تقارير وملفات إضافية

محسوبية العاصمة.. لماذا ترفض الصين إغلاق بكين بعد انتشار الفيروس بها كما فعلت في ووهان؟

يكافح قادة الصين فيروس كورونا من وراء جدران العاصمة بكين منذ شهور، ولكن ها هو فيروس كورونا يقتحم بكين رغم كل جهودهم الاستثنائية لحماية العاصمة.

إذ لم تبخل السلطات الصينية بأي نفقات لإبقاء العاصمة التي يبلغ عدد سكانها 20 مليون نسمة في مأمن من العدوى، حتى فيما يتعلق بتحويل الرحلات الخارجية إلى المدن المجاورة لتجنب حالات العدوى القادمة من الخارج على أرضها، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Financial Times البريطانية.

لكن تفشِّي الفيروس في بكين قد حطمّ إحساس العاصمة بالهدوء.  

وأصبح هناك إحساس بأن فيروس كورونا يقتحم بكين رغم كل الإجراءات الاحترازية لحماية معقل الحزب الشيوعي.

وقال مسؤولون يوم الأربعاء 17 يونيو/حزيران 2020 إنه قد جرى الكشف عن 31 حالة إصابة جديدة أمس الثلاثاء إضافة الى 106 إصابات ظهرت في بكين منذ يوم الجمعة 12 يونيو/حزيران 2020. وأُغلقت المدارس وقُطعت بعض خطوط النقل مع مناطق أخرى.

هذه الإصابات الجديدة لفيروس كورونا التي ظهرت في بكين جعلت المدينة في حالة حرب، وأعادت تنشيط الجهود لوقف انتشار المرض في المدينة وخارجها. 

كما تسبب الرعب الصحي في الضغط الاقتصادي والسياسي على الحزب الشيوعي، ليس في المقاطعات البعيدة، ولكن على أعتاب أبواب بكين ذاتها.

وقال تشو شيون، وهو قارئ في التاريخ الحديث بجامعة إسكس ومتخصص في التدخل الصحي في الحزب الشيوعي، إن المسؤولين قد يغلقون مدناً أخرى تعاني من تفشّي الوباء، كما فعلوا الشهر الماضي في مدينة شولان شمال شرق الصين.

لكن إغلاق العاصمة بالكامل، مقر القيادة العليا للبلاد، غير وارد بالنظر إلى رمزيتها السياسية، حسب قوله.

وقال البروفيسور تشو: “بكين مختلفة. بكين هي المركز السياسي لجمهورية الصين الشعبية. وأي حادث في بكين سيضر بالصورة السياسية للحزب الشيوعي على مستوى العالم”.

وأضاف البروفيسور تشو: “إن حالات التفشي الجديدة، على الرغم من كونها طفيفة نسبياً مقارنة بالتفشي السابق في ووهان، ستطعن في رواية “النجاح في التصدي للوباء” التي روجتها بكين وستقدم اختباراً حقيقياً سياسياً للحزب الشيوعي”.

على الجانب الآخر، سارع مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي الصينيون إلى الإشارة إلى أنه على الرغم من ظهور حالات إصابة خطيرة من فيروس كورونا المستجد في العاصمة، فإن سلطات بكين لم تغلق المدينة بأكملها. وجرت مشاركة عبارة “إغلاق بكين” على نطاق واسع على موقع المدونات الصغيرة الصيني “ويبو” أمس الثلاثاء 16 يونيو/حزيران 2020.

وتساءل أحد مستخدمي “ويبو” يحمل اسم Liwupu: “لا بأس من إغلاق ووهان… لا بأس بإغلاق شولان.. لماذا بكين غير قابلة للإغلاق؟ هل لها نوع من الحقوق الخاصة؟ وقال مستخدم آخر يحمل اسم Gundongdeqiu إن الوضع “ببساطة غير عادل… خاصية صينية”.

ويعود منشأ الحالات الجديدة إلى سوق شينفادي، أكبر سوق للأطعمة البحرية والخضراوات في بكين، والذي يزود المدينة بمعظم المنتجات الطازجة. 

كواحد من أكبر الأسواق في المنطقة، من المتوقع أن يكون لقرار إغلاق سوق شينفادي تأثير كبير على توريد الغذاء إلى شمال الصين.

في نفس الصدد، تأخرت المدارس في المنطقة الغربية في فنغتاي، حيث يوجد سوق شينفادي، في إعادة فتح أبوابها وجرى إغلاق العديد من المجمعات السكنية التي ظهرت بها حالات إصابة مؤكدة. وقد طُلب من الأشخاص المشتبه في اتصالهم بأفراد مصابين عدم مغادرة بكين وجرى إيقاف بعض طرق النقل إلى مقاطعات أخرى.

كما تجذب الأزمة الأخيرة الانتباه غير المرغوب فيه إلى بعض أوجه القصور في العاصمة.

بحلول يوم الأحد 14 يونيو/حزيران 2020، أُجريت اختبارات فيروس كورونا لحوالي 75 ألف شخص، ولكن بحلول صباح الثلاثاء 16 يونيو/حزيران 2020، توافد السكان على المستشفيات العامة للمطالبة بإجراء فحوصات الفيروس.

في بعض المستشفيات، امتدت طوابير طويلة – وهو أمر من شأنه أن يحرج قادة الحزب – بينما قيل للأشخاص الذين ذهبوا إلى المستشفيات العامة لإجراء الاختبار إنهم يجب أن ينتظروا أربعة أيام للحصول على الاختبار.

إن تفشّي فيروس كورونا في بكين سيثير مخاوف بشأن الاستقرار الاقتصادي أيضاً.

قال يو سونغ، كبير الاقتصاديين الصينيين في بنك غولدمان ساكس: “إن التفشي الأخير في بكين يزيد من تعقيد التوقعات”، مشيراً إلى أن السلطات المحلية اتخذت إجراءات سريعة للسيطرة على الوضع.

وأضاف يو سونغ: “لكن هذه الإجراءات تأتي بتكلفة اقتصادية، وربما الأهم من ذلك، من المحتمل أن تتأثر معنويات الناس”.

تجدر الإشارة إلى أن الصين تتعافى من أشد انهيار لها في النمو الاقتصادي في الذاكرة الحديثة. وأظهر نمو مبيعات التجزئة انتعاشاً كبيراً انطلاقاً من أحد أكبر الانكماشات المسجلة. 

في مايو/أيار 2020، انخفض نمو مبيعات التجزئة بنسبة 2.8% فقط مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وهو تحسن كبير عن الانخفاض الذي حدث في الشهر السابق. 

وأظهرت البيانات الصادرة يوم الإثنين 15 يونيو/حزيران 2020 أن المتسوقين يشترون أجهزة منزلية وسيارات أكثر مما كانوا عليه قبل عام.

لكنّ الاقتصاديين قلقون الآن من أن التفاؤل بين المستهلكين الصينيين العاديين قد يتضرر بسبب التفشي الأخير للفيروس في بكين.

قال تشو هاو، كبير الاقتصاديين في الأسواق الناشئة في مصرف كومرتس بنك الألماني: “على أية حال، في حين أنه من غير المرجح رؤية توقف اقتصادي مفاجئ بسبب الإصابات الجديدة، فإن آفاق النمو تحولت للأسف إلى قاتمة بسبب تأثيرات الفيروس الأخيرة. لذلك، هذا يعني مرة أخرى أن الانتعاش على شكل حرف V يبقى سيناريو بعيداً”.

وتقع مسؤولية محاربة تفشي فيروس كورونا في بكين على عاتق تساي تشي، رئيس الحزب الشيوعي في العاصمة بكين، وهو مدعوم من الرئيس الصيني شي جين بينغ.

ويعد تساي أحد كوادر الحزب الذين تقدموا بسرعة إلى المناصب الوطنية رفيعة المستوى بعد العمل مع الرئيس شي عندما كان يشغل منصب مسؤول كبير في مقاطعتي تشجيانغ وفوجيان.

يذكر أن جيانغ تشاوليانج، سكرتير الحزب السابق في مقاطعة هوبي، قد أُقيل من منصبه في فبراير/شباط 220 بسبب تفشي المرض هناك، علماً أنه لم يكن أحد حلفاء الرئيس منذ فترة طويلة. كما طالت قرارت الإقالة مجموعة من المسؤولين الآخرين الذين ترأسوا مجموعات محاربة فيروس كورونا المستجد.

ويخاطر تساي بأن يلقى نفس المصير إذا لم تجرِ استعادة وضع بكين كحصن بسرعة.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى