الأرشيفكتاب وادباء

هذه أصنامكم التى صنعتموها بأيديكم

بقلم الباحث السياسى

 حاتم غريب

———————————

كنت أحسب أن العصر الجاهلى قد غادرنا الى غير رجعة بكل مافيه من جهل وظلم وظلام واستبداد والحاد وأننا انتقلنا الى القرن الحادى والعشرين حيث التطور العلمى والتكنولوجى والاقتصادى والسياسى والفكرى أيضا لكن يبدو ان هناك مجتمعات مازالت على عهدها بتلك المرحلة البائدة فى حياة البشرية والتى تمثل النموزج البدائى المتخلف حضاريا وانسانيا وخلقيا ودينيا فلم يكن أحد يتخيل أبدا أن الانسان الذى ميزه الله بالعقل والحكمة والمعرفة دون بقية خلقه يتنكر لربوبيته ويصنع صنما من الحجارة يعبده ويسجد له من دون الله وأحيانا يصنعه من العجوة فاذا جاع أكله حتى أشرقت الارض بنور النبوة والرسالة المحمدية ( الاسلام) ليخرج الناس من الظلمات الى النور ومن الظلم الى العدل ومن الاستعباد والذل الى الحرية والكرامة ومن الجهل الى العلم وان كانت هناك مجتمعات حتى وقتنا هذا ترضخ تحت مذلة القهر والاستبداد والاستعباد والجهل والفقر والمجتمع المصرى ليس ببعيد عن كل ذلك.

…………………………………………………..

الاسلام لم يعرف تفرقة بين بنى البشر واضحة وجلية الا فى التقوى والعمل الصالح وهى تفرقة عادلة تميز بين بنى البشر باخلاقهم وعملهم وعلمهم وقدرتهم على التعامل والتعايش مع بعضهم البعض لكنه أبدا لم يضع تصنيفا او مفاضلة تحقر من شأن الانسان كأن ندعى للبعض السيادة والبعض العبودية (اسياد وعبيد ) فكل منا سيدا على نفسه عبدا لله وحده لا لغيره لكن مانراه الان يعد خروجا عن القيم الانسانية والاخلاقية التى وضعها الله فى الانسان وجعله بها سيدا على الارض وسائر الكائنات الاخرى حيث قامت فئة مارقة فى مجتمعنا باعادة صناعة الاصنام من جديد متمثلة فى فئات اخرى من المجتمع من المفترض انها تعمل على خدمته ورعايته وتوفير سبل الراحة والرخاء له مثل من يقومون على حراسة الوطن ارضا وشعبا ( الجيش ) او من يقومون على منع الجريمة واعادة تقويم الخارجين على القانون وحماية المواطنين من شرهم وبطشهم ( الشرطة ) او من يعملون على ارساء قواعد العدل والمساواة واعطاء كل ذى حق حقه ( القضاء ) أو من يقومون على نشر الوعى و المعرفة وايضاح الامور المبهمة والغامضة عن الناس حتى يكونوا على درجة من الوعى والادراك بامور دينهم ودنياهم ( الاعلام ).

………………………………………………….

لكن الظاهر انه قد حدثت ردة اخلاقية عادت بمجتمعنا الى الوراء مئات بل اّلاف السنين وهذه المرة عودة أكثر تخلفا وانحطاطا وانحدارا الى أسفل سافلين وأضفينا القداسة على من لايستحق من بنى البشر ونصبناهم ملوكا واسيادا علينا ورضينا وأقصد هنا البعض منا مهما بلغ عددهم ان يكونوا عبيدا صاغرين يمجدون اسيادهم وينحنون امامهم راكعين وساجدين ويطفون حول قصورهم كعبتهم التى يحجون اليها مقدمين فروض الطاعة والولاء حتى بلغ الزهو والكبرياء والتعالى والغطرسة مبلغه بتلك الفئة المسيدة من قبل هؤلاء العبيد فبغوا وطغوا فى الارض ومارسوا على هؤلاء العبيد شتى انواع العذاب والمعاناة والقهر والذل والجهل والفقر والمرض وهم لهم طائعين.

…………………………………………………..

ما أعلمه ويعلمه الكثيرين غيرى من وهبهم الله نعمة العقل ونور البصيرة ان تلك الفئات المقدسة لدى فئة من شعبنا ماهى الا كغيرها من فئات الشعب الاخرى ولها دور تقوم به وتتقاضى عنه اجرا اضافة الى وازع الضمير الوطنى ان صح القول مايدفعها للحفاظ على كيان الوطن ارضا وشعبا ولايجب التفرقة اطلاقا بينها وبين الاخرين فما هم الا خدام للوطن وعليهم ان يؤدوا عملهم المنوط بهم باتقان واخلاص والا عدوا فى مصاف الخائنين لمن وكلهم بتحمل تلك الامانة والمسؤلية الملقاة على عاتقهم فليس من حقهم ابدا ان ينصبوا انفسهم اسيادا على هذا الشعب او يتعالون عليه وهم الذين يحصلون على اجرهم من ماله وعرقه وكده كى يكونوا له عونا وسندا فى الشدائد والمظالم سواء من السلطة الحاكمة او المجرمين الخارجين عن القانون وعن شرع الله وان كان الواقع الفعلى الذى نعيشه ينطق بعكس ذلك تماما فهم اصناما تدور فى فلك صنمهم الاكبر الحاكم المستبد السلطوى الذى يجمع بين يديه كل مقاليد السلطة والتسلط فهو الرئيس وهو القاضى وهو العسكرى وهو الشرطى وهو الصحفى وهو رجل الدين بل هو الدولة والدولة هو ،هذا الناقص المنقوص الذى مهما علا من قدره فقد خلق من ماء مهين وستنتهى حياته يوما ويوارى الثرى ويكون طعاما شهيا للدود ولن يبقى من أثره شيئا هذا الحقير الدنىء الذى جعلوا منه نبيا تارة وصحابيا تارة ومبعوثا للعناية الالهية تارة اخرى.

……………………………………………..

اّن الاوان لهؤلاء ان يدركوا الحقيقة جيدا ويعلموا ان يسيرون فى طريق الضلال والاضلال وان يعلنوا امام الله والشرفاء الاحرار من بنى وطنهم انهم كانوا خاطئين فى تقديرهم وحسابتهم للامور وان من يضفون عليهم المهابة والقداسة ماهم الا بشر مثلهم يصيبون ويخطئون يتزوجون ويطلقون يأكلون ويخرجون مافى بطونهم فضلات كريهة الرائحة يصحون ويمرضون يحيون ويموتون .. فحطموا أصناكم قبل تحطمكم هى.

……

حاتم غريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى