ثقافة وادب

غرفها ودهاليزها وممراتها أكثر من أهرامات مصر وقببها تشبه قبب المساجد.. ماذا تعرف عن أهرامات الجزائر؟

حين نتحدّث عن الأهرامات يتبادر مباشرةً إلى أذهاننا الأهرامات المصرية التي بناها الفراعنة، أو أهرامات حضارتي الأزتك أو المايا، لكنّ أهراماً أخرى لا تحظى بنفس الدرجة من الاهتمام والشهرة وجدت في دولةٍ عربيةٍ أخرى. أهرامات الجزائر، تلك الأهرامات التي لم تنل من الشهرة كفايتها رغم أهميتها.

قبل أربع سنوات، وتحديداً في عام 2016، أعلن وزير الثقافة الجزائري حينها عز الدين ميهوبي، اكتشاف أهراماتٍ عريقة في منطقة “فرندة” بمحافظة “تيارت” غربيّ البلاد، بدا الكلام غريباً وقتها، فلم يُسلَّط الضوء على هذه المعالم وتاريخها إلى اليوم.

عندما أعلن الوزير حينها عن الاكتشاف كتب على صفحته الشخصية على فيسبوك: “يجهل كثير من الناس وجود أهرامات بالجزائر، نعم هناك أكثر من 13 هرماً رباعيّ القاعدة ودائريّ القِمَّة، بمحافظة تيارت يطلق عليها لجدار”.

ووفقاً لتصريحاته نفسها، تشبه أهرامات الجزائر قليلاً ضريحي “كليوباترا سيليني” بمحافظة تيبازة (غرب العاصمة)، و”إيمدغاسن” بمحافظة باتنة شرقي البلاد. و”كليوباترا سيليني الثانية” تلك هي ابنة الملكة المصرية كليوباترا التي حكمت مصر منذ وفاة الإسكندر الأكبر عام 323 ق.م.

أما “إيمدغاسن”، فهو ضريح أمازيغي جزائري، يرجع تاريخه إلى القرن الثالث قبل الميلاد. وأجريت بعض البحوث حول “أهرامات لجدار”، وتبيّن أنّها أضرحة جنائزية تعود إلى القرن الخامس الميلادي وطبيعتها لا تختلف عن أهرامات الجيزة بمصر.

حسب المختصين، يوجد في الجزائر العديد من الأهرامات التي تختلف من حيث الفترة الزمنية وتتخذ شكلاً دائرياً بقاعدةٍ مربعة أو مستطيلة وقمة دائرية وأحجام مختلفة، كما تتوزع جغرافيا عبر عدّة محافظات في البلاد.

وتمتد هذه الأهرامات من محافظة تيبازة (شمال) إلى تمنراست (أقصى الجنوب)، ومن باتنة (شرق)، إلى محافظة تيارت (غرب) التي تضم وحدها 13 هرماً تُكوّن ما يسمى “لجدار”. وبخصوص أهرامات فرندة بتيارت (غرب)، فتحوي قواعد يتراوح عرضها بين 11 متراً و46 متراً، أمّا طولها فيبلغ 18 مترا.

ويقول باحثون إنّ أهرامات الجزائر عبارة عن معالم لملوكِ الأمازيغ. أي أضرحة وقبور جنائزية كانت مقابر جماعية أو أماكن للعبادة وتختلف من ضريحٍ إلى آخر، كما تتباين حجراتها، حسب الحجم وقد تصل لـ 20 حجرة متصلة بأروقة.

يذكر الباحث الجزائري في الآثار بشير صحراوي، في تصريح صحفيٍّ سابق، أنّ الأهرامات الجزائرية تختلف عن أهرامات مصر والمكسيك بكثرة الدهاليز والغرف والممرات مع قاعدةٍ مربَّعة الشكل ورأسٍ مُدبَّدب في الأعلى على شاكلة قُبَب المساجد.

وأوضح صحراوي أنّ الهرم الجزائريّ ذو لمسةٍ أمازيغية ويقوم على عناصر فيزيائية دقيقة لكونه ممتصّاً للطاقة الموجودة في الكون والمنبعثة من المجرّات والنجوم وأجسام أخرى.

من جانبها، تقول فايزة رياش الأكاديمية والباحثة في علم الآثار لوكالة الأناضول إنّ الجزائر تزخر بعددٍ كبيرٍ ومتنوِّع للمعالم الجنائزية، موزعة عبر كامل تراب البلاد. بعددٍ أكبر في الشرق الجزائريّ، خاصَّةً بجنوب وشرق محافظة قسنطينة، مثل رأس عين بومرزوق وسيلا وبوشان وسيغوس وبونوارة وغيرها.

وأشارت إلى أنّ بعض التنقيبات التي أجريت في هذه المعالم الجنائزية أدَّت للأسف إلى إتلافها وضياع محتوياتها وبعضها تعرَّض للنهب.

ولفتت إلى أنّ القبور الجنائزية تطوَّرت عبر مختلف الفترات التاريخية بدايةً بأقدمها التي وجدت بكولمناطة بمحافظة تيارت (غرب البلاد) وأفالو بورمال بمحافظة بجاية (شرق العاصمة). وتتابع رياش قولها: أحصى المؤرخ الفرنسي المختص في تاريخ الأمازيغ غابريال كامبيس أكثر من 14 نوعاً.

وذكّرت رياش بـ”إيمدغاسن بباتنة” و”الضريح الملكي الموريتاني” بتيبازة، اللذين صنّفهما الباحث الفرنسي “letourneux” من المعالم الجنائزية ذات الأصل الأمازيغي.

ولم تخف رياش وجود أصناف عديدة من هذه المعالم تُسمى “النشاز” و”التيميليس” و”الدولمان” و”البازينة”. وأشارت إلى أنّ الباحثين لم يذكروا أن القبور الجنائزية لجدار بتيارت على أنّها أهرامات، بل هناك من صنّفها ضمن قسمين. فالقبور الثلاثة القريبة من بعضها من نوع تيميليس (بناء حجري مخروطي الشكل فوق قبور قديمة) وذات شكلٍ مربَّع، أمّا العشر المتبقية فتشبه شكل القبور الجنائزية البربرية المسماة البازينة.

وبازينة كلمة أمازيغية ومن أنماطها المُقبَّبة وذات مدرَّجاتٍ وقاعدة أسطوانية ومتعددة المدافن. ووفق رياش فإن “المقابر الجنائزية لجدار، ليست أهرامات، ولكنّ شكلها المميز لا يوجد إلاّ في بلاد المغرب العربي”.

بدورها، قالت الباحثة في الآثار والتراث سميرة امبوعزة، إنّ أهرامات الجزائر عديدة ويجهلها الكثيرون، بنيت على طريقة أهرامات مصر ولكن مع اختلاف طفيف في الشكل الهندسي. وأضافت امبوعزة لوكالة الأناضول، أنّها “أضرحة تعود لملوك ومختلفة المراحل التاريخية”.

فنجد مثلاً هرم تين هينان: ضريح ملكة قبائل الطوارق، بمنطقة الهقار بمحافظة تمنراست بالجنوب الجزائري. وبعض المراجع التاريخية تقول إنّه شُيّد في القرن الخامس قبل الميلاد، ويقع على ارتفاع أكثر من 850 متراً.

تضيف أمبوعزة للأناضول: ضريح ماسينيسا لا يزال يشهد على الملك النوميدي الأسطوري ماسينيسا، وقد بُنِي بمنطقة الخروب بمحافظة قسنطينة، ولقب باسم “صومعة إبليس”. وبخصوص التسمية، فيبدو أنّها متوارثة عن الأجداد الذين عرفوا هذا المكان دون أن يحاولوا معرفة سرّ هذه التسمية.

وإضافة إلى ضريحي امدغاسن والملك النوميدي الشهيرين، يوجد هرم “سيڨا”، الذي هو عبارة عن ضريح للملك النوميدي سيفاكس بمحافظة عين تيموشنت (غربي البلاد)، وفق الباحثة. وحول أهرامات لجدار بتيارت قالت: “هي آثار أمازيغية جنائزية يعود بناؤها إلى القرن الرابع والسادس ميلادي وأطلق عليها هذا الاسم من طرف السكان المحليين”.

وكلمة لجدار تعني الجدار أو الحائط، والأضرحة تنقسم إلى مجموعتين متباعدتين عن بعضهما بـ 6 كلم، حسب المتحدثة. ووفق الباحثة، تضم المجموعة الأولى 3 أهرامات، مرتبة حسب الحروف اللاتينية (a/b/c). بحيث يعتبر القبر A أهمّها وأكبرها حجما ويسمى “قبر الكسكاس”.

وتتشكل المجموعة الثانية من 10 قبور ذات قاعدة مربعة تتراوح بين 12 و46 مترا وارتفاع يصل إلى 18 متراً.

وصنفت لِجدار ضمن التراث الوطني منذ 1969، وتتطلع السلطات الجزائرية وعلماء الآثار إلى تصنيفها ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة).

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى