ثقافة وادب

دوا ليبا تطلق حملة تطالب Apple باحترام الألبان.. ما قصة الخريطة التي نشرتها؟ ومن الرجلان الظاهران؟

أثارت الفنانة البريطانية دوا ليبا جدلاً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما نشرت صورة لخريطة تشمل ألبانيا الكبرى تشمل كوسوفو وأجزاء من دول البلقان المجاورة تحت لواء واحد.

وغالباً ما يتم ربط هذه الخريطة بمؤيدي القومية الألبانية، الذين يحلمون بإنشاء ألبانيا الكبرى التي تضم جميع الألبان الأصليين والمنتشرين في الدول المجاورة لها، نتيجة الحربين العالميتين.

au•toch•tho•nous adjective
(of an inhabitant of a place) indigenous rather than descended from migrants or colonists pic.twitter.com/OD9bNmLcZ4

ورغم أن ليبا ولدت في بريطانيا فإن والديها مهاجران من كوسوفو، ويبدو أن ارتباطها بجذورها دفعها إلى نشر الصورة المثيرة للجدل.

وليبا ليست الفنانة أو الشخصية الشهيرة الوحيدة التي أثارت ضجة من خلال الخوض في تاريخ وسياسة البلقان، إذ تم تصوير لاعب منتخب ألمانيا وقائد نادي بايرن ميونيخ لكرة القدم مانويل نوير وهو يغني النشيد الكرواتي الشعبي لكرة القدم أثناء عطلة له في كرواتيا، في وقت سابق من شهر يوليو/تموز 2020.

Video im Kroatien-Urlaub sorgt für Aufregung – Hier singt Neuer das Lied einer Skandal-Band https://t.co/jbbg9c22ar

وتشير الأغنية إلى منطقة البوسنة والهرسك المجاورة، والتي طالب بها الكروات البوسنيون في التسعينيات، وكان هناك رد فعل عنيف في ألمانيا وفي البلقان بعد ظهور الفيديو على الإنترنت.

وفي العام 2018 سدَّد اللاعبان من أصل ألباني في المنتخب السويسري جرانيت شاكا وخيردان شاكيري هدفين مقابل هدف في مرمى صربيا، إلا أن طريقة احتفالهما بالتسديد كانت محط الأنظار، إذ استخدما إيماءة تشير إلى نسرين، في إشارة لعلم ألبانيا القومي، التي نشرتها ليبا.

وعائلتا شاكا وشاكيري من كوسوفو، حيث انتهت الحملة الصربية العنيفة ضد السكان الألبان فقط بتدخل عسكري من الناتو في العام 1999.

تشير هذه الخريطة إلى أحلام وآمال بعض اليمينيين المتشددين بالتوسع الألباني وإنشاء ألبانيا الكبرى التي تضم جميع الألبان الأصليين.

لكن في قلب هذا النزاع، توجد كوسوفو، التي أعلنت استقلالها عن صربيا العام 2008، بعد نحو 10 سنوات من إنهاء قوات حلف الناتو حكم الرئيس الصربي الراحل سلوبودان ميلوسوفيتش بضربات عسكرية، والتي تبعتها محاكمته دولياً بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية في البوسنة وكرواتيا وكوسوفو، لكنه توفي قبل انتهاء محاكمته في العام 2006.

وكوسوفو دولة معترف بها من قبل الولايات المتحدة ومعظم الحكومات الأوروبية، ولكن ليس من قبل صربيا وحلفائها الرئيسيين، بما في ذلك روسيا.

ونشرت الفنانة البريطانية الخريطة بعد ظهور عريضة على الإنترنت تطالب فيها شركة أبل بإظهار كوسوفو كدولة مستقلة على خرائطها.

وغرّدت الفنانة البريطانية ريتا أورا مؤيدةً لليبا، علماً أن أورا ولدت في عاصمة كوسوفو بريشتينا في العام 1990.

في تغريدتها، أدرجت ليبا تعريفاً لكلمة autochthonous- بمعنى السكان الأصليين، وصورة لرجلين هما عيسى بوليتيني على يمين الصورة وإسماعيل كمال على يسارها.

وبوليتيني سياسي ألباني من كوسوفو، انضم إلى “عصبة بريزرن الوطنية الألبانية”، وشارك في معركة ضد القوات العثمانية في العام 1909، كما قاتل ضد جيوش الجبل الأسود والصرب في كوسوفو.

أما إسماعيل كمالي فكان من قيادات الحركة الوطنية الألبانية، ومؤسس دولة ألبانيا الحديثة، التي أعلن عنها سنة 1912 وأول رئيس وزراء.

ويزعم القوميون الألبان أن شعبهم استقرّ في المنطقة قبل الصرب بوقت طويل، ويستخدمون ذلك للمطالبة بالأراضي المجاورة.

في المقابل يقول الصرب إن كوسوفو جزء من أراضيهم، وغالباً ما يعبر القوميون عن مشاعرهم بشعارات “كوسوفو جزء من صربيا”.

وقد اتهم بعض مستخدمي الإنترنت ليبا بكونها “فاشية”، وبدأوا في الترويج لهاشتاغ #CancelDuaLipa، أي الغوا دوا ليبا.

غير أن “منظمة فريق الألبان”، ومقرها الولايات المتحدة، دافعت عن الفنانة قائلة إنها “تنكر ادعاءات اليمين المتطرف الخطيرة بأن الألبان ليسوا من السكان الأصليين في البلقان”.

نشأت ألبانيا كدولة مستقلة في حدودها التي تُعرف بها اليوم، خلال فترة انهيار الإمبراطورية العثمانية، وتحديداً في العام 1912.

ولكن تغيّرت حدودها بفعل حروب البلقان، ثمّ طرأت عليها تغييرات مرة أخرى بعد الحرب العالمية الأولى، في حين بدأت نهضة الشعب الألباني السياسية والثقافية منذ عام 1878، مع انبعاث ما يُعرف بـ”رابطة بريزرن”.

كانت النخبة الألبانية في ذلك الوقت، وتحديداً مع بداية انهيار السلطنة العثمانية، قد تبنّت في مدينة بريزرن سنة 1878 برنامجاً سياسياً للتحرُّر بشكل كامل من تبعيتهم لمؤسسات الإمبراطورية، وتوحيد كلّ المناطق التي كان يعيش على أرضها الألبانيون في دولة واحدة وموحَّدة، بحسب ما نشر “مركز الجزيرة للدراسات“.

وكانت بنود مؤتمر برلين (13 يوليو/تموز 1878) الذي حضره ممثلون عن ألمانيا والإمبراطورية النمساوية-المجرية وفرنسا وبريطانيا العظمى وإيطاليا وروسيا وتركيا، قد انتهت إلى الاتفاق على تقسيم دول البلقان التي كانت حينها خاضعة لسلطة الإمبراطورية العثمانية.

وهكذا حصلت بعد ذلك كلٌّ من صربيا والجبل الأسود ورومانيا وبلغاريا على استقلالها، في حين مُنحت الإمبراطورية النمساوية-المجرية حقّ احتلال البوسنة والهرسك.

تسبَّب الاتفاق المنعقد بين القوى العظمى في إلحاق أضرار متعدّدة الأوجه بحقوق الألبان، حيث لم تُلبَّ مطالبهم بالاستقلال عن السلطة التركية، بل تمّ إلحاق المناطق الشمالية المكوَّنة من قرى “بلافا” و”غوسّينيا” والتي يسكنها ألبان بأراضي دولة الجبل الأسود.

وحدث الأمر نفسه مع منطقة “أولتسينيا” الواقعة على البحر الأدرياتيكي. وبالتوازي أُلحقت المناطق الواقعة إلى أقصى الجنوب، والتي كانت غالبية سكانها من الإثنية الألبانية.

تجاهل مؤتمر برلين كلّ مطالب رابطة بريزرن، وتعامل مع مناطق ألبانيا على أنّها جزء من السلطنة العثمانية، وعامل الألبانيين على أنّهم مواطنون أتراك.

ورفضاً لكلّ تلك القرارات الصادرة عن الدول العظمى في مؤتمر برلين، أعلنت رابطة بريزرن “أن شبه جزيرة البلقان لن تعرف السلام أبداً؛ لأنّ الألبانيين لن يتوقفوا عن الكفاح من أجل تحقيق استقلالهم”. 

وكانت الدول المستقلة حديثاً، على خلفية اتفاق برلين لعام 1878، وهي صربيا والجبل الأسود ورومانيا وبلغاريا، قد عمدت إلى مصادرة الممتلكات الخاصة وملاحقة السكان الألبانيين.

وفي العام 1912 نشبت حرب البلقان الأولى  بين الدولة العثمانية ودول اتحاد البلقان، وهي بلغاريا وصربيا واليونان والجبل الأسود، لتخسر الدولة العثمانية غالبية أراضيها في أوروبا، وتنتهي بتوقيع معاهدة لندن وقيام دولة ألبانيا.

أعلنت ألبانيا استقلالها في ذلك العالم، وهي لا تزال تحت الاحتلال الأجنبي بمساعدة من النمسا والمجر، ورسمت القوى العظمى آنذاك حدود ألبانيا الحالية، تاركة أكثر من نصف السكان الألبان خارج البلد الجديد، وتحديداً في صربيا والجبل الأسود.

ازدادت الأمور سوءاً خلال فترة الكساد الكبير -تحديداً العام 1928- وفي ظل حكم الملك أحمد زوغو، إذ اعتمدت ألبانيا تقريباً على موسوليني، وبدأت تتنازل عن سيادة أراضيها إلى إيطاليا. 

وفي العام 1939، غزا الإيطاليون البلاد وأصبحت ألبانيا محمية إيطالية.

انتفض الألبان لاحقاً وبدأت رحلة مقاومة الإيطاليين أولاً، ولاحقاً الألمان تحت قيادة أحزاب قومية ألبانية.

حرر الحزبيون ألبانيا من الاحتلال الألماني، في يوم 28 نوفمبر/تشرين الثاني 1944، كما قاموا بتحرير كوسوفو، وجزء من جمهورية الجبل الأسود، وجنوب البوسنة والهرسك. 

وبذلك أصبحت ألمانيا الأمة الشرق أوروبية التي استطاعت القيام بذلك دون مساعدة من القوات السوفييتية، وأصبح أنور خوجة زعيماً للبلد بحكم منصبه كسكرتير عام للحزب الشيوعي الألباني.
 
بالتوازي مع هذه التطورات، أُنشئت يوغوسلافيا السابقة كدولة اشتراكية بعد الاحتلال الألماني وحرب أهلية مريرة.

كانت عبارة عن اتحاد من 6 جمهوريات، جمع بين الصرب والكروات والمسلمين البوسنيين والألبان والسلوفينيين وغيرهم في ظل نظام شيوعي هادئ نسبياً. 

تم قمع التوترات بين هذه الجماعات بنجاح تحت قيادة الرئيس اليوغوسلافي جوزيف تيتو، الذي قاد المقاومة ضد الاحتلال النازي، وأسس مع نهرو وجمال عبدالناصر حركة عدم الانحياز.

كانت ألبانيا متحالفة مع الاتحاد السوفييتي، ثم انشقت عنه في عام 1960 للتبرؤ من الستالينية، تلتها حقبة من التحالف السياسي القوي مع الصين تقلّص تدريجياً في سبعينات القرن الماضي بقيادة أنور خوجة الذي حكم ألبانيا لأربعة عقود بقبضة من حديد.

ولكن بعد وفاة خوجة العام 1985، بدأت ألبانيا جهود الانفتاح على العالم الخارجي. 

وبينما كانت ألبانيا تتخبط في أعمال الشغب نتيجة فوز الشيوعيين السابقين في الانتخابات العام 1997، كانت منطقة البلقان تشهد معارك قومية وعرقية دموية.

إذ بدأت قوات جيش تحرير كوسوفو بمهاجمة القوات اليوغوسلافية في العام 1997، مّا أدى إلى ردة فعل قاسية مِن قِبَل قوات الأمن الصربية، وخاصة التطهير العرقي للمنطقة، في مارس/آذار من عام 1998، والذي ساعد في استقطاب المزيد من الكوسوفيين للمقاومة.

كانت ألبانيا تدعم جيش تحرير كوسوفو بالأسلحة والمتطوّعين، ولكن عندما صعَّد ميلوسوفيتش حملتَه ضدَّ الكوسوفيّين، نزح عدد كبير من الألبان إلى ألبانيا. 

وفي العام 1999 اشتبك الألبان العرقيون في كوسوفو مجدداً (بدعم من الناتو وألبانيا) مع الصرب في حرب وحشية أخرى للحصول على الاستقلال، انتهت بهزيمة الصرب.

عقود الحرب التي شهدتها منطقة البلقان أدت إلى توزع وانتشار الشعب الألباني، إذ يعيش الآن نصف شعبها على أرضها، بينما يتوزع الباقون على عدد من الدول المجاورة.

ففي كوسوفو يتواجد 1.8 مليون ألباني، أو ما يعادل 92% من سكان البلد، وفي مقدونيا يبلغ عددهم ربع سكان الدولة (نصف مليون)، ويشكلون أقلية في الجبل الأسود (5.3%)، وفي صربيا يعيش نحو 60 ألف ألباني، إضافة إلى الجماعة الألبانية المقيمة منذ القدم في اليونان، والتي يبلغ تعدادها أكثر من 200 ألف نسمة، وتمثّل هذه المجموعة قضية خلافية لم يُحسم أمرها بعدُ بين اليونان وألبانيا.

ويشتهر الألبانيون بالشعور القومي الراسخ، الذي لم يسمح لأي اقتتال بين المسلمين والمسيحيين الألبان، وغالباً ما يردِّد الباحثون الأنثروبولوجيون والمؤرّخون الألبانيّون أنّ “أقوى دين لدى الألبانيين هو الانتماء إلى الألبانية”.

تشهد الحياة السياسية الألبانية تنافساً سياسياً بين قطبين يميني ويساري يتداولان على السلطة: الحزب الديمقراطي بزعامة شخصية صالح بريشا الكاريزمية، والحزب الاشتراكي بقيادة إيدي راما، الذي يوصف بالاشتراكي المجدّد والمدعوم من قِبل الاشتراكية الديمقراطية الأوروبية.

ويقوم دستورها على مبادئ الديمقراطية، بحيث تُعقد انتخابات مرة كل 4 سنوات، وهي عضو في حلف شمال الأطلسي منذ عام 2008.

يشكل المسلمون غالبية عدد السكان بنسبة 56.7%، مع أقليات ومذاهب مسيحية متعددة، وإن كان معظمهم غير متدينين، بحسب تقرير سابق نشر على “عربي بوست“.

ومن أهم أهداف ألبانيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، الذي يفرض عليها حزمة من الإصلاحات والتعديلات التي ستستغرق سنوات عديدة.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى