رياضة

مخترع «التيكي تاكا» الحقيقي مدرب إسباني كان يتجسس لصالح النازيين

إذا كنت واحداً من ملايين المبهورين بخطة التيكي تاكا الشهيرة التي طبقها فريق برشلونة في عصره الذهبي مع المدرب الشاب وقتها، بيب غوارديولا واكتسح بها البطولات المحلية في إسبانيا، وكذلك البطولات الأوروبية، فعليك أن تسمع هذه القصة لعلها تغير رأيك.

وفقاً لتقرير نشرته صحيفة Ara اليومية الكتالونية، فإن أول من ابتكر الملامح الأولى لخطة التيكي تاكا، وهي الاحتفاظ بالكرة لأطول فترة ممكنة مع التمرير الأرضي السريع من لمسة واحدة بين لاعبي الفريق الواحد، هو المدرب الإسباني خوان جوميز دي ليكوب، الذي عمل جاسوساً لصالح الألمان خلال الحرب العالمية الثانية، واعتقل بسبب ذلك، ما أدى لاعتزاله كرة القدم في عز تألقه، وتحول إلى التدريب.

فلسفته التدريبية لخّصها فرانسيسكو ماس، وهو لاعب سابق في نادي كوندال الذي تولى ليكوب تدريبه لفترة، فقال إن طريقته «تشبه الطريقة التي اتبعها نادي برشلونة بعد سنوات».

لم يكن ماس الوحيد الذي ذكر هذا التشابه. إذ يقول رافاييل ويرث: «بعد التمريرات لم نكن نترك الكرة ترتفع كثيراً، وكنا نلعب مع أول لمسة للكرة، وهو ما فعله كرويف وغوارديولا في المستقبل»، وهو ما دفع ويرث للقول إن ليكوب «كان سابقاً لعصره، فقد كان يفهم كرة القدم بطريقة متطورة، وحاول دائماً تطبيقها كما كان يفهمها». 

وبحسب ما قالته صحيفة La Mañana في عام 1952، كان ليكوب يتمتع بوصفه مدرباً ببعض المهارات الاستخباراتية النادرة التي أعطته القدرة على النجاح في أرض الملعب، وساعدته قبل سنوات في البقاء على قيد الحياة، عندما كان أسير حرب خلال سنوات الحرب العالمية الثانية.

ولد ليكوب في 12 مايو/أيار عام 1902، وكان يلعب في دوري الدرجة الأولى في أتلتيكو مدريد في عشرينيات القرن الماضي، لكنه بجانب ذلك كان جاسوساً في ألمانيا، يعمل لصالح أدولف هتلر. ولم يكن جاسوساً عادياً.

كانت المهمة الموكلة إلى ليكوب هي التجسس على قوة وتسليح قوات الحلفاء وهي تعبر قناة بنما، التي تُعدّ نقطة التقاء المحيط الأطلسي مع المحيط الهادئ، وهو موقع ذو أهمية استراتيجية كبيرة.

وأكمل ليكوب مهمته إلى أن سقط في أيدي الحلفاء، ففي الأول من يونيو/حزيران 1942، غادر ليكوب ميناء برشلونة في سفينة متجهة إلى فنزويلا، التي كان يتعين عليه دخول القارة الأمريكية من خلالها. لكن مهمّته لم تكتمل، إذ أُلقي القبض عليه قبل أن يبلغ وجهته.

وبعد 21 يوماً من إبحاره من برشلونة، توقفت السفينة في جزيرة ترينيداد، حيث أجبرت بريطانيا جميع السفن الإسبانية المتجهة إلى القارة الأمريكية على التوقف في تلك الجزيرة التي كانت مستعمرة بريطانية في البحر الكاريبي، وعندما وصل ليكوب كانوا ينتظرونه بالفعل، وأنزلوه من السفينة وألقوا القبض عليه. 

الرسائل المشفّرة

كما هو الحال مع العديد من الجواسيس الألمان الآخرين خلال الحرب، تمكن البريطانيون من القبض عليه بعد اعتراض الرسائل الألمانية المشفرة في حديقة بلتشلي، التي تقع على بعد 85 كم شمال لندن. ويُذكر أن هذه الحديقة تُعدُّ اليوم متحفاً يذكرنا بهذه الأنشطة الاستخباراتية.

ويؤكد ديفيد كينيون، المؤرخ العسكري في حديقة بلتشلي، على أن الرسائل التي سمحت بالقبض على ليكوب كانت مشفّرة باستخدام آلة إنجما الشهيرة. ويقول: «كان هناك 90 شخصاً يعملون على هذه الآلة، وكانت تعترض حوالي 300 رسالة ألمانية كل يوم».

كان ليكوب معروفاً لدى الألمان بالاسم الرمزي Espina (الشوكة بالإسبانية). بدأ البريطانيون في اعتراض الرسائل التي تحمل هذا الاسم في خريف عام 1941. وفي ذلك الوقت، كان عملاء المخابرات النازية في برشلونة يدربون ليكوب على مهمته.

أمر وزير داخلية تشرشل بنقله من ترينيداد إلى المملكة المتحدة لاستجوابه، وفي أكتوبر/تشرين الأول عام 1942، أُرسل إلى المعسكر 020 السري في جنوب غرب لندن.

أثناء اعتقاله، كتب العديد من الرسائل التي يطالب فيها بإطلاق سراحه وأرسلها إلى وزير الداخلية البريطاني والسفير الإسباني في لندن، وحتى إلى الملك جورج السادس والد الملكة إليزابيث.

وقال ليكوب إنه عومل «معاملةً قاسيةً غير إنسانية، كما لو كان وحشاً ضارياً»، وإنه تعرض «لجميع أنواع الإهانات وسوء المعاملة والإذلال». وأضاف أن رقيباً وثلاثة حراس اعتدوا عليه بشدة. ومع ذلك لم ينجح أي شيء أو أي شخص في الحصول على اعترافٍ من ليكوب بتورطه المباشر مع النازيين.

الغريب أنه عندما سقط في أيدي البريطانيين، كان ليكوب مشهوراً بالفعل في عالم كرة القدم. فكان قد لعب مع أتلتيكو مدريد في دوري الدرجة الأولى بين عامي 1928 و1930، وكان الجناح الأيمن في النادي في أول يوم في تاريخ الدوري الإسباني، في فبراير/شباط 1929.

وقبل ذلك، لعب أيضاً في نادي خيمناستيكا توريلافيغا بين عامي 1922 و1927، ثم انتقل إلى سيلتافيغو من عام 1927 إلى عام 1928، إضافة إلى أنه كان يستعد في موسم 1932-1933 للاختبار للالتحاق ببرشلونة، الذي كان جاك غرينويل يدرّبه آنذاك، لكنه لم يلتحق به.

قبعة بوغارت

بعد إطلاق سراحه في نهاية الحرب العالمية الثانية تم ترحيله إلى إسبانيا، حيث عاد ليكوب إلى كرة القدم واستبدل عصابة الرأس التي كان يرتديها في الملعب بقبعة، على طريقة همفري بوغارت في فيلم Casablanca.

وطوال مسيرته المهنية على مقعد المدير الفني، كان هناك عاملان ثابتان: أفكاره المبتكرة في اللعب، وعدم استمراره طويلاً في الأندية، وذلك بسبب النتائج وشخصيته المتجهمة التي سببت صراعات مع مديري النوادي.

كان ليدا أول فريق ذائع الصيت في مسيرته التدريبية، وكان قد هبط للتو من الدرجة الأولى في صيف عام 1951. 

وقالت عنه الصحافة في مدينة ليدا في ذلك الوقت: «ليكوب هو واحد من أبرز المدربين في تاريخ كرة القدم الإسبانية الذين أدركو  أسرار أساليب اللعب الحديثة».

ويقول عنه ماريو دوران، اللاعب السابق في برشلونة: «كان يعرف الكثير عن كرة القدم، وكان أحد المدربين الأوائل الذين كانوا يحسبون بدقة رياضية ويطبقون استراتيجية التكتيك في كرة القدم».

ومع ذلك، يشير دوران إلى أنه «لم يكن هناك الكثير ممن يفهمون الاستراتيجية الرياضية، ولم يستوعب مجلس إدارة النادي ما يعنيه ذلك».

اللاعب الآخر الذي يتذكره هو جوليان لوبيز، والد سيرجي وجولي وجيرارد لوبيز، الذين لعبوا لاحقاً مع الفريق الأول لبرشلونة، فيقول «لم يكن محظوظاً لأن النتائج لم تحالفه».

رحل ليكوب في 1 مايو/أيّار 1966. ولكن سواء كانت شخصيته أو حظه هما ما ساعداه في مراوغة المخابرات البريطانية، فيبدو أن كلاهما كان سبباً في حرمانه فيما بعد من أن نتذكر إرثه التدريبي. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى