تقارير وملفات إضافية

هل تشهد تونس انقلاباً دستورياً؟ أزمة الحكومة تكشف كواليس الصراع الخفي بين النهضة والرئيس

«انتخابات مبكرة أم انقلاب دستوري»، دخلت مشاورات تشكيل الحكومة التونسية مرحلة حرجة، بعد الرصاصات التحذيرية التي أطلقتها حركة النهضة في آخر اجتماع لمجلس الشورى الخاص بها.

ولوَّحت النهضة خلال الاجتماع، بالدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة، بسبب خيارات رئيس الحكومة المكلف من قِبل رئيس الجمهورية، وهو ما أعطى انطباعاً بوجود صراع خفي بين حركة النهضة وقيس سعيّد. 

حركة النهضة، الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية، والذي فشل في تمرير حكومة الحبيب الجملي في البرلمان، دعت إلى ضرورة إشراك حزب قلب تونس في مشاورات تشكيل الحكومة، التي يجب أن تكون -وفق تعبيرها- حكومة وحدة وطنية، ولوَّحت بسيناريو الانتخابات التشريعية المبكرة حين دعت هياكل الحركة إلى التهيؤ لهذه الفرضية، التي يبدو أن الحركة لا تستبعدها.

تحذيرات حركة النهضة تأتي ردّاً على خيارات رئيس الحكومة المكلف من قِبل رئيس الجمهورية قيس سعيّد، في تشكيل حكومته، حيث استبعد إلياس الفخفاخ حزب قلب تونس من المشاورات، مؤكداً أن حكومته ستكون مدعومة بحزام سياسي ذي نفَس ثوري، وبأن تشكيلها سيستند إلى شرعية رئيس الجمهورية والانتخابات الرئاسية التي منحته فوزاً ساحقاً. 

وفي سياق متصل يشير النائب عن حركة النهضة في البرلمان سيد الفرجاني، لـ «عربي بوست»، إلى أن الحركة تعتقد أن تأكيد رئيس الحكومة المكلف، إلياس الفخفاخ، أنه سيستند في تشكيل حكومته إلى شرعية الانتخابات الرئاسية محاولةٌ للانقلاب على نتائج الانتخابات التشريعية التي فازت فيها النهضة.

وأضاف الفرجاني: «ما نخشاه هو تكرار سيناريو الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، الذي تحوَّل في وقت ما إلى الحاكم بأمره، من خلال سيطرته على رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية».

وتابع قائلاً: «انتهت مهام رئيس الجمهورية في تشكيل الحكومة دستورياً بتكليفه شخصية  الفخفاخ تولي تشكيل الحكومة. يجب أن يعي الجميع أننا في نظام شبه برلماني، البرلمان فيه هو السلطة الأقوى التي يجب احترامها.

على رئيس الحكومة المكلف أن يتعاطى مع البرلمان بكل مكوناته وهو الذي سيصوت على منحه الثقة. لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتحول رئيس الحكومة إلى موظف لدى رئيس الجمهورية».

تأكيد حركة النهضة أنها جاهزة لسيناريو الانتخابات التشريعية المبكرة، في آخر بياناتها، إثر اجتماع مجلس شورى الحركة، فتح باب التأويلات حول الطريقة التي يمكن أن تتعاطى بها النهضة مع حكومة الفخفاخ والحدود القصوى التي يمكن الذهاب إليها في هذا الاتجاه، ومن بينها إمكانية اللجوء إلى الفصل 97 من الدستور والذي يمنح البرلمان أحقية سحب الثقة من رئيس الحكومة المكلف.

غير أن القيادي في حركة النهضة عبداللطيف المكي أوضح لـ «عربي بوست»، أن الذهاب في هذا الاتجاه يبدو مستبعداً إن لم يكن مستحيلاً بالنسبة للنهضة، التي تسعى للتفاعل الإيجابي مع الحكومة ولتمريرها في البرلمان؛ لتجاوز حالة الفراغ.

وأضاف المكي أن ما يوصف بالصراع بين حركة النهضة ورئيس الجمهورية غير موجود على أرض الواقع، غير أن ما يحصل الآن هو تكتيكات المفاوضات السياسية التي تسبق تشكيل أي حكومة والتي تحاول فيها كل الأطراف الخروج بأكثر نقاط لفائدتها.

فتح تأكيد رئيس الحكومة المكلف إلياس الفخفاخ، أنه سيستند في تشكيل حكومته إلى الشرعية الثورية والشعبية لرئيس الجمهورية، باب التأويل حول إمكانية أن يكون تكليف الفخفاخ مقدمة من رئيس الجمهورية لتوسيع سيطرته وصلاحياته من  قرطاج (الرئاسة) إلى القصبة (الحكومة)، واستغلال شعبيته لتعديل الدستور؛ لمنح رئيس الجمهورية صلاحيات أكبر، خصوصاً أن قيس سعيّد من بين أكثر المنتقدين للنظام السياسي الحالي، ولفشل الأحزاب في الخروج بالبلاد من الأزمات التي تعيشها.

خيار -وإن ثبتت صحته- سيجد معارضة قوية من عدد من الأحزاب، خاصةً حركة النهضة، التي ترى في تعديل الدستور والقانون الانتخابي خطراً على مستقبلها السياسي ونفوذها في الحكم، الذي ضمنه البرلمان منذ ثورة يناير/كانون الثاني 2014.

وفي هذا السياق يقول المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي لـ «عربي بوست»، إنه ليس من مصلحة قيس سعيّد أن يدخل في صراع مع حركة النهضة أو أن يخالف الدستور وهو رجل قانون وأستاذ قانون دستوري.

وقال: «إن إصرار النهضة على إشراك قلب تونس جدّيٌّ، لأن الحركة لن تنسى ما فعلته حركة الشعب والتيار الديمقراطي معها في أثناء المشاورات والتصويت على حكومة الجملي، لأن إشراك قلب تونس سيعطي النهضة نوعاً من التوازن، حتى لا تكون رهينة مرة أخرى للحزبين».

أما فيما يتعلق بتأكيد رئيس الحكومة المكلف أن الحكومة المقبلة ستكون تجسيداً للشعبية الكبيرة التي منحت قيس سعيد، الأفضلية للفوز بالانتخابات الرئاسية، فهو خطأ وسوء تقدير من إلياس الفخفاخ لا غير، لأن رئيس الجمهورية أنكر مراراً علاقته بمقترح حكومة الرئيس، الذي سيجعله المسؤول الأول عن فشل الحكومة.

كما يؤكد المحلل السياسي علي القاسمي، لـ «عربي بوست» أن «مبادرات سعيّد ما زالت في إطار صلاحياته الدستورية، والحديث عن خلافه مع حركة النهضة موقف انطباعي، خاصة لدى الحركة التي كانت تبحث عن السيطرة على مقاليد السلطتين التنفيذية والتشريعية»، لافتاً إلى أن دعوة النهضة إلى التصويت لقيس سعيّد خلال الانتخابات الرئاسية كانت لضمان الانسجام بين السلطتين.

وأضاف القاسمي: «النهضة تريد الآن أن تردَّ الفعل وتثبت أنها رقم صعب في المعادلة السياسية، خاصة بعد أن شعرت بأنها خُذلت في حكومة الجملي».

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى