تقارير وملفات إضافية

خطة الوقيعة الإسرائيلية.. كيف تعاملت حماس مع محاولة نتنياهو الاستفراد بـ«الجهاد»؟

يظهر العدوان الحالي على غزة خطة إسرائيلية للوقيعة بين حركات المقاومة الفلسطينية في غزة عبر إظهار أنها تركز فقط على استهداف حركة الجهاد التي اغتالت مسؤوليها العسكري بهاء أبوالعطا.  

فمنذ اللحظة الأولى حين اغتالت إسرائيل  بهاء أبوالعطا، حاولت تركيز المواجهة على حركة الجهاد بصورة حصرية، دون استهداف باقي الفصائل الفلسطينية، وتجلى ذلك في التصريحات الإسرائيلية المتكررة التي لم تخفِ هذه النوايا.

تزامن التوجه الإسرائيلي العلني مع خروج تساؤلات فلسطينية في غزة بعد مرور ثلاثة أيام على اندلاع المواجهة عما وصفوه عدم مشاركة حماس «المكشوفة» بجانب الجهاد الإسلامي، وما يتردد عن مواجهة «الجهاد» وحدها للعدوان الإسرائيلي.

 في حين قال آخرون إن حماس تشارك عن بُعد، دون ظهورها في الصورة.

بعد أن أخفقت إسرائيل بالإيقاع بين حماس والجهاد، بدأت مرحلة محاولة تحييد حماس عن المواجهة بعدم إشراكها فيها، لكن من الواضح أن الحركة ليست غائبة عن المواجهة، وإن لم تأخذ الصدارة الأولى.

كان واضحاً فور تنفيذ إسرائيل لاغتيال أبوالعطا رغبتها المكشوفة في الإيقاع بين حماس والجهاد الإسلامي، حين تحدث كبار ساستها عن ذلك، دون مواربة.

فقد أعلن رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي «الشاباك»، نداف أرغمان، أن أبوالعطا لم يقبل التهدئة المبرمة بين إسرائيل وحماس، فيما أعلنت إسرائيل أن اغتيال أبوالعطا جاء محدداً ومركزاً، ولا يجب على حماس أن تنخرط في هذه المواجهة الدائرة مع الجهاد، وهو حديث إسرائيلي يشتم منه رائحة إيجاد فوارق وخلافات بين الحركتين المقاومتين الفلسطينيتين.

وبعد اندلاع المواجهة، بدا لبعض الفلسطينيين أن الجهاد الإسلامي تقود عمليات القصف للمستوطنات الإسرائيلية، دون أن تعلن حماس مسؤوليتها عن أي من عمليات الإطلاق، ما أثار تساؤلات حول عدم مشاركتها في هذه الجولة التصعيدية، أو أنها تشارك بوسائل وطرق أخرى.

فإلى أي مدى نجحت الخطة إسرائيلية للوقيعة بين حركات المقاومة الفلسطينية في غزة، وما  مدى مشاركة حماس في المواجهة الدائرة حالياً؟ ولماذا تبدو إسرائيل قلقة من مشاركة حماس فيها؟ هل تخشى أن تسفر مشاركتها عن الانزلاق لحرب شاملة؟

في مواجهة الخطة إسرائيلية للوقيعة بين حركات المقاومة الفلسطينية في غزة،  أصدرت غرفة العمليات المشتركة التي تضم كل الأجنحة العسكرية الفلسطينية بياناً رسمياً جاء فيه أن «الغرفة تدير المواجهة العسكرية بالتوافق والتنسيق على أعلى المستويات، وإن لديها التكتيكات والخطط المنضبطة في إطار التكامل بين الأجنحة العسكرية، سواء في حجم الرد وجهة تنفيذه ومستوياته ومداه».

اللواء واصف عريقات، الخبير العسكري الفلسطيني، وقائد المدفعية السابق بمنظمة التحرير الفلسطينية، قال لـ «عربي بوست» إن «السياسة الإسرائيلية قائمة على مبدأ «فرّق تسُد»، عبر تحييد باقي الفصائل، وعلى رأسها حماس، والاستفراد بالجهاد الإسلامي، لكن وجود غرفة عمليات مشتركة يفوت الفرصة على الهدف الإسرائيلي، فالغرفة التي تضم الأجنحة العسكرية الفلسطينية تقوم بالتنسيق، والتعاون، وتبادل المعلومات الاستخبارية، وتوزيع بنك الأهداف، وتوقيت إطلاقات الصواريخ».

«لكل من حماس والجهاد حسابات سياسية خاصة»، حسب عريقات.

وقال: «صحيح أن حماس ربما غير راغبة بالذهاب لحرب مفتوحة مع إسرائيل، لكن ذلك لا يعني غيابها عن المواجهة، على العكس، فقد تتفق غرفة العمليات على تصدير الجهاد في هذه المواجهة، وجعلها تتحمل مسؤولية معظم الردود على الاغتيال باعتبار أن العملية استهدفت مسؤولها العسكري».

حازم قاسم، المتحدث باسم حماس، قال «عربي بوست» إن «هذه الجولة العدوانية الإسرائيلية رسمت فيها ‏المقاومة الفلسطينية لوحة وحدة ميدانية وسياسية وإعلامية فريدة، تعكس طبيعة العمل المشترك الذي يواصل تطوره وتجذره، وتؤكد قدرتها على صد الهجمة الإسرائيلية، وإرباك حسابات الاحتلال، حسب تعبيره.

وقال إن حالة الالتفاف الشعبي حول المقاومة وخياراتها، والإسناد الجماهيري المتواصل لها، واحدة من أهم مقومات صمود المقاومة».

الحديث الإسرائيلي عن عدم مشاركة حماس للجهاد الإسلامي بهذه المواجهة يتطلب الحديث عن علاقتهما، فقد وصلتا إلى مستوى تنسيقي كبير، على أكثر من جانب، فعلى الصعيد السياسي، لديهما ذات المواقف من التحركات السياسية الخاصة بالقضية الفلسطينية، فضلاً عن كونهما جزءاً من محور إقليمي بات واضحاً لا تخطئه العين، تقوده إيران بجانب لبنان وسوريا.

على الصعيد العسكري، تنخرط الحركتان في غرفة العمليات المشتركة التي تم تشكيلها في 2018 في غزة، واتفاقهما على طبيعة التعامل مع أي عدوان إسرائيلي، ما يجعلهما في حالة توافق ميداني عملياتي تجاه أي سلوك عسكري، رغم وجود بعض الحالات التي يتم فيها إطلاق صواريخ على إسرائيل دون توافق كامل، لكن الحركتين تقفزان عن أي تباين آني ومؤقت لا يعكر صفو الانسجام شبه التام.

أبومجاهد، الناطق باسم لجان المقاومة الشعبية، قال لـ «عربي بوست» إن «ما يحدث حالياً في غزة مواجهة مفتوحة، لأن اغتيال أبوالعطا شكّل استهدافاً للمقاومة الفلسطينية كلها، وليس للجهاد الإسلامي فقط».

وأضاف: «نحن جميعاً، كل الفصائل بلا استثناء، نخوض مواجهة شاملة مع العدو، هذه معركة الرد من غرفة العمليات المشتركة التي تضم جميع الأجنحة العسكرية، وبدأنا جميعاً بالرد على الاغتيال من خلالها».

وأضاف أن «الإعلام الإسرائيلي والمسؤولين الإسرائيليين منذ اللحظة الأولى لاغتيال أبوالعطا بدأوا يسوّقون فرضية الاستفراد بالجهاد الإسلامي، وقد أرسل الاحتلال عبر الوسطاء رسالة إلى الفصائل الفلسطينية مفادها أن معركة إسرائيل هذه المرة ضد الجهاد الإسلامي، ولا مشكلة لدينا مع أي فصيل آخر، لكن الفصائل تجاوزت هذه التضليل الإسرائيلي، واتخذت قراراً بالرد الموحد من خلال غرفة العمليات المشتركة، التي تجمع القادة العسكريين من الصف الأول من كل الفصائل.

وأكد أن «هناك تكامل أدوار بين مختلف الأجنحة العسكرية بين إطلاق الصواريخ، والتزويد بالمعلومات، والإمداد اللوجستي، لا فرق بين فصيل وآخر».

فيما أعلن ممثل الجهاد الإسلامي في بيروت، إحسان عطايا، أنّ «غرفة العمليات المشتركة في حالة تنسيق ميداني كامل وتناغم بأعلى المستويات، هناك تفاهم كبير جداً يجمعنا مع حماس، ولن ينجح أحد في اللعب على شق الصف الوطني أو إثارة خلاف».

كان لافتاً أن تخرج في الساعات الأخيرة تقديرات إسرائيلية مفادها أن «إسرائيل أخطأت حين حددت هدفاً واحداً بالمواجهة مع الجهاد الإسلامي، وهو ما استغلته حماس للقيام بكل شيء من خلف الستار، الآن جميع الفصائل تقوم بضربنا باسم الجهاد الإسلامي، إنهم يتفقون علينا، إن خطة الاستفراد بالجهاد فشلت، ونتنياهو هو السبب».

أخيراً.. قد يبدو منطقياً وطبيعياً أن تتصدر «الجهاد الإسلامي» الرد على الاغتيال ضد إسرائيل، وهو أمر متعارف عليه، ويحظى بإجماع شعبي فلسطيني، لكن وجود حالة من التوافق شبه الكامل بين حماس والجهاد يجعلهما تنطلقان في الرد على الاغتيال وفق توجهات وحدودية فلسطينية عبر غرفة العمليات، بعيداً عن حالة الاستقطاب الحزبي، والتنافس السياسي على هذا الإنجاز أو ذاك.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى