ثقافة وادب

اليوم العالمي للسكان الأصليين.. ما أبرز هذه الشعوب وأين تعيش وما التحديات التي تعانيها للبقاء؟

منذ عام 1995، يحتفل العالم في يوم 9 أغسطس/آب من كل عام باليوم العالمي للسكان الأصليين، إذ تحتفي الأمم المتحدة بعددٍ من الشعوب التي حوَّلتها الحروب والهجرات المتعاقبة إلى أقليات -مضطهدة في كثيرٍ من الأحيان- ضمن بلدانها.

لم يتضمَّن إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية تعريفاً واضحاً لهم، إلا أن اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 169 بشأن الشعوب الأصلية والقبلية، عرَّفت الشعوب الأصلية في مادتها الأولى بأنها “الشعوب في البلدان المستقلة التي تنحدر من السكان الذين كانوا يقطنون البلد أو إقليم جغرافي ينتمي إليه البلد وقت غزو أو استعمار أو وقت رسم الحدود الحالية للدولة، والتي أياً كان مركزها القانوني لا تزال تحتفظ ببعض أو بكامل نظمها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية الخاصة بها”.

ويقدَّر عدد السكان الأصليين في العالم بنحو 370 مليون نسمة، أي نحو 5% فقط من سكان العالم، لكنهم يمثلون 15% من أفقر السكان، وهم يتحدثون بأغلب لغات العالم البالغ عددها 7 آلاف لغة، بحسب الموقع الرسمي للأمم المتحدة.

وفيما يلي نستعرض معاً أكبر الشعوب الأصلية الموجودة في العالم.

السامية اسم يُطلَق على مجموعة من الشعوب في الشرق الأوسط، يتكلمون بلهجاتٍ مُتقاربةٍ تطورت إلى لغاتٍ، سُمِّيت فيما بعد باللغات السامية. تواجد الساميون بداية في الجزيرة العربية، ثم هاجروا منها بسبب الجدب.

سُمِّي الساميون بهذا الاسم نسبةً إلى سام، الذي ورد اسمه في التوراة في الإصحاح العاشر من سفر التكوين؛ إذ ذُكِر هذا الاسم فيه للدلالة على مجموعة من الأنساب المنحدرة من سام بن نوح.

كانت أولى المناطق التي هاجر إليها الشعب السامي هي بلاد الرافدين في الألفية الثالثة قبل الميلاد، ومع الهجرات المُتتابعة للساميين تكونت عدة شعوب سامية موزعةٍ في منطقة الشرق الأوسط.

وأول من رحل عن الجزيرة العربية كان الأكاديون الذين توجهوا إلى العراق وأقاموا فيها مع السومريين، بينما توجَّه الآشوريون شمالاً إلى منطقة ما بين النهرين. أما الكنعانيون، فتوجهوا إلى الشام والسواحل الشرقية للبحر الأبيض المتوسط، والآراميون تحركوا إلى باديتَي العراق والشام، وآخر مجموعة كانت العرب الجنوبيين الذين ينتمي إليهم الحبشيون، وقد نزلوا على شواطئ المحيط الهندي، وبعضهم نزل في تهامة اليمن ثم هاجرت جماعة منهم إلى السواحل الإفريقية، واستقروا في هضبة الحبشة.

ولا يوجد تعداد دقيق للساميين، ولكن يقدَّر عددهم بنحو ثمانين ألف شخص، موزَّعين على أربعة بلدان بنحو عشرين ألفاً في السويد ، وخمسين ألفاً في النرويج، وثمانية آلاف في فنلندا، وألفين في روسيا.

إنويت أو الإسكيمو هم شعبٌ يسكن في شمال الكرة الأرضية. وإنويت تعني “الناس”، بينما إسكيمو تعني “الناس الذين يأكلون طعامهم نيئاً”.

يعيش الإنويت على صيد الحيوانات والأسماك بشمال شرقي سيبيريا. وكان الإنويت يرتدون جلد حيوان الكاريبو وفراء الدببة. وكانوا لشدة انعزاليتهم يعتقدون أنهم الناس الوحيدون في العالم، وكانت لهم فنونهم الخاصة، فينحتون عاج أنياب أفيال البحر مثلاً، ويضعون الأقنعة وكانوا يصنعونها من الجلد والخشب على هيئة بشر وطيور، وقد نجح شعب الإنويت في صد موجات غزو الحضارات الأخرى عبر تاريخهم.

نشأ أسلاف الإسكيمو في شمال شرقي آسيا. ويرى معظم العلماء أن الإسكيمو جاءوا إلى ما يعرف اليوم بألاسكا عبر ممرٍ أرضيّ كان يربط بين آسيا والمنطقة الشمالية من أمريكا منذ ما يقرب من 10 آلاف عام تقريباً. ثم اتجه الإسكيمو من ألاسكا ناحية الشرق، حيث توجد المنطقة القطبية لقارة أمريكا الشمالية.

ويرى الخبراء أن الإسكيمو انتشروا من ألاسكا إلى ما يُعرف اليوم بغرينلاند في حركتين كبيرتين. بدأت الأولى منذ ما يقرب من 5 آلاف سنة. ومن الجائز أن تكون الثانية قد بدأت منذ أقل من 1200 سنة تقريباً. ولا يعرف العلماء بدقةٍ المدةَ التي استغرقتها كلا الحركتين.

ولكن في الوقت الذي بدأت فيه الحركة الثانية، كانت سلالة الإسكيمو التي قامت بحركة الهجرة الأولى قد انقرضت. ويُعد هؤلاء الذين قاموا بالهجرة الثانية أسلاف الإسكيمو الذين يعيشون اليوم في كل من غرينلاند وكندا وشمال شرقي ألاسكا.

وبحسب تقريرٍ صادر عن “مجموعة العمل الدولية لشؤون السكان الأصليين” لعام 2018، يمثل شعب الإنويت نحو 90% من سكان جزيرة غرينلاند الدنماركية التي يبلغ تعدادهم 57 ألفاً و691 نسمة.

ويعيش الإنويت من الأرض والصيد فقط، ولم تنته طريقة حياتهم التي تعتمد على الصيد والطبيعة بنسبة 100% إلا منذ عقود قليلة. 

تعتبر روسيا البلد الذي يضم أكبر عدد من الشعوب الأصلية بالعالم، ويعود الأمر في ذلك إلى مساحتها الشاسعة وموقعها الجغرافي الممتد من أطراف القطب الشمالي إلى فلاديفوستوك بالقرب من اليابان.

وفي روسيا 160 شعباً أصلياً ولكن 40 منهم فقط معترف بهم دولياً شعوباً أصلية. وتتألف أكثرية شعوب روسيا الأصلية من جماعاتٍ لا يتخطى عددها 50 ألف نسمة ونجح بعضهم في الحفاظ على طريقة عيشه التقليدية، والبقاء في الأراضي التي انتشر فيها عقوداً طويلة. بحسب تقرير “مجموعة العمل الدولية لشؤون السكان الأصليين”.

من بين تلك الشعوب شعب نينيتس الذي ينتشر في الجزء القطبي من سيبيريا، وهم يعدون من رعاة الرنة وهي إحدى الأيليات في المناطق القطبية، وأيضاً شعب الإينيتس الذي لا يتخطى أفراده المئات اليوم. سكان روسيا الأصليون لا يشكلون في الواقع سوى 0.2% فقط من تعداد السكان الروس، أي ما يقارب 260 ألف شخص فقط.

يعيش سكان الأمريكتين الأصليين، الذين يطلق عليهم اسم “الهنود الحمر” من قِبل الحكومة الفيدرالية، في الولايات المتحدة الأمريكية، ويشكلون ما نسبته 1.5% من مجموع سكانها، كما أنهم يعيشون في بعض الدول من بينها بوليفيا وبيرو والمكسيك وغواتيمالا وكولومبيا والإكوادور وكندا.

يتوزع السكان الأصليون على ما مجموعه 565 قبيلة، ما زالت متمسكة بعاداتها وتقاليدها التي تحتم عليهم صبغ وجوههم وأجسادهم، واستعمال ريش الطيور وجلود الحيوانات لتغطية عوراتهم، وأما بالنسبة لديانتهم فهم يدينون بالمسيحية والوثنية، ويعملون في مهن الزراعة، وصيد الأسماك.

الأبورجنيز سكان أستراليا الأصليون

يُعرف الأبورجنيز بأنهم سكان أستراليا الأصليون، وهم الذين سكنوا في القارة الأسترالية، والجزر المحيطة بها قبل حدوث الاستيطان البريطاني.

ويشكلون نحو 2.4% من مجموع السكان. ولا بد من الإشارة إلى أن هذا المصطلح عادةً كان يستخدم للدلالة على السكان الذين يعيشون بالبر الرئيسي في تسمانيا وأستراليا، وبعض الجزر الأخرى، مثل سكان جزيرة مضيق توريس.

وهم السكان الأصليون في الجزائر وتونس بحسب مجموعة العمل الدولية لشؤون السكان الأصليين، وفي الجزائر تم الاعتراف بلغتهم تامازيغت في الدستور لغةً وطنية دون مساواتها بالعربية أوائل عام 2002 بمبادرة من الرئيس المعزول عبد العزيز بوتفليقة وبموافقة برلمانية. أصبحت وسائل إعلام الدولة تقدم نشرات مفصلة بالأمازيغية وذلك منذ عام 2002.

وكانت الجزائر قد تبنَّت الإعلان العالمي لحقوق السكان الأصليين ولكن حتى الآن لم تعترف الحكومة بوضعية السكان الأصليين للأمازيغ فلا يوجد إحصاء رسمي لعددهم.

وكذلك الحال في تونس، لا يوجد إحصاء رسمي لعددهم، لكن تشير بعض التقديرات إلى أن نحو مليون شخص في تونس يتحدثون لغة التامازيغت.

يعيش المعدان في منطقة الأهوار بجنوب العراق ولكن تناقصت أعدادهم بدرجة كبيرة في العقود الأخيرة.

حيث يشكل المعدان الغالبية من سكان الأهوار لكنهم ليسوا كل سكان الأهوار، ونسبتهم في الأهوار الشرقية أكبر من الأهوار الغربية، إذ انتقل المعدان في السنوات الأخيرة بفعل عدة عوامل، من بينها عمليات الإعدامات لسكان الأهوار، وعملية تجفيف الأهوار بعد عام 1991م إلى مدن مجاورة وإلى خارج العراق. ويتميز المعدان بتربيتهم للجواميس واعتمادهم على صيد الأسماك كمصدر للمعيشة.

ويختلف الباحثون في تقدير عدد المعدان أو عرب الأهوار، فالعدد يقدر بما بين نصف مليون نسمة و400 ألف نسمة قبل 30 عاماً، في حين أنه لم يبقَ منهم ساكن في مناطقه الأصلية حالياً سوى ما يقارب 85 ألف نسمة.

يعيش بدو الجهالين في الأراضي الفلسطينية بالضفة الغربية وهم بدوٌ رُحَّل. أما بدو النقب فيوجدون في إسرائيل، ونصفهم يعيش في قرى لا تعترف بها الدولة ولا تقدم لها الخدمات، في حين يقيم جزء منهم بمدن مخططة من قِبل الحكومة.

وُجِدوا قبل المسيح بسبعة آلاف سنة، وهم من أقدم الشعوب التي اعتنقت المسيحية منذ القرن الأول الميلادي. ساهموا في نمو هذه الديانة لاهوتياً ونشرها في مناطق آسيا الوسطى والهند والصين. سكن الآشوريون بلاد ما بين النهرين، العراق وسوريا وتركيا وبأعداد أقل في إيران.

أما اسم “آشور” فهو من “آشارو” الأكادية (الآشورية القديمة) التي تعني البداية وهذا كان اسم الله بالآشورية، لكونه بداية كل شيء، وإلى هذا الاسم انتسب الشعب الذي عرف هذا الإله غير المنظور، وهذا ما تثبته صلوات الملوك الآشوريين.

علَّم الآشوريون العالم الأبجدية والحضارة، وساهموا في تأسيس علم الفلك. واشتهر الآشوريون بصيد الأسود، وعرفوا بالقوة والبأس، ومن أشهر إبداعاتهم تطوير وسائل الدفاع والحصار وأدوات القتال. وبرزوا في فن النحت.

يعيشون اليوم في إيران والعراق وسوريا وتركيا، وقد عانوا الكثير بسبب العنف والاضطرابات التي عاشها العراق في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003.

أصبح الآشوريون بعد استقلال سوريا والعراق ينتمون إلى الأقليات الدينية المهمة فيهما. وقد سكن معظمهم في المناطق الريفية حتى الستينيات عندما بدأوا بالهجرة إلى المدن بحثاً عن العمل، كما هاجر في الوقت عينه العديد منهم إلى الولايات المتحدة، ولاحقاً إلى دول أوروبا الغربية.

شأنهم شأن بقية مسيحيي العراق، كانت الهجرات المتلاحقة بالمرصاد للأقلية الآشورية من الحرب العراقية الايرانية مروراً بحرب العراق 2003 وصولاً إلى زمن “داعش”. كان عدد الآشوريين في العراق قبل الغزو الأمريكي نحو مليون ونصف المليون، وتراجع عددهم إلى نحو ربع مليون شخص في الوقت الراهن.

ترى إيليه أوما، رئيسة مجلس الشعب السامي لدى الاتحاد الأوروبي، أن هناك صعاباً جمة قد تؤثر على مستقبل الشعوب الأصلية في أوروبا، وتقول إن الاتحاد الأوروبي لم يتخذ إجراءات كافية، لا على الصعيد البيئي ولا على صعيد استثمار الشركات العملاقة في الأراضي حيث تعيش تلك الشعوب.

وتضيف أوما أن لدى الاتحاد الأوروبي قائمة طويلة من القواعد والقوانين التي تتعلق بحماية حقوق الشعوب الأصيلة خارج الاتحاد، ولكن بروكسل يمكنها بذل جهود أكبر لتأمين مستقبل “شعوبها الأصلية”.

وبحسب الأمم المتحدة يعمل أكثر من 86% من السكان الأصليين على مستوى العالم في الاقتصاد غير الرسمي، مقارنة بـ66% لنظرائهم من غير السكان الأصليين.

كما يُرجح أن تعيش شعوب السكان الأصليين في فقر مدقع أكثر بثلاثة أضعاف من نظرائهم. أما على الصعيد العالمي، فلا يحصل 47% من جميع السكان الأصليين العاملين على تعليم، مقارنة بنسبة 17% من نظرائهم من غير السكان الأصليين. وهذه الفجوة أوسع بين النساء.

سعت الشعوب الأصلية إلى الاعتراف بهوياتهم وأسلوب حياتهم وحقهم في الأراضي والأقاليم والموارد الطبيعية لسنوات، ولكن على مر التاريخ، تنتهك حقوقهم دائماً.  يمكن القول إن الشعوب الأصلية اليوم من بين أكثر الفئات حرماناً وضعفاً في العالم. يعترف المجتمع الدولي الآن بضرورة اتخاذ تدابير خاصة لحماية حقوقهم والحفاظ على ثقافاتهم وأسلوب حياتهم المتميز.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى