منوعات

رفضت مشاهدة أفلامها وتركت الفن لأجل أسرتها وظلت تُمثل لزوجها بالبيت.. قصة الليدي الأخيرة لبنى عبدالعزيز

حارسة النيل ذات العيون الخضراء رحلت عن مصر بسبب زوار الفجر.. وتركت الفن لأجل بيتها

كانت والدتي تعاونني في رعاية طفليّ،
حين نال التعب من كلتانا، جلست أفكر في مستقبلي الذي بدأ يضيع وسط تفاصيل يومية من
نوعية تغيير الحفاض، وإعداد الطعام، غسل الملابس وغيرها من مهام البيت اللانهائية.

“أنا عشت أماً ومربية وكناسة
وغسالة وطباخة ومكوجية وكل حاجة” عاجلتني لبنى عبدالعزيز بالإجابة خلال ذلك اللقاء
المسجل لها عبر إحدى القنوات الفضائية، والذي أذيع بمناسبة تكريمها قبل أيام، كانت
تروي عن حياتها طوال 28 عاماً بالولايات المتحدة، حيث سافرت في بداية زواجها إلى
بلد غريب، في ظروف مادية وصفتها بالصعبة، دون عون تقريباً من أحد “كنا في
حالنا”، تاركة خلفها حياة حافلة ومغرية جداً في مصر، كانت تستطيع بسهولة أن
ترفع راية العصيان واليأس “مش لاعبة”، لكنها لم تفعل، كما لم يغرِها كل
ذلك المجد الذي تركته وراءها بالعودة.

لم تكفّ لبنى لحظة عن اللعب في شعرها
لفرط التوتر، خلال لقاء جمعها ووالدها في بيتها، مع الصحفي محمود السعدني، ختمته
قائلة: “بصراحة كنت مرعوبة” إلا أن والدها عاجلها معاتباً بنبرة أسرتني
“مرعوبة وأنا موجود؟”.

كانت تلك الجملة تحديداً هي كلمة
السر في علاقتها بحامد عبدالعزيز، الصحفي بجريدة الأهرام، وأحد كتيبة الصحفيين
الذين قاموا بتغطية الأحداث في القناة خلال الخمسينيات، رجل متفتح، لم يكن ثرياً،
لكنه أصر على تعليم ابنته في الجامعة الأمريكية، لتحصل لاحقاً على منحة فولبرايت
في بريطانيا، حيث درست الدراما والتمثيل، قبل أن تعود إلى مصر.

لم تفكر لبنى لحظة في التمثيل قُبيل
سفرها وطوال فترة دراستها للدراما والمسرح بالجامعة، حيث اعتبرت الوسط الفني
مجالاً “مش قد كده”، فرفضت عدة عروض مغرية، إلا أن نظرتها للمجال
والعاملين فيه اختلفت تماماً عقب عودتها من المنحة، في ذات التوقيت لم يكد المخرج
صلاح أبوسيف يراها حتى هتف “هي دي سميحة في الوسادة الخالية”، تقول
لبنى: “قلت ليه لأ، فيلم واحد بس، لو حبيت أكمل ولو محبتش خلاص”.

 في الحالين لم يعترضها والدها
أو يستجيب لضغوط بقية أفراد الأسرة من المعارضين لفكرة عملها بالتمثيلأنا
كنت متوقع إنها هاتكون ممثلة مسرحية، خصوصاً بعد تمثيلها رواية الأخوات التلاتة
لتشيكوف في الجامعة والنجاح الكبير، اللي دفع السفير الأمريكي للسؤال عن البنت
اللي عملت دور
ماشا وقال لهم إنها
ممتازة”، أمل في قلب الأب الذي كان يطمح إلى العمل كممثل في بداية حياته
العملية، صحيح أن هذا لم يكتمل لكنه زرع البذرة في قلب ابنته “بابا كان بيقرأ
لي الأعمال الأدبية بطريقة درامية جداً في طفولتي”.

تزوجت لبنى عبدالعزيز مرتين فقط خلال
حياتها، كانت المرة الأولى من المنتج رمسيس نجيب، والحق أنني لفرط إعجابي بها،
انتابني الفضول لأرى ذلك الرجل الذي خسر امرأة كلبنى عبدالعزيز، لكنني لم أعثر سوى
على صورة واحدة لهما معاً، لم تكن ترتدي خلالها فستان فرح، كما لم تبد وقفتهما
معاً تحمل أي قدر من الحميمية أو المشاعر.

“في الأول وجوده شيء بنكرهه،
أوف دا جاي ينكد على الناس، رمسيس كان شخصية طاغية كنت مش مستحملاه في الأول”، الغريب
أن المنتج الذي كان يكبرها في العمر، والذي أشهر إسلامه من أجل الارتباط بها،
سرعان ما انفصل عنها عقب مجموعة من “العقبات”، لكن قرار النهاية جاء من
جانبه هو وليس من جانبها، حيث فوجئت بتليفون من محامي نجيب، يطلب منها أن ترسل
إليه من يتسلم ورقة طلاقها، مسألة أوجعتها للدرجة التي جعلتها تصرح لمجلة الموعد
عام 1965، عن الأمر قائلة: “بالرغم من كل المتاعب التي واجهناها معاً لم أفقد
الأمل في استئناف حياتنا الزوجية، ولكن ورقة الطلاق قتلت الأمل وأنهت القصة
الطويلة نهاية مؤلمة”.

عشرات الزيجات المعلنة والخفية 
تبدو كأمر طبيعي في حياة الفنانات، حيث تأتي الأسرة في المرتبة الأخيرة، أو لا
تأتي، حتى إن بعضهن كن يتخذن قراراً واضحاً بعدم الإنجاب تجنباً لخسارة رشاقتهن أو
الانشغال، فيما لجأت أخريات إلى المدارس الداخلية من أجل التفرغ للعمل.

لكن لبنى كانت تبحث عن ذلك الأمر
بالذات، عائلة تخصها، ورجل يحبها كنجمة أو كامرأة عادية، لتجد ضالتها أخيراً داخل
أروقة الإذاعة، حيث لم تتخل يوماً عن عملها في برنامج ركن الأطفال، رغم سطوع
نجمها، هناك كان الطبيب الشاب إسماعيل برادة، يمارس هوايته في تنسيق الموسيقى
والعزف في البرنامج الأوروبي.

لم تكن قصة حب بقدر ما كانت اتساقاً
شديداً في الاهتمامات والتفكير والثقافة، تحولت شيئاً فشيئاً لأمر أعمق وأعظم،
“اهتمامه بي ماكنش تمثيل، قلبي قالي مش تمثيل”، يدلل على ذلك استمرار
الزيجة لـ45 عاماً، لم تظهر خلالها في صورة إلا مبتسمة، وممسكة به بحميمية
وارتكان، لتنجب منه ابنتيها سارة ومريم.

حاولت لبنى الاستمرار في عملها حيث
لم يبد زوجها ممانعاً أو عائقاً، لكنها تراجعت بحسم حين تم القبض عليه من بيته بواسطة أمن
الدولة بسبب آراؤه السياسية،
مسألة لم تتصور لبنى تكرارها فاتخذا قرارهما معاً بالاستقرار في الولايات المتحدة
الأمريكية، أمر لم يكن سهلاً بأية حال على الممثلة الناجحة في أوج مجدها وشهرتها
أن تودع كل شيء لأجل حياة جديدة غامضة، بلا أضواء أو ثراء كالذي تركته خلفها في
مصر.

إذا أمكن اختزال شخص في صفة، فتلك
المرأة هي الزهد، مثلت 19 فيلماً على مدار 10 سنوات فقط هي إجمالي مسيرتها قبيل
السفر، في البداية حاولت التنسيق بين عملها وحياتها الأسرية، لكن خياراً واحداً
فقط كان متاحاً
“أنا وعدته إني أكون زوجته وأم ولاده وربة بيته، ومقدرتش أتخلى عنه، عشت أم
ومربية وكناسة وغسالة وطباخة ومكوجية وكل حاجة، ماحسيتش إن فني قل، أو إن حياتي
الأسرية قللت من اللي جواها” كان زوجها يفاجأ بها، حين يعود من عمله في بعض
الليالي، تقوم بتمثيل شخصية معينة من مسرحية لشكسبير “بحب التمثيل
للتمثيل”.

قبيل السفر كانت لبنى تضيق بشهرتها:
“مقدرش أقول إني مبسوطة، مقدرش أمشي في الشارع عادية مش متسرحة ومش متوضبة،
العيون عليا، مابخرجش أبداً لأني بحب أنزل براحتي”، كان هذا حقيقياً، فحسناء
برج الأسد، قوية الشخصية، صريحة ومبدعة، ذات حس فكاهي، لطالما اعتبرت نفسها
“ممثلة” وليست “نجمة”: “ماكنتش بهتم صوري تطلع، أحب
التمثيل 24 ساعة، لكن أكره أجري مع الصحفي دا والمذيع دا، بس كان غصب عني لازم
أطلع في الصحافة”.

كلما تحدثت وقعت أسيرة لتلك الطريقة
الملكية في الحديث، الكلمات المنتقاة، الجمل القصيرة، الثقة بالنفس، الملابس
المنمقة جداً، تاييرات وفساتين غاية في الأناقة والذوق والبساطة، ما تزال طريقة
تصفيف شعرها، جلستها، صوتها، كل ما يتعلق بها يخص «ليدي»، شعور أفتقده بشدة لدى
مئات الفنانات اللائي يطالعنني كل يوم على الشاشات يتبارين في الابتذال شكلاً
ومضموناً.. من بين أميرات جيلها اللائي رحلن واحدة تلو الأخرى بقيت هي، واثقة من
نفسها، تخطو بهدوء نحو ما تحب وتريد، دون ندم على ما فاتها أو خوف مما هو آتٍ.

«إنتي بتقولي محدش بيسأل عليكي،
الكلام دا صحيح» بفجاجة شديدة قام أحد الصحفيين بتوجيه السؤال الذي بدا أنه
ضايقها، لكنها صمتت لثانية قبل أن تبتسم وتسأله بمنتهى اللطف واصفة إياه بـ
«حضرتك» رداً على «إنتي»: «مش حضرتك صحفي؟ هل كل ما ينشر في الإعلام صحيح؟» ثم
راحت تروي قصة الجملة المغلوطة التي نسبت لها في عزاء الفنانة الراحة ماجدة
«الفنانة دلال عبدالعزيز كانت بتسألني ليه مش ظاهرة، فسألتها هو حد بيسأل عليّ؟»،
موضحة السياق الذي قيلت في جملتها.

على الرغم من عدم انتمائها لـ «شِلة»
بعينها في المجال الفني، فإنها لا تتأخر عن أية واجبات تخص زملاءها، فتجدها في
جنازات الأصدقاء والزملاء عمر الشريف، ماجدة، نادية لطفي، يوسف شريف رزق الله، أو
تكريم سميحة أيوب، وهو وجود ليس شكلياً على طريقة «أداء الواجب» بدا هذا واضحاً في
الحضن الطويل بينها وبين ابنة الراحلة «ماجدة».

«حياتي انتهت» قالتها عقب وفاة زوجها، حيث عادت لتدفنه في مصر، وتبقى إلى جواره ومن ثم استأنفت حياتها من جديد، بحسب ما تحب وتريد «معنديش دقيقة فاضية» قالتها رداً على ما أشيع عن قولها «محدش بيسأل عليّ».

لا تزال لبنى تعمل كمقدمة لبرنامج
أطفال بعنوان «ركن الطفل» بإذاعة البرنامج الأوروبي، حيث تتولى كتابة الاسكريبت
الخاص به، مؤكدة «أتعامل مع الطفل كشخصية ناضجة. أرتفع بتفكيره ولا أنزل إليه»، هي
أيضاً تكتب مقالاً أسبوعياً بالإنجليزية في «الأهرام ويكلي»، منذ 15 عاماً، وكانت
منذ سنوات تكتب مقالاً في جريدة الوفد، وهي الآن على اتفاق للبدء في عمل من كتابة
محمد سلماوي، لكن لم يتحدد حتى الآن موعد التنفيذ.

 تسكن لبنى عبدالعزيز بمنطقة
جاردن سيتي إلى جوار النيل، ربما كان الشيء الأكثر إزعاجاً لها في سنوات السفر
الطويلة هو بعدها عن ذلك الكيان “
سنة 2014 لما رجعت أكتر حاجة كانت وحشاني هو النيل”، لذا لا
يبدو غريباً أنها كانت صاحبة الاقتراح بشأن فيلم “عروس النيل” الذي تم تصويره عام 1963، حيث كانت متأثرة جداً بالتاريخ القديم،
“العالم كله متأثر بالتاريخ القديم أكثر منا، وأفلام كثيرة في هوليوود
وإنجلترا مغرمين بمصر وتاريخها وآثارها، دا خلاني أفكر نعمل حاجة، أنا وفطين
عبدالوهاب، طبخناها مع بعض”.

في تلك الفترة لم تكن فكرة «لعنة
الفراعنة» رائجة، لكنها خابرتها عن قرب طوال فترة تصوير الفيلم «طول فترة التصوير
كانت بتحصل حاجات غريبة، أنا عييت حوالي 3 شهور وأستوديو متأجر وقاعد ومستني
والدكتور أخيراً سمح لي أنزل وكانوا حاطين سرير في البلاتو بعد كل شوت أنام وآخد
حقن، محدش كان بيحس أنا قد إيه مرهقة وتعبانة في الفترة دي، الديكور يقع، المخرج
مراته تموت، كل يوم مصيبة، وأنا نايمة على السرير أقول مش ممكن لازم فيه لعنة،
لدرجة ختمت  بمسمار ضخم يخش في رجلي ودكتور يطلعه».

حالياً تشعر لبنى بالانزعاج الشديد
من منظر النيل “المراكب والأضواء والإزعاج، مش عاجبني اللي بيحصل، بسمع صراخ
النيل كأنه بيقول بتعملوا فيا كدا ليه، وأحياناً بتخيله يتكلم ويشكي عن اللي حصل
فيه منا”.

يبقى الأمر الأغرب بشأن لبنى عبدالعزيز هو رفضها التام لمشاهدة أعمالها، حتى اليوم لا تستطيع الفنانة القديرة أن تجلس بزهو أمام الشاشة لتشاهد ما أنتجته على مدار تاريخها، “مستحيل، مرة أخدوني غصب عني أشوف فيلم الوسادة الخالية، تعبت جداً وخرجت بسرعة من المكان ومكررتهاش تاني أبداً”.

“دايماً أحس إن مش دي القمة
بتاعتي، كان ممكن أقدم حاجة أفضل، كان لازم أكون أحسن، دائماً بيسيطر عليا شعور
إزاي أعمل حاجة وحشة بالشكل دا”، حالة من انعدام الشعور بقيمتها الذاتية
تجعلها طوال الوقت في محاولة لتقديم الأفضل لنفسها أولاً ولمحبيها دائماً.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى