ثقافة وادب

بدأت ببعثة تبشير فاشلة إلى الخليج.. ماذا تعرف عن تاريخ الجالية الأمريكية في الكويت؟

كنا غرباء عندما التقينا، كتاب ألفه و.ناثانيل هويل، سفير أمريكا في الكويت خلال فترة غزو صدام لها، ورغم أن  موضوع الكتاب هو بالدرجة الأولى عن تواجد الجالية الأمريكية في الكويت منذ أوائل القرن العشرين، فإنه حافل بما يمكن اعتباره تاريخاً لنشوء دولة الكويت ومسيرتها خلال نفس الفترة. الكتاب ترجمته عن الإنجليزية تهاني فجر، ولا شك أنها قامت بعمل مهم ومجهد، وإن شابت الترجمة أو الطباعة بعض الخلل.

مقدمة
الكتاب كانت بقلم الشيخة حصة صباح السالم الصباح، ابنة حاكم الكويت الأسبق. وتعبر
المقدمة عن مدى شعور الكويتيين بالامتنان نحو الشعب الأمريكي الذي وقف مع الشعب
الكويتي في محنته، حسبما عبرت الشيخة حصة.

عام
٢٠١١ توافق مع احتفالات الكويت بالذكرى العشرين لتحريرها، والذكرى الخمسين
لاستقلالها، ومرور قرن على تأسيس المستشفى الأمريكي في الكويت، ومرور 60 عاماً على
تأسيس أول مركز قنصلي أمريكي في الكويت.

عندما
جاءت بعثة الأطباء الأمريكيين في البداية كان الأمريكيون يعرفون القليل عن
الكويتيين، وكذلك كان الكويتيون، الطرفان كانا آنذاك غرباء عن بعضهما البعض بكل ما
في الكلمة من معنى، وبمرور الوقت حازت البعثة على ثقة الكويتيين، بعد ذلك جاء
العاملون في شركات النفط ورجال الأعمال والمسؤولون الحكوميون. كان الرواد الأوائل
يعبدون الطريق للتعاون والصداقة المستقبلية.

كانت
كتابة لوتشر أول ما سجل في الأدب الأمريكي عن الكويت، إذ رافق هذا الرحالة قافلة
قادمة من بومباي إلي إسطنبول، وقد وصل الكويت عام ١٨٨٦م، حيث إن تلك السفينة كانت
من أوائل السفن التي مرّت بالكويت، فقد زارها  الشيخ عبدالله، خامس حاكم من
آل الصباح، بدعوة من القبطان، ودعا الشيخ ركاب الباخرة إلى العشاء في قصره. وقد
أعطت مذكرات لوتشر عن زيارته تلك الانطباعات الأولى عن الكويت في المخيال
الأمريكي. كان انطباع لوتشر إيجابياً، وقد وصف مدينة الكويت بأنها تتميز عن غيرها
من مدن المنطقة بالنظافة.

ترتبط بدايات التواجد الأمريكي في الكويت بالبعثة العربية
الأمريكية، وهي بعثة تبشيرية أنشئت لتعمل في غرب الخليج العربي، وأقامت محطتها
الأولى في البصرة، وكانت تخطط لإقامة عدة محطات تبشيرية غرب الخليج، زار القس
المشهور صموئيل زويمر الكويت عام ١٨٩٥ وعلق بأن الجو مُواتٍ لبدء العمل في الكويت،
لكن الشيخ مبارك منع بيع الأناجيل والأدوات الكنسية، وعندما بلغه أن طبيباً يتبع
البعثة قد وصل للعمل في الكويت أمر بإعادته إلى السفينة ليخرج من الكويت. 

زار زويمر الكويت مرة ثانية وخرج بانطباع عكس انطباعه الأول
وكاد المال المهيأ لإنشاء وحدة الكويت يُحول إلى مناشط أخرى، لكن تغيراً درامياً
حدث، فبينما كان الشيخ مبارك يزور صديقه الشيخ خزعل حاكم المحمرة وجد لديه طبيباً
من أفراد البعثة العربية الأمريكية جاء ليعالجه من مرض السكري، دعا الشيخ مبارك
الطبيب ليعالج أخته، أجرى الطبيب عملية في العين لأخت الشيخ، إثر ذلك دعا الشيخ
البعثة الأمريكية للعمل في الكويت، وهكذا تم تأسيس أول وحدة فيها طبيب وطبيبة
وزوجها القس عام ١٩١١. 

نظر
الكويتيون بريبة شديدة إلى هؤلاء، ولكنهم مع الوقت أحسّوا نحو خدماتهم الصحية
بالامتنان، وتغير وجه العمل التبشيري إلى عمل طبي إثر فشله في مهمته التنصيرية،
لكن عمله الطبي الذي تنامى كسب ودّ الكويتيين.

انتهى
بناء مستشفى الرجال الخاص بالبعثة عام ١٩١٤، وقد جيء بمهندسين ومواد من أمريكا
لبنائه بحيث يمكن القول إنه كان أول بناء حديث في الكويت، وتواصل البناء حتى تم في
عام ١٩١٩ الانتهاء من مستشفى للنساء ومدرسة للبعثة، وخلال ذلك كانت الدكتورة كالفيري
تذهب أحياناً على حمار لعلاج بعض الكويتيات في منازلهن، وقد عانت الدكتورة من الكثير من مشاعر العداء خلال
الشهور الأولى من عملها. بعض الأفراد المعادين لتواجد البعثة أسسوا مركزاً صحياً
ومدرسة لمنافسة البعثة ولكن ورغم رعاية الشيخ مبارك للمركز المنافس، فقد فشل
المركز الصحي بينما نجحت المدرسة التي أصبحت فيما بعد أول مدرسة عربية عصرية في
الكويت واشتهرت باسم المدرسة المباركية.

تم
بناء كنيسة صغيرة بعد وصول الطلائع الأولى للبعثة بعشرين سنة، قبلها كان القداس
الأسبوعي يقام في الساحة، اكتشفت البعثة استحالة تنصير المسلمين الكويتيين، ولكن
الكويتيين اكتشفوا أصوات الغناء والموسيقى التي ترافق القداس، وكان حضور البعض من
باب البحث عن الترفيه، ويرى المؤلف أن تلك النشاطات قد وضعت الأساس للمستوى الفريد
من التسامح الذي يميز معظم الكويتيين.

كانت
الحاجة لخدمات البعثة الطبية كبيرة، فمثلاً عندما عُقد لقاء بين الشيخ مبارك
والبريطانيين لمناقشة خطط مد سكة الحديد من بغداد إلى الكويت حضر الدكتور ماليري
إلى معسكر اللقاء لعلاج ضحايا الملاريا. وكتب الدكتور في مذكراته عن لقاءاته مع
عبدالعزيز آل سعود الذي كان حاضراً ذلك اللقاء قبل تحرير الرياض. ورغم هذه العلاقة
فإن البعثة التبشيرية لم تتمكن من تحقيق أحد أهم أهدافها وهو وصول بعثاتها إلى
مركز الجزيرة العربية.

والظاهر
أن ولدي الشيخ مبارك اللذين خلفاه في حكم الكويت لم يكونا مرتاحين إلى الأنشطة
الكنسية في الكويت، بل ورفض الشيخ جابر أن يتلقى علاجاً طبياً على أيدي أوروبيين
منهم طبيب البعثة، وقد توفي بعد فترة قصيرة من حكمه. أما الشيخ سالم فقد قام
بمبادرة ضد الانحلال الأخلاقي وضد الاحتفالات الدينية في البلاد، وكان حليفاً
للمؤسسة الدينية المحافظة الرافضة لتحالف أبيه الشيخ مبارك مع البريطانيين، إلا
أنه سمح للبعثة الأمريكية بمتابعة مهمتها دون إزعاج، لكنه وتقديراً منه للخدمات
الجليلة التي قدمتها البعثة لجرحى معركة الجهراء التي قامت بين الشيخ سالم وقوات
فيصل الدويش منح البعثة عقاراً إضافياً كي توسع مجمعها، والأكثر والأهم من هذا أنه
سجل ابنه فهد السالم في مدرسة البعثة. وما إن توفي الشيخ سالم في ١٩٢١ حتى كانت
البعثة تملك مولدات كهربائية وسيارة من نوع فورد، وكان ذلك تميزاً كبيراً ربما لم
يحظ به أحد في الكويت من قبل.

حدث
تقلص في خدمات البعثة الأمريكية عام ١٩٣١، إذ أجبرت ظروف الكساد الاقتصادي البعثة
على إغلاق مدرستها، يذكر المؤلف أن المدرس الرئيس فيها كان أدوين كالفيرلي وهو
قسّ، وكان مساعده معلم إسرائيلي لم يُذكر اسمه في الكتاب. لكن الخدمات الطبية التي
تؤديها البعثة توسعت بوصول طبيبة ثانية وممرضة. كما تم تجهيز غرفة الجراحة في
المستشفى، وفي نهاية عقد الثلاثينيات تم هدم مستشفى النساء وبناء مرفق عصري بديل
سُمي مستشفى أولكوت التذكاري للنساء. ومبناه لا زال قائماً إلى يومنا هذا. في عقد
الأربعينيات تمكن المستشفى من تدريب مجموعة من الداعمين من أبناء البلد أصبحوا
مساعدي تمريض ومضمدين. ومع اقتراب الحرب العالمية الثانية قدم الدكتور سيكدر، مدير
البعثة آنذاك، برنامجاً للتدريب العملي للممرضات الكويتيات، وهكذا بدأ عدد من
المواطنين الاحتراف في مجالات التمريض والوظائف الطبية المساعِدة.

بقيت
مستشفى البعثة الطبية في الكويت وحيدة في مجالها حتى تم افتتاح أربعة مستشفيات
كويتية بعد الحرب العالمية الثانية وبفضل تدفق عائدات النفط، ورغم ذلك فقد توسعت
خدمات البعثة لتفتتح مستشفى يحوي 60 سريراً عام ١٩٥٤، حضر افتتاحه آنذاك أمير
البلاد الشيخ عبدالله السالم. وقد كان لمدير المستشفي دور واضح في تقديم الرعاية الطبية
لأمير الكويت الشيخ أحمد الجابر، فقد عالجه في مرضه الأول الذي شارف فيه على
الموت، ولكنه شفي وعاش ثماني سنوات بعدها، وكان الدكتور سكتر ممن حضروه ساعة
الوفاة، واصطحبت زوجة ابني الشيخ اللذين انهارا بتأثير وفاة والدهما لتقديم الدعم
النفسي لهما في منزلهما، وهما الأميران جابر وصباح اللذان حكما الكويت فيما بعد.
ولأهمية دور البعثة الأمريكية فإن الحديث عنها  استغرق ثلث الكتاب الذي تربو
صفحاته على الستمائة.

بعد
ذلك جاء أمريكيون إلى الكويت أثناء الحرب العالمية الثانية ليشرفوا على تجميع
بوارج كانت تأتي مفككة من بريطانيا، وكان النجارون وبناة السفن الكويتيون المهرة
يركبونها ثم تنقل إلى الأنهار الإيرانية محمّلة بالدعم الغذائي إلى روسيا. 

الموجة
الثالثة من الأمريكان جاؤوا ليعملوا في ثلاث شركات نفط أمريكية حصلت على امتياز
التنقيب عن النفط بالتشارك مع إحدى الشركات البريطانية في الكويت، وتنامت الجالية
الأمريكية واختلطت بالمجتمع الكويتي، وانضم إليهم الزوجات الأمريكيات لمواطنين
كويتيين.

على
المستوى السياسي، كان التواجد القنصلي الأمريكي يتم بالاتفاق مع بريطانيا عندما
كانت الكويت محمية بريطانية، ثم أصبحت هناك سفارة نشطة، وتزايدت مبيعات الأسلحة
الأمريكية إلى الكويت، وتطور التعاون العسكري بين الجانبين، وخلال الفترة الأخيرة
من حرب العراق وإيران رُفع العلم الأمريكي على ناقلات النفط الكويتية لردع
الاعتداءات عليها، ثم كانت الحرب لتحرير الكويت، خلال تلك الفترات انتهت مهمة البعثة
الأمريكية عام ١٩٧٣، لكن الجالية الأمريكية أصبحت كما يقول المؤلف جزءاً من النسيج
المجتمعي الكويتي.

يتطرق
الكتاب إلى بعض الخلافات بين الطرفين على المستوى الرسمي، الكويت التزمت بقطع
النفط عن أمريكا بعد حربي ١٩٦٧ و١٩٧٣، لكنها لم تقم بقطع العلاقات الدبلوماسية مع
أمريكا مثل كثير من الدول العربية بعد حرب الأيام الستة، وكان الشيخ صباح السالم
أول مسؤول عربي رفيع المستوى يزور الولايات المتحدة بعد تلك الحرب. تبنت الكويت
سياسة عدم الانحياز وكان خطابها مناهضاً لوجود جيوش أجنبية في الخليج، وحاولت أن
توازن بين علاقاتها مع أمريكا وعلاقاتها مع روسيا، لكنها اضطرت لطلب التدخل
العسكري الأمريكي بعد الاحتلال الصدامي، وأصبحت لا تشعر بغضاضة أمام تواجد القوات
الأمريكية. 

يذكر
الكاتب أن الكويتيين ينظرون إلى مَن قدِم للعمل معهم قبل ظهور النفط مثل الأمريكان
وبعض الفلسطينيين الذين قدموا في ثلاثينيات القرن الماضي نظرة أكثر إيجابية من
نظرتهم لمن أتي لبلادهم مع تدفق عائدات النفط، كما يعطي انطباعاً أن الحماية
الأمريكية للكويت كانت أفضل من الحماية البريطانية. ويدلل على ذلك بشعور الشيخ
أحمد الجابر بالغبن الذي ناله من البريطانيين. في مؤتمر العقير قام المعتمد
البريطاني بإعطاء مساحة كبيرة من أرض الكويت للسعودية تعويضاً عن مطالبتها بأراضٍ
غرب الفرات، أراد البريطانيون استبقاءها للعراق. كما أن البريطانيين لم يتدخلوا
بفعالية عندما فرضت السعودية حظراً على التجارة مع الكويت فترة طويلة في الثلاثينيات،
وأيضاً لم يتدخل البريطانيون لمنع فرض ضرائب عراقية على حقول التمور التي كان
يملكها في شط العرب.

في
الفصل الأخير للكتاب حديث عن التواجد الأمريكي في الكويت وقد دخل مئته الثانية،
ويتجلى ذلك في المدارس الأمريكية والجامعة الأمريكية، ورابطة الزوجات الأمريكيات،
وجمعية أمل الكويت ورابطة الكويت الصغيرة، وكلها جمعيات نفع مجتمعي تمارس دورها
الإنساني والاجتماعي. إلى ذلك أنشأ مجموعة من المسلمين الأمريكيين والكويتيين
-الذين انزعجوا من سوء الفهم عن الإسلام الذي انتشر بعد الهجمات المتطرفة- مركزاً
سمّوه مركز الوعي لتطوير العلاقات الغربية العربية. وفي عام ٢٠٠٤م أُنشئت حملة أمل
الكويت، التي تختص بالعمل التطوعي، وتضم كويتيات وأمريكيات. وقد ازدهرت هذه
المؤسسة التي تعمل من أجل مساعدة رعايا بلدان العالم الثالث الفقراء الذين يشكلون
القوة العاملة في الكويت. توزع الجمعية الملابس الشتوية على حوالي خمسة آلاف من
العمال سنوياً. 

وفي
الآونة الأخيرة زادت مخاوف الحملة على مواطني العالم الثالث الذين تم تشخيص
حالاتهم التي أثبتت إصابتهم بمرض السل بعد وصولهم إلى الكويت، عادة ما يتم ترحيل
مرضى السل تلقائياً إلى بلدانهم. حملة الأمل تساعدهم في العودة إلى وطنهم وتوفر
لهم المواد الأولية لاستئناف الحياة في بلدانهم الأصلية. كما أنها توفر إعانات
لعائلاتهم عند مرض أو وفاة رب الأسرة. وامتد التعاون بين الشعبين إلى رعاية
الحيوان. فقد قررت امرأة كويتية وزوجها الأمريكي تكريس كامل وقتهما لملجأ لرعاية الحيوانات،
ولتعزيز برامج وسياسات رعاية الحيوان، ولدى جون وعائشة ابنة صغيرة وابن رضيع
يكبران والحيوانات من حولهم في محمية الكويت في منطقة الوفرة الصحراوية.

اليوم
أصبحت مباني مستشفى الرجال ومستشفى النساء التابعين للبعثة الأمريكية بعد إعادة
تأهيلها تابعة لدائرة الآثار الإسلامية، يقدم فيهما معرض تفاعلي مثير للإعجاب عن
تاريخ ومساهمات البعثة الأمريكية في الكويت.

والكتاب
في النهاية يعرض لأزمة الدول الصغيرة المزدهرة التي تعيش بين جارات أقوياء، وتشعر
بالتهديد المستمر فلا تجد سوى أن تتحالف مع قوى من خارج مجالها الجغرافي
والتاريخي، ويحاول كاتبه تجذير هذه العلاقة في التاريخ والثقافة والسياسة. ولعله
نجح في ذلك.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى