تقارير وملفات إضافية

داعش يدرك جيداً نقاط ضعف أوروبا.. فكيف تواجه القارة العجوز هجمات التنظيم المقبلة؟

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أنه بوفاة زعيم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، أبوبكر البغدادي، يكون قد تم القضاء على التنظيم الإرهابي كلياً، ولكن الواقع أن داعش لا يزال يمثل خطراً على أوروبا تحديداً أكثر من الولايات المتحدة التي قضت على زعيم التنظيم.

فداعش مازال لديه قدرة على تنفيذ هجمات، وأوروبا هدف أسهل له من الولايات المتحدة، بحسب ما ورد في تقرير لموقع LobeLog الأمريكي.

إذ أن عناصر التهديد التي يمتلكها داعش وإن دُمّرت كما هو الحال الآن فيما يتعلق بقيادة التنظيم وفقدان الأراضي التي كانت له السيطرة عليها، إلا أنه  يجري تحريف قدرته والاستخفاف به بفعل نشوة الإحساس بالإنجاز المتمثل في القضاء على البغدادي.

 وبالنظر إلى الانسحاب الأمريكي، ومقتل البغدادي، وما حمله رد الفعل على قتل البغدادي من تبجّح علني، فإن من المحتمل أن نشهد عودة جديدة لهجمات متأثرة بداعش وتستلهمها في أوروبا.

أدّى قرار إدارة ترامب بسحب القوات الأمريكية من الحدود الشمالية لسوريا مع تركيا إلى بروز عددٍ كبير من التبِعات السياسية المحتملة، بدافعٍ من الفراغ الناجم عن إبعاد القوة الأمريكية عن المنطقة. 

كانت إسرائيل حذَّرت من أنَّ الانسحاب سيقود إلى مزيدٍ من زعزعة الاستقرار في المنطقة بأكملها، في حين حذَّر خبراء الدوائر العسكرية في الولايات المتحدة من الضرر الذي قد يُلحقه حدوث سابقة تخلٍّ عن الأكراد، بالتحالفات العسكرية الأمريكية في الخارج في المستقبل. 

كذلك تغذّي الأوضاع العراقية المضطربة عبر الحدود عودةً جديدة لداعش.

 ومن ثمّ، فإن الاشتغال الأكبر والأكثر إلحاحاً حتى الآن يدور بالأساس حول إمكانية عودة داعش، والتأثيرات التي قد تحملها تلك العودة على الأمن الدولي.

جرى عمل الكثير بالفعل فيما يتعلق باحتمال حدوث أزمة لجوء ثانية على الحدود الأوروبية، لكن التهديد الأكثر جوهرية الذي يواجه أوروبا وفقاً للتقييم السائد هو أن يجد مقاتلو داعش طريقة للانتقال من شمالي سوريا إلى الاتحاد الأوروبي. 

ومع ذلك، فإن هذا التهديد متوهَّم، إذ الأرجح فيما يخصّ تنظيم أُنهك بالفعل كداعش هو أن يسعى إلى إعادة بناء الروابط والخلايا في أوروبا، لإثارة هجمات مستوحاة منه أو متأثرة به، أكثر من التخطيط لهجمات بعيدة المدى على الاتحاد الأوروبي.

ليس من الصعب رؤية مدى وجاهة النزوع الطبيعي للقول بأن العدد الكبير من الأسرى المنتمين لداعش المحررين في شمالي سوريا يمثلون تهديداً محتملاً بشنِّ هجمات في أوروبا على المدى القريب. فقد شهدت الآونة الأخيرة هروبَ مقاتلي داعش الذين كانوا محتجزين في شمالي سوريا من سجونهم، بعد أن شتَّت القصف التركي القوات الكردية التي كانت مسؤولة عن تأمينها. 

في الوقت الذي لم يفعل الرئيس ترامب شيئاً حيال الأمر، سوى حثِّ مقاتلي داعش هؤلاء على التوجه إلى الأراضي الأوروبية، الأسبوع الماضي.

ومع ذلك، فلا بد، قبل الحكم، من إلقاء نظرة فاحصة على احتمالات أن يسافر أفراد على علاقة بداعش من سوريا لاستهداف بلدان مثل فرنسا وألمانيا. إذ هناك كثير من الدول على طول طرق العبور تعدُّ منشغلةً بالأمر إلى حدٍّ كبير، وقادرة على منع عناصر داعش من المرور أو إنشاء موطئ قدم لها. وعلى الرغم من انتشاره في كل مكان، فإنه الافتراض الخاطئ كليةً، بأن لاجئين قادمين سوريا هم مَن كانوا مسؤولين عن سلسلة الهجمات التي جرت في أوروبا من 2014 إلى 2018، يُبيّن أيضاً أن داعش في الواقع لا ترسل جنوداً بذلت جهودها في إعدادهم سوريا أو العراق لتنفيذ هجماتها في أوروبا.

الأرجح، بدلاً من ذلك، أن يعمد داعش إلى استخدام القوة البشرية التي أُفرج عنها مؤخراً لزيادة هجماته الدعائية وإعادة الترويج للتنظيم. ورغم غموض التفاصيل المتوفرة عن الأسرى الذين على وشك إطلاق سراحهم إلى حدٍّ كبير، فإن هناك ما يدعونا للاعتقاد بأن تركيب قاعدة السجناء غير متجانسة. ويعني هذا أن ثمة فرصة جيدة لأن تكون هناك عناصر من المستوى المتوسط في التنظيم متخصصون في الأنظمة والاتصالات، من بين سجناء داعش حالياً في شمالي سوريا.

لم يكن تراجع داعش في العامين الماضيين عائداً فقط إلى فقدان الأراضي، ولكن أيضاً إلى خسارة عناصرها النوعيين باعتقالهم

ومن ثمّ فإن استعادةَ أعضائها الذين لا يستطيعون القتال فحسب، بل وأيضاً تدعيم جهود الدعاية لداعش، قادرةٌ إلى حد كبير على بعث موجة جديدة من التطرف في أوروبا

وبالنظر إلى أن معظم هؤلاء الذين شنوا هجمات في أوروبا بين عامي 2014 و2018 كانوا مواطنين أوروبيين متطرفين بالفعل، فإن من المنطقي التركيز على هذا التهديد في المقام الأول هذه المرة.

ومع وفاة البغدادي الآن، من المرجح أن موته، رغم ما يحمله من زعزعةٍ في نهاية الأمر لقيادة داعش، فإن لديه الإمكانية أيضاً أن يكون أداةَ دعايةٍ هائلة لداعش، بنفس الطريقة التي كان بها موت أسامة بن لادن للقاعدة.

إذ يعد الانتقام دافعاً قوياً للإرهاب المتطرف، لذلك فالانتقام متوقع.

وفي حالة داعش، وبالنظر إلى منهجيته في صناعة إرهابيين يقومون بعملياتهم على نمط الذئاب المنفردة، فإن المتوقع أن يعتمد داعش على خبرته هذه بدلاً من إعادة اختراع العجلة.

ورغم أن الولايات المتحدة هي من نفَّذت الضربة وقتلت البغدادي، فإنَّ المرجح أن تظلَّ أوروبا الهدفَ الأكثر إغراء لتمدد نفوذ داعش وتطرفه لأسباب عديدة. أولاً، لطالما كان نموذج داعش المتطرف أنجح في أوروبا منه في الولايات المتحدة في الماضي. 

ثانياً، قد يتوقع التنظيم أن تكون مساعي الاتحاد الأوروبي لمكافحة الإرهاب أقل تجانساً من إرادة أمريكية موحدة.

أخيراً، وفقاً لتقرير للأمم المتحدة، يدرك قادة داعش بطبيعتهم الانقسام السياسي داخل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وهو انقسام يمكن تأجيجه بهجوم ناجح على إحدى الدول الأعضاء.

كان الرد على هذا الاحتمال القائم بالبروز المتجدد لخطر داعش من جانب الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، أقل من فاتر. 

فقد دعت كل من فرنسا وألمانيا إلى عقد اجتماع لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، في حين انفردت فرنسا بالدعوة إلى عقد اجتماع لقوات التحالف المناهض لداعش. 

ومع ذلك، كان الاتحاد الأوروبي عامةً أكثر هدوءاً في هذا الصدد، إذ اختار التركيز بدلاً من ذلك على الأزمة الإنسانية التي يواجهها السكان الأكراد في شمالي سوريا.

لقد كان الدفاع عن الاتحاد الأوروبي تاريخياً يقع على عاتق الدول الأعضاء وحلف الناتو.

 ومع ذلك، مع حلول محادثات أكثر جدية فيما يتعلق بالدفاع عن الاتحاد الأوروبي، والتطبيع البطيء، لكن المطّرد للتعاون على مستوى الاتحاد الأوروبي في مساعي مكافحة الإرهاب، يجب أن يقع على عاتق قيادة مفوض السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل مواجهة هذا التهديد المتمثل في زيادة التطرف.

 قد يتخذ ذلك شكل تعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب على امتداد دول الاتحاد الأوروبي عبر مؤسسات الاتحاد، من خلال إما المادة 222 من معاهدة الاتحاد الأوروبي، المتعلقة بالتضامن المشترك في مواجهة الإرهاب، أو البند السابع في المادة 42، أو بند الدفاع المشترك عن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

 وقد سبق أن استخدمتها فرنسا في عام 2015 للردِّ على هجمات داعش، في شهر نوفمبر/تشرين الثاني آنذاك، وليس هناك عائق أمام استخدام هذه البنود استباقياً.

وربما يجدر بالاتحاد الأوروبي، كخيارٍ إضافي، استخدام أدواته الدبلوماسية بالأساس لتحقيق أهداف تزيد عن مجرد إبطاء أزمة إنسانية قادمة بسبب التوغلات التركية على الحدود السورية. إذ يضعف القيام بذلك من حجج الداعش المُغذية للتطرف، مستدعيةً ماضي أوروبا الاستعماري.

 في نهاية المطاف، يجب على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أن تستعد للتعلم، ليس فقط من أخطائها الماضية، بل وأيضاً من نجاحاتها الحالية في الحدِّ من الهجمات الإرهابية، نجاحات تشمل برنامج المراقبة الإيطالي الفعّال، أو محاكاة وتدريبات التعامل مع الهجمات الإرهابية التي تجريها دول البلطيق.

إن عدم فعل ذلك لن يكون فقط مقامرة سياسية من جانب الاتحاد الأوروبي، في مواجهة النتائج التي قد تنجُم عن «الهجوم المقبل»، ولكن أيضاً احتمال أن تكون خطوة تراجع إلى الوراء فيما يتعلق بمنظومة الدفاع الأوروبي عامةً. 

سيزيد هذا الانسحاب من قوة داعش، وعلى الرغم من أن ثمة نزاع دائر الآن حول قيادة التنظيم، فإن ضباط التواصل التابعين للتنظيم سيكونون منكبّين على عملهم، ويحتمل أن يتلقّوا تعزيزات ودعماً خلال المرحلة المقبلة. ومن ثم فإن الحكمة تُملي علينا ضرورة اتخاذ الاستعدادات لمواجهة أي مساعٍ لبعث أو تغذية التطرف بفعل هذه الموجة، بغض النظر عن حجمها أو مداها.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى