تقارير وملفات إضافية

هل يؤدي حماس العلماء لعلاج كورونا إلى توريط العالم بكارثة؟ علاج الملاريا نموذجاً

قد تؤدي رغبة البشر المحمومة في إيجاد أو لقاح علاج لمرض كورونا إلى وقوع كارثة أخرى.

والمشكلة أن العلماء قد يتخلون عن نهجهم العلمي الرصين مدفوعين بحماسة الإعلام والسياسة، والأهم ضغط الأزمة وتزايد الضحايا من أجل إيجاد علاج لمرض كورونا أو لقاح دون تعريضه لكل مراحل الاختبار المعتادة.

خذ هيدروكسي كلوروكين، كمثال.

إنه الدواء المضاد للملاريا الذي أذنت به معظم الوكالات التنظيمية في جميع أنحاء العالم سجل لعلاج مرضى Covid-19 في المستشفى. وخارج المستشفيات.

وجاء ذلك في خصم حماسة الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والبرازيلي يائير بولسونارو لهذا الدواء.

وأصبح الناس يخترقون قواعد التباعد الاجتماعي للحصول عليه، وكانت هناك حالات تسمم بسبب التداوي الذاتي غير المناسب، حسبما ورد في تقرير نشرته صحيفة THE Guardian  البريطانية.

إن الاعتماد على على هيدروكسي كلوروكين جاء نتيجة تجربة صغيرة أجريت في مستشفى في مرسيليا، على الرغم من أنها واعدة، إلا أنها لم تقدم بعد المعيار المطلوب لإثبات أن الدواء يعمل لعلاج Covid-19 – ناهيك عن معلومات حول متى يعمل، أو بأي جرعات. تجري تجارب أكبر لهذا العلاج وغيره من العلاجات

“هذا جنون!” قام أحد العلماء بالتغريد مؤخراً تعليقاً على دراسة مرسيليا التي بناء عليها اعتمد الدواء.

في هذه الدراسة، تم علاج مرضى Covid-19 بمزيج من هيدروكسي كلوروكوين ومضاد حيوي، أزيثروميسين. هيدروكسي كلوروكين هو شكل أقل سمية من الكلوروكين، وهو واحد من أكثر الأدوية الموصوفة على نطاق واسع في العالم.

يوصف أزيثروميسين عادة للالتهاب الرئوي البكتيري، وهو أحد المضاعفات المحتملة لمرض كورونا.

هناك تلميحات إلى أن الجمع بين هذه التركيبات قد يكون له تأثير سام للقلب في بعض المرضى، حسب الغارديان، لذلك يقوم الأطباء في مرسيليا بفحص جميع المرضى الذين يعانون من مخطط كهربية القلب قبل معالجتهم.

وقد نشرت الدراسة نتائج 80 مريضاً. وهم يشيرون إلى أنه نتيجة لتعاطي الدواء حدث انخفاض في الحمل الفيروسي، مما يعني أن المرضى أصبحوا معديين لفترة أقصر، كما أن هناك تحسناً في الأعراض، مقارنة مع مرضى كورونا في المستشفى في مكان آخر.

تم نشر تقاريرهم في البداية على موقع المستشفى باللغة الإنجليزية، قبل مراجعتها من قبل النظراء. إن الأعداد التي أجريت عليها التجربة صغيرة جداً، وفقاً لمعايير التجارب السريرية العادية.

وقد سلط البعض الضوء على التناقضات في تلك التقارير.

ويقول المنتقدون إن الأمر الأكثر فظاعة على الإطلاق هو أنه لا توجد مجموعة مراقبة ضابطة مناسبة (عينة من المرضى لا تأخذ الدواء لمقارنتها مع المجموع الخاضعة للتجربة).

 أي لم تتم المقارنة بين المجموعة التي تلقت الدواء وبين مجموعة من المرضى الذين يتطابقون في العمر والجنس مع الذين لا يتلقون العلاج والذين يخضعون للمراقبة في ظل نفس الظروف.

ويقول ديدييه راؤول، الطبيب الذي يقود الدراسة، إنه سيكون من غير الأخلاقي أن يكون هناك ناس يقاتلون من أجل حياتهم، ولا توجد خيارات دوائية أخرى فعالة حقاً.

ويدير راؤول مركز الامتياز الرائد في فرنسا في مجال الأمراض المعدية وهو من بين أكثر العلماء البارزين في مجاله.

إنه يعلم أنه عندما أعلن أن علاجه ناجح، فقد اتخذ قراراً أخلاقياً وليس مستنداً إلى الأدلة.

وقال لزملائه إن واجبهم الأول كان لمرضاهم، وليس للطريقة العلمية ويعتقد  ببساطة، أن الوقت سيثبت صحة كلامه.

وسارعت دول عديدة لاعتماد هذا الدواء، منها دول عربية كالمغرب والجزائر، رغم أن التركيبة الدوائية الخاصة بعلاج الملاريا، والتي تمزج بين عقاري الكلوروكين والهيدروكسيكلوروكين مازالت تثير كثيراً من الجدل في أوروبا.

وعلى الرغم من النتائج الواعدة التي أظهرها عقارا الكلوروكين والهيدروكسيكلوروكين في عديد من التجارب، خاصة في فرنسا، والصين، والولايات المتحدة الأمريكية، فإن وكالة الدواء الأوروبية تحذّر من استعماله، إلا في حالتين اثنتين هما: التجارب السريرية، والحالات الطارئة.

تجربة راؤول وغيره، تثبت أن العلماء قد يضطرون إلى اتخاذ قرار يتخلون به عن النهج العلمي التقليدي.

وفي ظل الأزمات تحديداً، لا يكون العلماء فقط تحت ضغط الرأي العام والسياسيين ووطأة الظروف، ولكن أحياناً قلة المعلومات وصعوبة ترجيح الخيارات في ظل عدم اكتمال الصورة.

ففي الأزمات المعقدة ذات الطابع العلمي، يضطر العلماء للتخلي عن رفاهية تقديم عدد من الخيارات المتعددة لصانع القرار.

مثلما أصبح الأطباء في بعض دول العالم حالياً يتخذون قراراً لحظياً حول من سيضعونه على أجهزة التنفس ومن سيتركونه ليموت.

وقد حدث هذا خلال جائحة الإنفلونزا الإسبانية التي وقعت عام 1918، ترك السياسيون البريطانيون بعض القرارات للعلماء.

وقد يكون القرار الذي يتخذه العلماء خاطئاً أو كارثياً مثلما حدث في جائحة الإنفلونزا الإسبانية، عام 1918.

فعندما اتخذ السير آرثر نيشولم، رئيس الأطباء في مجلس الحكومة في المملكة المتحدة ، قراراً أخلاقياً في أغسطس/آب 1918، اتضح أنه القرار الخاطئ.

كانت الموجة الأولى الخفيفة من هذا الوباء قد انحسرت، وكانت الحرب العالمية الأولى تدخل مراحلها النهائية.

قرر السير آرثر نيشولم أن يعلق خططاً لمحاربة موجة ثانية متوقعة على أساس أن المجهود الحربي له الأسبقية.

في غضون أسابيع قليلة، حسب رواية هونيغسبوم، عادت الإنفلونزا بانتقام، لتقتل نحو 50 مليون شخص، وفقاً لبعض التقديرات.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى