تقارير وملفات إضافية

القاعدة قد تستغل مقتل البغدادي لتعود إلى الواجهة، لكن الهجمات الانتقامية وخلافة داعش أبرز التداعيات

مقتل زعيم تنظيم داعش أبوبكر البغدادي لا يزال الحدث الأبرز عالمياً وتتعدد التحليلات بشأن تأثير غيابه عن قيادة التنظيم الأكثر دموية وإثارة للرعب حول العالم، فهل تكون خلافته أمراً محسوماً أم أن هناك خلافات قد تعصف بالتنظيم وكيف يمكن أن يستفيد تنظيم القاعدة من غياب البغدادي؟

شبكة سي إن إن الأمريكية نشرت تحليلاً مطولاً عن تداعيات مقتل البغدادي بعنوان: «تحليل: موت البغدادي يترك داعش دون خلف واضح له في قيادة التنظيم»، أعده بول كرشانك، محلل شؤون مكافحة الإرهاب في CNN، ورئيس تحرير CTC Sentinel، الدورية الرئيسة التي يصدرها «مركز مكافحة الإرهاب» التابع لأكاديمية ويست بوينت.

تُمثّل عملية قتل زعيم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أبو بكر البغدادي في غارة أمريكية في شمال غرب سوريا ليلة السبت ضربةً كبيرة للتنظيم الإرهابي.

ومع أنّ التنظيم قد يكون لديه خطة للخلافة، فإن المرجح ألا تكون معروفة سوى لعدد قليل جداً من كبار قادة التنظيم. ولم يسبق أن أشارت الجماعة علناً إلى من قد يتولى المهمة، وهو ما يعني أن أياً كان من سيخلف البغدادي، فقد يواجه اعترافاً أقل بكثير به بين الجهاديين في جميع أنحاء العالم. وهذا قد يكون عائقاً ستواجهه داعش إذا أرادت الحفاظ على قدرتها على الإلهام والتأثير في الإرهاب العالمي.

أبطلت الولايات المتحدة، من خلال إبعادها البغدادي عن ميدان المعركة، التهديد الخطر الذي كان يمثله رجل جمع بين القسوة والمهارة العالية في إدارة منظمة إرهابية تعمل تحت الأرض. إذ بعد أن تولى القيادة في عام 2010 لما كان يعرف آنذاك باسم «دولة العراق الإسلامية»، أعاد البغدادي بناء المجموعة التي كانت لديه لتصبح قوة كبيرة سيطرت بعد بضع سنوات فقط على مناطق شاسعة من سوريا والعراق.

وقال الرئيس دونالد ترامب، خلال إعلانه عن مقتل البغدادي، إنه كان «الزعيم الإرهابي الأول في العالم». غير أنه لداعش ولعشرات الآلاف من أتباع التنظيم في جميع أنحاء العالم، كان أكثر من ذلك بكثير. وكان البغدادي منذ قدّمه التنظيم علناً بوصفه «خليفةً» في جامع النوري الكبير في الموصل في يوليو/تموز 2014، يعتبره أتباعه الزعيم السياسي والروحي الأعلى لجميع المسلمين في جميع أنحاء العالم.

من وجهة النظر الجهادية، كانت شرعية مشروع خلافة داعش بأكمله تستند إلى فكرة أن البغدادي كان «خليفة» حقيقياً (حاكماً شرعياً لجميع المسلمين). وفي حين لم يُجمع الجهاديون كلهم على القبول بهذا الأمر وأولهم تنظيم القاعدة الذي عارض هذه الدعوى بشدة، فإن هناك عشرات الآلاف من المتطرفين الجهاديين أصبحوا يرون في البغدادي خليفة يحكم بأمر الله على كل الأرض.

أتاحت المكانة التي وصل إليها البغدادي له فرضَ سلطة تكاد تكون مطلقة على كل جانب يتعلق بحياة وموت أولئك الذين يعيشون في المناطق التي سيطرت عليها داعش في سوريا والعراق. وحتى بعد أن فقد التنظيم كل الأراضي التي كان يسيطر عليها في الإقليم، ظل بقاؤه على قيد الحياة محافظاً على نار التنظيم مشتعلة عند أتباع داعش. فعلى سبيل المثال، أعلنت المجموعة المتطرفة التي شنّت عدة هجمات عنيفة على كنائس وفنادق في سريلانكا في عيد الفصح الماضي، بيعتها وولاءها له.

كان الوضع المهيمن للبغدادي نقطة الضعف الكبرى للتنظيم في بعض النواحي. إذ يقول إدموند فيتون براون، منسق فريق المراقبة التابع للأمم المتحدة والمختص بمتابعة داعش وتنظيمات إرهابية غيرها، إن «التقييمات التي توصلت إليها وكالات دول أعضاء [هي] أن مقتله سيكون ضربة كبيرة لتماسك التنظيم ومستقبله.. إذ لا يريد تنظيم مثل هذا أن يكون لديه نقطة ضعف واحدة. لكن إذا كان لديك قائد واحد، ومقتل هذا القائد سيكون له تأثير مدمر في قدرات المجموعة، فإن هذا يعني أنه كان ثمة خطأ يعود إلى طبيعة تركيب التنظيم ذاته منذ البداية، أليس كذلك؟ لكن على أي حالٍ، ما قيل لنا، هو أن معنويات تنظيم داعش، واستراتيجيته إلى حد ما، وتماسكه الإيديولوجي، كانت متمثلة إلى حد كبير في قيادة البغدادي نفسه للتنظيم».

هناك مشكلة أخرى لداعش في عملية تسمية التنظيم لخليفة جديد. إذ يعتقد على نطاق واسع بين الجهاديين أن «الخليفة» يتعين أن يكون لديه أمارات وسمات معينة لتصديقه. أحد هذه الشروط هو أن يكون منحدراً من قبيلة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) قريش، وثمة شرط آخر هو أن يكون على دراية ومعرفة كبيرة بالفقه الإسلامي، ورغم أن البغدادي تمكن من إقناع أتباعه بأن لديه هذه المتطلبات، فإن الواقع أنها تضيّق نطاق اختيار الخليفة المحتمل.

مع رحيل البغدادي، يبرز احتمال انشقاق داعش إلى أكثر من تنظيم. وكانت السنوات الأخيرة شهدت تصاعد التوترات بين فصائل إيديولوجية مختلفة داخل داعش بسبب انتهاج عقيدة التكفير.

وأشار كول بونزيل، الباحث في الحركات الجهادية، في ورقة نشرت في دورية CTC Sentinel، إلى «سعي البغدادي إلى إبقاء طرفي النزاع الإيديولوجي تحت السيطرة من خلال إقامة توازن بينهما. لكن هذا التوازن بات مختلاً منذ وقت طويل، وأخذت هشاشته تتبين على نحو متزايد».

قد يطمح تنظيم القاعدة إلى فرصة لإعادة توحيد الحركة الجهادية العالمية. إذ تمثّل جزء كبير من حدة التوترات بين القاعدة وداعش في حرب كلامية شرسة اندلعت بين البغدادي وزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري،. أما الآن، ومع إزاحة البغدادي، قد تتحرك القاعدة لمعالجة الانقسامات بين المجموعتين.

ويذهب علي صوفان، وهو عميل خاص سابق في مكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكي وشارك في تفكيك شبكات القاعدة، إلى أن «السؤال الآن هو كيف ستستغل القاعدة الأمر في سبيل مصلحتها. وما الطرق التي ستتبعها لمحاولة جذب مقاتلي داعش للانضمام إليها؟».

إن التحدي الأكثر إلحاحاً لداعش هو مواجهة الفشل الاستخباراتي الذي قاد إلى تصفية زعيمهم. وقد يؤدي هذا إلى حملات تخوين واتهامات مضادة تؤدي بالتنظيم إلى مزيد من الانشقاق والتآكل. إذ لم يكن هناك معلومة أكثر إحاطة بالسرية من مكان إقامة قائدهم الأعلى. ويُعتقد أن كبار قادة داعش، بعد أن بدأت «خلافة التنظيم» في الانهيار، قد تفرقوا في مختلف أنحاء المناطق السورية والعراقية لتجنب استهدافهم، غير أنهم الآن لن يمكنهم الارتكان إلى مكان واحد والنوم بسهولة. هناك مشكلة خطيرة أخرى سيعاني منها التنظيم وهي حقيقة أن الولايات المتحدة، وفقاً لما قاله ترامب، «استولت على مواد ومعلومات حساسة للغاية خلال عملية الهجوم [التي قتل فيها البغدادي]، والتي ستوفر الكثير عن تنظيم داعش، وأصوله، وخططه المستقبلية، وهي أشياء كنا نسعى للوصول إليها بشدة». علاوة على أن الأفراد الذين أُسروا خلال الهجوم أيضاً قد يساعد استجوابهم في كشف مزيد من المعلومات حول التنظيم، وحل خيوطه.

سيكون هناك قلق كبير في الأيام المقبلة من أن يسعى أتباع داعش في جميع أنحاء العالم للانتقام لمقتل البغدادي. وسيتعين على وكالات الأمن أن تكون أكثر يقظة وحذراً. ومع ذلك، فإن من المرجح على المدى المتوسط، أن تضعف عملية التخلص من البغدادي من الخطر الذي كانت تشكله داعش، وذلك على إثر المتوقع من تضاؤل عدد مؤيديها، ونزع الشرعية عنها في الأوساط الجهادية، وانكشاف الخلافات التي كان مسكوتاً عنها داخل التنظيم.

ومع ذلك، فإن خطر داعش من المحتمل أن يعمّر طويلاً بعد زعيمه. فقد أخذت المجموعة تعمل على إعادة إطلاق عملياتها في العراق وسوريا، ولا يزال مقاتلوها وأتباعها يتمتعون بتواجد كبير في أفغانستان وليبيا وغرب إفريقيا وشرقها وجنوب شرق آسيا، وكثير من أنحاء العالم الأخرى.

أدّى انسحاب القوات الأمريكية من شمال سوريا إلى خلق فراغ أمني من المرجح أن يستفيد منه تنظيم داعش، ومن المحتمل أيضاً أن يمنح وصول قوات النظام السوري إلى مناطق كانت تسيطر عليها القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة أداةً لإعادة تعبئة وتجنيد أفراد جدد للانضمام للتنظيم الإرهابي. يقدّر الجيش الأمريكي أن ما يصل إلى 18 ألفاً من عناصر داعش ما زالوا مطلقي السراح في سوريا، ووفقاً للأمم المتحدة، فمن المحتمل أن يكون هناك قرابة 30 ألفاً من المقاتلين الإرهابيين الأجانب الذين انضموا إلى التنظيم ما زالوا على قيد الحياة. الخوف الآن هو أن يجتمع عدد كبير منهم ليصبحوا طبقة الضباط المسؤولة عن تشكيل شبكات وخلايا إرهابية جديدة في المستقبل.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى