزيادة عدد الزوار الصينيين الذين يأتون إلى إسرائيل، وتوسيع الاستثمارات المتبادلة، وساهمت هذه البنود في تشكيل سياسات الحكومة الإسرائيلية لاحقاً.

وكانت إسرائيل، قد منحت في السنوات الأخيرة امتيازين كبيرين لشركات صينيّة في أكبر موانئ شاطئ البحر الأبيض المتوسّط – حيفا وأسدود. وهو ما يعزز الوجود الصيني المتصاعد في شرقي البحر الأبيض التوسط -مصر، اليونان وتركيا- مما يُسهم بتقوية التجارة بين الصين وأوروبا.

وكانت الصادرات الصينية لإسرائيل، قد بلغت عام 2017 حوالي 9 مليارات دولار، والصادرات الإسرائيلية حوالي 3.3 دولار، وأصبحت الصين ثالث أكبر شريك تجاري لإسرائيل بعد الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي. وقد أصبحت إسرائيل عضوًا في البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية AIIB، وهو البنك الذي يعد واحدًا من العمادات الأساسية لمبادرة الحزام والطريق الصينية سنة 2013 على الرغم من عدم رضى الولايات المتحدة الأمريكية. وقد بلغت الاستثمارات الصينية في شركات التكنولوجيا الإسرائيلية 40% من الحجم الكلي من رأس المال الاستثماري الخارجي، ولعل من أبرز محطات هذه العلاقة زيارة نتنياهو إلى الصين في آذار/ مارس 2017، والتي قام خلالها بتوقيع اتفاقيات بلغت قيمتها 25 مليار دولار.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى