تقارير وملفات إضافية

شبح الإرهاب الأبيض المعادي للمسلمين يقلق السلطات الأسترالية، ولكن لماذا ازداد الخطر بعد جائحة كورونا؟

في الأسابيع التي تلت مذبحة مسجدي نيوزيلندا، تحوَّلَ اهتمام الإعلام الدولي إلى بلدةٍ صغيرةٍ في على الساحل الشمالي الأوسط لولاية نيوساوث ويلز الأسترالية. 

بلدة غرافتون، ذات التعداد السكَّاني البالغ 18 ألفاً، هي موطن للمُتشدِّد اليميني المُتطرِّف الذي قَتَلَ 51 شخصاً في مسجدين في مارس/آذار من العام الماضي. اشتهرت البلدة سابقاً بمهرجان جاكاراندا السنوي، لكنها سرعان ما أصبحت بؤرةً لأولئك الذين يبحثون عن أدلةٍ تتعلَّق بماضي ذلك المُسلَّح القاتل في أعقاب واقعة إطلاق النار، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.  

حاوَرَت شبكة تلفزيون Nine News الأسترالية جدَّة مُطلِق النار في مذبحة مسجدي نيوزيلندا، ووصفته بأنه “شابٌّ عادي” كان يحب أجهزة الكمبيوتر. وتحدَّثت صحيفة New York Times الأمريكية مع جيرانه السابقين، الذين ذكروا أنه كان يلعب في الشارع عندما كان طفلاً. ووصفه أحد أفراد عائلته في حديثه مع صحيفة The Guardian البريطانية بأنه “انطوائي” و”هادئ”. 

كلُّ هذا الماضي كان مُوجَّهاً نحو محاولة فهم كيف أنتجت أستراليا أحد أبشع الإرهابيين في التاريخ الحديث. ما هي الأسرار التي كانت تختبئ بها هذه البلدة التي لا يميِّزها شيء على ضفاف نهر كلارنس؟ 

شعَرَ نائب عمدة منطقة كلارنس فالي الأسترالية، جيسون كينغسلي، بأنه مُضطرٌّ في ذلك الوقت لقول إن “الشخص الذي نفَّذ الهجمات لا يمثِّلنا، ولا يمثِّل قيم ومُعتَقَدات مجتمعنا الأوسع”. 

وأضاف: “هذا عملٌ فردي، وقلوبنا مع إخوتنا وأخواتنا في كرايستشيرش”. 

لكن بينما يستعد برينتون تارانت لتلقي عقوباتٍ على 51 تهمة بالقتل، و40 محاولة قتل، والجريمة الإرهابية الأولى في نيوزيلندا، فإن السؤال عمَّا تفعله أستراليا يلوح في الأفق. 

كانت مذبحة كرايستشيرش تجسيداً للطبيعة العابرة للحدود المُتعلِّقة بالإنترنت لليمين المتطرِّف، ربما أكثر من أيٍّ من العشرات من جرائم العنف التي ارتُكِبَت حول العالم في السنوات الأخيرة. 

من الوثيقة التي نشرها الجاني على الإنترنت قبل إطلاق النار، والرسائل التي كتبها على الأسلحة التي استخدمها، وعلاقته بحركة الهوية الأوروبية، كان من الواضح أنه يريد أن يصنِّف نفسه على أنه عضوٌ في مجتمعٍ عالميٍّ أكبر. 

من المؤكَّد أن روابطه مع اليمين المتطرِّف في أستراليا كانت حقيقيةً بما فيه الكفاية. بعد إطلاق النار، قال زعيم مجموعة قومية بيضاء في أستراليا إنه تواصَلَ سابقاً مع مُطلِق النار في كرايستشيرش للانضمام إلى جماعة الفتيان التي يقودها، ووَجَدَ تحقيقٌ أجرته شبكة ABC إنه نَشَرَ تعليقاتٍ إلكترونية يدعم فيها جماعةً أسترالية يمينية، وهي “جبهة الوطنيين المتحدة”، في أبريل/نيسان 2016. 

وقد امتَدَحَ أيضاً بلاير كوتريل، مؤسِّس “جبهة الوطنيين المتحدة”، باعتباره “قائد الحركة القومية في أستراليا”، وأطلَقَ عليه لقب “الإمبراطور” في ليلة فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016. 

وقال كوتريل إنه لا يعرف مُطلِق النار ووصفه مؤخَّراً بأنه “أحمق”. وبعد إطلاق النار، وَصَفَ رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون الواقعة بأنها “هجمةٌ قاتلة ووحشية” على أناسٍ ينتمون لعقيدةٍ معينة، ووَصَفَ مُطلِق النار بأنه “إرهابي عنيف يميني مُتطرِّف ومتشدِّد”. 

وقال: “لا أرى أيَّ إنسانية في أيِّ شخصٍ ينخرط في هذا النوع من الكراهية والعنف. إنه لا يستحق أن يكون إنساناً”. 

رئيسة وزراء نيوزيلندا، جاسيندا أرديرن، أصبحت وجهاً بارزاً لمحاولات مواجهة عنف اليمين المتطرِّف، إذ شاركت في رئاسة قمةٍ في باريس مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عُرِفَت باسم نداء كرايستشيرش، وهدفت إلى إقناع شركات التكنولوجيا بقمع المحتوى الإرهابي والمتطرِّف والعنيف عبر الإنترنت. 

حقَّقَت هذه الخطوة نجاحاً جزئياً، ووفقاً لكريستي كامبيون، الخبيرة بشؤون الإرهاب بجامعة تشارلز ستيوارت، فقد ساعدت الخطوة في الاضطلاع بدورٍ في إبعاد العديد من رموز اليمين المتطرِّف، بمن فيهم الموجودون في أستراليا، عن منصَّات الشبكات الاجتماعية السائدة. 

وقالت كامبيون للنسخة الأسترالية من صحيفة The Guardian: “ذهبت إلى نيوزيلندا بعد واقعة إطلاق النار، وقضيت بعض الوقت في التحدُّث مع الناجين، واثنين من مسؤولي الحكومة، وكان من المدهش أن أرى كيف يتعاملون مع الأمر”. 

وأضافت: “لم يحوِّروا القضية بالقول إنه كان أسترالياً وبالتالي إنها ليست مشكلتنا، لكنهم قالوا إنهم سوف يتعاملون مع الأمر برمته ليروا ما يمكنهم فعله لضمان أن تبقى نيوزيلندا آمنة”. 

وتابَعَت: “في أستراليا، أعتقد أن الكثير من الأمور تحدث بين وكالات الأمن، لكن ربما من سوء الحظ أننا لم نر ذلك كثيراً. إنهم يتفاعلون مع أشخاصٍ في هذا المجال، ويوسِّعون معرفتهم حول هذه الشبكات”. 

أصبحت أجهزة الشرطة ووكالات الاستخبارات أكثر صراحةً في إثارة مخاوفها بشأن تهديد التطرُّف اليميني في أعقاب واقعة إطلاق النار. في فبراير/شباط الماضي، قال المدير العام لمنظمة الاستخبارات الأمنية الأسترالية، مايك بورغيس، إن تهديد التطرُّف العنيف من اليمين “حقيقي ومتزايد”. 

وقال: “في الضواحي عبر أرجاء أستراليا، تجتمع الخلايا الصغيرة بانتظام لتحية الأعلام النازية، وتفحُّص الأسلحة، والتدريب على القتال، ومشاركة أيديولوجيتها الكريهة”. 

وفي كلمته في كانبرا، كجزءٍ من تقييم التهديد السنوي لمنظمة الاستخبارات الأمنية الأسترالية، أولى بورغيس اهتماماً خاصاً للروابط بين الأستراليين وجماعات الكراهية الدولية المُتعصِّبة للعرق الأبيض، مثل جماعة The Base. 

وقال: “بينما نتوقَّع أن يكون أيَّ هجومٍ مرتبطٍ باليمين المتطرِّف في أستراليا محدوداً؛ أي هجوم بسكين أو بندقية أو مركبة، فإن الهجمات الأعقد من ذلك ممكنةٌ أيضاً”. 

ويبدو أن هذا التهديد قد زاد خلال جائحة فيروس كورونا المُستجَد. ففي يونيو/حزيران، أفادت شبكة ABC أن تقييم التهديد الذي أرسلته منظمة الاستخبارات الأمنية الأسترالية إلى الخبراء الأمنيين قد حذَّرَ من أن اليمين المتطرِّف يستخدم جائحة كوفيد-19 كغطاءٍ للوصول إلى جمهورٍ جديد، مستغلين العزلة الاجتماعية التي أحدثتها الجائحة لدفع أيديولوجيتهم المتطرِّفة. 

وحذَّرَت المنظمة قائلة: “تُستَغَل القيود المفروضة بسبب كوفيد-19 بواسطة سرديات اليمين المتطرِّف التي تصوِّر الدولة باعتبارها أداة قمعية، والعولمة والديمقراطية على أنهما معيوبان ويتدعايان”. 

وأضاف: “نعتقد أن جائحة كوفيد-19 قد عزَّزَت الاعتقاد اليميني المتطرِّف بحتمية الانهيار المجتمعي والحرب العرقية”. 

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى