تقارير وملفات إضافية

هل بدأت الانفراجة في لبنان؟ أمريكا تعرض استثناءات لقانون قيصر، وتحركات عربية لدعم الاقتصاد، والسعودية مستاءة

تحركات أمريكية فرنسية وأخرى خليجية بدأت تظهر بشكل إيجابي على الساحة اللبنانية من أجل دعم الاقتصاد والعملة، وسط أزمة غير مسبوقة تعيشها البلاد منذ أشهر.

ورغم حالة التباعد السياسي بين لبنان والدول الخليجية من جهة، وبين لبنان والدولة الغربية وخصوصاً الولايات المتحدة وفرنسا نتيجة سيطرة حزب الله وحلفائه على المشهد، فإنه يبدو أن الأزمة الاقتصادية جعلت الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة تُبدي بعض المرونة خلال الأيام الماضية.

وذكر مصدر دبلوماسي لبناني – فضل عدم الكشف عن اسمه – في تصريحات لـ “عربي بوست”، أنّ تغيرات إيجابية طرأت على الموقف الأمريكي والأوروبي تجاه التطورات الجارية في لبنان، في ضوء الأزمة السياسية والمالية والاقتصادية والمعيشية المتفاقمة.

وأشار إلى أن هذا التغير يثير التساؤلات نتيجة وضوحه الشديد، فيما لا زال التصعيد بين واشنطن وطهران على أشده.

ويبدو هذا التغير الإيجابي جلياً من خلال إطلاق سراح رجل الأعمال اللبناني قاسم تاج الدين، المتهم بأنه أحد أبرز ممولي حزب الله، والذي قيل إنه جاء مقابل إطلاق سراح عمر الفاخوري، الأمريكي اللبناني المتهم في لبنان بارتكاب جرائم حرب وتعذيب خلال فترة الغزو الإسرائيلي لجنوب لبنان.

وكانت واشنطن مارست ضغوطاً على لبنان لإطلاق سراح الفاخوري، في ضوء التصعيد المتفاقم بين الولايات المتحدة الأمريكية وخصومها في لبنان والمنطقة، وخصوصاً إيران وحزب الله.

ومن دلالات التغير الإيجابي زيارة قائد المنطقة المركزية الوسطى للجيش الأمريكي الجنرال كينيث ماكينزي للبنان قبل أيام، وتأكيده على أهمية الحفاظ على أمن لبنان واستقراره وسيادته، وتشديده على الشراكة القوية بين الولايات المتحدة الأمريكية والجيش اللبناني والأجهزة الأمنية والعسكرية.

وكذلك من خلال موقف لوزير الخارجية مايك بومبيو، غداة زيارة ماكينزي، بأنّ الولايات المتحدة الأمريكية ستساعد لبنان للخروج من الأزمة، ولا تقبل بأن يتحول إلى دولة تابعة لإيران.

المصدر الدبلوماسي أشار أيضاً إلى تجاوز لبنان والإدارة الأمريكية الأزمة الدبلوماسية التي حصلت بينهما، نتيجة القرار القضائي في شأن تصريحات السفيرة الأمريكية دوروثي شيا.

السفيرة بعد استدعائها إلى الخارجية اللبنانية وحديثها عن تجاوز الأزمة، باشرت جولة على المسؤولين اللبنانيين بدأت برئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، واستمرت للقاء رئيس الحكومة حسان دياب في السراي الحكومي لأول مرة على مائدة غداء في جلسة وصفت بالإيجابية، حيث أبدت استعداد بلادها للبحث في منح لبنان استثناءات من قانون قيصر ضد سوريا.

وكذلك الاستعداد لاستئناف الوساطة الأمريكية في شأن ترسيم الحدود البرية والبحرية وتسوية النزاع اللبناني – الإسرائيلي حول الحدود البحرية، وخصوصاً المنطقة المتنازع عليها، والتي يتهم لبنان إسرائيل بقرصنتها، وذلك في ضوء قرار إسرائيل الأخير بالتنقيب عن النفط والغاز فيها.

وكشفت مصادر حكومية مطلعة لـ”عربي بوست” عن لقاء عُقد في باريس بين دبلوماسيين أجانب ضم ممثلين عن الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا ناقش تطورات المشهد اللبناني وكيفية مساعدة لبنان للخروج من الأزمة.

يأتي هذا في وقت أطلق فيه البطريرك الماروني في لبنان مار بشارة بطرس الراعي مواقف دعا خلالها لحياد لبنان وتجنيبه حروباً إقليمية ليس له فيها ناقة ولا جمل.

وتركز اجتماع باريس حول التسليم بأن إزاحة حكومة دياب لن يزيد حزب الله سوى تمسكاً بقرار السيطرة على الدولة، لذا فإن إنقاذ لبنان من محنته يكمن في السماح له بالتنفس ودعم مقنن لإجراءات الإصلاح في قطاعات الدولة كالكهرباء والاتصالات والتي ستوفر على الخزينة اللبنانية على المدى الاستراتيجي مليارات الدولارات.

لكن وبحسب المصادر، فإن عوامل كثيرة في المنطقة قد تكون دفعت الأمريكيين إلى تهدئة اللعب في الساحة اللبنانية، منها عودة العمليات العسكرية ضد القوات الأمريكية في العراق، والإشارات والتسريبات التي توحي بأن هذه العمليات ستشمل الشرق السوري أيضاً.

ويرى محللون لبنانيون أنه ربما كان لا بدّ من إبعاد أي احتمال لحدوث توترات عند الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة، حيث يسعى “حزب الله” إلى تأخير العمل بخياراته التي أعلن عنها أو لمّح إليها، إلى حين انتهاء الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

قد يكون التحرك الأمريكي المستجد، وبالرغم من الإرباك الذي أحدثه داخل لبنان، قد فتح إمكانية جدية للصمود إلى الانتخابات الرئاسية اللبنانية القادمة. هذا إذا بقيت واشنطن على استراتيجيتها الحالية ولم تعد لأي سبب من الأسباب إلى الضغوط الكبرى.

وأمام هذه الإيجابية الغربية تبدو مواقف عربية تتوافق مع هذا المسار الغربي. هذه الإيجابية تبلورت عبر زيارة قام بها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة والمدير العام للأمن اللواء عباس إبراهيم لدولة قطر، حيث تتحدث مصادر خاصة عن أن الوفد أطلع القيادة القطرية على حاجة لبنان لمساعدة أشقائه للخروج من الأزمة.

وهذه الزيارة وبحسب المصادر التي تحدثت لـ”عربي بوست” ستتبلور إيجابياً بزيارة مرتقبة لوزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن، الذي سيحط رحاله في بيروت بالتزامن مع زيارة مرتقبة لوزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، والذي سيبحث مع المسؤولين اللبنانيين الأطر الإصلاحية لمساعدة لبنان في ظل الأزمة الراهنة، فيما أكمل اللواء عباس إبراهيم جولته كمبعوث رئاسي نحو الكويت.

وأكدت مصادر خاصة لـ”عربي بوست” أن إبراهيم ناقش مع الجهات الرسمية في الكويت عقد شراء الوقود بتسهيلات للحكومة اللبنانية، بينما كان البند الثاني للزيارة هو مشروع تقديم نحو 500 مليون دولار قروض سكن للبنانيين مدعومة بلا فوائد، فيما البند الثالث عودة السائحين الكويتيين إلى لبنان.

وأفاد المصدر بأنّ المسؤولين الكويتيين وإن كانوا شددوا على موقفهم المبدئي والأخوي الداعم لاستقرار لبنان والمؤكد على تعزيز مظلة الأمان العربية والدولية ولدور الجيش اللبناني في تكريس هذا الاستقرار، لكنهم في الشق المتعلق بالأزمة الاقتصادية ركزوا على نقطتين أساسيتين، الأولى تتمحور حول وجوب الإسراع في إجراء إصلاحات جدية، والنقطة الثانية تشدد على أهمية اعتماد سياسة الحياد لحماية لبنان.

ووعد المسؤولون الكويتيون بأن الكويت ستتحرك دبلوماسياً لمساعدة لبنان وتعزيز الخيارات التي تؤدي إلى خروجه من أزمته، ويأتي في سياق ذلك لقاء المسؤولين الكويتيين وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان يوم الخميس القادم.

وأكد الجانب الكويتي أن موضوع لبنان سيكون من ضمن مواضيع أجندة المحادثات معه، ولاسيما ضرورة مساعدة لبنان، وعدم التخلي عنه وتفعيل مقررات مؤتمر سيدر الذي أقيم عام 2018 لدعم لبنان، والذي تشترط الجهات المانحة إجراء إصلاحات مقابل تمرير الدعم.

فيما يستمر الجو الإيجابي ليمتد إلى العراق، حيث كشف أن اتصالاً حصل أمس بين رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي واللواء إبراهيم وتم الاتفاق على الإعداد لزيارة وزارية لبنانية إلى العراق قد يرأسها رئيس الحكومة حسان دياب، حيث يسعى لبنان لشراء النفط من العراق بالإضافة لمواد خام أخرى قد يسهل العراق بيعها للبنان عبر سوريا.

وفي ظل الأجواء الإيجابية، التي انعكست من خلال انخفاض سعر صرف الدولار مقابل الليرة والتي وصلت لـ1000 ليرة مقابل الدولار، إلى وصول الدولار لـ5800 ليرة حالياً، لكن تبدو الرياض ممتعضة من سير الأمور باتجاه تثبيت حكومة دياب والتي لم تستقبل الرياض رئيسها حتى الآن بعد أن أضحت زيارة أي رئيس حكومة للسعودية بروتوكولاً سارياً منذ عقدين.

وكانت الرياض وأبوظبي عبر سفيريهما في لبنان يقومان بجولة هدفها تشكيل جبهة معارضة لحزب الله تضم الحريري ووليد جنبلاط وسمير جعجع، لكنها اصطدمت بموقف الحريري الثابت بأنه لا يريد فتح معركة مع حزب الله، وأن الأولوية هي تمرير خيارات تحافظ على السلم الأهلي.

فيما تركز أبوظبي على توجيه سهامها وإعلامها للهجوم على تركيا من لبنان.

وسارعت مصر عبر سفيرها بتقديم رسالة لرئيس الجمهورية ميشال عون من نظيره المصري عبدالفتاح السيسي تحمل تمنيات بخروج لبنان من أزمته وتطلب من لبنان موقفاً مؤيداً للقاهرة في معركتها في ليبيا إلى جانب خليفة حفتر عبر إدانة الوجود التركي، بالإضافة لموقف لبناني داعم لمصر في ملف سد النهضة مقابل أن تساعد مصر لبنان بترطيب علاقاته مع أشقائه الخليجيين.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى