منوعات

ما مدى خطورة فيروس كورونا؟ دعنا نلقِ نظرة على الأرقام

لقد حوّل تفشي فيروس كورونا كثيرين منا إلى علماء أوبئة هواة. للتأكد من ذلك، ما عليك سوى الاستماع إلى ميك مولفاني، المطور العقاري السابق وعضو الكونغرس الجمهوري عن ولاية كارولينا الجنوبية والذي يعمل الآن رئيساً لموظفي البيت الأبيض، عندما قال الأسبوع الماضي: “الإنفلونزا تقتل الناس. أما هذا الفيروس فليس إيبولا. إنه ليس فيروس سارس، ولا فيروس ميرس. إنه ليس حُكماً حتمياً بالموت، وهذه الأزمة ليست مثل أزمة إيبولا”.

وكل هذه البيانات صحيحة. فيروس الإنفلونزا يقتل الناس بالفعل: يقدر عددهم بــ61099 في الولايات المتحدة وحدها في أسوأ موسم للإنفلونزا مؤخراً، موسم 2017-2018. على الجانب الآخر، فإن الأشخاص المصابين بفيروس “كوفيد 19″، الاسم المختصر الذي أطلقته منظمة الصحة العالمية على فيروس “كورونا المستجد” 2019، هم أولاً أقل عرضة للوفاة من هؤلاء المصابين بفيروس إيبولا، ومتلازمة الالتهاب التنفسي الحاد (فيروس سارس) في عام 2003، وفيروس كورونا المرتبط بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (فيروس ميرس) الذي أُبلغ عنه للمرة الأولى في عام 2012، ولا، هذه ليست كأزمة فيروس إيبولا.

وهي ليست كأزمة إيبولا 2004 جزئياً، لأنها -على ما يبدو- موضع اهتمام أكبر بكثير للولايات المتحدة وبلدان أخرى خارج غرب إفريقيا. وكما قال المؤسس المشارك لشركة “ماكروسوفت”، بيل غيتس، وهو أيضاً خبير هاوٍ في علم الأوبئة من الناحية الفنية ولكنه بهذه المرحلة يعد هاوياً ذا اطلاعٍ جيد على المعلومات الخاصة بالموضوع، في تصريحاته التي نشرتها يوم الجمعة دورية The New England Journal of Medicine الطبية: “لقد بدأ فيروس (كوفيد 19) يتحول في سلوكه ليشبه أكثر فأكثر، المرض الذي يأتي مرة واحدة في القرن ودائماً ما كنا نخشى ذلك”.

إذا كانت الآراء كذلك، فكيف نوفق بين وجهات النظر المختلفة بشأن فيروس “كوفيد 19″؟ حسناً، أنا أيضاً خبير هاوٍ في علم الأوبئة، لكني أجد أن الرسوم البيانية والمعادلات (السهلة جداً) تساعدني في تبيُّن الأشياء واستيعابها. وبافتراض أن هناك آخرين مثلي قد يجدون هذا مفيداً أيضاً، دعنا نبدأ بمتوسط حالات الوفيات من جراء الأمراض التي ذكرها مولفاني، وبعض الأمراض الأخرى التي ربما تكونون قد سمعتم عنها.

ما مدى خطورة هذا المرض؟ وما نسبة الوفيات الناجمة عنه؟

إيبولا: 50%

ميرس: 34.3%

الجدري: 30.0%

سارس: 9.6%

“كوفيد 19” (حتى الآن): 3.4%

“كوفيد 19” (المتوقع): 1%

الحصبة: 0.2%

الإنفلونزا الموسمية: 0.1%

يمكن أن تتغير معدلات الوفيات تلك تغيراً كبيراً بالاعتماد على الزمان والمكان وإمكانية الوصول إلى علاج. ومن الواضح أن معدل وفيات “كوفيد 19” ما يزال رقماً متغيراً؛ ومن ثم أدرجت كلاً من معدل الوفيات في جميع أنحاء العالم والذي بلغ نسبة 3.4% التي صرّحت بها منظمة الصحة العالمية هذا الأسبوع، والتقديرات البالغة 1%، وفقاً لدراسةٍ نشرها مركز تحليل الأمراض المعدية العالمية (MRC) التابع لجامعة إمبريال كوليدج بلندن في 10 فبراير/شباط الماضي، واعتمد فيها حسابَ الحالات غير المبلَّغ عنها. وقال الباحثون بتلك الدراسة أيضاً إنه، وفقاً للمعلومات المتاحة في ذلك الوقت، فإنهم على ثقة، بنسبة تصل إلى 95%، بأن معدل الوفيات الصحيح يتراوح بين 0.5 % و4%. واستخدم غيتس تقدير 1% في مقالته، وعندما عُرضت تلك الإحصاءات على كارولين بوكي، وهي عالمة أوبئة حقيقية وأستاذة في كلية هارفارد تي إتش تشان للصحة العامة، وصفتها بأنها “معقولة”.

ومن ثم فإنه، بالمقارنة في سياقٍ يشمل فيروسي إيبولا وميرس، فإن معدلات الوفيات التي يتسبب بها “كوفيد 19” تبدو أقرب بكثير إلى تلك الخاصة بفيروس الإنفلونزا، ومن المفهوم لماذا يجد الناس المقارنة مطمئنة. ومع ذلك، إذا قارنت “كوفيد 19” بفيروس الإنفلونزا وحده دون بقية الفيروسات، فسيتضح لك مدى الاختلاف بينهما.

هل هو أخطر بكثير من الإنفلونزا؟

معدل الوفيات

“كوفيد 19” (في أعلى التقديرات): 4%

“كوفيد 19” (حتى الآن): 3.4%

“كوفيد 19” (المتوقع): 1%

“كوفيد 19” (في أدنى التقديرات): 0.5%

الإنفلونزا الموسمية: 0.1%

بلغ عدد الوفيات المرتبطة بالإنفلونزا في الولايات المتحدة 61099 حالة وفاة خلال موسم الإنفلونزا الحاد في 2017-2018، بنسبةٍ بلغت 0.14% من مجموع 44.8 مليون حالة مرَضية أظهرت أعراضاً شبيهة بالإنفلونزا. وكان هناك أيضاً ما يقدر بـ808.129 حالة دخول إلى المستشفيات بمعدل 1.8%. إذا افترضنا أن ذروة فيروس “كوفيد 19” بلغت الحجم في الولايات المتحدة، وضربنا تقديرات الوفيات ودخول المستشفى في خمسة أو 10، فسنحصل على بعض الأرقام المخيفة حقاً: من 300.000 إلى 600.000 حالة وفاة، ومن 4 ملايين إلى 8 ملايين حالة دخول للمستشفيات في بلد ليس به إلا عدد 924.107 أَسرّة في مستشفياته. اضرب تلك الأرقام في 40، ليتبين لك حجم الكارثة. علاوة على ذلك، فإن معدلات الوفيات سترتفع مع اكتظاظ نظام المستشفيات بالحالات المصابة، كما حدث في مقاطعة هوبي الصينية، التي بدأ انتشار فيروس “كوفيد 19” منها، ويبدو أنه يحدث في إيران الآن أيضاً. وهذا أحد الأسباب التي تشير إلى أهمية العمل على إبطاء معدل تفشي المرض، حتى وإن اتضح أنه لا يمكن إيقافه.

هل يمكن أن ينتشر “كوفيد 19” حقاً على نطاق واسع مثل الإنفلونزا؟ إذا سُمح بذلك، فبالتأكيد نعم. المقياس المعياري للعدوى هو ما يسمى “عدد/معدل التكاثر الأساسي” أو الدلالة آر (R0)، ويمكن اعتباره لعدوى ما على أنه عدد الحالات التي يمكن توقع أن تصيبها حالة واحدة خلال فترة العدوى، بين أفراد مجموعة لم تكن مصابة. وإذا انخفض الرقم إلى أقل من واحد، فإن المرض سيزول، أما إذا كان أعلى بكثير من واحد، فإن المرض يمكن أن ينتشر بسرعة كبيرة.

وفيما يلي، “عدد التكاثر الأساسي” لقائمة الأمراض المذكورة أعلاه ذاتها. وهي تقديرات تقريبية، وتمثل في معظم الحالات نقطةَ المتوسط لنطاقات كبيرة جداً. لكنها، ومع ذلك، تعطي دلالة كبيرة عن المعدلات النسبية لحجم انتشار العدوى بتلك الأمراض.

إلى أي حدٍّ يعد هذا المرض مُعدياً؟

“عدد التكاثر الأساسي”

الحصبة: 15

الجدري: 4.8

سارس: 3.0

“كوفيد 19”: 2.8

إيبولا: 1.9

الإنفلونزا الموسمية: 1.3

ميرس: 0.8

تساعد تلك البيانات في تفسير سبب رغبة سلطات الصحة العامة في تطعيم الجميع ضد مرض الحصبة. إذ على الرغم من أنه ليس بذلك المرض المميت، فإنه بمجرد أن يصاب به مجموعة من السكان غير المحصنين، تنتقل الإصابة إلى الجميع (بالنظر إلى “عدد التكاثر الأساسي” الكبير الخاص بالحصبة: 15).

وعلى ما يبدو، تشير الأرقام أيضاً إلى أن “كوفيد 19” مرض مُعد أكثر بكثير من الإنفلونزا الموسمية. ومع ذلك، فإن الأمر لا يتعلق بمتوسط عدد التكاثر الأساسي فحسب، وإلا فلمَ كل ذلك القلق بشأن متلازمة الشرق الأوسط التنفسية (فيروس ميرس)، على سبيل المثال، والذي بالنظر إلى أن عدد التكاثر الأساسي الخاص به أقل من واحد، فإنه أجدر بألا ينتشر على الإطلاق؟ حسناً، ذلك لأن نسبة الوفيات الناجمة عنه عالية للغاية، كما يمكن أن يرتفع عدد التكاثر الأساسي الخاص به فوق الواحد في بيئات معينة، ومن ضمنها المستشفيات، أو ينتقل إليك من الجِمال، في البيئات التي تتعامل معها.

ثم هناك سارس، وهو أكثر فتكاً من “كوفيد 19” ولديه عدد تكاثر أساسي مماثل له في الوقت نفسه. لماذا إذن تم القضاء عليه بغضون عام تقريباً، في حين يحذّر بعض الخبراء من أن “كوفيد 19” قد يظل موجوداً إلى الأبد؟ ذلك لأن سارس عادةً لا يصبح مُعدياً إلا بعد بضعة أيام من بداية ظهور الأعراض على المريض المصاب به. وهو ما يعني أنه، وفقاً لدراسة كتبها أربعة خبراء بريطانيين في الأمراض المعدية في عام 2004، “بإمكان الإجراءات المتخذة خلال تلك الفترة [بين بداية ظهور الأعراض وتحوُّله إلى مرض مُعدٍ]، من عزلٍ للمرضى أو الحجر الصحي للمصابين بالفيروس، الحدّ من انتقال العدوى بفاعلية”. ومن ثم اقترح الخبراء إضافة متغيرٍ آخر إلى النماذج المتعلقة بانتقال المرض: وهي نسبة الانتقال الحادثة قبل بداية ظهور الأعراض. فيما يتعلق بفيروس سارس، كانت النسبة أقل من 11%، وربما أقل بكثير. أما في الإنفلونزا، فإن النسبة تتراوح بين 30% إلى 50%، وهو ما يجعل السيطرة على انتشار المرض أصعب بكثير.

أما فيروس “كوفيد 19″، فتقول بوكي: “على ما يبدو فإنه بإمكانه أن ينتقل إلى حدٍّ ما، قبل ظهور الأعراض”. كم من الوقت يمكن أن يظل الفيروس حياً في الهواء؟ جادل المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، هذا الأسبوع، بأن حجم انتقال المرض قبل ظهور الأعراض يبدو منخفضاً بما يكفي، بحيث يمكن السيطرة على “كوفيد 19” بطرقٍ غير متاحة مع فيروس الإنفلونزا. وقال يوم الإثنين: “لو كان هذا وباءً مثل الإنفلونزا، لكنا توقعنا انتقال العدوى على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم الآن، ولن تكون أي جهود لإبطائه أو احتوائه ممكنة”.

ولفهم كيف يمكن أن يتم احتواء مرض بهذا الانتشار، سنكسر “عدد التكاثر الأساسي” إلى العوامل الرئيسة المكونة له. والصيغة البسيطة التي حصلت عليها هي:

احتمالية الإصابة بعد الاتصال بشخص حاملٍ للعدوي (ب)، مضروبة في

“معدل الاتصال” (ك)، مضروباً في

“فترة القابلية لنقل العدوى” (د)

في بعض الحالات، يمكن تقصير “فترة القابلية لنقل العدوى” بالعلاج. كما يؤدي عزل الأشخاص بمجرد معرفة أنهم مصابون إلى تقليص تلك الفترة بفاعلية كبيرة أيضاً. وفي الوقت نفسه، يعتمد المتغيران (ب) و(ك) بوضوح على السلوك. إذ تقل احتمالية الإصابة باتباع سلوكياتٍ مثل الغسل المتكرر لليدين، والتخلي عن المصافحة بالأيدي، وما إلى ذلك. كما يقل معدل الاتصال بالبقاء في المنزل، وذلك من خلال فرض حالة من الإغلاق العام على البلاد، وقد قلّصت السلطات الصينية معدل الاتصال لدرجة الانخفاض بعدد التكاثر الأساسي الخاص بفيروس “كوفيد 19” في البلاد إلى أقل من واحد. وقد تحملوا من أجل ذلك تكاليف اقتصادية واجتماعية ضخمة. الآن، وفي الوقت الذي تبدأ فيه الصين العودة إلى الحياة الطبيعية، فإن السؤال البارز هو: هل ثمة نهجٌ أقل عنفاً يمكن أن يُبقي المرض تحت السيطرة، أم أنه سيبدأ ببساطة في الانتشار مرة أخرى؟

هذا هو السؤال الأبرز الآن بالولايات المتحدة وأوروبا، وفي كل مكان آخر على وجه الأرض أيضاً. وهو سؤال لا يمكن أن يجيب عنه علماء الأوبئة الخبراء إجابة كاملة أيضاً. فحسابُ ما إذا كانت تكاليف تدخُّلٍ معين تستحق الفوائد المرجوة منه قرار سياسي بالأساس. لذا من الجيد حقاً أن السياسيين يتخذون من هواية تحصيل المعلومات عن الأمراض الوبائية وظيفةً ثانية لهم الآن، وإن احتاج بعضهم فقط إلى الدراسة بجدية أكثر من ذلك.

– هذا الموضوع مترجم من موقع وكالة Bloomberg الأمريكية.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى