منوعات

ثلاثة أفلام هوليوودية تستطيع أن تفهم قصصها من حبكة المشهد الأول

الحياة مليئة بوجهات النظر المختلفة،
كل وجهة نظر تحمل رؤية أوسع وأكثر دقة. وكلما كانت وجهة النظر من رؤية شخص أو شيء
بعيد عن تخلينا؛ كانت الأكثر تفتيحاً لأفقنا؛ وبالتأكيد ستكون رؤية وجهة نظر رصاصة
كذلك.

فنرى الرصاصة في مصنع الأسلحة، وهي لا تزال قطعة معدن غير واضحة الملامح، تدخل في طور الإنتاج ونرى مراحل صناعتها، وتشكيل شكلها المميز المخيف، والتأكد من جودتها من عمال المصنع، حتى تحمل في صندوق مع مئات الرصاصات الأخرى، متنقلة بين البلدان، وأيدي المقاتلين، حتى يتم تعبئتها في رشاش آلي وسط معركة حامية، ونرى من وجهة نظرها أين يتجه السلاح باحثاً عن هدفها، لتنهي الرصاصة رحلتها في رأس طفل إفريقي صغير، بتلك الإفتتاحية بدأ المخرج أندرو نيكول (1) فيلمه «ملك الحرب» (2)، لتكون افتتاحية مميزة معبرة عن موضوع فيلمه. (3)

فانطباع
البدايات يدوم طويلاً، لذلك يحرص الكثير من صانعي الأفلام على جعل المشاهد الأولى
من أفلامهم مشوقة وجذابة للمشاهدين، من ناحية يعطي انطباعاً جيداً عن الفيلم
لديهم، ومن ناحية أخرى يقدم فيها القصة التي سيرويها عليهم وفي أي خط ستسير وإلى
أي نوع تنتمي هل هي درامية أم كوميدية أم فانتازيا، والشخصيات الأساسية التي تدور
عنهم القصة، وربما يقدم أيضاً الفلسفة التي يريد أن يوصلها.

وفي هذا
المقال نتناول افتتاحية لثلاثة أفلام، وكيف انعكست على أحداثها، فربما يكون هناك
حرية لحرق الأحداث بهم.

 تسطو
عصابة كاملة على بنك مدينة جوثام لتسرقه، تسير الأمور للعصابة كما خطط لها، من
دخول البنك، وتهديد أفراده وتعطيل أجهزة الإنذار، لكن يسود بين أفراد العصابة نوع
من الغدر والخيانة، فكل شخص مكلف بعد إتمام الآخر مهمته بأن يقتله، فنرى أفراد
العصابة يتساقطون برصاص بعضهم البعض، واحداً تلو الآخر، فوضى لا تعرف من المستفيد
منها، ولكن في الحقيقة نجد أن كل ذلك من تدبير شخصية الجوكر، الذي ينتهي من قتل
آخر أفراد العصابة، ويأخذ المال ويهرب به.

افتتاحية
الفيلم هنا لا تعرض فقط افتتاحية مثيرة مشوقة للمشاهدين، بل أيضاً ترينا فلسفة
شخصية الجوكر، وكيف ينجح في الوصول لأهدافه وسط الفوضى التي يصنعها، وهذا المشهد
يظهر طبيعة الجوكر الفوضوية الأناركية، التي تعتمد على الفوضى لتحقيق أهدافها
الفلسفية.

فكما نرى في
أكبر انعكاس لهذه الشخصية في الفيلم، يضع الجوكر خياراً صعباً أمام مجموعتين من
الناس، المجموعة الأولى في مركب الأول من المدنيين، والمركب الثاني بجانبهم من
المجرمين الذين تنقلهم الشرطة، وفي كل مركب لديه ريموت بالضغط عليه، يمكنه تدمير
المركب الآخر، ويخبر الجوكر المركبين بالاختيار، بين أن تُفجر المركب الآخر أو
تنتظر حتى يفجروك هم، وهنا تندلع الفوضى داخل كل مركب، بضرورة الضغط على الزر قبل
أن يضغطه الآخرون، والبعض يقول إنهم لن يقتلوا آخرين، حتى لو كانوا يفكرون في
قتلهم، وبين الصراع الصامت بين المركب والآخر، والصراع المتعالي في داخل كل مركب
على حدة، تكمن الفوضى، وهنا يتوقف الجوكر عن فعل أي شيء فقط ينتظر نتيجة الفوضى
التي أضرمها، فعلى هذه الفوضى تنمو شخصية الجوكر وتتغذى، ويراها وسيلة لتحقيق
العدالة الغائبة.

يبدأ الفيلم
بمنظر هادئ وساحر لنخيل وأشجار وطبيعة خلابة، تملأ الكادر أمامنا، منظر يوحي
بالهدوء والسلام، حتى تحوّله الطائرات الأمريكية بانفجارات هائلة ومفزعة، ونرى
النيران تأكل هذه القطعة الهادئة من الأرض، وتحول الخضار الجميل إلى نيران صفراء
ودخان قاتم، يغطي شمس الصباح وتبدلها بليل مخيف، فيها يمثل الفيلم باختصار التدخل
الأمريكي في حرب فيتنام، تلك البلد ذات الطبيعية الخلابة التي تأكلها نيران
الطائرات الأمريكية.

وفي نفس
اللقطة للأشجار المشتعلة، يمتزج تلك اللقطة dissolve،
بلقطة لوجه بطل الفيلم كابتن بنجمين، فنراه على يسار الكادر، ويظهر يمين الكادر
وجه تمثال ضخم، يواجهه في الصورة على الناحية الأخرى، كأن ينتظره مواجهة مع خصم
مجهول.

ففي هذه
الافتتاحية، يرسم المخرج فرانسيس فورد كوبولا ببراعة المواجهة المرتقبة، أرض
المعركة من الأشجار المشتعلة، والخصمان الكابتن بنجمين والتمثال، الذي يمثل
الكولونيل والتر، رجل عنيف يبشر بالرعب دينا للبشر، في جحيم الحرب المستعرة.

فتأتي
القوات الأمريكية لبنجمين بتكليف لقتل ذلك الرجل، الذي تحولت سلطته لأشبه بنبي،
نبي يبشر بالعنف والخوف دينا، ويقتل الناس بحرية تامة دون عواقب، فيقبل بنجمين تلك
المهمة، لينطلق في قلب جحيم الحرب، ويرى مدى ما يصل إليه الإنسان من عنف وتوحّش
وانحطاط.

وفي النهاية
عندما يصل بنجمين للكولونيل، ويرى كيف الناس يخضعون له تماماً، ويعتبرونه أقرب
لنبي، فيقتله بنجمين بساطور ضخم ويمزقه بوحشية، فيهمس النبي المزعوم بكلماته
الأخيرة «الرعب، الرعب».

فقد انتصر
فلسفة ذلك النبي، بأن جعل العنف هو أساس اللعبة، ويخرج بنجمين بساطوره والدماء على
جسده، وينحني كل الموجودين له، فقد أصبح مبشر العنف الجديد، فتظهر لقطة مشابهة
بلقطة مشهد الافتتاحية، ونحن نرى وجه التمثال والبطل مضادين، لكن هذه المرة، يختفى
بنجمين في ذلك التمثال الذي كان يواجهه، يمثل هذا التباين بين الافتتاحية والنهاية
مدى تحول البطل، التي ظلت كلمات الكولونيل تتردد في اذنه:

«الرعب،
الرعب»

بعد غياب
سنتين، يعود الزوجان ديفيد وإيدن إلى المدينة، ويدعون أصدقاءهما القدامى، وعندما
يصل أصدقاؤهم، تشغلهم الأسئلة الفضولية عن سبب اختفائهم، وأين كانوا خلال تلك
الفترة الماضية، لكن يُظهر الزوجان نوعاً من الغموض والغرابة، يلاحظها الجميع بشكل
واضح، فهذا العشاء الغريب المفاجئ، واختفاء صديق منهم قال إنه حضر هنا قبلهم،
وأيضاً ذلك المقطع المصور الذي عرضوه لهم، لسيدة في الثلاثينيات مريضة بالسرطان
تحتضر بإرادتها وسط أحبائها، كل ذلك يدعو للريبة والتوجس، خاصة لبطل الفيلم ويل،
الذي كان متزوجاً بـ إيدن، وانفصلوا بعدما ماتت ابنتهم الصغيرة.

ورويدا
رويداً، يتضح مقصد الزوجين من ذلك العشاء، فهم في الفترة التي غابوا بها، انضموا
لطائفة دينية، تؤمن بالموت علاج لجميع الآلام النفسية، ولأن جميعهم يعانون من آلام
نفسية وذكريات قاسية، ما زالت تؤلمهم حتى الآن، وويل أكثرهم بموت ابنته، فقرروا أن
تكون دعوة العشاء، انتحار جماعي لهم، كي يتخلصوا من آلامهم، تبدو فلسفة عنيفة بها
الكثير من الجنون، لكن افتتاحية الفيلم ترينا تلك الفلسفة بشكل مختلف.

فنرى في
مشهد الافتتاحية، نرى ويل مع زوجته في طريقهم للزيارة، وتشغلهم سر دعوة أصدقائهم
وأين كانوا في الفترة الماضية، حتى يصدموا بسيارتهم ذئباً برياً، ينزل ويل من
السيارة، ليجد الذئب في حالة سيئة للغاية، من الصعب أن ينجو بتلك الجراح الخطيرة،
فينظر لزوجته، ويقرر أن ينهي معاناة ذلك الذئب بقتله، فيمسك بقطعة حديد من
السيارة، ويجر الذئب من تحت السيارة وهو يئن، ويضربه على رأسه بقوة.

لو تأملنا
تلك الفلسفة التي اتبعها ويل، هي نفسها ذات الفلسفة التي طبقها عليهم الآخرون
ورفضها، يكمن الفرق أنه أنها معاناة الذئب الجسدية، بينما الآخرون أرادوا أن ينهوا
معاناته من الألم النفسي، وفي هذا التضاد بين تصرف الافتتاحية، والنهاية، يجعلنا
نتأمل حقاً التشابه بينهما.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى