آخر الأخبار

تحقيقات تكشف إنفاق الإمارات 3.5 مليون دولار للتأثير في انتخابات أمريكا 2016

كشفت وزارة العدل الأمريكية النقاب عن لائحة
اتهامات خلال الأسبوع الجاري، بخصوص محاولات الإمارات التدخل في الانتخابات
الرئاسية الأمريكية عام 2016 والتي سعت من خلالها اكتساب نفوذ داخل واشنطن.

فوفقاً للاتهامات، كشفت وزارة العدل
الأمريكية أن جورج نادر، أحد المبعوثين الموثوقين لولي العهد الإماراتي، الشيخ
محمد بن زايد، قال في رسالة نصية أُرسلت في أواخر يونيو/حزيران 2016: «سنرسل
إليك مذكرة بخصوص المسألة وفقاً لتوجيهات (ص.س.)»، في إشارة إلى محمد بن
زايد، حسبما نشر تقرير لصحيفة The
New York Times
الأمريكية.

التقرير قال إن المسؤولين عن ملف التمويل
الإماراتي للمرشحين في الانتخابات الأمريكية اعتادوا الإشارة إلى مساهماتهم
المالية للحملات الانتخابية بأسماء مخبوزات، مثل «البقلاوة». وكانوا
يطلقون على هيلاري كلينتون لقب «أختنا» أو «السيدة الكبرى». 

كانوا أيضاً ينعتون المسؤول الأول
«راعيهم الأكبر» عن التمويل بحروف  «ص.س.»، في إشارة إلى
ولي عهد الإمارات محمد بن زايد، أحد
شركاء الكونغرس المقربين بالشرق الأوسط ومن كبار مُشتري النفوذ الأجانب في
واشنطن.       

في رسالة أخرى بعدها بأشهر قليلة مُوجَّهة
إلى أحمد الخواجة، رجل أعمال من كاليفورنيا اتُّهم بأنه كان قناة إيصال مساهمات
نادر غير القانونية لواشنطن، كتب نادر: «سأسافر صباح الغد، للانضمام إلى سموه.
وأخبرته بالفعل عن الحدث المذهل مع أختنا، وتحمس كثيراً، ويرغب في إبلاغه بكل
التفاصيل شخصياً».  

تشير لائحة الاتهام إلى أنَّ جورج نادر ضخ
أكثر من 3.5 مليون دولار في تبرعات غير قانونية للحملات الانتخابية من خلال
الخواجة، لكسب نفوذ وتأثير داخل واشنطن، وللحصول على «خدمات» و
«دعم مادي محتمل» من حكومة أجنبية مجهولة. ووُجِّهَت تلك التبرعات في
البداية إلى هيلاري كلينتون وحلفائها الديمقراطيين خلال انتخابات 2016، ثم إلى
دونالد ترامب بعد أن فاز في
الانتخابات.         

بعد قراءة دقيقة للائحة الاتهام التي تأتي في
64 صفحة، يتضح أنَّ هذه الحكومة المجهولة هي الإمارات العربية المتحدة؛ حيث يمتلك
نادر شركة ويقدم المشورة لولي العهد.  

يأتي هذا في وقت يدور فيه جدال حاد بواشنطن
حول التدخل الأجنبي في السياسة الأمريكية، يقول النقاد إنَّ المخطط الموضَّح في
لائحة الاتهام واحد من أكثر المحاولات الوقحة في وقتنا هذا من جانب قوة أجنبية،
لكسب النفوذ من خلال الانتخابات. وعلى الرغم من أنَّ جماعات الضغط التي لها عملاء
أجانب تسهم بانتظام في الحملات، نادراً ما يكون رئيس دولة أجنبية مرتبطاً ارتباطاً
شخصياً بمزاعم الالتفاف على قوانين تمويل الحملات الانتخابية.

يمثل هذا المخطط أحدث مثال على سعي حليف
مزعوم لواشنطن إلى تشكيل السياسة الأمريكية من الداخل، وهو مدعاة لدهشة كبيرة،
لأنَّ ولي العهد، الأمير محمد بن زايد، يعد أحد أكبر المنفقين الأجانب للحصول على
نفوذ من خلال سبل قانونية؛ بدايةً من توظيف جماعات الضغط المُسجَّلة وحتى تمويل
مراكز الفكر والرأي.

في هذا الصدد، قال بن فريمان، مدير
مبادرة Foreign Influence Transparency Initiative
بمركز السياسة الدولية غير الحزبي الأمريكي: «دولة الإمارات العربية المتحدة
رمز لصناعة النفوذ الأجنبي ككل، وتتمتع ببراعة استثنائية في هذا الأمر. وهذا مثال
على ما المدى الذي يستعدون للذهاب إليه لإنجاز المهمة: قائد دولة يُزعَم أنها
حليفة للولايات المتحدة ينتهك قوانين تمويل الحملات الانتخابية الأمريكية انتهاكاً
مباشراً لتوجيه الأموال إلى ساستنا. هذا ما اعتبره جنوناً».

في حين رفض ممثل السفارة الإماراتية بواشنطن
الرد على طلب للتعليق. 

حيث استحوذ جورج نادر على انتباه المدعين
العامين، في البداية، لجهوده الرامية إلى تعزيز العلاقات مع حملة ترامب والإدارة
الأمريكية نيابة عن الأمير محمد. وبعد الانتخابات، عمِلَ نادر على مساعدة رجل
أعمال روسي مقرب من الرئيس فلاديمير بوتين، في التواصل مع فريق ترامب. 

أما قبل مراسم تنصيب ترامب بفترة وجيزة، ساعد
نادر ولي العهد محمد لتنظيم اجتماع بمنتجعه في سيشيل بين رجل الأعمال الروسي وإريك
برنس، وهو مقاول أمني وأحد المانحين للحزب الجمهوري ويرتبط بعلاقات وثيقة مع فريق
ترامب الرئاسي.

نادر ادلى بشهادته، في العام الماضي، في
التحقيق الذي أجراه المحقق الخاص حول التدخل الروسي في انتخابات عام 2016، وهو
محتجز حالياً بأحد السجون الأمريكية؛ على خلفية تهم تتعلق بحيازة مواد إباحية
لأطفال.

يشار إلى أنَّ نادر وشريكه الخواجة مواطنان أمريكيان من أصول لبنانية. 

أما أحمد الخواجة، المعروف باسم آندي، فهو
مؤسس شركة إلكترونية لتجهيز المدفوعات، وسبق أن وجهت إليه لجنة التجارة الفيدرالية
اتهامات بأنه ساعد مواقع إلكترونية غير قانونية في غسل الأموال، لكن انتهت هذه
الاتهامات مرتين بالتسوية؛ إذ تنازل عن مبلغ 13 مليون دولار في عام 2009، وقصر في بيفرلي هيلز بقيمة 15 مليون دولار، العام
الماضي.

إلى جانب أنه يعيش حياة مبهرجة. فمع نمو
شركته، تزوج الخواجة عارضة أزياء ليتوانية، واشترى عديداً من السيارات الفارهة،
وضمن ذلك سيارة فيراري، وبدأت تنتشر صورٌ له مع زوجته الجديدة في أثناء حضورهما حفلات لمتاجر مجوهرات وملابس راقية. وفي
عام 2014، أنتج الخواجة برنامجاً واقعياً يسمى «Model Turned Superstar»،
الذي يعرض لقطات كثيرة لنساء شابات بينما يلهون معه على متن يخت.

لم يقدم الخواجة أي تبرع سياسي إلا في أواخر
عام 2015، حين التقى جورج نادر خلال زيارة للإمارات، حسبما ذكر أشخاص مقربون
لنادر.  

أرسل الخواجة، الذي يجيد اللغة العربية،
خطاباً إلى ولي العهد الأمير محمد، يطلب فيه مقابلة معه، «ليعرض على صاحب
السمو خطط شركته لنقل خبرتها في مجالات التكنولوجيا والتعليم والخدمات المالية إلى
الإمارات».

مع أنه لم يتضح ما إذا كان مثل هذا اللقاء قد
تم بالفعل، إلا أنَّ الخواجة بدأ محادثات مع نادر حول مشروع تجاري. وخلال الوقت
نفسه تقريباً، بدأ الخواجة التبرع بمئات الآلاف من الدولارات للحملات الديمقراطية.
واستطاع أن يؤمِّن لنفسه صلاحية الوصول إلى جميع الفعاليات التي تضم هيلاري
كلينتون وكبار مستشاريها -وضمن ذلك حفل عشاء لجمع التبرعات بمنزل الخواجة مع بيل
كلينتون في يونيو/حزيران 2016- وكثيراً ما دعا نادر للحضور.

توضح كثير من الرسائل النصية الواردة في
لائحة الاتهام، أنَّ نادر أكد للخواجة وصول مبالغ مالية هائلة مخصصة للتبرعات السياسية. 

إذ كتب نادر في رسالة بتاريخ 18 يوليو/تموز
2016: «بقلاوة طازجة مصنوعة يدوياً على وشك الوصول، وصُنِعَت خصوصاً لتلك
المناسبة الخاصة التي تستضيفها بمنزلك في وقت لاحق من الشهر الجاري! الصينية
الأولى في الطريق! بمجرد أن تتذوقها وتُعجِبُك، ستجد المزيد في الطريق
إليك».   

أجاب الخواجة، بعد أن تلقت شركته تحويلات
مالية بقيمة 2.7 مليون دولار من نادر: «وصلت قطع بقلاوة صغيرة. وصلت صباح
اليوم 2.7 قطعة».   

في رسالة بعدها بأسبوعين، تعهد نادر بـ
«الضغط على المخبز لتحضير صينية أخرى من البقلاوة».  

إضافة إلى ذلك، تشير الرسائل الواردة في
لائحة الاتهام إلى أنَّ نادر أبقى ولي العهد محمد بن زايد، على علم بالجهود
المبذولة مع الخواجة. إذ راسل نادر، في يونيو/حزيران 2016، مسؤولاً إماراتياً،
يبدو أنه ولي العهد، يقول: «سأسافر في صباح يوم السبت للحاق بأختنا الكبرى
وزوجها. وسألتقيه يوم الأحد، وإياها في يوم الثلاثاء. سيدي! أحب أن أراك غداً
وقتما يناسبك… للحصول على مشورتك وتوجيهاتك ومباركتك!». 

وفقاً للائحة الاتهام، كتب نادر، في مناسبة
أخرى، يقول: «حظيت باجتماع رائع مع الأخت الكبرى. (ص.س.) ستُسَر
كثيراً».   

على الرغم من ذلك، فقد كان نادر يعمل في
الوقت نفسه لبناء علاقات مع فريق ترامب، مثلما أبلغ المسؤول الإماراتي. فكتب نادر
في يوليو/تموز 2016: «استطعت التواصل مع الشخصيات الرئيسية في كلا المعسكرين
وتطوير علاقة ثابتة ومتسقة وبناءة مع كليهما!».

إذ حضر الخواجة ونادر السهرة التي أقامتها
هيلاري كلينتون في مانهاتن احتفالاً بحملتها الانتخابية، وفقاً لمصادر على دراية
بالحفل. 

لكن في اليوم التالي للانتخابات العامة،
وجَّه نادر والخواجة دفة دعمهما غير المشروع صوب ترامب، وذلك حسبما ذكرت لائحة
الاتهامات، بدءاً بضخ مليون دولار تبرعاً لمراسم تنصيب الرئيس.   

كتب الخواجة في رسالة إلى نادر بعد شهر من
ذلك، وفقاً لما قاله الشخص الذي اطلع على الرسائل: «لا أستطيع التحدث، أنا مع
ترامب الآن»، وأرسل صورة له مع الرئيس المنتخب في حفل لجمع التبرعات
بمانهاتن.

في المقابل، لا يبدو أنَّ الجمهوريين أثاروا
كثيراً من الأسئلة حول أسباب التغير المفاجئ في ولاء الخواجة أو مصدر هذه
الأموال. 

إذ سرعان ما لقب إليوت برويدي، أحد كبار جامعي التبرعات، الخواجة بالمساهم الأساسي. وبدأ برويدي نفسه، الذي كانت شركته للمقاولات العسكرية تسعى للحصول على عقود ضخمة من ولي عهد الإماراتي في ذلك الوقت، يعمل من كثب مع نادر في عام 2017، وهو الآن يخضع لتحقيقات المدعين العامين الفيدراليين؛ لدوره كوكيل أجنبي غير مُسجَّل لصالح الإمارات.

ففي مطلع عام 2017، راسل أحد النشطاء
الجمهوريين برويدي، وفقاً لنسخة من النص حصلت عليها صحيفة The
New York Times الأمريكية،
وأبلغه: «اتصل بآندي الخواجة في وقت لاحق من اليوم (ربما في الساعة الخامسة)،
لتذكيره بأننا بحاجة إلى تحويل بقيمة 250 ألف دولار غداً». وبعدها بخمسة
أيام، تبرع الخواجة وزوجته بالقيمة نفسها للجنة الوطنية للحزب الجمهوري.

كتب برويدي لاحقاً، لأحد أعضاء الحزب
الجمهوري، بعد أن عَلِمَ أنَّ الخواجة يعتزم منح مزيد من الأموال: «أعتقد
أننا نعرف أنَّ جميع أموال التي تتلقاها اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري مقبولة.
اسأل عن أقصى حد من الأموال يمكنك الحصول عليه. وتأكد من دعوة مصدر السيولة،
الخواجة، لحضور حفل الكريسماس في البيت الأبيض». 

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى