لايف ستايل

التسريح من العمل أمرٌ محبط.. فكيف تتجاوز آلامه النفسية؟

إذا كنت أحد من تعرضوا للتسريح من العمل، فلا بد أن عقلك احتار بين تفسيرات عديدة عن سبب تسريحك وبقاء آخرين في مقر العمل نفسه. سوء حظ؟ نصيب؟ أخطاء؟ كيف تتحكّم في عواطف ما بعد التسريح من العمل وتسيطر على كل الأفكار التي تنهمر فجأة عندما تضع رأسك على الوسادة ليلاً؟

تقول الأخصائية الاجتماعية ومُدرّبة أماكن العمل ومؤلفة كتاب “ثق بنفسك: توقّف عن الإفراط في التفكير، وسيطِر على مشاعرك، وركِّز طموحك على النجاح Trust Yourself: Stop Overthinking, Master Your Emotions, and Channel Your Ambition for Success”، ميلودي ويلدينغ: “ربما يكون تصديق روايتك هو الشيء الأكثر إقناعاً. اسمح لنفسك بأن تشعر بالتخبّط أو حتى الحزن. لكنّ الخطوة المهمة التالية هي خلق معنى لكل ذلك”.

اختبر الملايين هذا الموقف في سياق فيروس كورونا، وتضخّم الألم المرتبط بفقدان الوظيفة بسبب الوحدة، والضغوطات المالية، “إلى جانب الغموض وعدم اليقين”. 

ويكمُن الخطر في تحوُّل أفكارك السلبية إلى حقيقة. ويجب عليك أن تُسيطر على الأماكن التي قد يذهب إليها تفكيرك.

وهنا يأتي دور الرواية التي ستقولها لنفسك قبل الآخرين: إذ تستطيع -ويجب عليك- أن تضع تسريحك من العمل في سياقه المناسب.

تؤكد ويلدينغ لصحيفة New York Times، أن التسريح من العمل أمر محطم نفسياً، وقد يشعر صاحبه بأن الأمر شخصي بامتياز. وبعدما كانت لديه قائمة طويلة لإتمامها الأسبوع الماضي، ورسائل بريد إلكتروني يجب الرد عليها، ومواعيد تسليم مهمة يجب الالتزام بها؛ فجأةً، توقّفت كل تلك الأعمال الضرورية. 

كما يكتشف أنّ زملاءه الذين احتفظوا بوظائفهم ضروريون من أجل استمرار الشركة، بعكسه.

وإذا كان يعاني بالفعل من متلازمة المحتال -أي الشعور بأنّ قدراتك أقل مما تبدو عليه في الواقع- فسوف يشعر كأنّ التسريح من العمل يُمثّل التأكيد النهائي لمشاعر انعدام الأمان التي تتملكه.

ولكن لا بد من مقاومة المشاعر التي تدفعك لجَلد الذات أثناء السقوط. إذ يُمكن أن يكون انتقاد الذات مضراً نفسياً ومُعيقاً لقدرتك على المضي قُدماً. 

وأظهرت الدراسات أنّ العاملين المُسرّحين يصبحون أكثر عرضةً للإصابة بمجموعةٍ واسعة من الآثار السلبية، التي تشمل تأثيرات على أسلوب الحياة والحياة الاجتماعية، إلى جانب تأثر الحياة العائلية. 

وفي عام 2015، وجدت دراسةٌ من جامعة مانشستر، أن الأشخاص المُسرّحين من وظائفهم عانوا من تآكل قدرتهم على الثقة بالآخرين لما يصل إلى عقدٍ كامل. 

بينما أشار بحثٌ آخر إلى أنّ تجاوز فقدانك لوظيفة ربما يستغرق وقتاً أطول من تجاوز وفاة شخصٍ عزيز.

وبدلاً من الهوس بالأفكار السلبية المُتطفّلة، ذكّر نفسك بأنّ الأمر حدث إبان جائحةٍ عالمية هائلة أصابت الاقتصاد بأكمله، ولم يتعمّد الفيروس استهدافك أنت فقط.

حتى الطريقة التي تتحدّث بها عن فصلك يُمكن أن تُؤثّر على نظرة الناس -العائلة، والأصدقاء، والزملاء السابقين، وأصحاب العمل المُحتملين، ونفسك- إلى موقفك. 

إذ يستخدم البعض لفظي “الإقالة” و”التسريح من العمل”، رغم أنّ هناك فارقاً بين فصلك لسببٍ ما وإلغاء وظيفتك: إذ تُشير الإقالة ضمنياً إلى ارتكابك لخطأ، بينما يعني التسريح في العادة أنّ الأمر حدث نتيجة تغيير في استراتيجية أو ظروف الشركة، بسبب المستويات الإدارية الأعلى أو السوق.

حاوِل التحرك وفعل شيء له قيمة، مثل: إنهاء بعض الأعمال الورقية الضرورية، وتعديل حجم ميزانية أسرتك بالشكل المناسب، والحصول على دورات عبر الإنترنت لتطوير مهاراتك؛ حتى لا تقع في فخ الشعور بالخزي والتوتّر والفراغ.

إذ قالت ميلودي: “إنّ الحركة أفضل علاج للشكوك في الذات. إذ تُغيّر حالتك العقلية”.

ورغم أنّ العديد من الأنشطة ذات الصلة ما تزال خياراً غير مطروح في الوقت الحالي، مثل فعاليات التواصل ولقاء الأصدقاء لشرب القهوة، فإن هناك حلولاً أخرى للإنتاج مثل عرض خبراتك على الآخرين. 

ورغم ذلك تُحذّر المُدرّبة المهنية والتنفيذية لاتيشا بيرد من قضاء وقتٍ أطول من اللازم في البحث بين الوظائف وإرسال كثير من الطلبات العامة، لأن ذلك يستهلك طاقة يُمكن استخدامها في إنجاز مهام أخرى، منها: تحسين علامتك التجارية الشخصية، وتصميم موقع إلكتروني شخصي، وتحسين صورتك على الشبكات الاجتماعية، والتواصل مع المعارف.

وتُدرّب لاتيشا زبائنها حتى يُركّزوا على الأمور الثلاثة التالية: “الوضوح، والثقة، والتحكُّم”. 

إذ قالت إن عليك في البداية أن تكون واضحاً حيال مهاراتك وقيمك وشغفك، وأن تعمل على توفيق ذلك مع ما تُريده من الوظيفة أو الشركة. 

وبعدها ركّز على إنجازاتك والقيم التي تحملها للتخلُّص من الشكوك الذاتية.

يُمكن للتسريح من العمل أن يُصيبك بالعزلة، خاصةً إذ كُنت متقوقعاً في مكانك وتعمل عن بُعد. ولكنّ تذكّر أنّك أبعد ما يكون عن الوحدة دائماً، وليس في الوقت الحالي فقط. 

إذ يمُرّ غالبية الناس بفترات بطالة خلال مرحلةٍ ما، حيث وجدت دراسةٌ أنّ 40% من العاملين الأمريكيين تعرّضوا للإقالة مرةً على الأقل، وهذا قبل حتى أن تبدأ الجائحة الأخيرة. 

لذا تواصَل مع المحيطين بك ولا تخجل من الحديث إليهم.

وقالت لاورا هوانغ، الأستاذة المساعدة بكلية هارفارد للأعمال: “في الوقت الحالي لا يشعر الناس بالشجاعة للحديث حول البحث عن وظيفة جديدة، أو المشكلات الشخصية، في ظل القضايا العامة المشتركة، بل يخجلون من الحديث عما يمرون به شخصياً”.

ونصحت بدلاً من ذلك بـ”النظر إلى بحثك عن وظيفة من ناحية الكفاءة، والبحث عن وسيلة لإعطاء قيمة وحل المشكلات”. 

وهذا من شأنه أن يضعك داخل ما وصفته بـ”الدائرة الإيجابية-الفاضلة” بدلاً من “الدوامة السلبية-السيئة”.

وفي كتابها “على الحافة: تحويل المحنة إلى منحة Edge: Turning Adversity Into Advantage”، فصّلت لاورا كيف يُمكن قلب النص فيما يتعلّق بالأسئلة التي تُساورنا حول فائدتنا الحقيقية. 

ويرمز مصطلح “على الحافة” بالإنجليزية في العنوان إلى: “إثراء، وسعادة، وتوجيه، وجهد”، وهي الأمور التي تقول إنّها تنطبق بشكلٍ جيد على التكيّف مع التسريح من العمل. ونصحت بأن تبدأ بالتعرّف على صفاتك الأساسية، ثم تعثر استناداً إليها على أساليب لمفاجأة الناس مثل: خطاب مقدّمة بليغ، أو استخدامٌ مُبدع للشبكات الاجتماعية. 

العمل الجاد مُهم، لكنّه لن يكون كافياً في غياب العناصر الأخرى.

وحين تظهر الأفكار السلبية، لا تسمح لنفسك بالانغماس فيها أو مُجرّد تناسيها.

إذ قالت لاورا: “تعامَل مع مشاعرك باعتبارها بيانات، أو معلومات. وتحقّق من صحتها بدلاً من السماح لها بتوجيهك على غير هدى. واسأل نفسك عن سبب شعورك بالخجل أو شكوك في ذاتك. تعلّم من الأمر. واستغِل مشاعرك لصالحك”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى