تقارير وملفات إضافية

سيكون عاماً صعباً.. إلى أي مدى ستلحق أزمة النفط السعودي الضرر بجيران المملكة؟

قررت المملكة العربية السعودية زيادة إنتاجها من النفط الخام وبيعه بأسعار مُخفّضة للغاية في وقت تراجع فيه الطلب على النفط، مما أحدث صدمة كبيرة في أسواق النفط وأسواق الأوراق المالية. يأتي قرار زيادة الإنتاج في وقت يعاني فيه النشاط التجاري والسياحي على مستوى العالم جراء تفشي فيروس كورونا المستجد (covid-19)، وقد أدَّى ذلك إلى خلق صدمة متزامنة في العرض والطلب النفطي.

تقول صحيفة The Washington Post الأمريكية يُرجح أن ينجم عن هذا القرار تأثيرات اقتصادية حادة على جانبي الخليج العربي، وباكستان، وعدة دول في منطقة الشرق الأوسط والقرن الإفريقي، التي تعوّل على الدعم المالي المُقدّم لها من دول الخليج العربي. سيضطر منتجو النفط الآخرون في الشرق الأوسط إلى بيع نفطهم الخام بالسعر السعودي، مما يوجّه ضربة قوية للخطط المالية.. إليكَ مدى تأثير هذا القرار في جميع أنحاء المنطقة.

لن يستطيع عدد كبير من منتجي النفط تحمُّل الضرر إلى حين إما موافقة روسيا على خفض الإنتاج -وهو أمر غير مرجح في الوقت الراهن- أو تفاقم أزمة سياسية تُهدّد إمكانية نقل النفط عبر مضيق هرمز أو باب المندب، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط. لا يعد أي منهما حلاً طويل الأجل للعودة إلى النمو الثابت، وإن كان منخفضاً.

يعتبر توقيت القرار السعودي سيئاً للغاية بالنسبة للعراق في ظل عدم وجود حكومة جديدة. أما بالنسبة لإيران، يبدو أنَّه لا توجد نهاية لقائمة المشاكل التي تواجهها. تحد العقوبات بالفعل من قدرة إيران على إنتاج النفط وتصديره، فضلاً عن توقف ممارسات الحكم الأساسية بسبب اضطرابات داخلية مرتبطة بتفشي فيروس كورونا في البلاد. 

بالنظر إلى توقعات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA) بأن تبقى أسعار النفط في شهر فبراير/شباط في نطاق 60 دولاراً أمريكياً للبرميل الواحد، يعتبر عام 2020 بالفعل عاماً صعباً في جميع أنحاء الخليج. تراوحت أسعار النفط، التي تحقق نقطة التعادل المالي، بين 40 دولاراً للبرميل إلى أكثر من 100 دولار للبرميل حسب كل بلد. وقد واجه العديد من مصدري النفط توقعات نمو منخفضة بمعدل حوالي 1% من الناتج المحلي الإجمالي، بحيث تتأرجح على حافة مستويات الركود. وتتوقع ميزانية الحكومة السعودية نفسها عجزاً مالياً بنسبة 6.5% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2020، وتتّجه لتمويل هذا العجز عبر الاحتياطيات أو القروض أو إصدار السندات.

وكالة “ستاندرد آند بورز” العالمية للتصنيف الائتماني قدّرت أنَّ دول مجلس التعاون الخليجي ستحتاج إلى تمويل خارجي بنحو ما يصل إلى 300 مليار دولار لتلبية احتياجات الإنفاق من عام 2018 إلى عام 2022. قد تصبح تلك التقديرات ضئيلة مقارنة بالاحتياجات التمويلية الجديدة في حال استمرت حرب الأسعار على مدار العام. 

كان الوصول إلى أسواق رأس المال المدين جيداً بالنسبة للدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي -السعودية والكويت ودولة الإمارات العربية المتحدة وقطر والبحرين وسلطنة عمان- حتى بالنسبة للدول ذات التصنيفات الائتمانية الأقل من ممتاز مثل سلطنة عمان والبحرين. لا تتعلّق المسألة بالقدرة على الاقتراض، لكن بالقدرة على السداد، بالنظر إلى وجود بنود احتياجات مستحقة أخرى في الميزانيات الحكومية.

تتمثّل المعادلة البسيطة في أنَّ السعودية وجميع جيرانها الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي يميلون إلى الإنفاق السخي بدرجة تفوق ما يكسبونه في عائدات النفط والغاز. تتباين أسعار النقط، التي تحقق نقطة التعادل المالي، في دول مجلس التعاون الخليجي، إذ يُتوقع أن تقع نقطة التعادل المالي للبحرين عند 96 دولاراً للبرميل في حين يُتوقع أن نقطة التعادل لقطر تتجاوز قليلاً 60 دولاراً للبرميل. 

لكن مع تداول سعر النفط حالياً في نطاق 30 دولاراً للبرميل فقط ويُتوقع أن يشهد هذا السعر مزيداً من الانخفاض، لن تملك أي حكومة تابعة لمجلس التعاون الخليجي وسيلة لتخفيف آثار التداعيات السلبية الناجمة صدمة انهيار الأسعار. إذن، ما هي الخيارات؟ البحث عن تمويل خارجي أو سحب الاحتياطيات أو تخفيض جذري في حجم الإنفاق.

حاولت دول مجلس التعاون الخليجي، على مدار السنوات الأربع الماضية، التقليل من اعتماد اقتصادها على الطاقة، من بينها فرض ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5% في البحرين والسعودية والإمارات، إلى جانب الجهود المبذولة للحد من دعم الطاقة والمياه. ومع ذلك، يشير بحث إلى أنَّ تلك الحكومات لا تملك الآن سوى القليل من الأدوات لخفض الإنفاق وإيجاد مصادر بديلة للإيرادات. قد تؤدي التدابير التي جُرّبت بالفعل –وشملت فرض مزيد من الضرائب والرسوم ومواصلة تخفيض الإنفاق على الاستحقاقات الاجتماعية ورواتب القطاع العام- إلى اضطرابات اجتماعية، وبالتأكيد زيادة قمع الدولة وإضعاف آفاق نمو القطاع الخاص.

اعتمدت دول مجلس التعاون الخليجي الأضعف على الدعم المُقدّم من جيرانها الأكثر ثراءً في السنوات القليلة الماضية. قد تكون قدرة السعودية حالياً على مساعدة البحرين أقل من ذي قبل، كما هو الحال في عامي 2011 و 2019. تعيش عُمان في خضم عملية انتقال الحكم، مع دوامة تسديد الديون المتصاعدة والاعتماد على الصين باعتبارها وجهتها الرئيسية لتصدير النفط. وقد شهدت أسواق الأسهم داخل دول مجلس التعاون الخليجي اضطراباً قضى على المكاسب الاستثمارية التي حقّقها مواطنو الخليج، بمن فيهم أولئك الذين استثمروا في الطرح العام الأولي لشركة “أرامكو” السعودية في أواخر عام 2019.

بالنسبة لنمو القطاع الخاص الناشئ، فإنَّ القدرة المستمرة لكيانات النفط والغاز الوطنية المملوكة للدولة على اتّخاذ قرار إحداث تقلبات عنيفة في الاقتصاد المحلي لا تزال تُشكّل تهديداً بالنظر إلى طبيعة الدورة الاقتصادية لدول مجلس التعاون الخليجي –إذ يزداد الإنفاق الحكومي عندما ترتفع أسعار النفط ويتقلّص بشكلٍ عام عندما تنخفض أسعار النفط. ماذا يعني هذا في عام 2020؟ توقّع إلغاء تعاقدات حكومية أبرمتها دول مجلس التعاون الخليجي والاستغناء عن العديد من العاملين الأجانب، فضلاً عن تأخر المدفوعات الحكومية.

خارج منطقة الخليج، ستواجه الحكومات التي تعتمد على الدعم المالي المباشر والمساعدات الخارجية المُقدّمة من دول مجلس التعاون الخليجي عاماً صعباً. قد تشهد مناطق الصراع، التي تحتاج إلى دعم مالي من أجل جهود إعادة الإعمار -لاسيما اليمن وسوريا- بروز تهديدات جديدة لمصادر الدعم، التي تتعرّض بالفعل لضغوط سياسية، حيث قوبلت في وقتٍ مبكر جهود إعادة الإعمار الإماراتية في سوريا باستنكار أمريكي.

كذلك، يعتبر توقيت انهيار أسعار النفط سيئاً للغاية بالنسبة للبنان، الذي لم تلتزم السعودية بتقديم دعم مالي له. سوف يثبط الانكماش الاقتصادي الإقليمي أي آمال معقودة على انتعاش قوي للسياحة مجدداً، وزيادة فرص الاستثمار الخاص وخطة إنقاذ القطاع المصرفي. بالنسبة لباكستان، التي تعتمد حالياً على الاستثمار السعودي والإماراتي بصورة رئيسية في قطاع الطاقة الخاص بها (إلى جانب الصين)، لا يوجد الكثير من البدائل المتاحة إذا تعرضت تلك الاستثمارات للتأجيل أو الإلغاء تماماً. في الوقت نفسه، قد يؤدي التراجع السريع للاستثمارات السياسية والاقتصادية لدول مجلس التعاون الخليجي في منطقة القرن الإفريقي إلى تداعيات مدمرة للغاية.

شهدت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا دائماً فترات دورية من الازدهار والتراجع في إيرادات النفط. وعلى الرغم من هذا التقلّب والصراعات الإقليمية المختلفة منذ عام 2011، ظهرت علامات انتعاش اقتصادي –على سبيل المثال، توقّع البنك الدولي نمواً إقليمياً إيجابياً للمنطقة عام 2020.

قد يثبت هذا التفاؤل الحذر أنَّه سابق لأوانه. تُمثّل صدمة زيادة إمدادات النفط السعودية في الوقت الحالي مقامرة بهذا النمو، الذي تحقّق بشق الأنفس، ويواجه بالفعل تهديداً بسبب تفشي وباء عالمي لا أحد يعرف كثيراً بشأن كيفية السيطرة عليه.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى