تقارير وملفات

العراق الذي اعرفه

صحفي ومحلل سيايسي

  دكتور محمد رمضان
نائب رئيس منظمة اعلاميون حول العالم
في اولي محاولاتي للتعرف علي العالم الخارجي وانا في المرحلة الجامعية قررت الذهاب الي بلد عربي فكان العراق وجهتي .
استقليت السفينة من ميناء السويس في أتجاه ميناء العقبة الأردني ومن هناك صعدنا الي الحافلة المتجهة الي العراق ،ساعات طويلة من السفر غير المريح في طقس حار جدا وسط صحراء لم أراها من قبل ، وبعد ما يزيد عن 15 ساعة دخلنا حدود العراق عبر منفذ الرطبة الحدودي وتم ختم البسبور من قبل رجال الجوازات العراقيين .
وبعدها انطلقت الحافلة في طريقها الي بغداد حللنا في المساء وشاهدت لأول مرة عاصمة الدولة العباسية وتذكرت ما روي لنا عن هذه الحضارة والرقي الذي شهدته هذه البلاد وكيف كانت منارة للعلم في للعالم خلال هذه الحقبة التاريخية .
كانت زيارة عمل ومعرفة واستغلالًا للإجازة الصيفية ، تقابلت مع شباب من من كافة الدول العربية تقريبا مصر وسورية والسودان والمغرب والأردن وحتي من دول آسيوية غير ناطقة بالعربية ، الجميع يعمل في هذا البلد الذي يشهد طفرة كبيرة في الإنشاءات وتحديث البنية التحية من كباري وطرق وشبكات مياة ومجاري وري وسكك حديدية ،لفت نظري النظام في شوارع بغداد من حيث النظافة واحترام الجميع لقواعد المرور فلا تجد المشاة يعبرون بشكل عشوائي للطرق او سائق يسير عكس الاتجاه او لا يحترم إشارة المرور مثلا .
الكل يحترم القواعد العامة دون تميز ، ولكن بعدما مكثت بعض الوقت عرفت ان البلد محكوم بيد من حديد فلا صوت يعلوا علي صوت الحزب ” حزب البعث ” وصور صدام حسين في كل الميادين وفي المحلات والأماكن الحكومية وهذا شأن كافة الحكام العرب جميعًا كما في مصر آن ذلك ،
وما لا حظته هو حب جارف لصدام في مدن وكره دفين في أماكن اخري دون بواح .
الإنجازات ورغد الحياة ظاهر علي الجميع فالكل ينعم بنفس القدر من الطعام والملبس والمسكن وحتي وسيلة التنقل الميسرة في امتلاك سيارة بقسط شهري ضئيل ،
عمل صدام علي الارتقاء بالبلد فأرسل البعثات لتلقي أحدث العلوم وسعي لبناء قاعدة علمية صناعية ،
وأثناء متابعتي وإقامتي لم اشعر بغربة علي الإطلاق فمن اتعامل معهم جلهم مصرين فقط صاحب المحل كان عراقيا ويتحدث بلهجة مصرية ، وصل عدد المصريون في ذلك التوقيت اكثر من ثلاث مليون مواطن يعملون في كافة قطاعات الدولة ولهم حقوق مثل العراقيين وذلك بتوصية صريحة من صدام حسين الذي كان يحب مصر والشعب المصري رغم خلافة السياسي مع السادات بسبب اتفاقية الذل والعار مع الكيان الصهيوني .

وفجأة لاحظت ان وسائل الاعلام العراقية تشن هجوم علي الخميني و النظام الايراني و تدهورت في العلاقات بين الجانبين بسبب اتفاقية الجزائر الموقعة بين العراق وإيران عام 1975 ,
شعرت آن ذاك بان بوادر حرب ستنشب بين الجانبين ولم تمضي ايّام وحدث ما كنت اخشاة ،
كنت في ذلك الحين في محافظة البصرة جنوب العراق والتي لا تبعد كثيرا عن الحدود الايرانية وفي مساء ذلك اليوم شاهدت لأول مرة في حياتي طائرات الفانتوم تحلق فوق الرؤوس وتضرب مصفاة البترول القريبة من المسكن .. أصبنا جميعا بحالة من الهلع ولم يستطيع البعض ان يسيطر علي أعصابه وقرر ان يترك البلد فورا وازدحم المغتربون امام شركات حجز الطيران والحافلات للحصول علي تذكرة للهروب من أتون الحرب ،
لم أشأ ترك مدينة البصرة الجميلة وشط العرب لكنني اضطررت لذلك بعدما اغلق صاحب المطعم المكان وذهب الي عائلته في بغداد بحثا عن الأمان لحين انتهاء الحرب ،
لم اكن علي دراية بالسياسة الدولية او الاطلاع علي ما يحدث لان الوسائل المتاحة كانت بيد السلطة العراقية وكافة الاخبار تعرف من خلال التلفاز العراقي وبعض الاخبار نستقيها من الراديو ، التعتيم الإعلامي وعدم وضوح أسباب الحرب كان سببًا في ترك الالاف من المقيمين للعراق وهذا اثر سلبا علي قطاعات كثيرة في الدولة ،
وبعد مضي اكثر من شهر وتبادل الاتهامات بين الجانبين العراقي والإيراني وسقوط قتلي وجرحي وعرض لاسري سقطوا في يد الجيش العراقي، لم يتدخل احد مندوب العالم لوقف الحرب او السعي بين الجانبين لحل الخلافات ، ادركت ان الحرب لن تنتهي قريبا وأنها ستمزق البلدين والخاسر الأكبر سيكون هذا البلد الجميل “العراق “

مؤامرة كبري لسحق هذا البلد تمت علي مدار السنوات الماضية، وتحالف الصهاينة مع الصفويين والعملاء التابعين لايران من الشيعة للانقضاض علي العراق وحوصرت البلد واحتلت من قبل الأمريكان عقب الغزو في 2003 وقتل وأبناء صدام واعدم بعدم محاكمة هزليه ، ونهبت خيرات وثروات العراق ولم تسلم حضارته من النهب ومزقت البلد بين سنة وشيعة وانحدرت الحالة الاقتصادية والصحية لعموم الشعب رغم ثرواتها النفطية الهائلة وصارت الأجيال الجديدة تبحث عن فرص للهروب من جحيم الأوضاع المزرية عبر الهجرة غير الشرعية ،
وازدادت الطغمة الحاكمة في نهب المزيد من ثروات البلاد وفشل الساسة في الحد من تدهور البلاد اقتصاديا واجتماعيا حتي انفجرت الأوضاع منذ اسابيع واصبح العراق علي موعد مع ثورة شباب يبحث عن حقوقه المهدرة بعيدا عن النعرات الطائفية المقيتة ،
فهل يعود العراق الي سابق عهدة بعد كل هاته الكوارث التي ألمت به ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى