تقارير وملفات إضافية

مراوغات بوتين تُغضب أردوغان.. كيف تحول التصعيد في إدلب إلى اختبار قاسٍ للعلاقة بين موسكو وأنقرة؟

إذا كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يبحث عن وسيلة للتعبير عن غضبه من روسيا في أعقاب مقتل ثمانية من جنود بلاده في سوريا، فإن زيارته لأوكرانيا وفرت فرصة مثالية لذلك. 

تقول صحيفة Financial Times البريطانية إنه وخلال اصطفاف حرس الشرف الأوكراني لاستقبال أردوغان في القصر الرئاسي في كييف الإثنين، هتف الرئيس التركي: «المجد لأوكرانيا»، وهو شعار وطني لطالما ارتبط ارتباطاً وثيقاً بالمشاعر المعادية لروسيا، ومعركة البلاد من أجل الاستقلال بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.

وكانت كلماته المنتقاة بعناية –إلى جيش يقاتل الانفصاليين المدعومين من روسيا في شرق أوكرانيا- توبيخاً واضحاً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

يتعرض التحالف البراغماتي بين أنقرة وموسكو في أنحاء عدة من الشرق الأوسط لاختبارٍ قاس بعد الهجوم الذي وقع يوم الإثنين على جنود أتراك بأيدي قوات النظام السوري المدعومة من الكرملين في محافظة إدلب التي تسيطر عليها المعارضة السورية المسلحة.

لقد أبرز هذا الهجوم والتوترات الحاضرة في كثير من الأمور، من ليبيا إلى أسعار واردات الغاز، أنه حتى في الوقت الذي يشعر فيه حلفاء الناتو في تركيا بالقلق إزاء تقارب أنقرة المتزايد مع موسكو، فإن ديناميكية العلاقة بين البلدين ما زالت بعيدة كل البعد عن الاستقامة والوضوح.

تعليقاً على ذلك، يقول مسؤول تركي كبير: «حقيقة الأمر أنها ليست علاقة سهلة. وفي حين يسهل على بعض المسؤولين الغربيين أو المعلقين السياسيين القول بأن تركيا أدارت ظهرها للغرب، كما لو أننا نصطف في اتفاق تام مع الروس في كل شيء، فإن واقع الأمر ليس كذلك».

رداً على مقتل الجنود، ألغت تركيا دورية عسكرية مشتركة كان مخططاً لها أن تجري مع القوات الروسية في سوريا، في حين ألقت موسكو باللوم على أنقرة قائلة إنها لم تكشف مسبقاً عن موقع تحرك قواتها.

يقول كونستانتين كوساتشيف، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الفيدرالية الروسي: «الأمر كله مقلق للغاية. هذا اختبار جدي لمدى قوة الاتفاقيات الروسية التركية الحالية».

لطالما مثّلت الحرب في سوريا، حيث تدعم أنقرة القوى المعارضة لبشار الأسد في حين تدعم روسيا نظامه، موقفاً شائكاً للبلدين وللعلاقات بينهما. كان الجيش التركي قد أسقط قبل خمس سنوات طائرةً روسية من طراز سوخوي سو 24 في أعقاب توغل لها عبر الحدود مع سوريا. ولكن بعد سبعة أشهر من الحادث، وفي وقت أخذ حالة من الجمود تسود في العلاقات بين تركيا وحلفائها الغربيين التقليديين، وفي ظل الرابطة الشخصية الوثيقة بين أردوغان وبوتين، عاد التوافق إلى العلاقات بين الدولتين.

منذ ذلك الحين، تعاون البلدان في قضايا تتعلق بإمدادات الطاقة والتجارة والصراعات في سوريا وليبيا، على الرغم من دعمهما أطرافاً متصارعة في كلا البلدين. وقد أثار قرار أردوغان شراء نظام الدفاع الجوي الروسي «إس 400» العام الماضي فزع العديد من حلفاء تركيا الغربيين، وعرقل صفقة شراء أنقرة لطائرات مقاتلة جديدة من «إف 35» تابعة لحلف الناتو.

لطالما زعم المسؤولون الأتراك أن العلاقة مع موسكو تحمي مصالح بلادهم في جوار مضطرب. ويقول يوسف إريم، محلل السياسة الخارجية في قناة TRT World، إنه كان من الأهمية بمكان لتركيا أن «تنوع علاقاتها مع القوى العظمى» في ظل نظام عالمي متغير.

ومع ذلك، وعلى الرغم من عشرات المكالمات الهاتفية والاجتماعات ومظاهر البشاشة العامة التي سادت العلاقات في السنوات الأخيرة بين أردوغان وبوتين، فإن هناك عديداً من المجالات التي أثار النهج الروسي فيها غضب تركيا وقلقها.

وراوغت موسكو لكي تحقق أهدافها، فرفعت الحظر الذي كانت فرضته على استيراد الطماطم التركية بعد أزمة إسقاط المقاتلة، في حين دأب ذراعها المتمثل في موقع «سبوتنيك الناطق باللغة التركية» – وهو موقع إخباري مملوك الحكومة الروسية- على إثارة غضب المسؤولين الأتراك من خلال تقديمه تغطية بارزة لنقاد أردوغان وسياساته.

يقول كريم هاس، محلل العلاقات الروسية التركية، إنه على الرغم من الموافقة على استضافة خط أنابيب الغاز TurkStream الذي افتُتح مؤخراً، والذي يمكن روسيا من الاستغناء عن أوكرانيا، فإن أنقرة تدفع نسبة أعلى للمصدِّر الحكومي الروسي «غازبروم» Gazprom من تلك التي تدفعها ألمانيا، إذ «لم تتمكن تركيا من الحصول على خصم لها». وقد رفضت شركة غازبروم التعليق على تلك التقارير.

كما غضب أردوغان أيضاً من رفض خليفة حفتر، قائد قوات ما يسمى بـ «الجيش الوطني الليبي» المدعوم من روسيا، توقيعَ اتفاقية سلام في محادثات توسطت فيها موسكو وأنقرة الشهر الماضي.

أمَّا الآن، فإن إدلب على وشك أن تصبح أخطر أزمة تشهدها العلاقات حتى هذه اللحظة بالنظر إلى أن هناك نحو 3 ملايين شخص محاصرين على الحدود التركية. وقد حذّر أردوغان، الذي يواجه بالفعل انتقادات عنيفة تتعلق بنحو 3.6 مليون لاجئ سوري يعيشون في تركيا حالياً، من أن بلاده لا يمكن أن تستقبل المزيد من النازحين.

يقول هاس إن أنقرة واجهت مشاكل في علاقاتها مع روسيا لأن موقفها «ضعيف» في العديد من المجالات المتبادلة، وهو ما سمح لموسكو بأن تكون «أكثر حزماً بكثير»، حسب تعبيره.

لكن المسؤولين في أنقرة يقولون إن مهمة الوقوف في مواجهة روسيا في سوريا باتت أصعب، في ظل الافتقار إلى الدعم من الحلفاء الغربيين.

تمتلك تركيا بعض الأوراق، من أبرزها نفوذها على بقايا قوات المعارضة لدمشق، وسيطرتها على منطقة حدودية في شمال سوريا يريد الأسد استعادتها. لكنها في الوقت نفسه تعتمد أيضاً على روسيا لمنع موجة أكبر من اللاجئين من التوجه نحو الحدود التركية، وللتقليص من دور الميليشيات الكردية وحلفائها السياسيين في المحادثات المتعلقة بمستقبل سوريا، إلى جانب اعتماد تركيا على روسيا لسد حاجاتها من الغاز المستورد.

تقول أصلي آيدينتاشباش، وهي باحثة «المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية»، إن أنقرة «لا تستطيع حقاً صرف وجهها عن روسيا»، ومن ثم فهي تذهب إلى أن العلاقات بين البلدين ستتجاوز التوترات الأخيرة بشأن إدلب. وتضيف أن «تركيا ليست تابعة لروسيا. لكنها أصبحت مدينةً لروسيا بقدرٍ لا يجوز لها مع أن تنسحب ببساطة من تلك العلاقة عند أول أزمة».

وردد أردوغان نفسه وجهة النظر هذه يوم الثلاثاء، عندما قال إن تركيا لديها «العديد من المبادرات الاستراتيجية الجادة» مع روسيا، ووعد «بالجلوس والتحدث في كل شيء، دون غضب». حتى إنه استشهد بمثل تركي يقول معناه: «من يقف غاضباً بلا حساب، يقعد ملوماً دون أن يأخذ حقه».

في السياق، قالت الخارجية الروسية، الخميس 6 فبراير/ شباط، إنها تواصل «التنسيق الوثيق» مع تركيا بخصوص سوريا، مضيفة أن شهر يناير/كانون الثاني شهد مقتل عدد من الخبراء العسكريين الروس والأتراك في شمال سوريا، وأن تصاعد التوتر والعنف في إدلب أصبح يشكل خطراً كبيراً.

من جانبه، رد وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو على هذه التصريحات قائلاً إن أنقرة تتوقع أن توقف روسيا هجمات قوات النظام السوري في إدلب على الفور، مضيفاً في الوقت نفسه أن وفداً روسياً سيزور تركيا لبحث الوضع في إدلب، وأن أردوغان وبوتين سيلتقيان «عند الضرورة»، وهو ما يؤكد استمرار غضب أردوغان من بوتين.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى